إن مظاهر عرقلة التعريب من قبل جهاز العدالة متعددة نسوق أمثلة لها مما يلي :
على مستوى وزارة العدل :
منذ أوائل الستينات وجه العديد من الوزراء الأولين منشورات إلى الوزراء والكتاب العامين ومديري المؤسسات العمومية يحثونها فيها العمل على التعريب . ومن بين هذه المنشورات :
1 – المنشور رقم 1 ملحق 9 بتاريخ 17 / 3 / 1966 موضوعه تعريب المصالح الإدارية المتصلة بالمؤسسات القضائية .
2 – المنشور رقم 69 ملحق 10 المؤرخ في 16 / 02 / 1972 موضوعه : (( المراسلات الموجهة باللغة الفرنسية إلى الخواص من طرف بعض الإدارات)) .
3 – منشور رقم 1 ملحق 12 مؤرخ في 28 محرم 1397 الموافق لـ 19 / 01 / 1978 موضوعه التعريب الإداري.
4 - منشور رقم 292 المؤرخ في 11 ذو القعدة 1398 الموافق لـ 13 / 10 / 1978 موضوعه التعريب الإداري .
5 – منشور رقم 98 / 58 المؤرخ في 22 شعبان 1419 موافق لـ 11 / 12 / 1998 موضوعه : (( استعمال اللغة العربية )) .
6 – التذكير بمنشور 98 /58 وذلك بتاريخ 14 / 07 / 1999 …
إن المنشورات المذكورة تفرض على الوزارات الموجهة إليها تبليغ محتوياتها إلى المصالح التابعة لها من أجل تنفيذ مقتضياتها ، ومن بين الوزارات المعنية بها وزارة العدل ، إلا أننا لا نعلم أن هذه الأخيرة ، في شخص أحد الوزراء المتوالين عليها ، سبق لها أن راسلت رؤساء المحاكم ووكلاء الملك بها من أجل أن يقوم هؤلاء من جانبهم بإشعار السادة القضاة بمحتوياتها حتى يكونوا على علم بموقف الوزارة الأولى من التعريب ….
ومن جهة أخرى ، فطبقا للفصل 8 من القانون المنظم لمحكمة العدل الخاصة ، فإن الدعوى العمومية لدى هذه الأخيرة تحرك من قبل النيابة العامة بها وذلك بناء على أمر كتابي من وزير العدل ، و أن أول من يطلع على الملف ، بعد إنجاز البحث التمهيدي مع الموظف المشتكى به من قبل إدارته هو وزير العدل ، وهذا الملف يكون مملوءا بعشرات الوثائق المحررة بلغة أجنبية ومع ذلك فإن السيد وزير العدل لا يستفزه هذا المنظر سواء من الناحية القانونية أو المعنوية فيعيده إلى الإدارة قصد ترجمة ما به من وثائق للعربية وإنما يحيله على حالته مع الظنين على النيابة العامة بمحكمة العدل الخاصة قصد تحريك المتابعة ، أليس معنى هذا الموقف تشجيع ضمني للإدارة المغربية على عدم الامتثال لمنشورات الوزراء الأولين في ميدان التعريب وبالتالي عرقلة لهذا الأخير ؟ .
على مستوى الشرطة القضائية :
إن بعض ضباط الشرطة القضائية وأعوان الشرطة القضائية والموظفين والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية ، لا زالوا يحررون المحاضر بلغة أجنبية .
إن النيابة العامة التي تحال عليها بعض المحاضر وهي محررة بلغة أجنبية لا تعيدها إلى محرريها قصد ترجمتها للعربية .
إن قضاة الحكم بعد اطلاعهم على المحاضر المحررة بلغة أجنبية لا يأمرون بترجمتها للعربية .
إن قضاة الحكم لا يأمرون تلقائيا بالترجمة للعربية الوثائق المحررة بلغة أجنبية والمقدمة إليهم من قبل أطراف الدعوى ، بل إن بعضهم يرفض الأمر بالترجمة حتى في حالة مطالبة أحد الأطراف بها .
في بعض الأحيان تأمر المحكمة مقدم الوثيقة بترجمتها إلى العربية خلال أجل معين ، وينصرم هذا الأجل دون الاستجابة إلى أمر المحكمة ومع ذلك فإن هذه الأخيرة لا ترتب على الرفض إبعاد الوثيقة كحجة …
وإن الذي شجع قضاة الموضوع على عدم الاكتراث بالترجمة للعربية هو بعض القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى في هذا الخصوص :
ففي قرار له صدر عن الغرفة الإدارية تحت رقم 263 بتاريخ 25 / 11 / 1983 ونشرفي قضاء المجلس الأعلى عدد 35 – 36 ، ورد فيه ما يلي : (( …حيث ان كانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية فإن الدستور لا يمنع استعمال لغة أجنبية إذا دعت الضرورة لذلك … )) .
وفي قرار آخر للمجلس الأعلى يتعلق بالترجمة للعربية ورد ما يلي : (( إن من حق المحكمة بل من الواجب عليها الرجوع إلى وثيقة قدمت لها بصفة قانونية لمعرفة مضمونها ما دامت آنست من نفسها القدرة على فهمها دون الاستعانة بمترجم ، وما دام أن اللغة العربية إنما هي مطلوبة في المرافعات وتحرير المذكرات لا في تحرير العقود والاتفاقات )) ( قرار المجلس الأعلى ، الغرفة المدنية – قرار رقم 1579 بتاريخ 17 / 06 / 1992 ، منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 67 نونبر – دجنبر 1993 ) .
ونرى بأن القرارين المذكورين خاطئان كل الخطأ ، ونتمنى أن يكون المجلس الأعلى قد تراجع عنهما خصوصا وان القرار الأول مر على صدوره حوالي 17 سنة ، والثاني حوالي ثمان سنوات :
فمن بين الأخطاء في القرار الأول هو :
1 – التناقض : ففي الوقت الذي يؤكد القرار على رسمية اللغة العربية ، فإنه لا يرتب على ذلك وجوب استعمالها وإلا فلن يبقى أي معنى للنص على رسميتها ، وتصبح هذه الرسمية نوع من العبث والضحك على الدقون ، خصوصا وأن عدم استعمال اللغة العربية يضعفها .
2 – مخالفة الواقع والمنطق :
فالقرار المذكور ينص على أن الدستور لا يمنع استعمال لغة أجنبية مع أن هذا مخالف للواقع وللمنطق فالنص على رسمية لغة معينة في دولة معينة معناه أن تصبح هذه اللغة هي لغة العمل الرسمية دون غيرها من اللغات الأجنبية وذلك سواء في النطاق الإداري أو القضائي أو الإعلام الرسمي ، أو في نطاق التصرفات القانونية بين الخواص .
3 – يربط القرار إمكانية استعمال اللغة الأجنبية بالمغرب إذا دعت الضرورة لذلك ، بدون أن يحدد المقصود بالضرورة :
فإذا كان يقص بالضرورة : تلك التي يوجد عليها بعض موظفي الإدارة والمؤسسات العمومية والذين قد يجهلون العربية ، فإن مثل هذا القول غير مقبول ، لأنه من ناحية ، فإن معرفة اللغة العربية معرفة كافية من بين شروط كسب الجنسية المغربية ، والقبول في الوظيفة العمومية مرتبط بالتمتع بالجنسية المغربية لذلك لا يتصور وجود موظف لا يعرف اللغة العربية خصوصا وأن هذه الأخيرة كانت تدرس في عهد الاستعمار حتى في المدارس العمومية ، ومن باب أولى أصبح تدريسها أوسع و أعمق في عهد الاستقلال الذي مر على انطلاقه أكثر من أربعة وأربعين سنة .
وإذا كان المقصود بحالة الضرورة هم الخواص الذين قد يضطرون ، لأسباب قاهرة ، إلى كتابة عقودهم بلغة أجنبية إما لأنهم أجانب أو في حكم الأجانب ، فإن ذلك من الممكن تصوره ويمكن اعتبار حالة ضرورة ومثل هذه العقود صحيحة فيما بين أطرافها ولكن لا يمكن الاحتجاج بها على الغير وأمام الإدارة والمؤسسات العمومية المغربية والقضاء المغربي إلا إذا ترجمت للعربية ترجمة رسمية .
وهناك حالة ضرورة أخرى مقبولة من الناحية القانونية وهي ضرورة مكاتبة أجنبي مقيم ببلاده بلغة هذه الأخيرة الرسمية والعكس صحيح ، فالمفروض في الأجنبي ، سواء كان يقيم بالمغرب أو خارجه ، أن يكاتب المغربي باللغة العربية ، وقد تفهم منشور الوزير الأول رقم 98 / 58 المتعلق باستعمال اللغة العربية هذه الضرورة حيث سمح للإدارة المغربية بإمكانية مكاتبة جهات أجنبية بلغاتها .
أما القرار الثاني للمجلس الأعلى فهو خاطئ ومعيب لعدة أسباب من بينها :
لأنه يعطي الحق للمحكمة بل يوجب عليها الاستغناء عن الأمر بالترجمة للعربية لوثيقة محررة بلغة أجنبية لمجرد أن تستأنس من نفسها القدرة على فهمها ، مع أن نفس الوثيقة لا تهم المحكمة وحدها وإنما أيضا أطراف الدعوى بمن فيهم النيابة العامة هؤلاء الأطراف إذا كان من المفروض ان يعرفوا اللغة العربية بصفتها اللغة الرسمية وبالتالي لغة العمل ، فليس من المفروض فيهم أن يعرفوا اللغة الأجنبية المحررة بها الوثيقة ، وإذا كان أطراف الدعوى كلهم أو بعضهم لا يعرفون اللغة العربية التي هي لغة المذكرات والمرافعات والمناقشات ، فلا يخلوا الأمر من أحد الاحتمالين : إما أن تكون الدعوى مدنية حيث إن نيابة المحامين عن أحد أطراف الدعوى كافية للتغلب على الجهل باللغة العربية . وإما أن تكون الدعوى جنائية حيث يكون حضور أطراف الدعوى في الجلسة ضروري قصد الاستماع إليهم ، كمتهمين أو كضحايا ، أم كمسؤولين مدنيين أو كشهود ، ففي مثل هذه الحالة فإن قانون المسطرة الجنائية المغربي والمواثيق الدولية المتعلقة توجب الاستعانة بترجمان محلف قصد الترجمة من لغة العمل وإليها .
ومن جهة أخرى ، هناك الجمهور الذي يحضر جلسات المحاكم العلنية والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من هذه العلنية التي تبطل الأحكام عن عدم توفرها ، هذا الجمهور يجب أن يكون في إمكانه تتبع جميع المناقشات التي تدور بالجلسة بما فيها تلك المتعلقة بوثيقة محررة بلغة أجنبية ، ولا يمكنه ذلك إلا إذا كانت هذه الأخيرة مترجمة إلى العربية وتناقش بهذه الأخيرة …
ولأن الحيثية الثانية التي ارتكز عليها القرار الثاني للمجلس الأعلى لا تقوم على أساس من الواقع والقانون ، فهذه الحيثية التي تبرر الاستغناء عن الترجمة للعربية بكون "اللغة العربية مطلوبة في المرافعات وتحرير المذكرات لا في تحرير العقود والاتفاقات )) :
لا تقوم على أساس من الواقع : لأن الفصل 5 من قانون 64 – 3 الصادر في 26 / 01 / 1965 والمتعلق بتوحيد المحاكم ومغربتها لا يتضمن كون اللغة العربية هي لغة المرافعات والمذكرات فقط ، وإنما أيضا لغة المداولات ، ومعنى المداولة المناقشة ، والمناقشة بالعربية لوثيقة محررة بلغة أجنبية لا يمكن أن تتم إلا بعد ترجمة هذه الوثيقة ، إلى العربية بل أكثر من ذلك فإن المرافعة التي تنصب على وثيقة محررة بلغة أجنبية لا يمكن أن تتم على أحسن وجه إلا إذا كانت الوثيقة المتعرض لها في المرافعة مترجمة للعربية .
كما أن الحيثية المذكورة لا ترتكز على أساس من القانون لعدة أسباب من بينها :
إن الدستور المغربي هو أعلى من قانون التوحيد والمغربة رقم 64 - 3 ، وعند تعارض القانون مع الدستور فإن هذا الأخير هو المقدم في التطبيق . وتؤكد هذه الأولوية المادة 81 من الدستور …
إنه في إطار تنفيذ مقتضيات الدستور رقم 64 – 3 أصدر وزير العدل قراره رقم 65 – 414 المؤرخ في 69 / 06 / 1965 والمتعلق باستعمال اللغة العربية لدى محاكم المملكة وفيه ينص على أن لغة الوثائق هي العربية ، ويدخل في نطاق هذه الأخيرة العقود والاتفاقات التي إذا كانت محررة بلغة أجنبية وجب ترجمتها للعربية عند تقديمها للمحاكم بمناسبة نزاع من النزاعات …
دور بعض مكونات المجتمع في عرقلة التعريب :
إذا كان النظام السياسي المخزني في المغرب ، بكل مكوناته ، يتحمل المسؤولية الأساسية في عرقلة التعريب ، فإن بعض مكونات المجتمع المغربي ، كمنظمات وأشخاص ، تساهم ، بالدرجة الثانية ، في عرقلة التعريب ، سواء بوعي أو بدون وعي ، بكيفية مباشرة أو غير مباشرة ، بصفة علنية أو سرية أو ضمنية ، وعلى وجه المثال ، فإن من بين مظاهر هذه العرقلة :
إن معارضة مبدأ التعريب بأي مبرر من المبررات والدعاية ضده والتشكيك في فعالية مخططات وبرامج التعريب ، كل ذلك يدخل في إطار عرقلة التعريب .
إن إرسال الأبناء ، منذ المراحل الأولى من التعليم الأساسي والثانوي إلى مدارس البعثات الأجنبية ، يجعلهم ضعيفي التكوين في اللغة العربية ، وسيزدادون ضعفا فيها بإتمام تعليمهم داخل المغرب أو خارجه بلغة أجنبية ، وعند تخرجهم سينضمون إلى الفريق المعادي للتعريب وذلك تطبيقا للقاعدة التي تقول : من جهل شيئا عاداه …
إن التحدث داخل العائلة مع الأطفال الصغار بلغة أجنبية معناه نفسيا تحبيب هذه الأخيرة لهم وتحقير العربية في أعينهم الأمر الذي يعني تهيئ هؤلاء الأطفال ليكونوا مستقبلا من بين أعداء التعريب .
إن تحرير التقارير والمحاضر والعقود وسائر أنواع التصرفات الخاصة بالمراسلات والفواتير والشيكات بغير العربية معناه إضعاف لهذه الأخيرة لأنه ، وكما أشرنا إلى ذلك مرارا ، فإن كل لغة تقوى بالاستعمال وتضعف بعدمه . وعدم استعمال اللغة العربية داخل مكونات المجتمع المدني في مختلف تصرفاته وأنشطته ولقاءاته وعلاقاته لا يمكن إلا أن يؤدي إلى المساهمة في عرقلة التعريب .
إن قبول ورضاء مكونات المجتمع المدني والمواطنين بالمراسلات الموجهة لهم من الإدارات والمؤسسات العمومية رغم كونها محررة بلغة أجنبية وعدم إرجاعها إلى موجهها ، مع الاحتجاج ، قصد ترجمتها للعربية هو مساهمة في عرقلة التعريب …
إن استعمال المواطنين للمطبوعات المحررة بلغة أجنبية والموضوعة تحت تصرفهم من طرف الإدارات والمؤسسات العمومية وعدم المطالبة والنضال من أجل أن تكون معربة ، هو مساهمة مع مصدريها في عرقلة التعريب .
إن عدم قيام هيئات المحامين بالمغرب بواجبها القانوني والنضالي ، وبالتنسيق مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب ، من أجل تعريب الإدارة والمؤسسات العمومية ، وهما من أهم مصدري الوثائق المحررة بلغة أجنبية إلى القضاء ، ليعتبر نوعا من المساهمة في عرقلة التعريب .
إن تقديم المحامين للوثائق التي يحتجون بها إلى القضاء وهي محررة بلغة أجنبية وبدون أن يعملوا على ترجمتها للعربية هو مساهمة منهم ، ليس فقط في عرقلة التعريب ، وإنما أيضا في ضياع حقوق موكليهم ما دام ليس من المؤكد أن جميع القضاة المكونين لهيئة المحكمة يجيدون اللغة الأجنبية المحرر بها تلك الوثائق …
إن قبول المحامين للوثائق المحررة بلغة أجنبية والمقدمة من قبل الطرف الآخر أو دفاعه بدون أن يطلبوا من المحكمة الأمر بترجمتها إلى العربية ليعتبر مساهمة منهم في عرقلة التعريب وفي ضياع حقوق موكليهم …
النتائج الخطيرة المترتبة على عدم التعريب وعرقلته :
يمكن أن نلخص النتائج الخطيرة المترتبة على عدم التعريب وعرقلته في ما يلي :
- المس بهوية الشعب الثقافية والتي من بين مقوماتها اللغة العربية .
- المس بحق الشعب في التواصل معه بلغته الرسمية التي من المفروض أن يعرفها الجميع .
- إهدار أموال الشعب بسبب ارتفاع النفقات الناتجة عن عدم التعريب بما يترتب عن ذلك أحيانا من الازدواجية في استعمال اللغتين العربية والأجنبية هذه الازدواجية اللغوية لها علاقة بالازدواجية في الأطر وفي العقليات وفي المطبوعات وفي آليات الرقانة ، في الوقت الذي تظل هذه الازدواجية شكلية تكلف المصاريف ولكن لفائدة لغة واحدة هي الفرنسية .
عرقلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، إذ لا تنمية في هذين الميدانين بدون التواصل مع الشعب، المعني أولا وأخيرا بهذه التنمية ، باللغة التي يعرفها الجميع أو التي من المفروض أن يعرفها الجميع باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد . إن هذا التواصل ، يجب أن يكون شاملا ، يغطي الجانب التعليمي بكافة مراحله والجانب الإداري بكافة تفرعاته ، والجانب القضائي بكل متطلباته ، وكل أنشطة الحياة الاجتماعية ، وهاهي كما نرى ونلمس و ضعيتنا اليوم التنموية المأساوية بعد أكثر من أربعين سنة مرت على الاستقلال في ظل هيمنة اللغة الفرنسية تعليميا وإداريا وقضائيا .
وبالإضافة إلى ذلك كله وإلى غيره فإن عرقلة التعريب يمس بسيادة أعلى قانون وهو الدستور.

أسباب عرقلة التعريب سياسية وليست تقنية :
لا صحة للادعاء القائل ، بان أسباب عدم التعريب تقنية تنحصر في عدم قدرة العربية على استيعاب علوم العصر وتقنياته ، لأنه لو كان الأمر كذلك لما كانت أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها ولجنها التقنية تمارس مهامها واختصاصاتها في كافة الميادين بست لغات من بينها العربية ، ولما كانت بعض الجامعات العربية تدرس كافة العلوم بما فيها تلك المتعلقة بأدق التقنيات بالعربية .
على أن العربية لازالت مهمشة وغير مستعملة من قبل الإدارة المغربية والمؤسسات العمومية في العديد من المجالات والأنشطة التي لا علاقة لها بالتقنية وبالتقنيين .
وبالإضافة لذلك ، وكما أشرنا سابقا ، فحتى مع الفرض جدلا وجود نقص في الأطر القادرة على
استعمال العربية بكيفية شمولية وصحيحة ، فإن هذا النقص لا يمكن التغلب عليه بإهمال العربية وتهميشها وإنما باستعمالها وباستمرار التكوين فيها ….
وفي الواقع فإن أسباب تهميش العربية وعرقلة التعريب لفائدة ولحساب الفرنكفونية ليست بتقنية ، وإنما هي أسباب سياسية ومصلحية تتجلى في ارتباط النظام السياسي المغربي ومن يستظل به ، منذ الاستقلال حتى الآن ، بمنطقة النفوذ الفرنسي سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتكنولوجيا ، وهو ارتباط تحرص فرنسا كل الحرص وبكافة الوسائل على حماية ورعايته واستمراره .
أما أسباب العرقلة المباشرة والضمنية للتعريب والصادرة من بعض مكونات المجتمع المدني فتعود لعدة أسباب من بينها : جهل بعضهم بالعربية ، ليس لأنه لم يدرسها ، إذ لا يوجد مغربي أتيحت له فرصة التعليم يمكنه الادعاء بأنه لم يسبق له أن درسها سواء في عهد الحماية أو في عهد الاستقلال ، وإنما البعض أصبح جاهلا بها بسبب عدم استعماله لها لمركب نقص يهيمن عليه …
ارتباط استعمال الفرنسية بميدان الشغل وبالتشغيل .
ارتباط مصالح البعض بمصالح النظام السياسي المغربي وبالمصالح الفرنسية .
متطلبات مواجهة عراقيل التعريب :
كما أشرنا فإن التعريب قضية سياسية بالأساس ، وتحقيقه كان وما زال محتاج لإرادة سياسية تؤمن به وتعمل صادقة من أجل تحقيقه ، وهذه الإرادة السياسية غير متوفرة في النظام السياسي المخزني بالمغرب وإنما المتوفر في هذا الأخير هو إرادة عرقلة التعريب ، الأمر الذي يتطلب مواجهة الإرادة المخزنية المعرقلة بإرادة شعبية واعية بأهمية التعريب ومدركة لكافة المناورات الرامية لعرقلته . ومؤمنة به ومستعدة للنضال من أجل تحقيقه على كافة المستويات .
إن النضال الشعبي من أجل تحقيق التعريب يجب أن يتبلور في عدة خطوات واعمال وتحركات من بينها على وجه المثال :
- مطالبة الفرق البرلمانية عبر أحزابها وارتكازا على تقرير وتوصيات اللجنة الوطنية للتربية والتعليم لسنة 1994 :
بإصدار قانون لتعريب جميع شعب التعليم العالي استكمالا لما تم تعريبه في المرحلة الثانوية .
بإصدار قانون يعاقب على عدم استعمال اللغة العربية في الإدارة والمؤسسات العامة والخاصة سواء داخل مصالحها أو في علاقاتها مع بعضها أو مع المواطنين .
- العمل من أجل :
رفض المواطنين لجميع المراسلات المحررة بلغة أجنبية والصادرة عن الإدارات والمؤسسات العمومية وإرجاعها إلى مصدريها قصد ترجمتها للعربية .
رفض المواطنين استعمال المطبوعات المحررة بلغة أجنبية والصادرة عن الإدارات والمؤسسات العمومية مع المطالبة بتعريبها والالتزام بملء فراغاتها بالعربية .
المطالبة بتعريب كافة وسائل الإعلام الرسمية الموجهة للمواطنين بما فيها جميع برامج القناتين التلفزيتين الأولى والثانية الناطقة بلغة أجنبية وذلك عن طريق دبلجتها أو ترجمتها للعربية …
ونرى من الضروري تأسيس جمعية للدفاع عن اللغة العربية تضم الفعاليات وممثلي المنظمات الوطنية المؤمنة بالتعريب يكون من بين مهامها الأساسية :
1 – خلق إرادة شعبية واعية بأهمية التعريب ومؤمنة به ومستعدة للنضال من أجل تحقيقه .
2 – توجيه تلك الإرادة عبر نضالات مختلفة تستهدف فرض التعريب …
عود على بدء :
لقد تساءلنا في هذا التعليق حول أية خانة من خانات عرقلة التعريب يمكن أن توضع فيها الخلاصة التي انتهى إليها الأستاذ عبد الله جميلي ؟ :
بعد هذه الجولة السريعة حول العراقيل التي يتلقاها التعريب ونتائجها الخطيرة وأسبابها وآفاق النضال من أجل إزالتها ، لا يمكن أن توضع خلاصة الأستاذ إلا في خانة التعتيم والتشويش على الأسس القانونية الواضحة التي ترتكز عليها الدعوة إلى التعريب ، وأن التعتيم والتشويش هما من بين اخطر العراقيل التي توضع أمام تحقيق التعريب والتي يجب التصدي لهما …