فحسب القانون الأساسي لمكتب تنسيق التعريب :
فإن لهذه الأخيرة ثلاثة أهداف رئيسية وهي :
- تعريب التعليم .
- تعريب الإدارة .
- تعريب جميع المظاهر الحضارية في البلاد العربية .
ومن منجزات المكتب :
المعاجم العلمية باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية بالتعاون مع المركز الوطني للتعريب بالرباط ( حاليا يسمى معهد الدراسات والأبحاث للتعريب ) .
إصدار دورية " اللسان العربي" .
إجراء مسابقات وعقد محضرات ومؤتمرات وندوات حول سبل تنمية اللغة العربية وتحقيق التعريب الشمولي وعلى كافة المستويات .
وقد مرت أربعون سنة على تأسيس مكتب تنسيق التعريب وتشريف المغرب بمقره المركزي ، فكيف كانت النتائج ، بالمغرب ، سواء على مستوى تحقيق الأهداف أو على مستوى المنجزات ؟ :
على مستوى تعريب التعليم :
لم يتحقق التعريب إلا جزئيا وفي حدود التعليم الأساسي والثانوي دون التعليم العالي العلمي ، بل يجري التراجع عن تعريب التعليم الثانوي في ميدان العلوم كما سنرى .
أما تعريب الإدارة وتعريب جميع مظاهر الحياة العامة في البلاد فهما هدفان لم يتحققا بعد ، وسنفصل في هاتين النقطتين فيما بعد …
وفيما يخص منجزات مكتب تنسيق التعريب فإنه بالفعل سهر على إنجاز الكثير من المعاجم العلمية باللغة العربية والفرنسية ، والعديد من الدراسات والأبحاث والندوات والمؤتمرات حول العربية والتعريب وكانت وما زالت كل المقررات والتوصيات والمقترحات التي تخرج بها هذه ه اللقاءات في ميدان التعريب مجرد حبر على ورق ، أنه حبر على ورق دورية " اللسان العربي " ، إنها تبقى مجددة ولا ترى النور عن طريق التطبيق في مختلف الميادين المعدة لها .
وحسب المرسوم المنظم لمعهد الدراسات والأبحاث بخصوص التعريب والصادر منذ أكثر من أربعين سنة ، فإن أهداف المعهد الواردة في فصله الأول هي :
1 – وضع لغة العمل العربية ( اللغة العربية العصرية )
2 – إحصاء المفردات الأساسية لاستعمالها في التعليم .
3 – إحصاء واقتباس المفردات الموحدة في العالم العربي والمعدة لوضع الكتب المدرسية .
4 – إحصاء العبارات التقنية الغير الموحدة وتسهيل توحيدها بالاتصال مع المعاهد العليا بالعالم العربي .
5 – إحصاء العبارات التقنية التي ليس لها مقابل في اللغة العربية والعمل على إحداثه .
6 – المساهمة في نهضة الأدب العربي العلمي والشعبي .
7 – تقديم عبارات اللغة العربية التقنية الموحدة لجميع المنظمات العمومية والخصوصية وكذا لكل شخص يرغب في معرفتها .
8 – انسجام درس اللغة العربية مع اللغات الأجنبية بوسائل السمع والرؤية بأساليب تربوية عصرية جد متقنة .
9 – تحقيق جميع الأدوات الضرورية التهذيبية .
10 – إنجاز أو توجيه غير ذلك من الأشغال التي قد تظهر ضرورية للتعريب والبحث .
وقد أنجز المعهد الكثير من أهدافه المذكورة على المستوى النظري ، ولكن هذه الأهداف لم تطبق بكيفية شمولية وعملية سواء على المستوى التعليمي بكل درجاته وأسلاكه وأنواعه ، أو على مستوى الإدارة ومختلف أنشطة الحياة العامة …
لقد ارتأينا أن نذكر بمآل عمل مكتب تنسيق التعريب وبمآل عمل معهد الدراسات والأبحاث بخصوص التعريب ، لنبه من الآن إلى أن عمل أكاديمية اللغة العربية المراد إحداثها قد يلقى نفس المصير ، خصوصا أن العديد من التجارب أكدت ذلك ، وأنه إذا كان من المهم إحداث المؤسسات الوطنية المختصة
وأن تخرج هذه المؤسسات بمخططات وبرامج وأبحاث ودراسات و مقررات ومقترحات وتوصيات ، فإن الأهم أن يخرج كل ذلك إلى حيز التطبيق والتنفيذ بكيفية شمولية وعلى كافة المستويات وهو ما لا يتحقق بالمغرب في غالب الأحيان الأمر الذي ينتج عنه أن مثل هذه المؤسسات الوطنية تعتبر اسما بدون مسمى وتخلق لدر الرماد في العيون …
مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين لسنة 1999 يعرقل أية إمكانية مستقبلية لتعريب الشعب العلمية بالتعليم العالي وذلك بعدة وسائل من بينها ثلاثة على الأقل :
الوسيلة الأولى لعرقلة تعريب التعليم العلمي : بنصه في الفقرة الأولى من البند 114 على فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي على مستوى الجامعات باللغة العربية ، موازاة مع توفر المرجعيات البيداغوجية الجيدة والمكونين الكفاة ، والكل يتم إنجازه تدريجيا خلال العشرية الوطنية للتربية والتكوين .
إن العرقلة بهذه الوسيلة تتجلى في :
1 – في كون التعريب سيتم تدريجيا خلال عشر سنوات المقبلة ، كما لو أن الأربعين سنة التي مرت على الاستقلال لم تكن كافية للتدرج في التعريب …
2 – قد لا يتم فتح شعب علمية على مستوى الجامعات باللغة العربية خلال العشر سنوات المقبلة لأن هذا الفتح مسالة اختيارية من جهة ، ولأنه مرتبط بتوفر المرجعيات البيداغوجية الجيدة والمكونين الكفاة من جهة أخرى ، فإذا لم تتوفر هذه المرجعيات والمكونين فلا فتح لهذه الشعب ، ومن المؤكد أن النظام السياسي المخزني بالمغرب الذي لم يستطع ، خلال أكثر من أربعة وأربعين سنة ، إيجاد مثل هذه المرجعيات والأطر لن يستطيع إيجادهم خلال العشرية المقبلة حتى ولو سميت هذه الأخيرة بالعشرية الوطنية للتربية والتكوين .
الوسيلة الثانية لعرقلة تعريب التعليم العالي العلمي : بنصه في الفقرة الثانية من البند 114 من مشروع الميثاق على (( فتح شعب اختيارية عالية التخصص للبحث والتكوين باللغة الأجنبية الأكثر نفعا وجدوى من حيث العطاء العلمي وسير التواصل )) : وهكذا فبدلا من التوجه مستقبلا نحو فتح شعب علمية بالعربية بالجامعات سيكون العكس وهو المزيد من فتحها بلغات أجنبية مثل الإنجليزية والإسبانية والألمانية بالإضافة إلى ما هو موجود منها حاليا باللغة الفرنسية .
وعلا خلاف ما ذهب إليه المشروع ، فإن فتح شعب علمية بالتعليم العالي يتم التدريس بها بلغات أجنبية متعددة لن تيسر التواصل بين مكونات الشعب المغربي بل سيعرقله سواء على مستوى التعليم والإدارة والقضاء أو على مستوى الحياة العامة . إن اللغة القادرة على القيام بالتواصل وعلى كافة المستويات لا يمكن أن تكون إلا لغة واحدة ، وهي اللغة التي يطلق عليها اللغة الرسمية التي تعنى لغة العمل، وبالنسبة للمغرب فإن العربية هي اللغة الرسمية ، وتبعا لهذه الرسمية فإنه من المفروض أن تكون لغة العمل ، وعلى كافة المستويات ، لكن مع الأسف فإن لغة العمل بالمغرب ، مع بعض الاستثناءات ، كانت وما زالت هي اللغة الفرنسية ، وقد أصبح من المحتمل أن يضاف إليها مستقبلا لغات أجنبية أخرى كلغات عمل .
والخطورة المترتبة والتي ستترتب عن المزيد من تدريس العلوم بلغات أجنبية متعددة ليست محصورة فقط في عرقلة التواصل والتعريب على كافة المستويات ، وإنما أيضا في المزيد من تفريخ عقليات أجنبية جديدة ، بالإضافة إلى العقلية الفرنكفونية ، كل واحدة منها يغني لليلاه ويدعو إلى الارتباط بها ثقافيا ، وهذا ما يسمى بالتبعية الثقافية ، واقتصاديا وتكنولوجيا وهذا ما يسمى بالتبعية الاقتصادية والتكنولوجية .
قد يقال إن ما يقصده مشروع الميثاق من تيسير التواصل ، هو التواصل مع علوم الدول الأجنبية المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واليابان والصين وألمانيا …الخ ، فليكن هذا هو التأويل الصحيح والغاية المقصودة في البند 114 من مشروع الميثاق ، وهي غاية ، حسب الظاهر ، مفيدة و لا يمكن لأي عاقل أن يعارضها ، ولكن ما لا نتفق عليه ، هو أن يكون التدريس بلغات أجنبية بالمغرب هو الوسيـــلــة
الوحيدة للوصول إلى علوم الدول التي تنتمي إليها هذه اللغات ، مع انه يمكن الوصول إلى هذه العلوم عبر بعثات علمية للطلبة المتفوقين إلى هذه الدول ، أن هؤلاء الطلبة المتفوقين والمتخرجين من المعاهد الأجنبية والذين من المفروض انهم يجيدون اللغة العربية هم الذين سيقومون بترجمة تلك العلوم إلى العربية مستعينين في ذلك بعشرات المعاجم التي أعدها ، خلال أربعين سنة كل من مكتب تنسيق التعريب ومعهد الدراسات والأبحاث بخصوص التعريب وكذلك بما ستنجزه أكاديمية اللغة العربية المراد إقامتها ، إنه بهذه الطريقة ( طريقة الترجمة للعربية بواسطة المتخرجين من البعثات المتفوقة ) سيتحقق التعريب، وهو الهدف الأكبر، من جهة ،وستصل علوم الغير بالعربية إلى طلابنا بالمعاهد والمدارس العليا العلمية وبأقل ما يمكن من الجهد والمصاريف من جهة أخرى ، وهذه الطريقة هي التي تبتت نجاعتها عبر التاريخ بالنسبة لجميع الدول التي عزمت على النهوض ثقافيا وعلميا وتنمويا ، فالنهضة العربية وصلت إلى علوم اليونان والفرس والهند عبر الترجمة للعربية وأروبا وصلت ، في نهضتها العلمية ، إلى علوم العرب عبر الترجمة من هذه الأخيرة إلى لغاتها …
نعم إن هذه الطريقة لا تخلو من صعوبات وأخطاء سيجدها الأساتذة المدرسون بالعربية للعلوم المترجمة ، ولكنها صعوبات وأخطاء مؤقتة ستزول بالممارسة ، وكما قال أحد الحكماء ، فإن أحسن النظريات في السباحة لا يمكن لوحدها أن تعلم السباحة ، إن هذه الأخيرة لا يمكن أن تتعلم بقواعد السباحة وحدها ، فلا بد أيضا من الممارسة عبر الارتماء في الماء وتكون البداية حركات عشوائية للأيدي والأرجل يتخللها شرب قليل من الماء ، ولكن مع استمرار الممارسة وإرادة التعلم ستقل الأخطاء وستنتظم حركات الجسم لتكون النهاية هي إتقان السباحة …، ونفس هذا المثال يمكن مقاربته على ميدان التعريب الشمولي في جميع الميادين بما في ذلك ميدان التعليم بجميع أسلاكه وشعبه ، فلا يكفي لتحقيقه إنشاء المكاتب والمعاهد والأكاديميات ولا إعداد الخطط والبرامج بل لا بد بالإضافة إلى ذلك من الشروع في التطبيق والتنفيذ والممارسة باللغة العربية حتى لو كانت هذه الأخيرة تتم بواسطة موظفين وأطر وأساتذة يجدون في البداية صعوبة في التعبير عن معارفهم وكتابتها بالعربية ، فأول الغيث قطرات تم ينهمر وبالتالي فإن ممارسة التعريب قد تبدأ بصعوبة وبأخطاء ولكن مع الاستمرار والإصرار والعزيمة والإرادة لا بد أن تقل تلك الأخطاء وتنمحي ، ولا بد أن تزول تلك الصعوبة
وعندما وصل الحزب الشيوعي البولشفي إلى السلطة سنة 1917 في روسيا القيصرية كان أمام قائده لينين ، في مجال اختيار الأطر التي سيعتمد عليها في وضع مخططات وبرامج الحزب وتنفيذها أحد الأمرين : إما أن يختارها من بين المخلصين للحزب مع التجاوز عن نقصهم التكويني ، وإما أن يختارها من خارج الحزب مع ضمان تفوقها دون إخلاصها ، فكان مع الحل الأول الذي أثبتت التجربة سداده وصحته ونجاعته . والسبب واضح : فالأولون سيدفعهم إخلاصهم إلى التغلب عن النقص في تكوينهم ، أما الثانون فقد يدفعهم عدم إخلاصهم إلى التخاذل والتهاون والتشكيك والتعتيم والتضليل والتيئيس والعمالة الأمر الذي يؤدي في النهاية إما إلى فساد المخططات والبرامج وإما إلى عرقلة تنفيذها أو هما معا .
وهناك مثال آخر يمكن سوقه من إسرائيل فهذه الأخيرة استقدم لها الصهاينة أفضل الأطر اليهودية المنتمية إلى مختلف دول العالم بما فيها المتقدمة تكنولوجيا وصناعيا ، وكان في إمكانها أن تفتح بتعليمها العالي أدق الشعب العلمية للتدريس فيها بمختلف اللغات ، ولكنها فضلت ، عن صواب ، أن تكون العبرية ، هي اللغة
الوحيدة المعتمدة في التواصل بين مكونات المجتمع الإسرائيلي في جميع المجالات بما في ذلك مجال التعليم بكافة أسلاكه …
وقد سبق للحكومة المغربية أن طلبت من البنك الدولي للبناء والتنمية سنة 1963 القيام بدراسة عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب ، فأرسل البنك بعثة علمية قضت شهرا في ربوع المغرب في البحث والدراسة ، ثم أعدت تقريرا نصحت فيها الحكومة المغربية ، ومن وجهة اقتصادية بحثة ، أن تضع حدا لتعليم اللغة الفرنسية في المدارس توفيرا لـ 30 % من وقت التلاميذ والمعلمين …( المرجع : الأستاذ ادريس الكتاني ، بحثه حول : دور اللغة في تنمية الطاقات البشرية وتجربة اللغات الأجنبية في البلدان الإفريقية للسان العربي ، المجلد 11 – ص 313 – أشار إلى هذا المرجع الأستاذ قاسم سارة في كتابه : التعريب جهود وآفاق ) .
كما سبق وان درست لجنة من خبراء اليونسكو هذا الموضوع وأكدت في تقرير لها على وجوب استعمال اللغة الأم في التعليم العالي ، و لا يمنع ذلك ، كما جاء في التقرير ، من ان يتعلم الطالب لغة حية أخرى تعينه على الاطلاع والاتصال بالعالم المتقدم ( المرجع : مقررات مؤتمر التعريب الثاني المنعقد بالجزائر من 12 إلى 20 كانون الأول 1973 – مجلد اللسان العربي – المجلد 11 – الجزء 1 – ص 270 ) .
وبطبيعة الحال ، فإن الاعتراض على فتح شعب علمية بالتعليم العالي يدرس فيها باللغات الأجنبية الحية لا يعني عدم أهمية هذه الأخيرة كوسيلة للاتصال بثقافة الغير وبعلومه والاستفادة منها ، بل بالعكس ، فالكل يؤكد على هذه الأهمية فجميع جامعات العالم المشهورة تخلق بها شعب لتدريس اللغات الحية ومن خلال تدريس ثقافة وآداب الشعوب التي تنتمي إليها هذه اللغات ، وترتفع شهرة كل جامعة بارتفاع عدد اللغات الأجنبية التي تدرس بها ، بل أكثر من ذلك فإن الدول القوية التي تهيمن على العالم اقتصاديا وسياسيا وإذا اقتضى الأمر عسكريا ، تنشئ معاهد لتدرس أغلبية اللغات واللهجات الحية منها والغير الحية وقد تكون هذه المعاهد تابعة للمؤسسات العسكرية والمخابرتية …
ومع ذلك ، فإن ما يجب التأكيد عليه دائما هو أن هناك فرق كبير بين تدريس لغة أجنبية ، وبين التدريس بها ، فنعم للأولى ولا للثانية .
الوسيلة الثالثة لعرقلة تعريب التعليم العالي العلمي من قبل مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين :
نصت الفقرة الثالثة من البند 114 من المشروع على ما يلي : (( … يتم تدريس الوحدات والمجزوءات العلمية والتقنية الأكثر تخصصا من سلك الباكلوريا باللغة المستعملة في الشعب والتخصصات المتاحة لتوجيه التلاميذ إليها في التعليم )) .
ويعتبر هذا النص ليس وسيلة فقط لعرقلة تعريب التعليم العالي في شعبه وإنما أيضا تراجعا عن مكتسب تعريب التعليم بالثانوي في شعبه العلمية والتي تطلب تعريبها العشرات من السنين :
فعلى مستوى العرقلة: فإنه بدلا من النص على وجوب تعريب الشعب العلمية بالتعليم العالي لتصبح منسجمة مع تعريبها بالثانوي يحصل العكس عن طريق النص على تدريس وحدات ومجزءات علمية وتقنية بالثانوي بلغة أجنبية .
وعلى مستوى التراجع عن مكتسب : فإن الوحدات العلمية والتقنية التي تدرس حاليا بالعربية في الثانوي ستصبح مدرسة بلغة أجنبية .
ويجب التذكير ، كما أشرنا إلى ذلك ، بان تقرير سنة 1994 الصادر عن اللجنة الوطنية المختصة بدراسة قضايا التعليم نص على : (( اعتبار التعريب مبدأ أساسيا لا رجعة فيه ينبغي أن يمتد من التعليم الأولي إلى التعليم العالي بما في ذلك التكوين المهني والتعليم التقني …، واعتبار تعريب التعليم الأساسي والثانوي مكسبا وطنيا ينبغي تعهده والعمل على دعمه وتطويره )) .
الوسيلة الرابعة لعرقلة تعريب التعليم العالي العلمي من قبل مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين :
وتتجلى هذه العرقلة في عدم ربط مشروع تعريب التعليم ، بتعريب الإدارة ووسائل الإعلام العمومية ومختلف مظاهر وأنشطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية …، إنه بدون هذا الربط لا يمكن للتعريب في التعليم العالي العلمي أن ينجح حتى لو نص على ذلك بل حتى لو طبق ما نص عليه ، فالخريج الذي لن يجد تطبيقا لما تخصص فيه في الحياة العملية، لن يجد تبعا لذلك عملا ، ليصبح ليس فقط عاطلا بل وعيره لمن يدعو لتعريب التعليم العالي العلمي، ولمن يرغب من الطلبة في إتمام تعليمه العالي العلمي بالعربية ، إنها خطة شيطانية لئيمة ليس فقط للقضاء على أي أمل وأية رغبة في تعريب التعليم العالي العلمي ، وإنما أيضا من أجل التمهيد للتراجع بصفة كلية عما تم تعريبه في التعليم الثانوي ولم لا في التعليم الأساسي …
وعلى خلاف سكوت مشروع الميثاق عن الربط المذكور ، فإن اللجنة الوطنية التي أجهض النظام السياسي المخزني أعمالها أكدت على ضرورة هذا الربط بنصها : (( … على وجوب العمل بتواز على تعريب جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية …)) وبنصها على : (( توجيه الإعلام وخصوصا السمعي البصري منه لخدمة اللغة العربية ))، وبنصها على : (( استعمال اللغة العربية في كل الميادين التكنولوجية لإعطائها فرصة التفاعل والتطور )) .
فإن لهذه الأخيرة ثلاثة أهداف رئيسية وهي :
- تعريب التعليم .
- تعريب الإدارة .
- تعريب جميع المظاهر الحضارية في البلاد العربية .
ومن منجزات المكتب :
المعاجم العلمية باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية بالتعاون مع المركز الوطني للتعريب بالرباط ( حاليا يسمى معهد الدراسات والأبحاث للتعريب ) .
إصدار دورية " اللسان العربي" .
إجراء مسابقات وعقد محضرات ومؤتمرات وندوات حول سبل تنمية اللغة العربية وتحقيق التعريب الشمولي وعلى كافة المستويات .
وقد مرت أربعون سنة على تأسيس مكتب تنسيق التعريب وتشريف المغرب بمقره المركزي ، فكيف كانت النتائج ، بالمغرب ، سواء على مستوى تحقيق الأهداف أو على مستوى المنجزات ؟ :
على مستوى تعريب التعليم :
لم يتحقق التعريب إلا جزئيا وفي حدود التعليم الأساسي والثانوي دون التعليم العالي العلمي ، بل يجري التراجع عن تعريب التعليم الثانوي في ميدان العلوم كما سنرى .
أما تعريب الإدارة وتعريب جميع مظاهر الحياة العامة في البلاد فهما هدفان لم يتحققا بعد ، وسنفصل في هاتين النقطتين فيما بعد …
وفيما يخص منجزات مكتب تنسيق التعريب فإنه بالفعل سهر على إنجاز الكثير من المعاجم العلمية باللغة العربية والفرنسية ، والعديد من الدراسات والأبحاث والندوات والمؤتمرات حول العربية والتعريب وكانت وما زالت كل المقررات والتوصيات والمقترحات التي تخرج بها هذه ه اللقاءات في ميدان التعريب مجرد حبر على ورق ، أنه حبر على ورق دورية " اللسان العربي " ، إنها تبقى مجددة ولا ترى النور عن طريق التطبيق في مختلف الميادين المعدة لها .
وحسب المرسوم المنظم لمعهد الدراسات والأبحاث بخصوص التعريب والصادر منذ أكثر من أربعين سنة ، فإن أهداف المعهد الواردة في فصله الأول هي :
1 – وضع لغة العمل العربية ( اللغة العربية العصرية )
2 – إحصاء المفردات الأساسية لاستعمالها في التعليم .
3 – إحصاء واقتباس المفردات الموحدة في العالم العربي والمعدة لوضع الكتب المدرسية .
4 – إحصاء العبارات التقنية الغير الموحدة وتسهيل توحيدها بالاتصال مع المعاهد العليا بالعالم العربي .
5 – إحصاء العبارات التقنية التي ليس لها مقابل في اللغة العربية والعمل على إحداثه .
6 – المساهمة في نهضة الأدب العربي العلمي والشعبي .
7 – تقديم عبارات اللغة العربية التقنية الموحدة لجميع المنظمات العمومية والخصوصية وكذا لكل شخص يرغب في معرفتها .
8 – انسجام درس اللغة العربية مع اللغات الأجنبية بوسائل السمع والرؤية بأساليب تربوية عصرية جد متقنة .
9 – تحقيق جميع الأدوات الضرورية التهذيبية .
10 – إنجاز أو توجيه غير ذلك من الأشغال التي قد تظهر ضرورية للتعريب والبحث .
وقد أنجز المعهد الكثير من أهدافه المذكورة على المستوى النظري ، ولكن هذه الأهداف لم تطبق بكيفية شمولية وعملية سواء على المستوى التعليمي بكل درجاته وأسلاكه وأنواعه ، أو على مستوى الإدارة ومختلف أنشطة الحياة العامة …
لقد ارتأينا أن نذكر بمآل عمل مكتب تنسيق التعريب وبمآل عمل معهد الدراسات والأبحاث بخصوص التعريب ، لنبه من الآن إلى أن عمل أكاديمية اللغة العربية المراد إحداثها قد يلقى نفس المصير ، خصوصا أن العديد من التجارب أكدت ذلك ، وأنه إذا كان من المهم إحداث المؤسسات الوطنية المختصة
وأن تخرج هذه المؤسسات بمخططات وبرامج وأبحاث ودراسات و مقررات ومقترحات وتوصيات ، فإن الأهم أن يخرج كل ذلك إلى حيز التطبيق والتنفيذ بكيفية شمولية وعلى كافة المستويات وهو ما لا يتحقق بالمغرب في غالب الأحيان الأمر الذي ينتج عنه أن مثل هذه المؤسسات الوطنية تعتبر اسما بدون مسمى وتخلق لدر الرماد في العيون …
مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين لسنة 1999 يعرقل أية إمكانية مستقبلية لتعريب الشعب العلمية بالتعليم العالي وذلك بعدة وسائل من بينها ثلاثة على الأقل :
الوسيلة الأولى لعرقلة تعريب التعليم العلمي : بنصه في الفقرة الأولى من البند 114 على فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي على مستوى الجامعات باللغة العربية ، موازاة مع توفر المرجعيات البيداغوجية الجيدة والمكونين الكفاة ، والكل يتم إنجازه تدريجيا خلال العشرية الوطنية للتربية والتكوين .
إن العرقلة بهذه الوسيلة تتجلى في :
1 – في كون التعريب سيتم تدريجيا خلال عشر سنوات المقبلة ، كما لو أن الأربعين سنة التي مرت على الاستقلال لم تكن كافية للتدرج في التعريب …
2 – قد لا يتم فتح شعب علمية على مستوى الجامعات باللغة العربية خلال العشر سنوات المقبلة لأن هذا الفتح مسالة اختيارية من جهة ، ولأنه مرتبط بتوفر المرجعيات البيداغوجية الجيدة والمكونين الكفاة من جهة أخرى ، فإذا لم تتوفر هذه المرجعيات والمكونين فلا فتح لهذه الشعب ، ومن المؤكد أن النظام السياسي المخزني بالمغرب الذي لم يستطع ، خلال أكثر من أربعة وأربعين سنة ، إيجاد مثل هذه المرجعيات والأطر لن يستطيع إيجادهم خلال العشرية المقبلة حتى ولو سميت هذه الأخيرة بالعشرية الوطنية للتربية والتكوين .
الوسيلة الثانية لعرقلة تعريب التعليم العالي العلمي : بنصه في الفقرة الثانية من البند 114 من مشروع الميثاق على (( فتح شعب اختيارية عالية التخصص للبحث والتكوين باللغة الأجنبية الأكثر نفعا وجدوى من حيث العطاء العلمي وسير التواصل )) : وهكذا فبدلا من التوجه مستقبلا نحو فتح شعب علمية بالعربية بالجامعات سيكون العكس وهو المزيد من فتحها بلغات أجنبية مثل الإنجليزية والإسبانية والألمانية بالإضافة إلى ما هو موجود منها حاليا باللغة الفرنسية .
وعلا خلاف ما ذهب إليه المشروع ، فإن فتح شعب علمية بالتعليم العالي يتم التدريس بها بلغات أجنبية متعددة لن تيسر التواصل بين مكونات الشعب المغربي بل سيعرقله سواء على مستوى التعليم والإدارة والقضاء أو على مستوى الحياة العامة . إن اللغة القادرة على القيام بالتواصل وعلى كافة المستويات لا يمكن أن تكون إلا لغة واحدة ، وهي اللغة التي يطلق عليها اللغة الرسمية التي تعنى لغة العمل، وبالنسبة للمغرب فإن العربية هي اللغة الرسمية ، وتبعا لهذه الرسمية فإنه من المفروض أن تكون لغة العمل ، وعلى كافة المستويات ، لكن مع الأسف فإن لغة العمل بالمغرب ، مع بعض الاستثناءات ، كانت وما زالت هي اللغة الفرنسية ، وقد أصبح من المحتمل أن يضاف إليها مستقبلا لغات أجنبية أخرى كلغات عمل .
والخطورة المترتبة والتي ستترتب عن المزيد من تدريس العلوم بلغات أجنبية متعددة ليست محصورة فقط في عرقلة التواصل والتعريب على كافة المستويات ، وإنما أيضا في المزيد من تفريخ عقليات أجنبية جديدة ، بالإضافة إلى العقلية الفرنكفونية ، كل واحدة منها يغني لليلاه ويدعو إلى الارتباط بها ثقافيا ، وهذا ما يسمى بالتبعية الثقافية ، واقتصاديا وتكنولوجيا وهذا ما يسمى بالتبعية الاقتصادية والتكنولوجية .
قد يقال إن ما يقصده مشروع الميثاق من تيسير التواصل ، هو التواصل مع علوم الدول الأجنبية المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واليابان والصين وألمانيا …الخ ، فليكن هذا هو التأويل الصحيح والغاية المقصودة في البند 114 من مشروع الميثاق ، وهي غاية ، حسب الظاهر ، مفيدة و لا يمكن لأي عاقل أن يعارضها ، ولكن ما لا نتفق عليه ، هو أن يكون التدريس بلغات أجنبية بالمغرب هو الوسيـــلــة
الوحيدة للوصول إلى علوم الدول التي تنتمي إليها هذه اللغات ، مع انه يمكن الوصول إلى هذه العلوم عبر بعثات علمية للطلبة المتفوقين إلى هذه الدول ، أن هؤلاء الطلبة المتفوقين والمتخرجين من المعاهد الأجنبية والذين من المفروض انهم يجيدون اللغة العربية هم الذين سيقومون بترجمة تلك العلوم إلى العربية مستعينين في ذلك بعشرات المعاجم التي أعدها ، خلال أربعين سنة كل من مكتب تنسيق التعريب ومعهد الدراسات والأبحاث بخصوص التعريب وكذلك بما ستنجزه أكاديمية اللغة العربية المراد إقامتها ، إنه بهذه الطريقة ( طريقة الترجمة للعربية بواسطة المتخرجين من البعثات المتفوقة ) سيتحقق التعريب، وهو الهدف الأكبر، من جهة ،وستصل علوم الغير بالعربية إلى طلابنا بالمعاهد والمدارس العليا العلمية وبأقل ما يمكن من الجهد والمصاريف من جهة أخرى ، وهذه الطريقة هي التي تبتت نجاعتها عبر التاريخ بالنسبة لجميع الدول التي عزمت على النهوض ثقافيا وعلميا وتنمويا ، فالنهضة العربية وصلت إلى علوم اليونان والفرس والهند عبر الترجمة للعربية وأروبا وصلت ، في نهضتها العلمية ، إلى علوم العرب عبر الترجمة من هذه الأخيرة إلى لغاتها …
نعم إن هذه الطريقة لا تخلو من صعوبات وأخطاء سيجدها الأساتذة المدرسون بالعربية للعلوم المترجمة ، ولكنها صعوبات وأخطاء مؤقتة ستزول بالممارسة ، وكما قال أحد الحكماء ، فإن أحسن النظريات في السباحة لا يمكن لوحدها أن تعلم السباحة ، إن هذه الأخيرة لا يمكن أن تتعلم بقواعد السباحة وحدها ، فلا بد أيضا من الممارسة عبر الارتماء في الماء وتكون البداية حركات عشوائية للأيدي والأرجل يتخللها شرب قليل من الماء ، ولكن مع استمرار الممارسة وإرادة التعلم ستقل الأخطاء وستنتظم حركات الجسم لتكون النهاية هي إتقان السباحة …، ونفس هذا المثال يمكن مقاربته على ميدان التعريب الشمولي في جميع الميادين بما في ذلك ميدان التعليم بجميع أسلاكه وشعبه ، فلا يكفي لتحقيقه إنشاء المكاتب والمعاهد والأكاديميات ولا إعداد الخطط والبرامج بل لا بد بالإضافة إلى ذلك من الشروع في التطبيق والتنفيذ والممارسة باللغة العربية حتى لو كانت هذه الأخيرة تتم بواسطة موظفين وأطر وأساتذة يجدون في البداية صعوبة في التعبير عن معارفهم وكتابتها بالعربية ، فأول الغيث قطرات تم ينهمر وبالتالي فإن ممارسة التعريب قد تبدأ بصعوبة وبأخطاء ولكن مع الاستمرار والإصرار والعزيمة والإرادة لا بد أن تقل تلك الأخطاء وتنمحي ، ولا بد أن تزول تلك الصعوبة
وعندما وصل الحزب الشيوعي البولشفي إلى السلطة سنة 1917 في روسيا القيصرية كان أمام قائده لينين ، في مجال اختيار الأطر التي سيعتمد عليها في وضع مخططات وبرامج الحزب وتنفيذها أحد الأمرين : إما أن يختارها من بين المخلصين للحزب مع التجاوز عن نقصهم التكويني ، وإما أن يختارها من خارج الحزب مع ضمان تفوقها دون إخلاصها ، فكان مع الحل الأول الذي أثبتت التجربة سداده وصحته ونجاعته . والسبب واضح : فالأولون سيدفعهم إخلاصهم إلى التغلب عن النقص في تكوينهم ، أما الثانون فقد يدفعهم عدم إخلاصهم إلى التخاذل والتهاون والتشكيك والتعتيم والتضليل والتيئيس والعمالة الأمر الذي يؤدي في النهاية إما إلى فساد المخططات والبرامج وإما إلى عرقلة تنفيذها أو هما معا .
وهناك مثال آخر يمكن سوقه من إسرائيل فهذه الأخيرة استقدم لها الصهاينة أفضل الأطر اليهودية المنتمية إلى مختلف دول العالم بما فيها المتقدمة تكنولوجيا وصناعيا ، وكان في إمكانها أن تفتح بتعليمها العالي أدق الشعب العلمية للتدريس فيها بمختلف اللغات ، ولكنها فضلت ، عن صواب ، أن تكون العبرية ، هي اللغة
الوحيدة المعتمدة في التواصل بين مكونات المجتمع الإسرائيلي في جميع المجالات بما في ذلك مجال التعليم بكافة أسلاكه …
وقد سبق للحكومة المغربية أن طلبت من البنك الدولي للبناء والتنمية سنة 1963 القيام بدراسة عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب ، فأرسل البنك بعثة علمية قضت شهرا في ربوع المغرب في البحث والدراسة ، ثم أعدت تقريرا نصحت فيها الحكومة المغربية ، ومن وجهة اقتصادية بحثة ، أن تضع حدا لتعليم اللغة الفرنسية في المدارس توفيرا لـ 30 % من وقت التلاميذ والمعلمين …( المرجع : الأستاذ ادريس الكتاني ، بحثه حول : دور اللغة في تنمية الطاقات البشرية وتجربة اللغات الأجنبية في البلدان الإفريقية للسان العربي ، المجلد 11 – ص 313 – أشار إلى هذا المرجع الأستاذ قاسم سارة في كتابه : التعريب جهود وآفاق ) .
كما سبق وان درست لجنة من خبراء اليونسكو هذا الموضوع وأكدت في تقرير لها على وجوب استعمال اللغة الأم في التعليم العالي ، و لا يمنع ذلك ، كما جاء في التقرير ، من ان يتعلم الطالب لغة حية أخرى تعينه على الاطلاع والاتصال بالعالم المتقدم ( المرجع : مقررات مؤتمر التعريب الثاني المنعقد بالجزائر من 12 إلى 20 كانون الأول 1973 – مجلد اللسان العربي – المجلد 11 – الجزء 1 – ص 270 ) .
وبطبيعة الحال ، فإن الاعتراض على فتح شعب علمية بالتعليم العالي يدرس فيها باللغات الأجنبية الحية لا يعني عدم أهمية هذه الأخيرة كوسيلة للاتصال بثقافة الغير وبعلومه والاستفادة منها ، بل بالعكس ، فالكل يؤكد على هذه الأهمية فجميع جامعات العالم المشهورة تخلق بها شعب لتدريس اللغات الحية ومن خلال تدريس ثقافة وآداب الشعوب التي تنتمي إليها هذه اللغات ، وترتفع شهرة كل جامعة بارتفاع عدد اللغات الأجنبية التي تدرس بها ، بل أكثر من ذلك فإن الدول القوية التي تهيمن على العالم اقتصاديا وسياسيا وإذا اقتضى الأمر عسكريا ، تنشئ معاهد لتدرس أغلبية اللغات واللهجات الحية منها والغير الحية وقد تكون هذه المعاهد تابعة للمؤسسات العسكرية والمخابرتية …
ومع ذلك ، فإن ما يجب التأكيد عليه دائما هو أن هناك فرق كبير بين تدريس لغة أجنبية ، وبين التدريس بها ، فنعم للأولى ولا للثانية .
الوسيلة الثالثة لعرقلة تعريب التعليم العالي العلمي من قبل مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين :
نصت الفقرة الثالثة من البند 114 من المشروع على ما يلي : (( … يتم تدريس الوحدات والمجزوءات العلمية والتقنية الأكثر تخصصا من سلك الباكلوريا باللغة المستعملة في الشعب والتخصصات المتاحة لتوجيه التلاميذ إليها في التعليم )) .
ويعتبر هذا النص ليس وسيلة فقط لعرقلة تعريب التعليم العالي في شعبه وإنما أيضا تراجعا عن مكتسب تعريب التعليم بالثانوي في شعبه العلمية والتي تطلب تعريبها العشرات من السنين :
فعلى مستوى العرقلة: فإنه بدلا من النص على وجوب تعريب الشعب العلمية بالتعليم العالي لتصبح منسجمة مع تعريبها بالثانوي يحصل العكس عن طريق النص على تدريس وحدات ومجزءات علمية وتقنية بالثانوي بلغة أجنبية .
وعلى مستوى التراجع عن مكتسب : فإن الوحدات العلمية والتقنية التي تدرس حاليا بالعربية في الثانوي ستصبح مدرسة بلغة أجنبية .
ويجب التذكير ، كما أشرنا إلى ذلك ، بان تقرير سنة 1994 الصادر عن اللجنة الوطنية المختصة بدراسة قضايا التعليم نص على : (( اعتبار التعريب مبدأ أساسيا لا رجعة فيه ينبغي أن يمتد من التعليم الأولي إلى التعليم العالي بما في ذلك التكوين المهني والتعليم التقني …، واعتبار تعريب التعليم الأساسي والثانوي مكسبا وطنيا ينبغي تعهده والعمل على دعمه وتطويره )) .
الوسيلة الرابعة لعرقلة تعريب التعليم العالي العلمي من قبل مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين :
وتتجلى هذه العرقلة في عدم ربط مشروع تعريب التعليم ، بتعريب الإدارة ووسائل الإعلام العمومية ومختلف مظاهر وأنشطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية …، إنه بدون هذا الربط لا يمكن للتعريب في التعليم العالي العلمي أن ينجح حتى لو نص على ذلك بل حتى لو طبق ما نص عليه ، فالخريج الذي لن يجد تطبيقا لما تخصص فيه في الحياة العملية، لن يجد تبعا لذلك عملا ، ليصبح ليس فقط عاطلا بل وعيره لمن يدعو لتعريب التعليم العالي العلمي، ولمن يرغب من الطلبة في إتمام تعليمه العالي العلمي بالعربية ، إنها خطة شيطانية لئيمة ليس فقط للقضاء على أي أمل وأية رغبة في تعريب التعليم العالي العلمي ، وإنما أيضا من أجل التمهيد للتراجع بصفة كلية عما تم تعريبه في التعليم الثانوي ولم لا في التعليم الأساسي …
وعلى خلاف سكوت مشروع الميثاق عن الربط المذكور ، فإن اللجنة الوطنية التي أجهض النظام السياسي المخزني أعمالها أكدت على ضرورة هذا الربط بنصها : (( … على وجوب العمل بتواز على تعريب جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية …)) وبنصها على : (( توجيه الإعلام وخصوصا السمعي البصري منه لخدمة اللغة العربية ))، وبنصها على : (( استعمال اللغة العربية في كل الميادين التكنولوجية لإعطائها فرصة التفاعل والتطور )) .