تعتبر جريمة الإجهاض من الجرائم المرتكبة ضد نظام الأسرة والتي حرمها الإسلام على اعتبار أن الجنين به روح وقتل النفس لا يكون إلا بالحق مصداق لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم) ( ).
لقد تعرض المشرع الجنائي المغربي لجريمة الإجهاض وأفرد لها نصوص خاصة المواد من 449 إلى 458 من القانون الجنائي، أما قبل صدور القانون الجنائي الحالي المطبق ابتداءا من 17 يونيه 1963 فلم تكن ثمة نصوص تجرم الإجهاض صراحة إلا أن نية المشرع على ما يبدو وكانت تسير في هذا الاتجاه وذلك بعد إصداره ظهير 10 يوليوز 1939 الذي يعاقب على الدعاية والتحريض على التقليل من الإنجاب والتناسل.
وقد كان السبب الوحيد الذي سمح معه القانون بالإجهاض هو الذي تضمنته المادة 453 و الذي قرر الإعفاء من العقاب إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى قام به طبيب أو جراح علانية وبعد إخطار السلطة الإدارية ثم صدر بتاريخ فاتح يوليوز 1967 مرسوم بتغيير المادتين 453 و 455 من ق ج وإلغاء ظهير 10 – 7 – 1939 وبموجبه أصبح نص المادة 453 كما يلي: “لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة الحفاظ على صحة الأم متى قام به طبيب أو جراح بإذن من الزوج ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم…” والحقيقة أن هذا التعديل يتسم بالمرونة التي تؤدي في الواقع إلى إباحة الإجهاض في أغلب حالات الحمل الغير المرغوب فيه لا سيما من طرف المرأة التي حملت كرها إما من جراء اغتصاب أو نتيجة علاقة جنسية مع أحد المحارم، وذلك لاتقاء العار والفضيحة وتحت القهر النفعي ونبذ الأسرة والمجتمع فتقدم إلى محاولة التخلص منه بأية طريقة كالشعوذة والدجل كما تتم الاحتماء بالأعشاب والوصفات التي يصنعها العجائز والدجالون وهناك من يلجا إلى أطباء عديمي الضمير الذين يتخذون من الإجهاض سببا للكسب الغير الشريف على حساب نساء حوامل لا يملكن حتى التفكير في عواقب ما يقدمن عليه.
والتقديرات بالنسبة لهذا النوع من الجرائم تجاوزت المائتي ألف جريمة سنويا في و م أ (الولايات المتحدة الأمريكية) والموقف أسوأ في فرنسا( ).
وبعد هذه اللمحة عن تطور الإجهاض في القانون المغربي يجدر بنا أن نحدد عناصر الجريمة.

ولقيام جريمة الإجهاض يستلزم توافر العناصر التالية:

أولا نشاط مادي يأتيه الجاني
ثانيا: انتفاء الخطر على الأم بغياب ضرورة المحافظة على صحتها.
ثالثا: القصد الجنائي

المطلب الأول: نشاط مادي

يتمثل هذا العنصر في كل فعل أو سلوك يأتيه الجاني على الحامل ستهدف من خلاله وضع حد لحياة الجنين، هذا ولم يفرق المشرع بين سلوك وآخر ووسيلة وأخرى، فالوسائل ليست بذات أهمية في نظر القانون كقاعدة، إذ يتوافر النشاط بكل فعل يؤدي إلى القضاء، على حياة الجنين حيث جاء في المادة 449: “من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 120 إلى 5000 درهم، وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة” بما يفيد أن النص يطبق حتى في الحالات تستعمل الإجهاض فيها وسائل وإن كانت تبدو مشروعة في ظاهرها فإنها تسهل مع ذلك عملية الإجهاض مثل الألبسة الضيقة جدا وممارسة رياضات لا تصلح للحوامل كالجري أو حمل الأثقال أو ركوب الخيل ولكن في هذه الحالة يتعين أن يثبت القصد الجنائي( ).
ولم يعدد المشرع في المادة 449 من ق ج كل صور النشاط المكونة للركن المادي في جريمة الإجهاض وإنما سرد بعض الأمثلة لهذا النشاط كإعطاء الحامل طعاما أو شرابا أو أي عقار من العقاقير أو ممارسة العنف ولذلك أردف قائلا “أو أية وسيلة أخرى” ومعنى هذا أن كل وسيلة استعملت بقصد إسقاط الجنين من رحم الأم قبل الوقت المحدد للوضع يكون الركن المادي لجريمة الإجهاض. كما أن المشرع لم يعتد في المادة السابقة بمدة الحمل أو عمر الجنين وبمعنى أن إتيان أي نشاط مادي يضر بالجنين بغرض إسقاطه يعاقب عليه مهما كان عمر هذا الجنين.
ثم إن رضى المـرأة الحامل دائمـا في إطار المادة 449 لا أثـر له على قيام الجريمة فيستوي أن توافق على إجهاضها أو ترفض وتجهض رغما عنها أو عن طريق الاحتيال عليها كإعطائها مواد أو عقاقير دون علمها، وفي حالة رضاها وموافقتها تطبق عليها العقوبة المخففة الواردة في المادة 454 من ق ج وهي: “… الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 120 إلى 500 درهم”
وهكذا فبمجرد إتيان الفعل المادي للإجهاض تقوم به الجريمة التامة إذا هي تحققت النتيجة أما إذا لم تتحقق فإننا سوف نكون بصدد محاولة مادامت هذه الأخيرة معاقبة بمقتضى نص وإن كان المشرع ركز على المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة كما يظهر في المادة 449 ق ج التي عاقب فيها كل من قام “بإجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك” وهذا يعني فحتى ولو كانت المرأة غير حامل بالفعل تقوم الجريمة مادام الجاني استعمل وسيلة الإجهاض وهو يعتقد خطأ أنها حامل ( ).
كما قتوم الجريمة إذا كانت استحالة حدوث النتيجة راجعة إلى الوسيلة المستعملة للإجهاض حيث عاقبت المادة 455 على المساعدة على الإجهاض “… حتى ولو كانت الأدوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء المقترحة كوسائل فعالة للإجهاض غير قادرة عمليا على تحقيقه” و الذي حمل المشرع على معاقبة الفاعل حتى ولو كان الإجهاض مستحيلا ابتداء، كما في حالة غياب الحمل أن تجريمه للإجهاض لغير ضرورة لم تكن الغاية منه حماية الجنين فقط ولكن أيضا من اجل حماية السلامة الجسدية للمرأة وصيانة حقها في الحياة.

المطلب الثاني : انتفاء ضرورة المحافظة على صحة الأم

بناء على المادة 453 من ق ج المعدلة بمرسوم 1 يوليوز 1967 فإن المشرع لا يعاقب على الإجهاض إذا تطلبته إما ضرورة الحفاظ على صحة الأم كأن كانت هذه الأخيرة مصابة باضطرابات هرمونية يصعب معه إيقاف النزف بعد الولادة أو كانت مصابة بسرطان في عنق الرحم إلى غير ذلك من الأسباب التي تستوجب الإجهاض محافظة على صحة الحامل وإما بالأحرى لضرورة إنقاذ حياتها التي يستدعي إسقاط الجنين فورا وإلا أدى الأمر إلى وفاتها ففي هاتين الحالتين يسمح بالإجهاض بالاعتماد على المادة 453. وإذا كان المشرع قد رخص الإجهاض ومنع المعاقبة عليه بسبب وجود خطر على الأم الحامل فإن ذلك مشروط بان يقوم بالعملية طبيب أو جراح وبكيفية علانية، أما إن قام بذلك غيرهما كالممرض أو القابلة فإنهما يعاقبان في هذه الحالة على جريمة الإجهاض حتى ولو اقتضت الظروف الصحية إجهاض المرأة الحبلى وذلك كله حرصا من المشرع على ضمان سلامة المرأة الحامل التي تقتضي حالتها إجهاضها، لأن عملية الإجهاض محفوفة بالمخاطر يقتضي إجراؤها أطباء متخصصين ( ).
أما إذا انتفت الخطورة على صحة الأم الحامل أو حياتها فلا يسمح للطبيب نفسه أو الجراح إجراء عملية الإجهاض تحت طائلة العقاب على هذه الجريمة.


المطلب الثالث: القصد الجنائي

الإجهاض جريمة عمدية قوامها القصد الجنائي أما إذا حصل نتيجة خطأ فلا عقاب عليه ويقوم القصد الجنائي في هذه الجريمة على عنصري العلم والإرادة.
-العلم مؤداه أن يدرك الجاني أن المرأة حامل فإن كان يجهل ذلك وأدى اعتداؤه عليها إلى الإجهاض فلا يسأل عن هذا الأخير وإن كان يسأل عن جريمة ضرب أو جرح أو إعطاء مادة ضارة ( ).
هذا ولم يتطلب المشرع العلم اليقيني بوجود الحمل وإنما اكتفى بالعلم الظني حيث جاء في المادة 449 ق ج “… من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك…”.
وهذا يعني أن الشخص إذا لم يكن واثقا ومتأكدا من الحمل وكان لديه مجرد احتمال مرجح فإن هذا القدر الراجح من العلم يكفي لتوافر عنصر العلم.
وقد انتقد بعض الفقه موقف المشرع هذا باعتباره ينطوي على تشدد وغلو لا محل له في الواقع إذ أنه يحمل الفاعل مسؤولية ظنونه والاحتمالات التي تدور في خلده ويتخذ منها سندا لمسؤولياته.
الإرادة: تعتبر الإرادة جوهر القصد الجنائي في جريمة الإجهاض وتعني اتجاه إرادة الجاني إلى إتيان النشاط الإجرامي وتحقيق النتيجة أي الفتك بالجنين والقضاء عليه فالإرادة هنا تمتد لتشمل النشاط والنتيجة معا أما إذا لم تنصرف إرادة الشخص إلى تحقيق هذه النتيجة فلا يسأل عن جريمة الإجهاض ولو تحققت النتيجة فعلا.
كما أن الباعث لا تأثير له على الجريمة لأنه ليس عنصرا من عناصرها فسواء كان الجاني مدفوعا إلى جريمته بروح الانتقام أو التشفي أو كان مدفوعا إليها بغرض مساعدتها والإشفاق عليها كما لا يهم أن يقع فعل الإجهاض على حمل مشروع أو غير مشروع فالقانون يحمي النوعين معا من الحمل.
وهكذا فإن اقصد الجنائي في جريمة الإجهاض لا يتوافر إلا بثبوت عنصري العلم والإرادة إذ بذلك تستكمل الجريمة عناصرها ويعاقب فاعلها بأشد العقوبات إذا اقترنت بظرفين اثنين أساسيين كما يدخل الشديد في نطاق أعمال المساعدة والتحريض على الإجهاض.
أ-موت المجني عليها
إذا ترتب عن الإجهاض موت المرأة الحامل فإن العقوبة بمقتضى الفقرة 2 من المادة 449 ق ج هي “السجن من عشر إلى عشرين سنة” وسواء تم الإجهاض بموافقة المرأة الحامل أو بدون موافقتها فالعقوبة المشددة السالفة الذكر تطبق في كلا الحالتين.
كما أن المادة 451 جازت للمحكمة الحكم على الفاعل بالحرمان من أحد أو اكثر من الحقوق المشار إليها في افصل 40 من ق ج كما يشمل ظرف التشديد المحرضين بنص المادة 455 من ق ج والمساعدين حسب المادة 451 من القانون الجنائي.
ب-اعتياد الجاني على الإجهاض
الاعتيـاد هو تكرار قيام الجـاني بالعملية المجرمة حتى صارت عـادة له كالطبيب التي اشتهر بإجهاض الراغبات في ذلك بدون ضرورة وبذلك كان المشرع موفقا أو محقا حينما شدد العقاب على هذا النصف من المجرمين المعتادين في المادة 450 من ق ج التي جاء فيها: “إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في المادة السابقة بصفة معتادة ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى من ق 449 وتكون العقوبة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من ق 449…”
هذا ولم يحدد المشرع عدد المرات التي يتحقق بها الاعتياد حيث يبقى الأمر متروكا لتقدير القضاء الذي يتحقق من قيام عنصر الاعتياد بالنسبة لكل متهم حسب ظروف وملابسات كل قضية على حدة وظرف التشديد لا يسري إلا في حق الجاني من الغير أما إذا أجهضت الأم نفسها عدة مرات فلا يتوافر في حقها هذا الظرف المشدد لأن المادة 450 تستهدف بالأساس مواجهة أولئك الذين يحترفون الإجهاض ويشجعون عليه.
ج-المساعدة والتحريض على الإجهاض
لقد تشدد المشرع في العقاب على أعمال التحريض والمساعدة على الإجهاض حيث نصت المادة 451 من القانون الجنائي على أن: “الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة وأطباء الأسنان والقابلات والمولدات والصيادلة وكذلك طلبة الطب أو طب الأسنان أو الصيدلية وعمال الصيدليات والعشابون والمضمدون وبائعو الأدوات الجراحية والممرضون والمدلكون والمعالجون بالتسبب والقابلات العرفية الذين يرشدون إلى وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون باستعمالها أو يباشرونها يعاقبون بالعقوبات المقررة في أحد الفصلين 449 و450 على حسب الأحوال. ويحكم على مرتكب الجريمة علاوة على ذلك بالحرمان عن مزاولة المهنة المقرر في الفصل 87. إما بصفة نهائية أو لمدة محدودة”.
وهذا الفصل يعدد أصحاب الصفات الذين إذا مارسوا الإجهاض شددت العقوبة عليهم وهو يعتبر مرتكبا للفعل الجرمي ليس فقط من يقوم بالإجهاض بل أيضا الذين يرشدون إلى استعمال وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون بها ولا يعتبرهم مشاركين فقط في الجريمة بل مساهمين فيها. وهذا ينطوي على خروج عن الأحكام المتعلقة بالمشاركة المقررة في المادة 129 ق ج وذلك لأن صور المساعدة أو التحريض فيهما أوسع نطاقا من تلك التي أتى بها الفصل 129 من جهة.
وبالنسبة للتحريض على الإجهاض فقد عاقبت عليه المادة 455 بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من 120 إلى 2000 درهم أو بإحدى العقوبتين وهذه العقوبة واجبة كيفما كانت طريقة الإجهاض وبغض النظر عن النتيجة التي أدت إليها أي سواء وقع الإجهاض فعلا أم لم يقع، وحسب المادة السالفة الذكر تتحقق نفس العقوبات على كل من باع أدوية أو مواد أو أجهزة أو أشياء كيفما كان نوعها أو عرضها للبيع أو عمل على بيعها أو وزعها أو عمل على توزيعها بأية طريقة كانت مع علمه أنها معدة للإجهاض حتى ولو كانت الأدوية أو الأشياء المقترحة غير قادرة عمليا على تحقيق الإجهاض غير إذا تحقق على إثر العمليات والأعمال المشار إليها سابقا فإن العقوبات المنصوص عليها في الفصل 449 من القانون الجنائي تطبق على القائمين بالعمليات أو الأعمال المذكورة.