لقد عمل بعض الفقهاء على التضييق من نطاق إعمال حق الكد والسعاية فميزوا بين عمل أهل البادية وعمل أهل المدينة فقرروا ألا سعاية لنساء الحواضر ولا كسب لهن لأنهن من ذوات الحجاب وأنهن يردن للفراش ما لم تكن الزوجة معينة لزوجها بعملها في الغزل أو النسيج أو الطرز، أما نساء البوادي فمدخول فيهن على الخدمة وحول هذا قال الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري في الفتوى التي صدرت عن ابن عرضون والتي قضى فيها بتمكين المطلقة من نصف المال الذي اكتسبه الزوج: "أنها فتوى تتعلق بنساء البادية اللواتي يشاركن أزواجهن في الخدمة من حصاد ودرس ورعي وغيرها زيادة على الأعباء الداخلية لبيت الزوجية... فالفتوى لا تتعلق بالمرأة التي ساهمت بعملها خارج البيت كما يعمل الرجال" .
وقد سارت بعض المحاكم على هذا النحو في القضايا التي عرضت عليها من قبل الزوجات اللائي طالبن بمقابل عملهن كما يتجلى ذلك من خلال ما عللت به محكمة الاستئناف بأكادير قرارها الصادر بتاريخ 02-04-96
حيث قضت بتأييد الحكم المستأنف بعلة: "أن رسم السعاية غير كاف للبث في الطلب، وان الاجتهادات المدلى بها من طرف المستأنفة تخص الزوجة العاملة مع زوجها في البوادي ولا تنطبق على الزوجة القاطنة بالمدينة مما يجعل الحكم المستأنف مصادفا للصواب وينبغي تأييده".
إلا أن المجلس الأعلى قضى بنقض هذا القرار معترفا بذلك بشمول حق الكد والسعاية للمرأة في المدينة فجاء في إحدى حيثياته: "حيث أن العارضة وهي بصدد تعزيز طلبها الرامي إلى الحصول على بدل الكد والسعاية أوردت السند الفقهي والقضائي لكن محكمة الاستئناف مصدرة المطعون فيه عللت قرارها بكون الاجتهادات المدلى بها تخص الزوجة العاملة في البوادي ولا تنطبق على الزوجة القاطنة بالمدينة سواء كانت عاملة أو محتجبة وهذا حكم مخالف لمقاصد الشريعة الإسلامية لأن الفقهاء لا يفرقون بين المرأة البدوية والحضرية في استحقاق ذلك البدل، بل يضعون العمل والكد والسعاية وهو المعيار لاستحقاق الزوجة لبدل الكد والسعاية بجانب الزوج... ولما قصرت محكمة الاستئناف حق الكد والسعاية في المرأة البدوية فإنها تكون قد خالفت قواعد الشريعة الإسلامية والفقه المالكي وتكون قد خرقت صراحة القانون وأوردت استثناءا لأحكام الفقه الإسلامي دون سند ولا مرجع فجعلت قرارها فاقد الأساس القانوني ومعرضا للنقض".
ولاشك أن هذا الاتجاه الذي تبناه المجلس الأعلى هو توجه محمود لما سيكون له من كبير الأثر في تحقيق الاستقرار داخل الأسرة برفع الحيف عن النساء ذوات الكد والسعاية مما سيشكل لهن صمام أمان قد يكون دافعا نحو بذل المزيد من العمل والعطاء في اتجاه الرقي بمستوى الآداء داخل الفضاء الأسري.
بعد هذا يمكن التساؤل حول الحيز الجغرافي الذي يشمله تطبيق حق الكد والسعاية بمعنى هل هذا النظام مقصور على المناطق التي تأخذ به –مناطق سوس وغمارة- أم يمتد ليشمل باقي مناطق المغرب؟
طبعا الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي معرفة السند الذي تعتمده المحاكم في قضائها بالكد والسعاية: اهو العرف السائد في مناطق معينة وبالتالي قصر تطبيقه على هذه المناطق نظرا للطابع المكاني للعرف أم هو النص مما يجعل منه قاعدة عامة ومجردة تسري حتى في المناطق التي لا يوجد بها ذلك العرف.
من خلال تفحص بعض الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم الموضوع في هذا الشأن يتضح أنها دأبت على الأخذ بالكد والسعاية على أساس العرف أو ما جرى به العمل وبذلك قضت المحكمة الابتدائية بالرباط في حكم لها بتاريخ 07-06-99 بعدم أحقية المدعية في طلب مقابل عملها على اعتبار "أن الواجبات المترتبة على الزوج عند الطلاق محددة بمقتضى المدونة... وان المدعية من مدينة الرباط وهي منطقة حضرية معروفة وان العرف فيها لا يأخذ المبدأ المؤسس عليه الدعوى "وفي حكم لابتدائية مراكش صادر في 21-12-2004 جاء فيه "النازلة موضوع الدعوى".
تتعلق بحق الكد والسعاية المستمد من الأعراف المحلية لمنطقة سوس ماسة وأن تطبيق العرف يتميز بطابع الحصرية المكانية والتحديد الجغرافي ومن ثم فإنه لا يمكن تطبيقه على أناس يعيشون... خارج مناطق سوس ماسة حسب الاجتهاد القار للمجلس الأعلى".
وقد حاولت الحصول على اجتهاد للمجلس الأعلى يبين موقفه من هذه النقطة بكيفية صريحة لكني لم أجد إليه سبيلا، وكل ما في الأمر أن هذا الأخير يكتفي في تعليل قراراته بالقول أن الكد والسعاية تعتبر من الحقوق المعترف بها في الفقه الإسلامي.
وأمام هذا الفراغ القضائي ليس على المحاكم إلا الاعتماد على قاعدة الإحالة على المذهب المالكي الواردة في الفصل 400 من مدونة الأسرة خاصة وأن الإمام مالك كان سباقا إلى العمل بنظام الكد والسعاية ألا يعتبر المذهب المالكي تشريعا؟
لذلك يكون من الخطأ الاعتقاد بأن نظام الكد والسعاية لم ينظم تشريعيا كمؤسسة قانونية كما جاء في حكم للحكمة الابتدائية بأكادير "وحيث أن حق الكد والسعاية وإن لم ينظم تشريعيا كمؤسسة قانونية إلا أنه يرجع بشأنه إلى العرف المحلي وكتابات المتقدمين".
بل على العكس من ذلك فهذا الحق نظمه الفقه المالكي بتفصيل وهذا الفقه هو الواجب التطبيق طبقا للفصل 400 من مدونة الأسرة لذلك فالقول بأن الكد والسعاية لم ينظم تشريعيا قول مجانب للحقيقة ويجب أن يعاد فيه النظر.
ولربما يتطلب هذا الموضوع الآن حلا قانونيا لا على أساس العرف السوسي أو العرف الغماري أو ما جرى به العمل الفاسي لأن عمل المرأة ومساهمتها في خير الأسرة لم يعد قاصرا على جهة دون أخرى من المغرب فلا معنى لقصر حق السعاية على جهة دون أخرى مع قيام موجب ذلك في كل الجهات حيث تكافأ الواحدة وتحرم الأخرى لا لشيء إلا لتباين المناطق التي تنتمي إليها كل واحدة منهما، فهذا أمر لا يستسيغه قانون ولا يزكيه شرع .
ومع الأسف نلاحظ أن الفصل 49 من مدونة الأسرة لم يعترف بحق الزوجة في الكد والسعاية كما نادى به العديد من فقهاء المالكية في المغرب وكما أكده القضاء المغربي في قراراته وأحكامه وكما نادى به جل المهتمين بشؤون الأسرة ودعوا إلى ضرورة مواكبة المدونة لمقتضيات التحديث مع الحفاظ على طابع الأصالة المستمد من شريعتنا الإسلامية.
وأمام هذا الفراغ التشريعي يمكن القول أن الحل بالنسبة لمن جوبه طلب مقابل عمله خلال الحياة الزوجية بالرفض من قبل محاكم الموضوع لكونه من أهل الحاضرة يكمن في الطعن بالنقض لسبب خرق الاجتهاد القضائي الذي هو في حقيقته طعن بحرق القانون أما بالنسبة لباقي الحالات الأخرى فإن الحل يبقى معلقا حتى إشعار آخر.
لكن على الرغم من أن مدونة الأسرة لم تعترف بحق الكد والسعاية إلا أنها أتاحت إمكانية للزوجين لتدبير أموالهما بشكل توافقي