تشكل الكد والسعاية احد تطبيقات مبدأ ماجرى به العمل في بعض مناطق المغرب مند ظهور أول مجموعة نوازلية فقهية بالمنطقة في القرن التاسع الهجري أي في عصر السعديين إلى يومنا هدا.
وهي من المعطيات النوازلية التي استاترت باهتمامات علماء المغرب قضاة ومفتين ومحكمين
ففي غمارة بشمال المغرب صدرت فتوى من ابن عرضون الكبير حول منح المرأة النصف في العمل تسوية بالرجل. وقد وردت إشارات إليها بصفة عامة في بعض كتب الفقه والنوازل. فقد صرح بدالك أبو زيد عبد الرحمان الفاسي في نظمه لعمل فاس. كما وردت في نوازل العلمي.
أما نص الفتوى كما أوردها صاحب العمل الفاسي في نظمه فهـي :
وخدمة النساء في البـــــوادي للـــزوج بالـــدراس والحصـــــــاد
قال ابن عرصون لهن قسمـــة على التساوي بحساب الخدمة
لكن أهل فاس فيها خالفـــــوا قالوا في ذالك عرف يعــــــــرف
وقد ذكر المهدي ألوزاني أن ابن عرضون أفتى في خدمة نساء البادية للزرع بالحصاد والدراس والنقل والتذرية والتنقية بان لها قسمة فيه على التساوي بينهن بحسب الخدمة فيه فكل واحدة منهن تاخد منه بقدر عملها فمعنى القسمة على التساوي أخد كل واحدة منه بقدر خدمتها.
أما في البلاد السوسية فان مسالة السعاية تكتسي عند فقهائها وقضاتها أهمية خاصة، باعتبارها إحدى المعضلات الفقهية التي شغلت باب النوازليين مند نشوب فقه النوازل، وحتى يوم الناس هذا لازالت قضايا كثيرة في المحاكم تسجلها الزوجات المطلقات أو المتوفى عنهن أزواجهن يطلبن حظهن في السعاية.
ومن المعلوم أن طبيعة البلاد السوسية خاصة القبائل الجبلية تجعل المرأة تقوم بأعمال الحرث والحصاد، وجني الثمار، والاحتطاب وجمع الحشائش، وتربية البهائم وسياستها بالعلف و السقي ،ورعاية النتاج ،وتربية الدواجن.
بالإضافة إلى القيام بصناعة أنواع النسيج والغزل كالزرابي والأكسية وغيرها الشيء الذي جعل الفقهاء النوازليين يعطون الأهمية لعمل المرأة ،وكما يعبرون عنه السعاية أحيانا يعبرون عنه بالكد، أي التعب والعمل.
ومن كلام الفقيه سيدي داوود التملي صاحب"مختصرات أمهات الوثائق"إنما يعتبر الكد في الأملاك يوم الحكم لا يوم الضرب .ولذا لا يلزم إلا ماظهر فيه يوم الافتداء .لا ما فات منها قبل.
وادا كانت السعاية بهده الأهمية فات النوازليين السوسيين اعتنوا بها في مجموعاتهم الفقهية ووضعوا لها فصولا خاصة بها.
ففي أجوبة المتأخرين لسيدي عبد الله بن ابراهيم التملي-ت 1078 ه- نجد العنوان الآتي: مسائل الزوجات هل لهن الكسب أو الأجرة في ذمة أزواجهن؟
علق الأستاذ عمر الجيدي على هدا المحل بقوله : كان على النظم أن يؤخر الشطر الأول من البيت. لان في دالك إيهام بان العرف لأهل فاس ومن ثم وقع الالتباس لبعض شراحه فظنوا أن العرف لأهل فاس على مقتضى كلام الناظم في ترتيبه ولعدم اطلاعهم أيضا على كلام ابن عرضون. والصواب أن العرف لأهل الجبال فكان على الناظم أن يقول:
قالوا لهم في ذالك عرف يعرف لكن لاهل فاس فيها خالفوا
حتى يكون الضمير عائدا على أهل الجبال لينسجم مع الواقع انظر تحفة الأكياس الجزء الأول صفحة 192 وما بعدها –نقلا عن كتاب ابن عرضون الكبير / حياته وأثاره-آراءه وفقهه منشورات عكاظ 1.1407.1987.ص.197.
وفي أجوبة سيدي محمد بن محمد بن عبد الله بن يعقوب السملالي عنوان –مسائل سعاية الزوجات وغيرهن من السعاة-.
ومسالة السعاية يدخل فيها كل من قدر على الاشتغال والتكسب من أفراد الأسرة. فنجدهم يعبرون هكذا: سعاية اليتيم وسعاية الأخت وسعاية الأخ وسعاية الولد. ومن له عدة زوجات فلكل واحدة سعايتها.
ونستنتج بعد هذا أن المرأة السوسية قامت بادوار طلائعية مند سالف العصر والأوان كما تعكس ذالك النصوص النوازلية التي سنسوق نمادج ثنايا هذا العرض المتواضع.
ونقف على الإشادة بالمرأة الجزولية في دراسات بعض المعاصرين نذكر منهم العلامة محمد المختار السوسي في المعسول الذي تحدث عن المرأة الالغية ومساهمتها في التنمية المحلية.
وصدر تنويه عن العلامة امحمد العثماني في ألواح جزولة والتشريع الجنائي فهو مصدر تاريخي هام في تحليل الموضوع الذي نحن بصدده وهو الذي قال متحدثا عن دور المرأة الجزولية أي السوسية تحت عنوان "دور المرأة الجزولية في الحياة العائلية والقبلية":المرأة الجزولية عماد الأسرة في العمل والإنتاج وهي أكثر حرية من المرأة الأوربية، وتفضلها بالضيافة والأخلاق .
والمرأة الجزولية ينحصر دورها في الحياة العائلية في السهر على شؤون منزلها الداخلية وتربية أولادها والزوج حاضر وإذا غاب الزوج فان الإشراف الفعلي يكون لها على سائر الشؤون الخارجية.
فهي في هذا وذاك مثال التضحية في كل مايعود على بيتها بالخير، بادلة في سبيل ذالك اغلي راحتها، فهي تقوم بكل جاجيات المنزل ،ورعي الماشية، وحرث الحقول، وجمع المنتوجات الفلاحية، وغلل الأشجار ونسج الصوف بعد غزلها، على غير ذالك من الأعمال التي لاتتم إلا لتبدأ من جديد، ولا تتوقف عجلتها التي تسير في خط دائري متصل لا أول ولا آخر، كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها.
ولذلك اعترف لها بالسعاية والكد. مشاركة الرجل في المداخيل والأرباح، فالجزوليين حين تخدم المرأة يعطون لها نصيبا في كل ما يدخل إلى المنزل إذا شاركت في تحصيله بأي وجه، بعد تقويم العرفاء، وبهذا يحكم قضائهم فكتب نوازل علماء جزولة زاخرة بأحكام السعاية كنوازل البرجي في مبحث الشركة، والسكتاني في مسائل الميراث وسعاية النساء، والنوازل الجزولي لعبد الله بن ابراهيم الجشتيمي في باب مسائب الزوجات، هل لهن الكسب او الاجرة في ذمة ازواجهن ؟.اجوبة السيد محمد بن محمد بن يعقوب في –باب مسائل الشركاء..وفتاوي الحكام للتسكدلتي أبي الحسن علي بن احمد العمري،وأجوبة العباس في باب الانكحةوالسعاية...ونوازل الكيكي بعنوان الشرعة وبرهان الرفعة في تدييل أجوبة فقه درعة في باب نوازل البيوع وما شاكلها ونوازل الودياني المرتيني في الخاتمة.
والسعاية لم تكن محدثة وإنما أصلها في الأثر عن عمر بن الخطاب كما في نوازل القاضي سيدي سعيد الهوزالي، وكما شرحه السجلماسي الرباطي في العمل الفاسي عند قوله وخدمة النساء في البوادي، ومنظومة أبي زيد الجشتمي في باب المهر والجهاز والسعاية.أما الدكتور العبادي فقد قال في الموضوع:
تم المرأة في المملكة المغربية تعيش دائما في بحبوحة التنمية، والأسرة المغربية تعيش على كانون واحد كما يعبر عنه المغاربة، حول مائدة واحدة، وان المرأة في المجتمع المغربي تكون على رأس العاملين النشطين في تنمية الأسرة والمجتمع ،ومن قال أنها خارج التنمية، وان التنمية تسير بعجلة واحدة في المغرب فهو غريب عن هذا البلد أو إنما هو ببغاء يحكي صدى ماقيل له.
ولأمر ما سميت المرأة في الامازيغية" تامغارت" مؤنث أمغار أي الشيخ رئيس القبيلة فتمغارت هي رئيسة الأسرة وسيدة البيت.
إن المرأة في مجتمعنا السوسي أول من يستيقظ من أفراد الأسرة ،وآخر من ينام ينظر إليها المجتمع على أنها مديرة البيت ومراعيته وتمرض المريض، وتطعم الصغير، لا تنتهي من عمل إلا وتشرع في عمل أخر جديد، وشانها في البادية كشأنها في المدينة.
الدكتور ايحيا الطالبي