أدوات النظام التي يشتغل بها لعرقلة التعريب :
يعمل النظام السياسي المخزني بالمغرب على عرقلة التعريب بعدة وسائل .
وقد تكون الوسائل مباشرة تتجلى في التعليمات والأوامر وفي عدم الاستجابة للتوصيـــــــــــــــــات
والمقترحات المتعلقة بالتعريب والتي تخرج بها اللقاءات التي يدعو لها واللجن الوطنية التي يشكلها . وقد أوردنا لذلك نموذجا من التوصيات التي خرجت بها سنة 1994 اللجنة الوطنية المكلفة بدراسة قضايا التعليم والتي جمد النظام توصياتها …
و تتم العرقلة بواسطة الأدوات أو الأجهزة التي يقرر وينفذ بها النظام توجهاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والإعلامية والإدارية والعالية ، ويمكن أن نرجع هذه الأدوات إلى السلط الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية .
دور السلطة التشريعية في عرقلة التعريب :
من بين أدوات النظام السياسي المخزني في عرقلة التعريب سلطته التشريعية التي هي برلمانه المصنوع . فلا يكفي النص على حقوق بل لا بد من حماية هذه الحقوق من أية خروقات واعتداءات قد تصيبها ، وبدون هذه الحماية تبقى حقوقا أدبية أو معنوية وليست حقوقا قانونية .
وقد يكتفي المشرع بحماية الحقوق بواسطة جزاءات مدنية .
لكن قد يضيف المشرع إلى الجزاءات المدنية جزاءات جنائية .
وتتجلى الجزاءات المدنية في إزالة الأضرار المادية والمعنوية الناتجة عن تلك الخروقات والاعتداءات .
وتكون الإزالة هي الحكم بإبطال التصرفات والأعمال المكونة للخروقات والاعتداءات ، وبعدم إنتاجها لأي أثر قانوني مع التعويض عن الأضرار الناتجة عنها .
وقد يكون التعويض عبارة عن مبلغ مالي ، كما يمكن أن يكون عبارة عن القيام بعمل أو الامتناع عن عمل ، كما يمكن الجمع بينهما .
وقد يرى المشرع أن الجزاءات المدنية غير كافية لحماية حقوق معينة تحظى لديه ولدى المجتمع بأهمية كبيرة فيضيف إلى الجزاءات المدنية جزاءات جنائية تتجلى في العقوبات الحبسية وفي الغرامات المالية …
وإذا كان النص ، في المغرب، على رسمية اللغة العربية دستوريا يتمتع بحماية مدنية ، فإنه ولحد الآن لا يتمتع بحماية جنائية .
وتتجلى الحماية المدنية في إمكانية المطالبة بالحكم قضائيا بعدم حجية التصرفات الغير المحررة بالعربية أو الغير المترجمة إليها بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن ذلك ، وبإمكانية تعريض الموظف الذي يرفض استعمال اللغة العربية داخل إدارته أو في علاقته مع المواطنين ومع إدارات أخرى إلى عقوبات تأديبية.
والأساس القانوني للحماية المدنية المشار إليها هو مقتضيات الفصلين 77 و78 من قانون العقود والالتزامات والتي ترتب التعويض عن كل خطا ، وتعرف الخطأ بأنه : ترك ما يجب فعله ، وفعل ما يجب تركه .
ومن المعلوم أن الدستور هو أعلى قانون ، وان جميع مقتضياته تعتبر من النظام العام . وأن عدم احترام ما ينص عليه من رسمية للغة العربية يعتبر خطا يستوجب تطبيق جزاءات مدنية …
وعدم استعمال اللغة العربية من قبل الموظف أثناء ممارسته لوظيفته أو بمناسبتها يكون خطا مهنيا يعرضه للتأديب وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 17 من قانون الوظيفة العمومية الصادر في 24 / 02 / 1958 .
وقد أثبت الواقع منذ ترسيم اللغة العربية دستوريا أي منذ حوالي أربعين سنة ( دستور 1962 ) أن الجزاءات المدنية المشار إليها ليست كافية لفرض استعمال اللغة العربية سواء على مستوى القطاع العام أو على مستوى القطاع الخاص ، الأمر الذي يوجب على السلطة التشريعية ( البرلمان ) أن تصدر نصا تشريعيا يضع جزاءات جنائية على عدم استعمال اللغة العربية لكنها لم تفعل فكانت بذلك معرقلة للتعريب .
ومن جهة أخرى ، فإن البرلمان الذي من بين مهامه مراقبة الحكومة ومحاسبتها مع إمكانية إسقاطها لم يستعمل هذه السلطة لمحاسبتها ومن خلالها محاسبة إدارتها ومؤسساتها العمومية على عدم استعمال اللغة العربية فكان بذلك مهملا ومتغافلا إن لم نقل محرضا ومتواطئا وبالتالي مساهما معها في عرقلة التعريب .
ومن جهة ثالثة فإنه يجري حاليا ، وبواسطة البرلمان ، تصريف الأفكار التراجعية التي جاء بها مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين في ميدان مجانية التعليم وتعريبه ، ويتم هذا التصريف عن طريق المصادقة على مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة إليه قصد المصادقة عليها .
دور السلطة التنفيذية في عرقلة التعريب :
من بين الأدوات الخطيرة التي يعتمد عليها النظام السياسي في عرقلة التعريب السلطة التنفيذية ونقصد بالسلطة التنفيذية الحكومة المغربية بمكوناتها الإدارية ومؤسساتها العمومية .
ومن بين مظاهر العرقلة ما يلي :
أن أغلبية التقارير المعدة من قبل الوزارات تكون محررة بلغة أجنبية وتناقش في المجالس الحكومية والوزارية ، بلغة أجنبية .
منذ أوائل الستينات وبعض الوزراء الأولين يوجهون منشورات إلى الوزراء والكتاب العامين والمديرين العامين للمؤسسات العمومي يحثون فيها على استعمال اللغة العربية داخل المؤسسات وفي العلاقات مع بعضها ، وفي التعامل مع الموطنين ، إلا أن جميع المنشورات المتوالية بقيت حبرا على ورق وبدون إعمال على كافة المستويات ، مع بعض الاستثناءات القليلة التي لا يعتد بها ، وبدلا من أن يستخلص مصدروا المنشورات من عدم الإعمال : الإهمال والرفض وعدم الامتثال من قبل الموجه إليهم ، فيحاسبوا هؤلاء الآخرين بما تقتضيه هذه المحاسبة من إنذار وتأديب وإقالة من المسؤولية فضلوا التغاضي والصمت وعدم الاكتراث الأمر الذي يدل على أن تلك المنشورات لم يكن الهدف منها خدمة التعريب وإنما التمويه وضغضغة العواطف ليس إلا ….
ومن بين الشروط التي لا ترتكز على أساس لأجل القبول في وظائف معينة والترقي فيها إجادة لغة أجنبية ( الفرنسية غالبا ) الأمر الذي يعني من جهة أن الإدارة أو المؤسسة أو المصلحة التي سيتم فيها التوظيف لا تعمل ولا تتعامل إلا بهذه اللغة الأجنبية ، ويعني من جهة أخرى دفع التلاميذ والطلبة وبصفة عامة الشباب المغربي وأوليائهم إلى إهمال دراسة العربية وإتقانها على اعتبار أن مكانتها في ميدان التوظيف والتشغيل ضعيفة وغير مضمونة .
لا زالت آلات الطبع ذات الحروف اللاتينية هي السائدة في مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية الأمر الذي يعني أن استعمال اللغة الأجنبية بها هو السائد ، وحتى عندما يوجد القليل منها بالأحرف العربية فإنها قليلا ما تستعمل ، كما أن أجهزة الحاسوب التي يمكن من الناحية التقنية استعمالها بالحرف العربي وبالحرف اللاتيني تستعمل بهذا الأخير و يظل الحرف العربي ، مع وجوده ، معطلا عن الاستعمال .
أغلبية المطبوعات المعدة للاستعمال من قبل موظفي ومستخدمي الإدارات والمؤسسات العمومية تكون مكتوبة بلغة أجنبية الأمر الذي يفرض على مستعمليها أن يملئوا الفراغات التي بها بنفس اللغة الأجنبية ، وحتى عندما تكون مكتوبة باللغتين العربية والأجنبية فإن مستعمليها يفضلون ملأ الفراغات باللغة الأجنبية بدل العربية…
أغلبية المطبوعات المعدة للاستعمال من قبل المتعاملين مع الإدارة العمومية ومؤسساتها العمومية مكتوبة بلغة أجنبية وحدها وأحيانا إضافة العربية إلى جانبها من أجل التمويه ، فكأننا في الحالة الأولى أمام لغة أجنبية رسمية هي الفرنسية وفي الحالة الثانية أمام لغتين رسميتين هما العربية والفرنسية .
هناك مؤسسة دستورية منصوص عليها في المادة 32 من الدستور ومنظمة بمقتضى ظهير رقم 1 . 70 . 236 المؤرخ في 1 شعبان 1370 ( 3 / 10 / 1970 ) ، وهي المؤسسة المعروفة بالمجلس الأعلى للتعليم الذي من بين اختصاصاته : استشارته في مشاريع الإصلاح المتعلقة بجميع أصناف التعليم العمومي أو الحر وكما يبدي رأيه في جميع المسائل ذات المصلحة الوطنية و في الاختيارات الأساسية الراجعــــة
لميدان التعليم والتكوين والتوجيه وكذا في الوسائل الكفيلة بضمان تنفيذها .
وبالرغم من كون دور هذا المجلس استشاري ، فإن أهميته تظهر في مكوناته التي تنتمي ، عن طريق الانتخاب ، إلى تنظيمات اجتماعية وثقافية معنية بقضايا التعليم ولا يمكن إلا أن تكون منحازة لفائدة تعريب التعليم بجميع أصنافه ودرجاته ، وهكذا فإن من بين أعضائه ، بالإضافة إلى ممثلي بعض الوزارات على رأسها وزارة التعليم :
عشر أعضاء من لجنة التعليم بمجلس النواب تنتخبهم هذه اللجنة .
عمداء ومديرو مؤسسات التعليم العالي .
رؤساء مجالس العمالات والأقاليم .
أستاذان أو أستاذان محاضران عن كل مؤسسة للتعليم العالي ينتخبهما زملاؤهما خصيصا لهذا الغرض .
10 ممثلين للتعليم الابتدائي ينتخبون من بين مندوبي المعلمين بهذا الصنف في حظيرة اللجن المتساوية الأعضاء .
10 ممثلين للتعليم الثانوي ينتخبون من بين مندوبي المعلمين بهذا الصنف في حظيرة اللجن المتساوية الأعضاء .
ثلاثة طلبة عن كل كلية أو معهد تابع للجامعة ينتخبون خصيصا لحضور جلسات المجلس الأعلى للتعليم .
ممثلان عن كل إقليم تنتخبهما جمعية آباء التلاميذ .
ممثل تنتخبه كل جمعية من جمعيات قدماء تلاميذ أو طلبة مؤسسات التعليم العالي .
10 ممثلين للقطاعين الخاص والشبه العمومي .
إن هذا المجلس كان وما زال مجمدا وتحولت اختصاصاته إلى لجن يتم تشكيلها بدون الارتكاز على أساس من القانون ، ولا يستدعي المجلس للاجتماع سواء بمناسبة دورته العادية أو بصفة استثنائية . هذا مع العلم بأن تحديد جدول أعماله واستدعاءه يتم من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي بعد الاتفاق في ذلك مع الملك .
دور الإعلام العمومي في عرقلة التعريب :
وتتجلى هذه العرقلة في كون القناتين المتلفزتين ، الأولى والثانية الموجهتين إلى المواطنين المغاربة تبتان جزءا من برامجهما بلغة أجنبية ( الفرنسية ) وقد يصل هذا الجزء إلى أكثر من 50 % من ساعات البث اليومي بالنسبة إلى القناة الثانية ، وإلى أكثر من 16 % من ساعات البث اليومي بالنسبة للقناة الأولى …
وإذا كان هدف المسؤولين من البث بلغة أجنبية هو الجانب الدعائي للخارج ، فما عليهم إلا أن يخلقوا قناة تلفزية خاصة لهذا الغرض تبث إن شاءت واستطاعت بجميع اللغات الأجنبية .
دور جهاز العدالة في عرقلة التعريب :
كان من الممكن أن يلعب جهاز العدالة دورا أساسيا في الدفع بالتعريب نحو الأمام ، لكن العكس هو الذي حصل ويحصل :
فاعتمادا على رسمية اللغة العربية منذ سنة 1962 كان من الممكن قانونا أن يرفض القضاء كل وثيقة محررة بغير العربية أو غير مترجمة إليها وعدم اعتبار أية حجية لها في الإثبات لكنه لم يفعل مع بعض الاستثناءات ، فكان هذا الموقف اللاقانوني منه بمثابة تشجيع ضمني للإدارة والمؤسسات العمومية والخواص على الاستمرار في تحرير تصرفاتهم ومحاضرهم وتقاريرهم وعقودهم بلغة أجنبية وعدم ترجمتها إلى العربية في حالة تقديمها إلى القضاء بمناسبة النزاعات …