لا شك أن الدين أكثر شمولاً من القانون ، إذ يدخل في مضمونه القواعد التي تحدد علاقة الإنسان نحو خالقه ، أو نحو نفسه ، أو نحو غيره من الأشخاص .
بينما يقتصر القانون بصورة أساسية على قواعد المعاملات .
إلا أن هذا لا يعني أن قواعد القانون لا تمتد أحياناً لتشمل بعض شؤون العبادات ( علاقة الإنسان بخالقه ) , فالقانون يكفل ممارسة الشعائر الدينية ، و يمنع أي اعتداء
عليها .
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن علاقة القانون بالدين عبر التاريخ لم تكن واحدة ، فقد اختلفت و ما زالت تختلف من زمان إلى آخر و من مكان إلى آخر , فقواعد الدين في الشرق أكثر تأثيراً من قواعد الدين في الغرب و لاسيما في العصور الأخيرة .
و لا يخفى على أحد التأثيرات الواضحة لقواعد الدين حتى اليوم على النظام القانوني , و مثالها في سـوريا ما ورد في قانون البينات لعام 1947 حيث نصت المادة 112 منه على أنه :
" اليمين الحاسمة هي التي يوجهها أحد المتنازعين لخصمه ليحسم بها النزاع " .
إلا أنه مهما كان هذا التأثير و مهما بلغت أهميته يبقى هناك أكثر من وجه اختلاف بينهما :
1 ـ من ناحية الاهتمامات :
# يهتم الدين بالنوايا و المقاصد .
# أما القانون فيهتم أساساً بالسلوك الخارجي , فهو لا يعتد بالنوايا في ذاتها ، إلا إذا ظهرت إلى حيز الوجود في شكل سلوك يرتب آثاراً قانونية معينة .
2 ـ من ناحية الأهداف :
# تهدف قواعد الدين إلى الرقي بالإنسان و تربيته تربية مثالية نقية , لذلك فهي تأمر بالمحبة و التراحم و التعاطف و تقديم المساعدة عند الشدائد و عدم الكذب أياً كان نوعه أو نتيجته .
# أما القانون فيهدف إلى إقامة النظام في المجتمع و تحقيق العدل و المسـاواة , وفقاً لمعايير واقعية , فعلى سبيل المثال يحارب السلوك المعين إذا بلغ حداً من الخطورة يهدد النظام في المجتمع .
3 ـ من ناحية الجزاء :
# الجزاء علـى مخالفة القاعدة الدينية غالباً ما يكون جزاءاً دينياً مؤجلاً يوقع في الآخرة .
# أما الجزاء علـى مخالفة القاعدة القانونية فيكون جزاءاً مادياً توقعه الســلطة العامة .
على أنه قد يقوم المشرع بصياغة مجموعة من القواعد الدينية في قواعد قانونية تصبح هذه القواعد ملزمة بالجزاء , و لكن ليس باعتبارها قواعد دينية , بل باعتبارها قواعد قانونية .
و مثال ذلك تبني المشرع السوري لأحكام الدين الإسلامي بجزاءاتها الدينية في بعض مسائل الأحوال الشـخصية , من زواج و طلاق و عدة و نفقة و نسب و ميراث , و غيرها من المسائل المتعلقة بالأسرة . و في هذا الخصوص تتطابق القواعد القانونية مع الأحكام الدينية , و لا يختلف الجزاء في كليهما , إلا أنه لا يطبق باعتباره جزاء دينياً بل بوصفه جزاء لمخالفة نصوص القانون .