سلطاتالنيابة العامة
مباشرة أو الأمر بمباشرة البحث التمهيدي
المسطرة، وهذا الاختلاف يتجلى في سلطتين هماسلطة الوضع تحت الحراسة النظرية ومسطرة تفتيش المنازل( ) وهاتين الحالتين تهدمانمبدأ البراءة المفترضة والتي يبرره البعض بوقوع المجرم في يد العدالة في حالة تلبسوما يؤدي إليه ذلك من نتائج تؤثر لا محالة على هذا المبدأ.
نص المشرع في المادة 56( )على حالات التلبس واعتبرها بمثابة دليل قاطع على ارتكاب المتهم للجريمة وبالتاليرتب عليها نتائج خطيرة وقد ذهب البعض( ) إلى تقسيم حالات التلبس إلى نوعين:
الفقرة الأولى: حالات التلبسالحقيقية:
وهيالحالات التي تنم حقا عن وجود علاقة قوية بين المتهم والفعل الإجرامي حيث يمكنوبسهولة أن نثبت من خلال هاته الحالات أن المتهم هو الفاعل وهذا ما أدى بالفقه إلىتسميتها بحالات التلبس الحقيقي وتتمثل في:
أولا: حالة ضبط الفاعلأثناء ارتكابه الجريمة:
وهذهالحالة تعني أن الفاعل يشاهد من طرف النيابة العامة عن طريق قضاتها (أو من يقوممقامهم) وهو ينفذ الركن المادي للجريمة خاصة إذا كانت هذه الجريمة تستغرق وقتالتنفيذها، حيث يدق تحديد حالة التلبس وتزداد صعوبة كلما كانت الجريمة تنحو إلىالسرعة في أدائها حيث يشكل عنصر الزمن أهمية بالغة في تحديد حالة التلبس من عدمهاذلك أنه وفي حالة ارتكاب الفعل الجرمي خلال ثوان معدودة كالطعن بالسكين مثلا فإنالزمن الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار حتى نكون إزاء حالة التلبس الفعلي للفاعلأثناء ارتكابه الجريمة هي تلك المدة الفاصلة بين دخول السكين جسد الضحية وخروجهمنه وهذا ما يميز هذه الحالة عن الحالة التالية.
ثانيا:حالة ضبط الفاعل على إثر ارتكابه الجريمة:
حيثتتحدد هذه الحالة بناء على عنصر الزمن وإن كانت تؤدي إلى نفس النتائج التي تؤديإليها الحالة الأولى، إلا أنه يجب التمييز بينهما من حيث الزمن والذي يتمثل في هذهالحالة في الوقت الفاصل بين خروج السكين من جسد الضحية في المثال السابق ووقوعالضحية على أبعد تقدير بناء على اتجاه أغلب الفقه الذي ذهب إلى تفسير تعبير المشرع(على إثر إنجازه) على أنه قصد بذلك حصول اكتشاف الجريمة في اللحظة التي يكونالجاني يقوم فيها بآخر عمل يندرج ضمن ماديات الجريمة( ).
وسواءكنا أمام الحالة الأولى أو الثانية فإن تحديد حالة التلبس بالشكل المذكور يتطلبتكوين قانوني جيد على الأقل بالنسبة للأشخاص الذين يقومون بمعاينة الجريمة والحكمبوجودها في حالة تلبس وهذا ما ينطبق على الحالات الأخرى التي تشكل التلبسالافتراضي مع كثير من التحفظ.
الفقرة الثانية: حالات التلبسالافتراضي:
لقدميز الفقه المغربي بين الحالتين الأوليين واللتين تجسدان التلبس بمفهومه الحقيقيوبين الحالات الآتية التي اعتبرها المشرع بمثابة التلبس مع ما يطرحه ذلك .
أولا: مطاردة المشبوه فيهمن طرف الجمهور:
إنأصل ونشأة هذه الحالة جاءت أساسا كأثر من آثار متابعة الجماعة المعتدى عليهاللمعتدي بالصياح في محاولة للانقضاض عليه والانتقام منه على جريمته( ).
وهذهالحالة تقتضي وجود متهم فارا بعد وقوع جريمة وأن الجمهور يتابعونه على أساس أنه هومرتكب الجريمة وهذا يعني أن المشرع توسع في أخذه بمفهوم التلبس حيث تمادى فياستخدام عنصر الزمن وتراخى هذا العنصر بين وقوع الجريمة وهروب الفاعل وقد يتزامنأن يكون هناك شخص مارا وبمحض الصدفة يرى المجني عليه واقعا فيقترب منه لتفقده فإذابه بصراخ الجمهور من ورائه مما يثير فزعه ويجعله يلوذ بالفرار فيتم إلقاء القبضعليه واعتباره في حالة تلبس، وإذا ما نحن أخذنا بهذا المعيار وأكدنا على هذهالحالة باعتبارها حالة تلبس فإننا بذلك نكون قد أجهزنا على المتهم وبالتالي على حقوقهوإنما يستغرب له فعلا هو كون بعض الحقوقيين يعترفون بأن هذه الحالة تعتبر تلبسافعلا وهذا ما أكد عليه وزير العدل حيث قال في هاته الحالة «وهي حالة نفترض أنمرتكب الفعل الجرمي لم يتم إيقافه بمكان الجريمة وأنه تمكن من الإفلات، ولكنالجمهور طارده في الحين، وسواءا تم توقيفه آنذاك أو لم يتم توقيفه فإنالجريمة تعتبر جريمة متلبسا بها»( ). إن ما يلاحظ على السيد وزير العدل أنه توسعجدا في أخذه لمفهوم التلبس حيث قال بأنه حتى لو لم يتم التوقيف آنذاك فإن الجريمةتعتبر متلبسا بها، وأي قول هذا؟ إنه يتنافى حتى مع المنطق العقلي السليم لشخص عاديوليس لشخص حقوقي مارس العمل في مجاله سنوات طوال. فكيف يمكن أن نقول بأن الشخصمتلبس بجريمة ما وهو ليس بمسرح الجريمة؟ حيث أننا نعتبر أن التلبس يجب أن يكونبمعاينة ضباط الشرطة القضائية للفعل الجرمي أثناء ارتكابه أو على إثر إنجازه على أبعدتقدير وأنه وفي حالة المعاينة من طرف الجمهور فإننا نكون إزاء جريمة عادية مشهودةويعتبر أولئك الأشخاص شهودا حيث يوجد فرق كبير بين الجرم المشهود والجرم المتلبسبه، فهما يشتركان في وجود أشخاص شاهدوا الجريمة ويختلفان فقط من حيث صفة الشاهد،فإذا كان يوصف على أنه أحد أفراد الشرطة القضائية اعتبر الجرم متلبسا به، أما إذاكان الشاهد شخصا لا يحمل صفة الشرطي القضائي فلا يعتبر الجرم إلا جرما مشهودا يطبقعليه البحث في الحالة العادية.
إلا أنه ليست هذه هي الحالةالوحيدة التي توسع فيها المشرع واعتبرها حالة تلبس حيث قام بإدراج حالتين أخرتينلا تشكلان إلا افتراضا لوجود حالة تلبس وهي:
ثانيا: ضبط المتهم حاملاأسلحة أو عليه آثار بعد مرور زمن قصير على ارتكاب الجريمة:
وتقتضيهذه الحالة حسب منظور المشرع أن يكون هناك متهم ثم إلقاء القبض عليه ومعه أدواتلها علاقة بالجريمة التي حدثت أو عليه آثار تدل على ارتكابه أو مشاركته في الفعلالجرمي. وهذا القبض يتم بعد مرور وقت قصير حسب تعبير المشرع. إن أول ما أثارالتساؤلات في هذه الحالة هو التعبير الذي استعمله المشرع (وقت قصير) فهو تعبيرفضفاض ومرن يطرح تساؤل من له سلطة تحديد هذا الزمن؟
ولقددرج الفقه على محاولة إكمال النواقص التي تعتري النصوص القانونية وهذا ما قام بهفي هذه الحالة حيث قال البعض بأن هذا التحديد متروك للقاضي لإعمال سلطته التقديريةحسب كل حالة، إلا أن هذا الرأي اعترض عليه البعض بدعوى محاربة تحكمية القضاةوحاولوا تحديد مدة 24 ساعة كحد أقصى لهذه المدة، ولا شك أن هناك اتجاه فقهيآخر أكد على أن هذا الزمن لا يجب أن يتجاوز عدة ساعات، وإن ما يحزننا هو أن نرىالمشرع المغربي قد نص على هذا في المادة 56 من المسطرة الجنائية وكذلك المشرعالمصري في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية والمشرع الفرنسي في المادة 53 منقانون المسطرة الجنائية. ولا نغفل وجود بعض الاجتهادات القضائية في هذا الأمر حيثاعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن حالة التلبس قائمة رغم مرور 28 ساعة على ارتكابالفعل.
إنما نريد التأكيد عليه هو أن مفهوم التلبس يعني وجود فاعل (الجاني) ومفعول به(ضحية) وضابط للشرطة القضائية أثناء ارتكاب الجريمة، وما عدا ذلك يجب أن يعتبرجريمة عادية وإن كانت الأدلة والقرائن قوية في مواجهة المتهم، وهذا ما يجعلنا نرفضوجود زمن يفصل بين ارتكاب الجريمة وحضور ضابط الشرطة القضائية (وإلقائه القبض علىالمتهم) إنا نرفض وجود هذا الزمن جملة وتفصيلا إلا إذا وجد متهم (غبي) يجلس بجانبضحيته في انتظار حضور ضابط الشرطة القضائية لعدة ساعات أو أيام حسب بعض الفقهاء.
إنالمنطق القانوني السليم يذهب إلى ضرورة إلغاء هذا الفصل من جذوره من جميع هاتهالدول التي تدعي أن الأصل هو البراءة قولا وتنافي ذلك فعلا حيث أعجبني قول أوردهالأستاذ الحسن البيهي في كتابه يذهب إلى أن «المشرع المغربي لم يكن في اعتقادناموفقا كل التوفيق حينما أقر المبدأ أعلاه (مبدأ قرينة البراءة) دون آليات ومبادئعامة كفيلة بتوضيحه وتفسيره»( ) وهذا القول ينطبق على كل التشريعات السابقة الذكرخاصة إذا ما علمنا وكما سبق أن أشرنا بأنها تخول لضابط الشرطة القضائية سلطاتتختلف في حالات التلبس عنها في الحالات العادية.
ثالثا: حالة التماس مالكالمنزل من النيابة العامة أو ضابط الشرطة القضائية معاينة الجريمة المرتكبة بداخله:
بكلوضوح لا علاقة لهذه الحالة بمفهوم التلبس، فهي أكثر من أن تعتبر حالة تلبس افتراضيقياسا مع الحالات التي أشير لها سابقا والمنصوص عليها بالمادة 56 من قانون المسطرةالجنائية( ) فهي تعتبر أنه وفي حالة حدثت الجريمة في منزل معين والتماس صاحب هذاالمنزل من ضباط الشرطة القضائية معاينة الجريمة كشرطان لقيام هاته الحالة فإننانكون إزاء حالة التلبس، ولا حاجة لنا بالتذكير على أهمية عنصر الزمن كعنصر أساسيلقيام حالة التلبس وبالتالي إعطاء نتائجها.
فلوافترضنا جدلا بأن صاحب منزل دعا أصدقائه إلى منزله وبعد انقضاء السهرة وخروجالأصدقاء تبين لصاحب المنزل اختفاء شيء ثمين من منزله وبالتالي عمد إلى إبلاغالنيابة العامة والتمس منهم معاينة الجريمة، وبناءا على الفصل المذكور ستقومالنيابة العامة بإلقاء القبض على الأصدقاء كلهم باعتبارهم متلبسين بالجريمة ! فكيفيعقل أن يكون كل الأفراد متلبسين في محضر النيابة العامة وبعد صدور الحكم نجد أنالفاعل هو شخص واحد، إن معنى التلبس يقضي حتما إلى ضرورة إتهام الفاعل ما لم يبرءلفائدة الشك أي أنه لا يوجد دليل يؤكد على أنه المرتكب سوى مشاهدة ضابط الشرطةالقضائية.ونستنتج مما سبق أن حالاتالتلبس الافتراضية هي حالات بعيدة عن حالات التلبس فعلا وهذا ما يجعلنا نطالببإصلاح هاته المواد والتأكيد على أن حالات التلبس تقتصر على الحالتين الأولتينوالتي صنفهما الفقه على أساس أنهما تشكلان تلبسا حقيقيا.