إن كلمة الزور تعني لغة الكذب والباطل، لذلك أطلق التزوير على الكذب وتحسينه، واصطلاحا يقصد بالزور تغير الحقيقة ، إما قولا أو فعلا أو كتابة بهدف خداع الغير،
وكقاعدة عامة، فان القانون الوضعي لا يعاقب على الكذب كأصل عام ، تــــاركا للأفراد واجب الحذر منه والحيطة من الوقوع في حباله، غير أن الحماية القــــــانونية من الكذب تصبح واجبة إذا كان من شأنه الإضرار بحقوق كلفها المشرع بالحماية للفرد والجماعة،
والملاحظ أن قواعد القانون الجنائي تجرم الوسيلة المستعملة في تغيير الحقيقة دون الغـــاية من هذا التغيير، وهذه الوسيلة أو الطريقة هي التي على أساسها تحدد صور الكذب المعـــاقب علي أنها جرائم تزوير، وتتمثل تلك الصور فيما يلي :
1) التزوير بالقول : مثل شهادة الزور واليمين الكاذبة، وهما جريمتان مستقلتان عن جريمة التزوير في المحررات،
2) التزوير بالأفعال : مثل تزيف النقود أو تزويرها وكذا الغش في البضائع،
3) التزوير بالكتابة : كتزييف أو تزوير أختام الدولة والدمغات والطوابع والعلامات،
ولقد تعرض القانون الجنائي المغربي لجرائم التزوير كلها في الباب السادس من الكتاب الثـــاني من المواد 334 إلى 391 وجمعها في بــاب واحد تحث عنوان (في التزوير والتزييف والانتحال)
وهكذا يتبين أن التزوير في مدلوله العام يعني تغيير الحقيــــــقة أيا كانت وسيلته وأيا كــــــــان موضوعه، وهو في هدا المدلول يتسع لكثير من الجرائم، لكن الملاحظ هو أن كلمة تزوير عند إطلاقها تنصرف فقط إلى تغير الحقيقة في الكتـابة أو في الأختام والعلامات والرموز،
وتشكل الأحكام الضابطة لجريمة التزوير في المحررات جوهر النظرية العامة لأفعال التزوير كلها، فمنها تستقى القواعد العامة التي تسري على كافة جرائــــــم التزوير أيا كان موضوعها،
المبحث الأول : أهمية دراسة جريمة التزوير في المحررات،
تظهر أهمية دراسة هده الجريمة من خلال عدة نواحي أساسية وهي :
1) الناحية الاجتماعية : يمكن القول أن الكتابة تعد من بين أهم ما اخترعه الإنسان على وجه البسيطة، باعتبـــــارها الأداة لنقل الأفكار وانتشارها وتوضيح المعـــــاني وتبليغها وتسجيـــل المنجزات والأعمال الكبرى للأجيال المتعاقبة،
وهكذا صارت الكتابة تؤدي في المجتمع الحديث دورا اجتماعيا بالغ الأهمية، فهي أداة لإثبات الحقوق والالتزامات وتنظيم المعاملات القانونية، لدا من الضروري تأمين الحماية للثقة العامة في كتابة المحررات حتى تؤدي دورها الاجتمـــــــاعي والقانوني باعتبارها روح المعـــاملات التجارية كلها،
2) الناحية الاقتصادية: أيضا لجريمة التزوير في المحررات أهمية اقتصادية تتجلى في إقدام كثير من الممولين والتجـــار والموردين على تغير الحقيقة فيما يمسكونه من دفاتر وسجلات تهربا من أداء الضرائب أو الكذب في التصريحـــــات ممـــا ينعكس سلبا على ميزانية الدولــة وتقلص مداخليها،
3) الناحية السياسية : يمكن التمثيل لداك بلجوء العصابات الدولية الإرهابية إلى التزويــر في المحررات، كأوراق اتباث الهوية والجوازات حتى يتسنى لأعضائها تنفيذ مخططاتهم الإجرامية، وكدالك التجاء المنافسين في الانتخابات إلى تزويـــر الوثائق التي تحول بينهم وبين ترشحهم للانتخابات العامة،
4) الناحية القانونية : وعيا لم للتزوير في المحررات من خطورة اجتماعية واقتصادية بــالغة، تصدى المشرع المغربـــي أسوة بباقي التشريعات المقـــارنة لأفعــــــــال التزوير في المحررات بالتجريم في القانون الجنائــــي، فخصص لها ثلاثة فروع من الباب الســـــــادس المعنون ( في التزوير والتزييف والانتحـــــال) هدا على مستوى الموضوع، أما على مستوى الشكل فقد نظم المشرع دعوى الزور الجنائية الأصلية والفرعية في الواد 575 إلى 587 من ق م ج الحالــي، كما نظم دعــــــوى الزور الفرعية المدنية في المواد 92 وحتى 102 من ق م م ، والتي تباشر أمام محاكم الموضوع، أما تلك التي تمارس أمام المجلس الأعلى فقد نظمها بمقتضى المــــادتين 386 و 387 من ق م م، في حين اغفل تنظيم دعوى الزور المدنية الأصلية، تاركا دالك للقواعــــــد العامة،
وموازاة باهتمام المشرع بجريمة التزوير في المحررات، كان دالك أيضا محط اهتمام الفقهاء بواسطة الكثير من المناقشات والمؤلفات والأبحاث،
المبحث الثاني : مفهوم جريمة التزوير في المحررات ،
أولا : تعريف جريمة التزوير في المحررات،
لقد عرف القانون الجنائي المغربي التزوير في المحررات في المادة 351 كمايلي : ( تزويـــر الأوراق هو تغير الحقيقة فيها بسوء نية، تغيرا من شانه أن يسبب ضررا من وقع في المحرر، بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون)
ويعتبر هدا التعريف نقلا حرفيا للتعريف الذي صاغه الفقيه الفرنسي جارسون، وهو تعريــــف يتميز بكونه أحاط بجميع العناصر التي يتعين توافرها لنحقق جريمة التزويــــر في المحررات،
أما الدكتور أحمد فتحي سرور، فقد عرف التزوير في المحررات بكونه تغيرا للحقيقة بإحــــدى الطرق المقررة في القانون، بقصد الغش في محرر يحميه القانون،
وهناك من التشريعات من تبنى تعريف الفقيه جاروا، كالتشريع اللبناني الذي نص في المــــــادة 453 جنائي على أن التزوير ( هو تحريف متعمد للحقيقة في الوقائع والبيـانات، يتبثها بصك أو مخطوط يشكل مستندا، بدافع ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي،)
وأعتقد أنه من الأفضل ترك تعريف جريمة التزوير للمحررات للفقه والقضاء ليقوما بتحديـــــد مضامينها على ضوء القضايا التي تعج بها الحياة العملية، والتي تتطور بتطور وسائل ارتكـاب الجريمة،
ثانيا : تميز جريمة التزوير في المحررات عن الجرائم التي تشترك معها في بعض الخصائص ،
لاشك أن الكذب المكتوب الضار هو جوهر التزوير، لدلك فان هدا الأخير ينطوي على نوع من الغش يتمثل في تحميــــل الغير مالا يحق أو نسب له ما لم يصدر منه من محررات، إلا أن هدا الغش يعتبر غشا جنائيا يستحق مرتكبه العقاب، ويستفاد أيضا من مواد القانون الجنائـــــــي أن بعض الجرائم التي تقوم بدورها على تغير الحقيقة تلتقي مع جريمة التزوير في المحررات في خصائص معينة، لدلك وجب التفريق بين التزوير والغش المدني ثم بين التزوير والجرائم المشابهة له :
1 ) التزوير و الغش المدني : كثيرة هي الجرائم التي تنطوي على قدرة من الغش كالتزوير والنصب وخيـــانة الأمـــانة، وهو غش جنائي يختلف عن الغش المدني، كونه يرتبط دائما بأفعال مواكبة له ومتصلة به تجعل منه جريمة معاقبا عليها ولا شان للقانون المدني بها،
في حين يعتبر الغش المدني عيبا يصيب إرادة المتعاقد ويعطيه الحق في طلب إبطال العقد وفي المطالبة بالتعويض عند الاقتداء، ويعرف هدا النوع من الغش عند فقهاء القانون المدني بالتدليس، وهو يعني استعمال نوع من الحيلة والخديعة من قبل شخص لإيقاع آخر في غلط يدفعه إلى التعاقد،
2) التزوير في المحررات واستعمال الزور : إن القصد الجنائي الخاص في جريمة تزوير المحررات يتمثل في اتجاه نية الجاني إلى استعمال المحرر المزور فيما زور من اجله، لدلك فان الاستعمال ليس إلا استكمالا لمشروع التزوير وتنفيذا فعليا لعنصر القصد الجنائي فيه، واستنادا لهدا المنطق لم تفصل بعض التشريعات استعمال الزور عن فعل التزوير، كالتشريع الايطالي الذي يستلزم العقاب على تزوير المحررات العرفية أن يتم استعمالها، ولم يساير المشرع المغربي هدا المنطق وبالتالي اتجاه هده التشريعات، بل اقتفى اثر المشرع الفرنسي جاعلا من جريمة استعمال المحررات المزورة جريمة مستقلة عن التزوير وتعرض لأحكامها في المواد 356و 359 و 360 و365 من القانون الجنائي،
3) التزوير وشهادة الزور : عرف القانون الجنائي المغربي شهادة الزور في المادة 368 يقوله ( شهادة الزور هي تغير للحقيقة عمدا ، تغيرا من شانه تضليل العدالة لصالح احد الخصوم أو ضده إذا أدلى بها شاهد، بعد حلف اليمين في قضية جنائية آو مدنية أو إدارية متى أصبحت أقواله نهائية)
منة خلال هدا التعريف يمكن القول أن شهادة الزور تلتقي مع جريمة التزوير في المحررات في أن كلا منهما يقوم على الكذب أي تغير الحقيقة، وان كلاهما يتطلب حدوث ضرر من هدا التغير في الحقيقة أو إمكانية حدوثه، وكدا ضرورة توافر قصد جنائي خاص لدى الجاني،
إلا أن أوجه الاختلاف بين الجريمتين كثيرة نوردها كمايلي :
- أن تغير الحقيقة في جريمة التزوير يتعين أن يرد في محرر مكتوب، بينما في شهادة الزور يكفي أن يقع تغير الحقيقة بالقول شفاهة،
- في التزوير استلزم القانون وقوع تغير الحقيقة بإحدى الوسائل التي حددها على سبيل الحصر، بينما أطلق هده الوسائل في شهادة الزور،
- الضرر في جريمة التزوير في المحررات أوسع نطاقا يشمل الضرر الخاص و الضرر الاجتماعي، بينما في شهادة الزور يقتصر أساسات على الضرر الخاص،
- يمكن أن نتصور وجود المحاولة في جريمة التزوير في المحررات، بينما لا يمكن إطلاقا الحديث عن المحـــاولة في جريمة شهادة الزور مادام أن الشاهد لم يؤدي اليمين القانونية أمام المحكمة،
4) التزوير وخيانة الائتمان على ورقة موقعة على بياض : لقد فصل المشرع بين جرائم التزوير ومــا بين خيـــــانة الائتمان في ورقة موقعة على بياض، فجعل هده الأخيرة متميزة ومستقلة عن التزوير في المحررات، نص عليها في المادة 553 من القانون الجنائي، وبالتالي فان خيانة الائتمان على ورقة موقعة على بيــاض لا يدخل ضمن جريمة التزوير في المحررات، بل إن كلا منهما يعتبر جريمة مستقلة بذاتها جريا على نهج القانون الجناـــــئي الفرنسي،
5) التزوير في المحررات والوشاية الكاذبة : نص المشرع المغربي على جريمة الوشاية الكاذبة أو البلاغ الكاذب في المادة 445 من القانون الجنائي، والتي يؤخذ منها أن الوشاية الكاذبة كالتزوير تقوم على الكذب الضار، إلا أنها خلافا له تتم شفاهة وقد تتم كتابة، نظرا لإطلاق نص المادة 445 من القانون الجنائي ( من ابلغ بأي وسيلة كانت) عكس التزوير في المحررات التي لا تتم إلا باستعمال ورقة أو محرر مكتوب،
6) التزوير وجريمة النصب : لقد عالج المشرع المغربي جريمة النصب من خلال المادة 540 من القانون الجنائي، حيث يتبين من هده المادة أن جريمة النصب كالتزوير في المحررات، تقوم على أساس إلباس وقائع غير حقيقية توبا يوهم بأنها صادقة وصحيحة، أي أنها تقوم على الكذب، لكن الفرق هو أن النصب لا يشترط أن يتم في محرر مكتوب، عكس جريمة التزوير في المحررات التي لا يمكن تصورها دون وجود محرر مكتوب.
وكقاعدة عامة، فان القانون الوضعي لا يعاقب على الكذب كأصل عام ، تــــاركا للأفراد واجب الحذر منه والحيطة من الوقوع في حباله، غير أن الحماية القــــــانونية من الكذب تصبح واجبة إذا كان من شأنه الإضرار بحقوق كلفها المشرع بالحماية للفرد والجماعة،
والملاحظ أن قواعد القانون الجنائي تجرم الوسيلة المستعملة في تغيير الحقيقة دون الغـــاية من هذا التغيير، وهذه الوسيلة أو الطريقة هي التي على أساسها تحدد صور الكذب المعـــاقب علي أنها جرائم تزوير، وتتمثل تلك الصور فيما يلي :
1) التزوير بالقول : مثل شهادة الزور واليمين الكاذبة، وهما جريمتان مستقلتان عن جريمة التزوير في المحررات،
2) التزوير بالأفعال : مثل تزيف النقود أو تزويرها وكذا الغش في البضائع،
3) التزوير بالكتابة : كتزييف أو تزوير أختام الدولة والدمغات والطوابع والعلامات،
ولقد تعرض القانون الجنائي المغربي لجرائم التزوير كلها في الباب السادس من الكتاب الثـــاني من المواد 334 إلى 391 وجمعها في بــاب واحد تحث عنوان (في التزوير والتزييف والانتحال)
وهكذا يتبين أن التزوير في مدلوله العام يعني تغيير الحقيــــــقة أيا كانت وسيلته وأيا كــــــــان موضوعه، وهو في هدا المدلول يتسع لكثير من الجرائم، لكن الملاحظ هو أن كلمة تزوير عند إطلاقها تنصرف فقط إلى تغير الحقيقة في الكتـابة أو في الأختام والعلامات والرموز،
وتشكل الأحكام الضابطة لجريمة التزوير في المحررات جوهر النظرية العامة لأفعال التزوير كلها، فمنها تستقى القواعد العامة التي تسري على كافة جرائــــــم التزوير أيا كان موضوعها،
المبحث الأول : أهمية دراسة جريمة التزوير في المحررات،
تظهر أهمية دراسة هده الجريمة من خلال عدة نواحي أساسية وهي :
1) الناحية الاجتماعية : يمكن القول أن الكتابة تعد من بين أهم ما اخترعه الإنسان على وجه البسيطة، باعتبـــــارها الأداة لنقل الأفكار وانتشارها وتوضيح المعـــــاني وتبليغها وتسجيـــل المنجزات والأعمال الكبرى للأجيال المتعاقبة،
وهكذا صارت الكتابة تؤدي في المجتمع الحديث دورا اجتماعيا بالغ الأهمية، فهي أداة لإثبات الحقوق والالتزامات وتنظيم المعاملات القانونية، لدا من الضروري تأمين الحماية للثقة العامة في كتابة المحررات حتى تؤدي دورها الاجتمـــــــاعي والقانوني باعتبارها روح المعـــاملات التجارية كلها،
2) الناحية الاقتصادية: أيضا لجريمة التزوير في المحررات أهمية اقتصادية تتجلى في إقدام كثير من الممولين والتجـــار والموردين على تغير الحقيقة فيما يمسكونه من دفاتر وسجلات تهربا من أداء الضرائب أو الكذب في التصريحـــــات ممـــا ينعكس سلبا على ميزانية الدولــة وتقلص مداخليها،
3) الناحية السياسية : يمكن التمثيل لداك بلجوء العصابات الدولية الإرهابية إلى التزويــر في المحررات، كأوراق اتباث الهوية والجوازات حتى يتسنى لأعضائها تنفيذ مخططاتهم الإجرامية، وكدالك التجاء المنافسين في الانتخابات إلى تزويـــر الوثائق التي تحول بينهم وبين ترشحهم للانتخابات العامة،
4) الناحية القانونية : وعيا لم للتزوير في المحررات من خطورة اجتماعية واقتصادية بــالغة، تصدى المشرع المغربـــي أسوة بباقي التشريعات المقـــارنة لأفعــــــــال التزوير في المحررات بالتجريم في القانون الجنائــــي، فخصص لها ثلاثة فروع من الباب الســـــــادس المعنون ( في التزوير والتزييف والانتحـــــال) هدا على مستوى الموضوع، أما على مستوى الشكل فقد نظم المشرع دعوى الزور الجنائية الأصلية والفرعية في الواد 575 إلى 587 من ق م ج الحالــي، كما نظم دعــــــوى الزور الفرعية المدنية في المواد 92 وحتى 102 من ق م م ، والتي تباشر أمام محاكم الموضوع، أما تلك التي تمارس أمام المجلس الأعلى فقد نظمها بمقتضى المــــادتين 386 و 387 من ق م م، في حين اغفل تنظيم دعوى الزور المدنية الأصلية، تاركا دالك للقواعــــــد العامة،
وموازاة باهتمام المشرع بجريمة التزوير في المحررات، كان دالك أيضا محط اهتمام الفقهاء بواسطة الكثير من المناقشات والمؤلفات والأبحاث،
المبحث الثاني : مفهوم جريمة التزوير في المحررات ،
أولا : تعريف جريمة التزوير في المحررات،
لقد عرف القانون الجنائي المغربي التزوير في المحررات في المادة 351 كمايلي : ( تزويـــر الأوراق هو تغير الحقيقة فيها بسوء نية، تغيرا من شانه أن يسبب ضررا من وقع في المحرر، بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون)
ويعتبر هدا التعريف نقلا حرفيا للتعريف الذي صاغه الفقيه الفرنسي جارسون، وهو تعريــــف يتميز بكونه أحاط بجميع العناصر التي يتعين توافرها لنحقق جريمة التزويــــر في المحررات،
أما الدكتور أحمد فتحي سرور، فقد عرف التزوير في المحررات بكونه تغيرا للحقيقة بإحــــدى الطرق المقررة في القانون، بقصد الغش في محرر يحميه القانون،
وهناك من التشريعات من تبنى تعريف الفقيه جاروا، كالتشريع اللبناني الذي نص في المــــــادة 453 جنائي على أن التزوير ( هو تحريف متعمد للحقيقة في الوقائع والبيـانات، يتبثها بصك أو مخطوط يشكل مستندا، بدافع ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي،)
وأعتقد أنه من الأفضل ترك تعريف جريمة التزوير للمحررات للفقه والقضاء ليقوما بتحديـــــد مضامينها على ضوء القضايا التي تعج بها الحياة العملية، والتي تتطور بتطور وسائل ارتكـاب الجريمة،
ثانيا : تميز جريمة التزوير في المحررات عن الجرائم التي تشترك معها في بعض الخصائص ،
لاشك أن الكذب المكتوب الضار هو جوهر التزوير، لدلك فان هدا الأخير ينطوي على نوع من الغش يتمثل في تحميــــل الغير مالا يحق أو نسب له ما لم يصدر منه من محررات، إلا أن هدا الغش يعتبر غشا جنائيا يستحق مرتكبه العقاب، ويستفاد أيضا من مواد القانون الجنائـــــــي أن بعض الجرائم التي تقوم بدورها على تغير الحقيقة تلتقي مع جريمة التزوير في المحررات في خصائص معينة، لدلك وجب التفريق بين التزوير والغش المدني ثم بين التزوير والجرائم المشابهة له :
1 ) التزوير و الغش المدني : كثيرة هي الجرائم التي تنطوي على قدرة من الغش كالتزوير والنصب وخيـــانة الأمـــانة، وهو غش جنائي يختلف عن الغش المدني، كونه يرتبط دائما بأفعال مواكبة له ومتصلة به تجعل منه جريمة معاقبا عليها ولا شان للقانون المدني بها،
في حين يعتبر الغش المدني عيبا يصيب إرادة المتعاقد ويعطيه الحق في طلب إبطال العقد وفي المطالبة بالتعويض عند الاقتداء، ويعرف هدا النوع من الغش عند فقهاء القانون المدني بالتدليس، وهو يعني استعمال نوع من الحيلة والخديعة من قبل شخص لإيقاع آخر في غلط يدفعه إلى التعاقد،
2) التزوير في المحررات واستعمال الزور : إن القصد الجنائي الخاص في جريمة تزوير المحررات يتمثل في اتجاه نية الجاني إلى استعمال المحرر المزور فيما زور من اجله، لدلك فان الاستعمال ليس إلا استكمالا لمشروع التزوير وتنفيذا فعليا لعنصر القصد الجنائي فيه، واستنادا لهدا المنطق لم تفصل بعض التشريعات استعمال الزور عن فعل التزوير، كالتشريع الايطالي الذي يستلزم العقاب على تزوير المحررات العرفية أن يتم استعمالها، ولم يساير المشرع المغربي هدا المنطق وبالتالي اتجاه هده التشريعات، بل اقتفى اثر المشرع الفرنسي جاعلا من جريمة استعمال المحررات المزورة جريمة مستقلة عن التزوير وتعرض لأحكامها في المواد 356و 359 و 360 و365 من القانون الجنائي،
3) التزوير وشهادة الزور : عرف القانون الجنائي المغربي شهادة الزور في المادة 368 يقوله ( شهادة الزور هي تغير للحقيقة عمدا ، تغيرا من شانه تضليل العدالة لصالح احد الخصوم أو ضده إذا أدلى بها شاهد، بعد حلف اليمين في قضية جنائية آو مدنية أو إدارية متى أصبحت أقواله نهائية)
منة خلال هدا التعريف يمكن القول أن شهادة الزور تلتقي مع جريمة التزوير في المحررات في أن كلا منهما يقوم على الكذب أي تغير الحقيقة، وان كلاهما يتطلب حدوث ضرر من هدا التغير في الحقيقة أو إمكانية حدوثه، وكدا ضرورة توافر قصد جنائي خاص لدى الجاني،
إلا أن أوجه الاختلاف بين الجريمتين كثيرة نوردها كمايلي :
- أن تغير الحقيقة في جريمة التزوير يتعين أن يرد في محرر مكتوب، بينما في شهادة الزور يكفي أن يقع تغير الحقيقة بالقول شفاهة،
- في التزوير استلزم القانون وقوع تغير الحقيقة بإحدى الوسائل التي حددها على سبيل الحصر، بينما أطلق هده الوسائل في شهادة الزور،
- الضرر في جريمة التزوير في المحررات أوسع نطاقا يشمل الضرر الخاص و الضرر الاجتماعي، بينما في شهادة الزور يقتصر أساسات على الضرر الخاص،
- يمكن أن نتصور وجود المحاولة في جريمة التزوير في المحررات، بينما لا يمكن إطلاقا الحديث عن المحـــاولة في جريمة شهادة الزور مادام أن الشاهد لم يؤدي اليمين القانونية أمام المحكمة،
4) التزوير وخيانة الائتمان على ورقة موقعة على بياض : لقد فصل المشرع بين جرائم التزوير ومــا بين خيـــــانة الائتمان في ورقة موقعة على بياض، فجعل هده الأخيرة متميزة ومستقلة عن التزوير في المحررات، نص عليها في المادة 553 من القانون الجنائي، وبالتالي فان خيانة الائتمان على ورقة موقعة على بيــاض لا يدخل ضمن جريمة التزوير في المحررات، بل إن كلا منهما يعتبر جريمة مستقلة بذاتها جريا على نهج القانون الجناـــــئي الفرنسي،
5) التزوير في المحررات والوشاية الكاذبة : نص المشرع المغربي على جريمة الوشاية الكاذبة أو البلاغ الكاذب في المادة 445 من القانون الجنائي، والتي يؤخذ منها أن الوشاية الكاذبة كالتزوير تقوم على الكذب الضار، إلا أنها خلافا له تتم شفاهة وقد تتم كتابة، نظرا لإطلاق نص المادة 445 من القانون الجنائي ( من ابلغ بأي وسيلة كانت) عكس التزوير في المحررات التي لا تتم إلا باستعمال ورقة أو محرر مكتوب،
6) التزوير وجريمة النصب : لقد عالج المشرع المغربي جريمة النصب من خلال المادة 540 من القانون الجنائي، حيث يتبين من هده المادة أن جريمة النصب كالتزوير في المحررات، تقوم على أساس إلباس وقائع غير حقيقية توبا يوهم بأنها صادقة وصحيحة، أي أنها تقوم على الكذب، لكن الفرق هو أن النصب لا يشترط أن يتم في محرر مكتوب، عكس جريمة التزوير في المحررات التي لا يمكن تصورها دون وجود محرر مكتوب.