عبد الرحمن بن عمرو
نشرت جريدة " العلم " في عددها المؤرخ في 5 أبريل بحثا للأستاذ عبد الله جميلي ، محام بهيئة مكناس يتناول فيه : موضوع محاضر الضابطة القضائية واللغة التي يجب أن تحرر بها .
وقد اختارت الجريدة للموضوع المذكور العنوان التالي : "تحرير محاضر الضابطة القضائية بلغة أجنبية لا يبطلها ، للشخص المستنطق حق الاطلاع على ما في المحاضر" .
ونحن في هذا التعليق نرغب في الرد على ما جاء في بحث الأستاذ عبد الله جميلي مع طرح مسألة التعريب …
ويقتضي الرد التذكير أولا بمحتويات البحث .
ويشتمل بحث الأستاذ عبد الله جميلي على الأفكار الآتية :
1 – أن جميع الدساتير المغربية تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية .
2 – هناك مناشير صادرة عن الوزارة الأولى تحث على جعل اللغة العربية لغة التعامل الإداري …
3 – رغم ما ذكر فلازالت بعض الإدارات تستعمل اللغة الفرنسية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : إدارة المياه والغابات ، ومصالح الدرك الملكي ، والشرطة القضائية .
4 – لا يوجد أي نص قانوني ينص على بطلان المحاضر المنجزة من طرف الضابطة القضائية باللغة الفرنسية:
فالفصل 291 م ج لم يتطرق إلى نوع اللغة التي يجب أن تحرر بها المحاضر .
إن الدساتير التي نصت على رسمية اللغة العربية لم تشر إلى بطلان المحاضر عند تحريرها بغير اللغة العربية .
حتى لو نصت الدساتير على بطلان المحاضر المحررة بغير العربية فإنه لا يعمل بهذا النص لأن هناك قوانين خاصة لا تنص على تحريرها بالعربية وأن القوانين الخاصة مقدمة على القوانين العامة .
إن الفصول من 70 إلى 76 من الظهير الصادر في 14 / 01 / 1957 المنظم للدرك الملكي والمتعلقة بتحرير محاضر الدرك لم تشر إلى وجوب تحريرها باللغة العربية .
إن الفصل 23 من المسطرة الجنائية ( م . ج ) المتعلق بالمحاضر لم تشر إلى لغة التحرير وبالتالي يبقى الباب مفتوحا لتحرير المحاضر باللغة العربية أو الفرنسية أو الاسبانية حسب اللغة المستعملة في منطقة الإنجاز .
5 – إنه من حق المستنطق الذي لا يعرف اللغة الفرنسية المحررة بها المحاضر أن يمتنع عن التوقيع عليها إلا إذا حرر المحضر بلغة يفقهها ويحسنها ، وينطبق نفس الأمر على الأمي .
6 – وينتهي الأستاذ عبد الله جميلي في بحثه بخلاصة هي : (( إنه في غياب وجود نص قانوني يقضي ببطلان المحاضر المحررة باللغة الأجنبية تبقى هذه الأخيرة صحيحة إلا إذا اعتراها عيب من العيوب المنصوص عليها في الفصل 765 م م ج )) .
إن بحث الأستاذ جميلي وما خرج به من خلاصة يطرح من جديد مسألة التعريب ، وضمنها تعريب الوثائق وذلك من عدة جوانب من بينها :
* الجانب القانوني
* الجانب الواقعي
* الجانب المعنوي
فلنحاول ، من خلال هذا الرد أن نتعرض بإيجاز كبير للجوانب الثلاث المذكورة :
أولا : الجانب القانوني :
إن تعريب مؤسسات الدولة المغربية بما تشتمل عليه هذه المؤسسات من إدارات تسييرية وإنتاجية وتعليمية وقضائية ، لا يفرضه الجانب الواقعي فقط ولا الجانب المعنوي فقط ، وغنما بالإضافة إلى ذلك الجانب القانوني :
إن الجانب القانوني ينحصر أساسا في النص الدستوري ، وتظل النصوص القانونية الأخرى والقرارات والمنشورات الوزارية المتعلقة بالتعريب ، مجرد نتيجة أو تأكيد لما ذهب إليه النص الدستوري .
إن جميع الدساتير التي عرفها المغرب ، ابتداء من دستور 1962 ، وانتهاء بدستور 1996 ، تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية للمملكة المغربية .
بل أكثر من ذلك فحتى قبل صدور دستور 1962، فإن رسمية اللغة العربية نص عليها في المادة 3 من القانون الأساسي للمملكة المعلن عنه بمقتضى ظهير 2 يونيو 1961 .
ومن المعلوم ، فقها وقضاء أن الدستور هو أعلى قانون في البلاد وأن جميع مقتضياته تعتبر من النظام العام وبالتالي لا يجوز مخالفتها بمقتضى قوانين أو مراسيم أو قرارات أو منشورات ، وهذه القاعدة أكدها الفصل 81 من الدستور في فقرته السادسة التي نصت على ما يلي : (( لا يجوز إصدار أو تطبيق أي نص يخالف الدستور )) .
ويقتضي تعريب مؤسسات الدولة طبقا للدستور ، أن يكون جميع ما يصدر عنها من قوانين ومراسيم وقرارات وأحكام ووثائق ومحاضر ومنشورات ومطبوعات وتصرفات وأنشطة داخلية محررا باللغة العربية وذلك سواء في علاقة هذه المؤسسات مع بعضها أو في علاقتها مع المواطنين .
إن معنى ذلك أن تكون جميع الوثائق والمحاضر المقدمة للمحاكم المغربية محررة باللغة العربية أو على الأقل مترجمة إلى هذه الأخيرة ترجمة رسمية ، أي بواسطة ترجمان محلف ، وإلا فقدت حجيتها في الإثبات .
وتحرير الوثائق والمحاضر المقدمة للقضاء بالعربية أو ، على الأقل ، ترجمتها لهذه الأخيرة لا تفرضه مقتضيات الدستور فقط وإنما تؤكد عليه أيضا ، وتمشيا مع الدستور ، مقتضيات الفصلين الأول والثاني من قرار وزير العدل رقم 65 . 414 المؤرخ في 29 / 06 / 1965 الخاص باستعمال اللغة العربية لدى محاكم المملكة :
فالفصل الأول ينص على أنه (( يجب أن تحرر باللغة العربية جميع المقالات والعرائض والمذكرات وبصفة عامة جميع الوثائق المقدمة إلى مختلف المحاكم )) .
والفصل الثاني ينص على ما يلي :
خلافا لمقتضيات الفصل الأول وإلى غاية 31 دجنبر 1965 :
1 – يسمح للمحامين بتقديم الوثائق المشار إليها أعلاه مرفوقة بترجمتها إلى اللغة الفرنسية أو الإسبانية .
2 – يمكن أن تحرر وتقدم بإحدى اللغتين الأجنبيتين المقررتين في الفقرة السابقة المحاضر والتقارير الموضوعة من طرف جميع الأعوان المحررين إن لم يتأت وضعها باللغة العربية .
ويستنتج من قرار وزير العدل ، انه ابتداء من فاتح يناير 1966 لم يعد في الإمكان تقديم الوثائق والمحاضر المحررة بلغة أجنبية إلى المحاكم المغربية .
ولا يمكن القول ، كما ذهب إلى ذلك الأستاذ جميلي ، بأنه ليس من الضروري التحرير بالعربية المحاضر المنجزة من قبل الضابطة القضائية التي يندرج تحت غطائها رجال الدرك وذلك على اعتبار أن الفصول القانونية المنظمة لإنجاز تلك المحاضر والواردة في قانون المسطرة الجنائية وفي قانون الدرك الملكي لا تشترط تحريرها بالعربية وان النص المتعلق برسمية اللغة العربية إنما هو نص عام لأنه وارد في الدستور ، بينما النص أو النصوص المنظمة لتحرير محاضر الضابطة القضائية إنما هي نصوص خاصة وأن الخاص يقيد العام .
لا يمكن القول بذلك لعدة اعتبارات قانونية من بينها :
1 – أن ترسيم أية لغة أي جعلها لغة عمل رسمية في التواصل إنما يرد في الدستور ، ولا يمكنها أن يرد في قانون خاص سواء كان هذا القانون الخاص هو المسطرة الجنائية أو قانون الدرك الملكي أو غيرهما من القوانين الخاصة الأدنى من الدستور ، لأن ما يستهدفه واضعو مشروع الدستور المصادق عليه بواسطة الاستفتاء الشعبي من ترسيم اللغة ضمن محتوياته ليس فقط جعلها لغة عمل على مستوى محاضر الضابطة القضائية المقدمة للقضاء وإنما قبل كل شيء جعلها لغة عمل في جميع المجالات التي أشرنا إليها .
2 – إن من أهم شروط تطبيق قاعدة النص الخاص يقيد العام هو أن يكون النص الخاص في مرتبة النص العام ، وبالتالي فإن القيود و الاستثناءات التي يمكن أن ترد على الدستور لا يمكن أن ينص عليها إلا في الدستور وليس بمقتضى قانون صادر عن البرلمان أو مرسوم صادر عن الوزير الأول أو قرار صادر عن وزير من الوزراء .
والعكس غير صحيح بمعنى أن القانون الأعلى يجوز له أن يقيد القانون الأدنى منه ، وهذه القاعدة لا يفرضها القانون والفقه فقط وإنما المنطق أيضا . ومن المعلوم أن أعلى قانون هو الدستور يليه القانون الصادر
عن البرلمان فالمرسوم التنظيمي ، فالمرسوم الخاص ، فالقرار الوزيري .
وحتى المسطرة الجنائية الفرنسية التي تتشابه في أغلب مقتضياتها مع المسطرة الجنائية المغربية لم تنص على أن اللغة التي تحرر بها محاضر الضابطة القضائية هي الفرنسية ، فهل يعني ذلك أنه يجوز لهذه الأخيرة ( الضابطة ) أن تحرر محاضرها بغير اللغة الفرنسية وضدا على الدستور الفرنسي الذي ينص في مادته الثانية على أن لغة الجمهورية الرسمية هي الفرنسية .
3 – إن الفصول التي اعتمد عليها الأستاذ جميلي للقول بعدم وجوب تحرير محاضر الضابطة القضائية باللغة العربية لم تنص أيضا على وجوب تحريرها بالفرنسية أو الإسبانية فالفصول التي أشار إليها الأستاذ سكتت عن تعيين لغة التحرير ، فإذا أخذنا بتأويله الذي يقوم على أساس أن المطلق يؤخذ على إطلاقه فإن النتيجة التي ستنتهي إليها هي انه يجوز تحرير محاضر الضابطة القضائية ليس فقط باللغة العربية أو الفرنسية أو الإسبانية وإنما أيضا بجميع لغات العالم الأجنبية التي يفوق عددها الستة آلاف لغة ، ومعنى ذلك أن ضابط الشرطة القضائية الذي يجيد اللغة الإنجليزية أو الألمانية أو الإيطالية أو الصينية أو اليابانية أو اليونانية أو أية لغة من لغات العالم سيمكنه وفقا لتأويل الأستاذان يحرر محضر باللغة التي يعرفها …؟ ! .
وبطبيعة الحال لا يمكن العمل بهذا التأويل لأنه ليس هناك فراغ فيما يخص لغة العمل الرسمية التي يجب استعمالها في جميع المجالات ومنها مجال تحرير المحاضر بما فيها محاضر الضابطة القضائية ، وهذه اللغة هي اللغة العربية التي يرسمها الدستور …
ومن المعلوم ، من الوجهة الفقهية ، وفي إطار قواعد تفسير النصوص القانونية ، فإن القانون يكمل بعضه البعض الآخر ، فإذا وجد فراغ في قانون معين فإنه يجب البحث فيما إذا كان هذا الفراغ مملوء بموجب قانون آخر ، وإذا طبقنا هذه القاعدة البسيطة والمشهورة على الفراغ الموجود في المسطرة الجنائية وفي قانون الدرك الملكي وذلك فيما يخص اللغة التي يجب أن تحرر بها ليس فقط محاضر الضابطة القضائية وإنما محاضر النيابة العامة وقضاة التحقيق والجلسات ، لو طبقناها لقلنا بأن هذا الفراغ اللغوي مملوء بمقتضى أعلى قانون في البلاد وهو الدستور الذي يجعل من العربية اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد .
وليس تحديد لغة تحرير محاضر الضابطة القضائية وغيرها من المحاضر هو الوحيد الذي لم تتطرق له المسطرة الجنائية ، وإنما لم تتطرق هذه الأخيرة للعديد من المسائل التي يرجع إلى قوانين أخرى لتحديدها والفصل فيها . وعلى وجه المثال لا الحصر:
فإن المسطرة الجنائية تتحدثت عن اختصاصات هيئة القضاء التي تفصل في النزاعات الجنائية المعروضة عليها ابتدائيا ، وتلك التي تنظر فيها استئنافيا وتلك التي تبث فيها بمرحلة النقض ، ولكنها ، أي المسطرة الجنائية ، لم تتكلم عن عدد كل هيئة ، ولو استعملنا منطق الأستاذ في تفسير النصوص ، أي قاعدة المطلق يؤخذ على إطلاقه لجاز القول بان عدد الهيئة القضائية في المرحلة الابتدائية يمكن أن يكون ستة أو أي رقم من الأرقام ، وفي المرحلة الاستئنافية يمكن أن يكون العدد عشرة أو عشرين أو ما شئت من الأعداد ، وأمام المجلس الأعلى ثلاثون مستشارا أو ما شئت من الأرقام ؟ …
ولكن تفسير النصوص بناء على قاعدة أن القوانين يكمل بعضها البعض الآخر تدفعنا إلى البحث فيما إذا كان هناك قانون آخر ، غير المسطرة الجنائية يحدد عدد كل هيئة قضائية من الهيئات المشار إليها ؟:
إننا سنجد هذا القانون في الظهير بمثابة قانون خاص بالتنظيم القضائي والذي يحمل رقم 338 – 74 – 1 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 الموافق لـ 15 / 7 / 1974 : فطبقا لهذا الظهير فإن العدد المكون لهيئة القضاة بالمحكمة الابتدائية ، هو ثلاثة ( ف 4 ) ، وذلك سواء بالنسبة للهيئة التي تنظر في القضايا الجنائية أو تلك التي تبث في القضايا المدنية ، وهو بالنسبة لمحكمة الاستئناف ، ثلاثة مستشارين ( ف 7 ) ، أما في المجلس الأعلى فيرتفع العدد ليصبح خمسة من المستشارين ( ف 12 ) .
أما عدد المستشارين المكونين للهيئة التي تفصل في الجنايات ، فلن نجده في المسطرة الجنائية ولا في الظهير بمثابة قانون المتعلق بالتنظيم القضائي ، وإنما في الفصل 11 من الظهير بمثابة قانون رقم 448 – 74 – 1 المؤرخ في 11 رمضان 1394 ( 28 / 09 / 1974 ) الخاص بالإجراءات الانتقالية : فهذا الفصل يحدد العدد في خمسة مستشارين ينتمون إلى محكمة الاستئناف .
وهناك مثال آخر يتعلق بجنسية القضاة الذين يبثون في القضايا المعروضة على المحاكم المغربية ، فالمسطرة الجنائية لم تتكلم عن جنسيتهم وبالتالي لم تشترط بان يكونوا مغاربة ، ولو أخذنا بقاعدة المطلق يؤخذ على إطلاقه ، وهي القاعدة التي اعتمدها الأستاذ جميلي في تفسير النصوص المتعلقة بتحرير محاضر الضابطة القضائية لقلنا بأن قضاة المحاكم المغربية يمكن أن يكونوا اسبانا أو فرنسيين أو يونانيين أو من أية جنسية أخرى أو مختلطي الجنسيات …
ولكن إذا اعتمدنا قاعدة القوانين تكمل بعضها البعض الآخر ، فسنقول بأن القضاة في المغرب موظفون وأن الموظف لا يمكن أن يكون إلا مغربيا طبقا للمادة 21 من الظهير المنظم للوظيفة العمومية والصادر في 24 / 02 / 1958 …
ورسمية اللغة العربية تقتضي بان تكون مناقشة الحجج والمستندات المعروضة على القضاء بالعربية وبما أن محاضر الضابطة القضائية تعتبر من المستندات المحتج بها ، فإنه لا يمكن أن تناقش من قبل أطراف الدعوى والمحكمة والنيابة العامة والشهود إن وجدوا إلا بالعربية الأمر الذي يستوجب بأن تكون محررة بالعربية أو على الأقل مترجمة إلى هذه الأخيرة ترجمة رسمية ، ويؤكد الاستنتاج الذي وصلنا إليه الفصل 289 مسطرة جنائية ( م .ج ) الذي ينص على أن القاضي لا يمكن أن يبني حكمه إلا على حجج نوقشت أمامه شفويا و حضوريا وعلنيا ، ويستهدف المشرع من العلنية حضور الجمهور، كنوع من المراقبة جلسات المحكمة من أجل تتبع ما يروج بها من مناقشات ، بما فيها تلك المتعلقة بمحتويات محاضر الضابطة القضائية التي لا يمكن أن يتعرف عليها الحضور إلا إذا كانت محررة بالعربية أو مترجمة إليها .
وحسب قانون مغربة وتوحيد المحاكم المغربية رقم 64 – 3 الصادر بتنفيذه ظهير 26 / 01 / 1965 فإن لغة المداولات هي العربية ، وتعني المداولة مناقشة القضية سواء في الجلسة العلنية أو عند اختلاء المحكمة للبث فيها .
نشرت جريدة " العلم " في عددها المؤرخ في 5 أبريل بحثا للأستاذ عبد الله جميلي ، محام بهيئة مكناس يتناول فيه : موضوع محاضر الضابطة القضائية واللغة التي يجب أن تحرر بها .
وقد اختارت الجريدة للموضوع المذكور العنوان التالي : "تحرير محاضر الضابطة القضائية بلغة أجنبية لا يبطلها ، للشخص المستنطق حق الاطلاع على ما في المحاضر" .
ونحن في هذا التعليق نرغب في الرد على ما جاء في بحث الأستاذ عبد الله جميلي مع طرح مسألة التعريب …
ويقتضي الرد التذكير أولا بمحتويات البحث .
ويشتمل بحث الأستاذ عبد الله جميلي على الأفكار الآتية :
1 – أن جميع الدساتير المغربية تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية .
2 – هناك مناشير صادرة عن الوزارة الأولى تحث على جعل اللغة العربية لغة التعامل الإداري …
3 – رغم ما ذكر فلازالت بعض الإدارات تستعمل اللغة الفرنسية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : إدارة المياه والغابات ، ومصالح الدرك الملكي ، والشرطة القضائية .
4 – لا يوجد أي نص قانوني ينص على بطلان المحاضر المنجزة من طرف الضابطة القضائية باللغة الفرنسية:
فالفصل 291 م ج لم يتطرق إلى نوع اللغة التي يجب أن تحرر بها المحاضر .
إن الدساتير التي نصت على رسمية اللغة العربية لم تشر إلى بطلان المحاضر عند تحريرها بغير اللغة العربية .
حتى لو نصت الدساتير على بطلان المحاضر المحررة بغير العربية فإنه لا يعمل بهذا النص لأن هناك قوانين خاصة لا تنص على تحريرها بالعربية وأن القوانين الخاصة مقدمة على القوانين العامة .
إن الفصول من 70 إلى 76 من الظهير الصادر في 14 / 01 / 1957 المنظم للدرك الملكي والمتعلقة بتحرير محاضر الدرك لم تشر إلى وجوب تحريرها باللغة العربية .
إن الفصل 23 من المسطرة الجنائية ( م . ج ) المتعلق بالمحاضر لم تشر إلى لغة التحرير وبالتالي يبقى الباب مفتوحا لتحرير المحاضر باللغة العربية أو الفرنسية أو الاسبانية حسب اللغة المستعملة في منطقة الإنجاز .
5 – إنه من حق المستنطق الذي لا يعرف اللغة الفرنسية المحررة بها المحاضر أن يمتنع عن التوقيع عليها إلا إذا حرر المحضر بلغة يفقهها ويحسنها ، وينطبق نفس الأمر على الأمي .
6 – وينتهي الأستاذ عبد الله جميلي في بحثه بخلاصة هي : (( إنه في غياب وجود نص قانوني يقضي ببطلان المحاضر المحررة باللغة الأجنبية تبقى هذه الأخيرة صحيحة إلا إذا اعتراها عيب من العيوب المنصوص عليها في الفصل 765 م م ج )) .
إن بحث الأستاذ جميلي وما خرج به من خلاصة يطرح من جديد مسألة التعريب ، وضمنها تعريب الوثائق وذلك من عدة جوانب من بينها :
* الجانب القانوني
* الجانب الواقعي
* الجانب المعنوي
فلنحاول ، من خلال هذا الرد أن نتعرض بإيجاز كبير للجوانب الثلاث المذكورة :
أولا : الجانب القانوني :
إن تعريب مؤسسات الدولة المغربية بما تشتمل عليه هذه المؤسسات من إدارات تسييرية وإنتاجية وتعليمية وقضائية ، لا يفرضه الجانب الواقعي فقط ولا الجانب المعنوي فقط ، وغنما بالإضافة إلى ذلك الجانب القانوني :
إن الجانب القانوني ينحصر أساسا في النص الدستوري ، وتظل النصوص القانونية الأخرى والقرارات والمنشورات الوزارية المتعلقة بالتعريب ، مجرد نتيجة أو تأكيد لما ذهب إليه النص الدستوري .
إن جميع الدساتير التي عرفها المغرب ، ابتداء من دستور 1962 ، وانتهاء بدستور 1996 ، تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية للمملكة المغربية .
بل أكثر من ذلك فحتى قبل صدور دستور 1962، فإن رسمية اللغة العربية نص عليها في المادة 3 من القانون الأساسي للمملكة المعلن عنه بمقتضى ظهير 2 يونيو 1961 .
ومن المعلوم ، فقها وقضاء أن الدستور هو أعلى قانون في البلاد وأن جميع مقتضياته تعتبر من النظام العام وبالتالي لا يجوز مخالفتها بمقتضى قوانين أو مراسيم أو قرارات أو منشورات ، وهذه القاعدة أكدها الفصل 81 من الدستور في فقرته السادسة التي نصت على ما يلي : (( لا يجوز إصدار أو تطبيق أي نص يخالف الدستور )) .
ويقتضي تعريب مؤسسات الدولة طبقا للدستور ، أن يكون جميع ما يصدر عنها من قوانين ومراسيم وقرارات وأحكام ووثائق ومحاضر ومنشورات ومطبوعات وتصرفات وأنشطة داخلية محررا باللغة العربية وذلك سواء في علاقة هذه المؤسسات مع بعضها أو في علاقتها مع المواطنين .
إن معنى ذلك أن تكون جميع الوثائق والمحاضر المقدمة للمحاكم المغربية محررة باللغة العربية أو على الأقل مترجمة إلى هذه الأخيرة ترجمة رسمية ، أي بواسطة ترجمان محلف ، وإلا فقدت حجيتها في الإثبات .
وتحرير الوثائق والمحاضر المقدمة للقضاء بالعربية أو ، على الأقل ، ترجمتها لهذه الأخيرة لا تفرضه مقتضيات الدستور فقط وإنما تؤكد عليه أيضا ، وتمشيا مع الدستور ، مقتضيات الفصلين الأول والثاني من قرار وزير العدل رقم 65 . 414 المؤرخ في 29 / 06 / 1965 الخاص باستعمال اللغة العربية لدى محاكم المملكة :
فالفصل الأول ينص على أنه (( يجب أن تحرر باللغة العربية جميع المقالات والعرائض والمذكرات وبصفة عامة جميع الوثائق المقدمة إلى مختلف المحاكم )) .
والفصل الثاني ينص على ما يلي :
خلافا لمقتضيات الفصل الأول وإلى غاية 31 دجنبر 1965 :
1 – يسمح للمحامين بتقديم الوثائق المشار إليها أعلاه مرفوقة بترجمتها إلى اللغة الفرنسية أو الإسبانية .
2 – يمكن أن تحرر وتقدم بإحدى اللغتين الأجنبيتين المقررتين في الفقرة السابقة المحاضر والتقارير الموضوعة من طرف جميع الأعوان المحررين إن لم يتأت وضعها باللغة العربية .
ويستنتج من قرار وزير العدل ، انه ابتداء من فاتح يناير 1966 لم يعد في الإمكان تقديم الوثائق والمحاضر المحررة بلغة أجنبية إلى المحاكم المغربية .
ولا يمكن القول ، كما ذهب إلى ذلك الأستاذ جميلي ، بأنه ليس من الضروري التحرير بالعربية المحاضر المنجزة من قبل الضابطة القضائية التي يندرج تحت غطائها رجال الدرك وذلك على اعتبار أن الفصول القانونية المنظمة لإنجاز تلك المحاضر والواردة في قانون المسطرة الجنائية وفي قانون الدرك الملكي لا تشترط تحريرها بالعربية وان النص المتعلق برسمية اللغة العربية إنما هو نص عام لأنه وارد في الدستور ، بينما النص أو النصوص المنظمة لتحرير محاضر الضابطة القضائية إنما هي نصوص خاصة وأن الخاص يقيد العام .
لا يمكن القول بذلك لعدة اعتبارات قانونية من بينها :
1 – أن ترسيم أية لغة أي جعلها لغة عمل رسمية في التواصل إنما يرد في الدستور ، ولا يمكنها أن يرد في قانون خاص سواء كان هذا القانون الخاص هو المسطرة الجنائية أو قانون الدرك الملكي أو غيرهما من القوانين الخاصة الأدنى من الدستور ، لأن ما يستهدفه واضعو مشروع الدستور المصادق عليه بواسطة الاستفتاء الشعبي من ترسيم اللغة ضمن محتوياته ليس فقط جعلها لغة عمل على مستوى محاضر الضابطة القضائية المقدمة للقضاء وإنما قبل كل شيء جعلها لغة عمل في جميع المجالات التي أشرنا إليها .
2 – إن من أهم شروط تطبيق قاعدة النص الخاص يقيد العام هو أن يكون النص الخاص في مرتبة النص العام ، وبالتالي فإن القيود و الاستثناءات التي يمكن أن ترد على الدستور لا يمكن أن ينص عليها إلا في الدستور وليس بمقتضى قانون صادر عن البرلمان أو مرسوم صادر عن الوزير الأول أو قرار صادر عن وزير من الوزراء .
والعكس غير صحيح بمعنى أن القانون الأعلى يجوز له أن يقيد القانون الأدنى منه ، وهذه القاعدة لا يفرضها القانون والفقه فقط وإنما المنطق أيضا . ومن المعلوم أن أعلى قانون هو الدستور يليه القانون الصادر
عن البرلمان فالمرسوم التنظيمي ، فالمرسوم الخاص ، فالقرار الوزيري .
وحتى المسطرة الجنائية الفرنسية التي تتشابه في أغلب مقتضياتها مع المسطرة الجنائية المغربية لم تنص على أن اللغة التي تحرر بها محاضر الضابطة القضائية هي الفرنسية ، فهل يعني ذلك أنه يجوز لهذه الأخيرة ( الضابطة ) أن تحرر محاضرها بغير اللغة الفرنسية وضدا على الدستور الفرنسي الذي ينص في مادته الثانية على أن لغة الجمهورية الرسمية هي الفرنسية .
3 – إن الفصول التي اعتمد عليها الأستاذ جميلي للقول بعدم وجوب تحرير محاضر الضابطة القضائية باللغة العربية لم تنص أيضا على وجوب تحريرها بالفرنسية أو الإسبانية فالفصول التي أشار إليها الأستاذ سكتت عن تعيين لغة التحرير ، فإذا أخذنا بتأويله الذي يقوم على أساس أن المطلق يؤخذ على إطلاقه فإن النتيجة التي ستنتهي إليها هي انه يجوز تحرير محاضر الضابطة القضائية ليس فقط باللغة العربية أو الفرنسية أو الإسبانية وإنما أيضا بجميع لغات العالم الأجنبية التي يفوق عددها الستة آلاف لغة ، ومعنى ذلك أن ضابط الشرطة القضائية الذي يجيد اللغة الإنجليزية أو الألمانية أو الإيطالية أو الصينية أو اليابانية أو اليونانية أو أية لغة من لغات العالم سيمكنه وفقا لتأويل الأستاذان يحرر محضر باللغة التي يعرفها …؟ ! .
وبطبيعة الحال لا يمكن العمل بهذا التأويل لأنه ليس هناك فراغ فيما يخص لغة العمل الرسمية التي يجب استعمالها في جميع المجالات ومنها مجال تحرير المحاضر بما فيها محاضر الضابطة القضائية ، وهذه اللغة هي اللغة العربية التي يرسمها الدستور …
ومن المعلوم ، من الوجهة الفقهية ، وفي إطار قواعد تفسير النصوص القانونية ، فإن القانون يكمل بعضه البعض الآخر ، فإذا وجد فراغ في قانون معين فإنه يجب البحث فيما إذا كان هذا الفراغ مملوء بموجب قانون آخر ، وإذا طبقنا هذه القاعدة البسيطة والمشهورة على الفراغ الموجود في المسطرة الجنائية وفي قانون الدرك الملكي وذلك فيما يخص اللغة التي يجب أن تحرر بها ليس فقط محاضر الضابطة القضائية وإنما محاضر النيابة العامة وقضاة التحقيق والجلسات ، لو طبقناها لقلنا بأن هذا الفراغ اللغوي مملوء بمقتضى أعلى قانون في البلاد وهو الدستور الذي يجعل من العربية اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد .
وليس تحديد لغة تحرير محاضر الضابطة القضائية وغيرها من المحاضر هو الوحيد الذي لم تتطرق له المسطرة الجنائية ، وإنما لم تتطرق هذه الأخيرة للعديد من المسائل التي يرجع إلى قوانين أخرى لتحديدها والفصل فيها . وعلى وجه المثال لا الحصر:
فإن المسطرة الجنائية تتحدثت عن اختصاصات هيئة القضاء التي تفصل في النزاعات الجنائية المعروضة عليها ابتدائيا ، وتلك التي تنظر فيها استئنافيا وتلك التي تبث فيها بمرحلة النقض ، ولكنها ، أي المسطرة الجنائية ، لم تتكلم عن عدد كل هيئة ، ولو استعملنا منطق الأستاذ في تفسير النصوص ، أي قاعدة المطلق يؤخذ على إطلاقه لجاز القول بان عدد الهيئة القضائية في المرحلة الابتدائية يمكن أن يكون ستة أو أي رقم من الأرقام ، وفي المرحلة الاستئنافية يمكن أن يكون العدد عشرة أو عشرين أو ما شئت من الأعداد ، وأمام المجلس الأعلى ثلاثون مستشارا أو ما شئت من الأرقام ؟ …
ولكن تفسير النصوص بناء على قاعدة أن القوانين يكمل بعضها البعض الآخر تدفعنا إلى البحث فيما إذا كان هناك قانون آخر ، غير المسطرة الجنائية يحدد عدد كل هيئة قضائية من الهيئات المشار إليها ؟:
إننا سنجد هذا القانون في الظهير بمثابة قانون خاص بالتنظيم القضائي والذي يحمل رقم 338 – 74 – 1 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 الموافق لـ 15 / 7 / 1974 : فطبقا لهذا الظهير فإن العدد المكون لهيئة القضاة بالمحكمة الابتدائية ، هو ثلاثة ( ف 4 ) ، وذلك سواء بالنسبة للهيئة التي تنظر في القضايا الجنائية أو تلك التي تبث في القضايا المدنية ، وهو بالنسبة لمحكمة الاستئناف ، ثلاثة مستشارين ( ف 7 ) ، أما في المجلس الأعلى فيرتفع العدد ليصبح خمسة من المستشارين ( ف 12 ) .
أما عدد المستشارين المكونين للهيئة التي تفصل في الجنايات ، فلن نجده في المسطرة الجنائية ولا في الظهير بمثابة قانون المتعلق بالتنظيم القضائي ، وإنما في الفصل 11 من الظهير بمثابة قانون رقم 448 – 74 – 1 المؤرخ في 11 رمضان 1394 ( 28 / 09 / 1974 ) الخاص بالإجراءات الانتقالية : فهذا الفصل يحدد العدد في خمسة مستشارين ينتمون إلى محكمة الاستئناف .
وهناك مثال آخر يتعلق بجنسية القضاة الذين يبثون في القضايا المعروضة على المحاكم المغربية ، فالمسطرة الجنائية لم تتكلم عن جنسيتهم وبالتالي لم تشترط بان يكونوا مغاربة ، ولو أخذنا بقاعدة المطلق يؤخذ على إطلاقه ، وهي القاعدة التي اعتمدها الأستاذ جميلي في تفسير النصوص المتعلقة بتحرير محاضر الضابطة القضائية لقلنا بأن قضاة المحاكم المغربية يمكن أن يكونوا اسبانا أو فرنسيين أو يونانيين أو من أية جنسية أخرى أو مختلطي الجنسيات …
ولكن إذا اعتمدنا قاعدة القوانين تكمل بعضها البعض الآخر ، فسنقول بأن القضاة في المغرب موظفون وأن الموظف لا يمكن أن يكون إلا مغربيا طبقا للمادة 21 من الظهير المنظم للوظيفة العمومية والصادر في 24 / 02 / 1958 …
ورسمية اللغة العربية تقتضي بان تكون مناقشة الحجج والمستندات المعروضة على القضاء بالعربية وبما أن محاضر الضابطة القضائية تعتبر من المستندات المحتج بها ، فإنه لا يمكن أن تناقش من قبل أطراف الدعوى والمحكمة والنيابة العامة والشهود إن وجدوا إلا بالعربية الأمر الذي يستوجب بأن تكون محررة بالعربية أو على الأقل مترجمة إلى هذه الأخيرة ترجمة رسمية ، ويؤكد الاستنتاج الذي وصلنا إليه الفصل 289 مسطرة جنائية ( م .ج ) الذي ينص على أن القاضي لا يمكن أن يبني حكمه إلا على حجج نوقشت أمامه شفويا و حضوريا وعلنيا ، ويستهدف المشرع من العلنية حضور الجمهور، كنوع من المراقبة جلسات المحكمة من أجل تتبع ما يروج بها من مناقشات ، بما فيها تلك المتعلقة بمحتويات محاضر الضابطة القضائية التي لا يمكن أن يتعرف عليها الحضور إلا إذا كانت محررة بالعربية أو مترجمة إليها .
وحسب قانون مغربة وتوحيد المحاكم المغربية رقم 64 – 3 الصادر بتنفيذه ظهير 26 / 01 / 1965 فإن لغة المداولات هي العربية ، وتعني المداولة مناقشة القضية سواء في الجلسة العلنية أو عند اختلاء المحكمة للبث فيها .