الفصــــل الأول : البحث التمهيدي في الأحوال العادية
القانون لم يتعرض بنص صريح لقيام الضباط الساميين للشرطة القضائية بالبحث التمهيدي إذا كانت موضوع البحث غير متلبس بها\
أي في الأحوال العادية
و البحث التمهيدي في الأحوال العادية يقصد به البحث الذي يجري خارج حالة التلبس و من خلال قانون المسطرة الجنائية يتضح أن
الشرطة القضائية هي التي تتولى هي التي تتولى القيام بالبحث التمهيدي
و يحمل صفة ظابط الشرطة القضائية كالمدير العام للأمن الوطني، وولاة الأمن و المراقبون العامون لشرطة ، و عمداء الشرطة و ضباطها، ضباط الدرك الملكي،و ذوو الرتب فيه و كذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة، أو مركز الدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة، و يمكن تخويل صفة ضابط الشرطة القضائية: مفتشي الشرطة التابعين للأمن الوطني، ممن قضواعلى الأقل ثلاث سنوات لهذه الصفة بقرار مشترك صادر من وزير العدل ووزير الداخلية و للدركيين الذين قضوا على الأقل ثلاث سنوات من الخدمة بالدرك الملكي و عينوا رسميا بقرار مشترك من وزير العدل و السلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني.
و حسب ماجاء به الأستاذ الدكتور أحمد الخمليشي و استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 38 أن وكيل الملك و الوكيل العام للملك و نوابهما يمكن لهم القيام بالبحث التمهيدي بصفتهم ضباط سامون للشرطة القضائية
و أعمال البحث التمهيدي تتلخص حسب المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية بقولها" يعهد إلى الشرطة القضائية تبعا إلى البيانات المقررة في هذا القسم لمعاينة الجرائم و جمع الأدلة و البحث عن مرتكبيها"
و من خلال الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية يتضح أن مهام الشرطة القضائية هو تلقي الشكايات و الوشايات
المبحث الأول: تلقي الشكايات و الوشايات
تقوم الشرطة القضائية بتلقي الشكايات و الوشايات من أشخاص مجهولين أو معلومين حول حدوث جريمة أو أدلتها أو أشخاص مرتكبيها، و يستوي أن يكون تبليغ الشكاية أو الوشاية إليه كتابة أو شفويا أو عبر الهاتف أو غير ذلك من وسائل التبليغ كالفاكس، وسائل تكنولوجية و تجدر الإشارة أن المواد 27-40-49 من قانون المسطرة الجنائية قد عالج كيفية تلقي الشكايات و الوشايات من طرف ضباط الشرطة القضائية و نظرا لوجود اختلاف بين الشكاية و الوشاية، وجب علينا أن نقوم بمعالجة كل عنصر على حدى
*الفقرة الأولى:
الوشاية: الوشاية إجراء يأخذ شكل إخبار شفوي أو مكتوب بواسطة الهاتف يصدر عن شخص لم يتضرر من الجريمة،يبلغ بواسطته بنبأ وقوعها إلى الشرطة القضائية
وقد يتلقى الوكيل العام للملك الوشاية الموجهة إليه و يتخذ بشأنها ما يراه ملائما من الإجراءات أو يرسلها مرفقة بتعليماته إلى وكيل العام للملك المختص.
و قد يحيل الوكيل العام للملك ما يتلقاه من الشكاية و ما يتخذه من إجراءات إلى هيئات التحقيق أو هيئات الحكم المختصة أو يأمر بحفضها بمقرر يمكن دائما التراجع عنه و قد يكون الهدف من الوشاية نيل و هو مساعدة العدالة أو المجني عليه، و قد يكون الهدف من تقديم الوشاية مجرد الانتقام و بالتالي يعد عملا دنيئا.
و قد نصت المادة 42 من قانون المسطرة الجنائية، يجب على كل سلطة مختصة ، و على كل موظف بلغ إلى علمه أثناء ممارسته لمهامه، ارتكاب جريمة أن يخبر بذلك فورا وكيل الملك أو وكيل العام للملك، و أن يوجه إليه جميع ما يتعلق بالجريمة من معلومات و محاضر ووثائق.
فالمقصود من هذه المادة، و هي أن الوشاية يمكن أن تصدر من جهة رسمية عندما تقدم وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 42 من ق.م.ج.
و على خلاف ذلك فيمكن أن تكون الوشاية عادية بمعنى أنها صادرة عن جهة غير مختصة و هي ما أشارت إليه المادة 43 ق.م.ج بقولها" يجب على كل من شاهد ارتكاب جريمة تمس بالأمن العام و بحياة شخص أو أمواله أن يبلغ وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو الشرطة القضائية.
و إذا كانت الضحية قاصرا أو معاقا ذهنيا، تبلغ أية سلطة قضائية، أو إدارية مختصة و المشرع لم يرتب أي جزاء قانوني عن كل شخص أخل بهذا الواجب.
و الملاحظ أن المجتمع ينظر إلى الواشي بنوع من الإزدراء و الاحتقار و قلة الاحترام لأن الدافع في بعض الأحيان يكون هو الانتقام و التشفي من الموشى به، و لكن نجد في بعض الأحيان أن الوشاية لها أهمية كبيرة تتجلى في خلق تضامن اجتماعي و القضاء على المجرمين الذين يخربون قواعد و أسس المجتمع.
* الفقرة الثانية: الشكاية
الشكاية هي إجراء يقوم به المجني عليه أو من يقوم مقامه، و يتقدم بواسطته إلى السلطات المختصة لتبليغها عن خبر جريمة تعرض لها.
و الشكاية كما ذكرنا سابقا يمكن أن تكون شفوية يصرح بها صاحب الشكاية إلى السلطات المختصة و يحرر محضر بذلك و يمكن أن تكون كتابية و عندئذ يجب أن تتضمن الوقائع و الأحداث و شخصية المشتكى به و اسمه و محل إقامته.
أما إذا كان المشتكي معلوم الأوصاف و ادعى أنه ليس هو المعني وجب على المحكمة أن تتولى التحقيق من هويته و ذلك وفقا لقانون المسطرة الجنائية.
و الشكاية إما أن تكون عادية و إما أن تكون مصحوبة بالادعاء المدني إلى الشرطة القضائية لإنها تعتبر دعوى و الدعوى ترفع إلى القضاء. و يجب على المطالب بالحق المدني أن تعتبر بصفته مدعيا مدنيا و يحدد مبلغ التعويض الذي يؤدى عنه الرسوم القضائية تحت طائلة عدم القبول.
و ينتج عن المطالبة بالحق المدني عن طريق الادعاء المباشر لروم المتابعة، عكس الشكاية العادية التي تبقى لنيابة العامة سلطة في تحديد الملاءمة و القانون يعطيها حق النظر في الشكاية.
و تجدر الإشارة أن الشكاية يمكن أن تصدر ضد مجهول، لكن في حقيقة الأمر هذه الشكاية يكون الغرض منها في أغلب الأحيان هو الانتقام و التشفي من المشتكى به.
و الشكاية تقدم إما للنيابة العامة أو لضباط الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق، لكن نجد في الواقع العملي حالات خاصة حدد القانون الجهة المختصة و هو ما ورد في الفصل 71 الفقرة الثانية من قانون الصحافة الذي يجعل المتابعة من أجل السب و القذف الموجهة ضد أعضاء الحكومة يجري بناء على شكاية من المعني بالأمر و يوجه إلى وزير الأول الذي يحيلها إلى وزير العدل .
و يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يحتاط من إجراءات البحث التي يقوم بها، و لا سيما تلك التي تمس بحريات الأشخاص و حقوقهم كالوضع تحت الحراسة و تفتيش المنازل لأنه قد يكون هدف الشاكي أو الواشي مجرد الانتقام أو التشفي فإذا كانت طبيعة و صبغة مهام الشرطة القضائية تقضي بأن لا يهمل تبليغا عن الجريمة و إن كانت مؤيداته ضعيفة. فإن المحافظة على طمأنينة المواطنين و حريته تفرض عليه الاحتياط و عدم التسرع في الإجراءات التي تضايق أو تشهر بالأفراد الموشى بهم.
المبحث الثاني: مضمن البحث التمهيدي في الأحوال العادية
يكتسي البحث التمهيدي أهمية خاصة و أنه مرحلة تكون فبل التحقيق الإعدادي و المحاكمة من خلاله تجمع الأدلة و المعلومات و البحث عن مرتكبها قبل القيام بدعوى عمومية و أيضا في هذه الفترة يقوم ضباط الشرطة القضائية من التأكد من صحة الشكايات و الوشايات قبل تقديمها للعدالة و قول كلمتها في البحث التمهيدي في الأحوال العادية هو مجموع التحريات التي تقوم بها الشرطة القضائية في غير حالة التلبس بجريمة ، و قد عالج المشرع هذا النوع من البحث في الفصول 78 إلى 89 من ق.م.ج. و الملاحظ أن البحث التمهيدي ينطوي على مخاطر عدة ، ذلك أنه لا يتوفر على ضمانات مثل التحقيق الإعدادي، بحيث أن حرية الفرد تكون مهددة و مصلحة المجتمع تكون مضرورة، و يكون الفرد عندئذ عرضة لتعذيب و غيره من ضروب المعاملة العقوبة القاسية .
لذلك نجد أن القانون الدولي لحقوق الإنسان بموجب الاتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية نجده قام بتدقيق مفهوم متعارف عليه عالميا فيما يخص بالتعذيب باعتباره انتهاكا جسيما، تقاطعت بشأنه قرارات على نطاق واسع بحدوثه أثناء المراحل السابقة للمحاكمة و بصفة خاصة من طرف الأجهزة المكلفة بالأبحاث التمهيدية.
و بمقتضى هذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب:
-أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما يقصد الحصول من هذا الشخص أو شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل أو شكاية أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو شخص ثالث.
و عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص اخر ينصرف بصفته الرسمية و لا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضة لها.
فهذه الاتفاقية جاءت لتحمي حق الفرد تجاه أي سلطة عليا فيما لو أسيء استعمال السلطة التقديرية المخولة لضابط الشرطة القضائية، و قد نجد أن السلطة القضائية تقوم بتحريات خلال البحث التمهيدي تتمثل في التحريات المنصبة على الأشخاص و التحريات المنصبة على الأشياء.
*الفقرة الأولى: التحريات المنصبة على الأشخاص.
التحريات المنصبة على الأشخاص هي التحريات التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية بغية الوصول إلى معلومات تفيد الجريمة و تتجلى هذه التحريات:
استدعاء المشبوه فيه
استماع إلى الأشخاص.
القيام بكل التحريات.
التفتيش الجسدي للأشخاص.
الوضع تحت الحراسة.
أ-استدعاء المشبوه فيه: إن ضابط الشرطة القضائية من الناحية القانونية، لا يجوز له إجبار المشبوه فيه على الحضور أمامه استجوابه حول الجريمة التي يقوم بالبحث فيها، و إنما يحق فقط استدعائه عن طريق أحد أعوان أو أحد أعوان السلطة العامة أما إذا لم يستجب المشبوه فيه لهذا الاستدعاء أمكن أن يتابعه للمخالفة المنصوص عليها في المادة 29 (ف3)
و عند مجىء المشبوه ليستجوبه ضابط الشرطة القضائية عن الجريمة موضوع البحث، له أن يستجوبه فقط عن بعض حيثيات الجريمة التي يراها ضرورية لإظهار الحقيقة،
لكن بدون تناول التفاصيل و الجزئيات التي يكون الهدف منها استدراج المشبوه فيه للوصول الحقيقة، لأن هذا من اختصاص قاضي التحقيق.
ب- الاستماع إلى الأشخاص: يحق لضابط الشرطة القضائية بموجب القانون أن يقوم بالاستماع لأي شخص تفيد تصريحاته الكشف عن الحقيقة.
و المقصود بالأشخاص أي شخص يمكنه أن يفيد في كشف عن ستار الحقيقة سواء كان المشتكى أو المشتكى به أو المشتبه في أمره أو أخذأقوال الشهود أو السلطات الإدارية أو أي شخص يمكن أن يفيد في إظهار الحقيقة.
و الاستماع إلى هؤلاء الأشخاص لا يخضع لأي شرط من الشروط الشكلية التي يخضع إليها الاستماع من طرف قاضي التحقيق أو المحاكمة مثلا ( أداء اليمين و عدم الاستعانة بالمذكرات و قراءة الشهادة عليه) لذلك فإن التصريحات أمام ضابط الشرطة القضائية لا تعتبر شهادة بالمفهوم القانوني، بحيث لا يمكن للمحكمة أن تعتمد عليها لإصدار الحكم حتى لو كان عدد الأفراد الذين أدلوا بها كثير،و لو اشتملت على تفاصيل دقيقة كوقائع الجريمة، بل دورها يقتصر فقط للاستئناس بها كباقي القرائن التي تعتمد بهاو سائل الإثبات القانونية المدلى بها أمامها.
قد جاءت في هذا الصدد اتفاقية أروبية لحقوق الإنسان حق الشخص المتهم في أن يوجه الأسئلة بنفسه أو بواسطة من يتولى الدفاع عنه لشهود الإثبات و أن يتمكن من استدعاء شهود النفي و توجيه الأسئلة إليهم بالطريقة ذاتها التي يوجه بها الأسئلة إلى شهود إثبات
ج- القيام بكل التحريات: مثل الوقوف على مكان اقتراف الجريمة و البحث عن الآثار التي خلفتها و تحليل هذه الآثار بالوسائل الفنية و العلمية.
و الاستعانة بالكلاب البوليسية و بكل وسيلة أخرى تساعد على كشف الجريمة و إبراز معالمها و لا يتقيد في ذلك إلا بضرورة المحافظة على حقوق الأفراد و حرياتهم و التمسك بالمشروعية.
فكل إجراء يمس بحق الفرد أو حريته لا يجوز لضابط الشرطة القضائية القيام به إلا إذا وجد نص صريح في القانون لأن البحث التمهيدي ينحصر في جمع الأدلة عن وقائع الجريمة دون المساس بحقوق المشبوه فيه الذي لم يوجه إليه الاتهام بعد، و المحافظة على حقوق الفرد سابقة على هدف الوصول إلى الحقيقة، نعم إذا وجد نص صريح في القانون يمكن للضابط القيام بالإجراء المسموح به مثل الوضع تحت الحراسة و تفتيش المنازل.
كما أنه من الضروري أن يتقيد ضابط الشرطة القضائية بالمشروعية، فيمتنع عليه مثلا التجسس و التقاط الاعترافات و الأحاديث عن طريق التليفون أو آلات التسجيل السرية و أدوات التقاط الأصوات و الأمواج و قراءة الرسائل المغلقة فمثل هذه الوسائل و إن كانت مستعملة اليوم في جميع أنحاء العالم إلا أنها تعتبر عملا من أعمال الشرطة الإدارية، دون الشرطة القضائية التي لا تقبل محاضرها أمام القضاء إلا إذا كانت صحيحة في الشكل و المحضر لا يكون صحيحا شكلا إلا إذا كان محرره قد عاين أو تلقى ما ضمنه فيه بوسيلة مشروعة لا يمنعها القانون و لذلك حتى لو اكتشف ضابط الشرطة القضائية الجريمة بإحدى الوسائل الناقصة بمقتضى وظيفته في الشرطة الإدارية، فإنه يتعين عليه أن يعتمد في البحث التمهيدي وسائل إثبات مشروعة و إلا كان المحضر الذي يحرره باطلا.
د- التفتيش الجسدي للأشخاص: يكتسي موضوع التفتيش أهمية كبرى من حيث أنه يهم كرامة و حرمة الشخص و قد اعتبرت اللجنة في إطار تعليقاتها في هذا المجال" ينبغي أن يقتصر تفتيش منزل الشخص على البحث عن الأدلة اللازمة، و ينبغي أن لا يسمح بأن يصل إلى حد المضايقة و فيما يتعلق بالتفتيش الشخصي و البدني أن تكون هناك تدابير فعالة تكفل إجراء هذا التفتيش بأسلوب يتفق مع كرامة الشخص الذي يجري التفتيش في حالة الأشخاص الذين يخضعون لتفتيش بدني يجريه مسؤولون أو موظفون بناء على طلب الدولة ينبغي أن يجري الفحص بواسطة أشخاص من نفس الجنس"
فقد أثيرت في هذا التعليق عبارة "من نفس الجنس" بمعنى أن المرأة لا تنتهك حرمتها و يجب أ|ن تقوم بتفتيشها امرأة مثلها ينتدبها ضابط الشرطة القضائية و هذا ما أشارت إليه مادة 81 من ق.م.ج و يعتبر هذا الإجراء من مستجدات ق.م.ج فاتح أكتوبر 2003.
و التفتيش يشمل أيضا تفتيش الحقائب و الأوراق و الملابس الداخلية ، أي كل ما يمكن أن يفيد إلى الوصول إلى الحقيقة شريطة عدم التعسف في استعمال السلطة .
ه-الوضع تحت الحراسة: أجاز المشرع المغربي لضابط الشرطة القضائية إبقاء الشخص رهن إشارته فله أن يضعه رهن الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة بإذن من النيابة العامة و يتعين لزوما تقديمه إلى وكيل الملك أو وكيل العام للملك قبل انتهاء هذه المدة.
و يمكن لوكيل الملك أو وكيل العام للملك بعد الاستماع إلى الشخص الذي قدم إليه أن يمنح إذنا مكتوبا بتمديد الحراسة النظرية لمدة 24 ساعة. إذا تعلق الأمر بالمس بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي فإن مدة الوضع تحت الحراسة تحدد في 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة بإذن كتابي من النيابة العامة.
و يمنح بصفة استثنائية منح الإذن المذكور بموجب مقرر معلل بأسباب دون أن يقدم الشخص إلى النيابة العامة.
و يعتبر الوضع تحت الحراسة من أخطر الصلاحيات التي خولها المشرع لضابط الشرطة القضائية، بحيث يكون ضابط الشرطة القضائية غير ملزم بتقديم تبرير لقراره و المشرع لم يحدد أي جزاء عن الإخلال بهذا الإجراء.
و نظرا لما تمثله الحراسة النظرية على حرية الأفراد فقد قيدها المشرع ببعض الإجراءات:
* تعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة بالحبس
* أن تكون هناك ضرورة يقتضيها البحث ( تسهيل البحث، إيجاد قرائن..)
* احترام مدة الحراسة
و تجدر الإشارة أن النيابة العامة تقوم بمراقبة الوضع تحت الحراسة النظرية و يمكن لها أن تأمر في أي وقت وضع حد لها أو لمثول الشخص المحتجز أمامها و يجب على كل ضابط شرطة قضائية أن يتبث محضر سماع أي شخص وضع تحت الحراسة النظرية (يوم وساعة إطلاق سراحه و تقديمه).
و خلاصة القول مما لاسبق نجد أن ضابط الشرطة القضائية لم يحدد له القانون الإجراءات التي ينجز بها البحث التمهيدي، و إنما بقي له كامل الحرية في أن يلجئ إلى أية وسيلة يراها مفيدة في أداء مهمته الهادفة إلى إبراز معالم الجريمة و وقوعها و مساعدة العدالة على الوصول إلى الحقيقة و لكن في إطار هذه الحرية المخولة لضابط الشرطة عليه أن يتقيد بطبيعة البحث التمهيدي الذي لا ينبغي أن تمس إجراءاته لشخص المشبوه فيه أو حريته كما عليه الالتزام بالمشروعية و المقتضيات القانونية المتعلقة بحقوق الفرد و حريته.
*الفقرة الثانية: التحريات المنصبة على الأشياء
يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يتولى المعاينات الضرورية و أن ينتقل إلى مسرح الجرم ( عين المكان) كلما دعت حاجة البحث و الكشف عن الحقيقة.
و ضابط الشرطة القضائية لا يحتاج إلى القبول المسبق من الأشخاص، ما عدا في حالة تفتيش المساكن و المحلات الخاصة على الرغم من كون الشرطة القضائية ينبغي القيام خلال الوقت القانوني المسموح به بتفتيش المنازل و عليه فلا يجوز التفتيش إلا بعد 6 صباحا و قبل 9 ليلا إلا إذا طلب منه صاحب المنزل.
و يتميز التفتيش في الأحوال العادية، بأنه يخلو من الصبغة التحقيقية التي تطبعه في حالة التلبس و قد أكد المشرع في المادة 79 بقوله " لا يمكن دخول المنازل أو تفتيشها و حجز ما بها من أوراق الاقتناع دون موافقة صريحة من الشخص الذي تجري العمليات بمنزله".
و لذلك يجب أن تضمن هذه الموافقة في تصريح مكتوب يخط المعني بالأمر و إن كان لا يعرف الكتابة، يشار إلى ذلك في المحضر كما يشار إلى قبول المعني بالتفتيش
الفصـــــل الثانــي:
الفصل الثاني:البحث التمهيدي في حالة التلبس بالجريمة
على الرغم من أن غاية البحث التمهيدي واحدة سواء كان بمناسبة التلبس أم كان في غيابه – أي عاديا- فهي تكون في كلتا الحالتين إعداد ملف كامل يتعلق بالنازلة ووضعه أمام السلطة القضائية لاتخاذ ما يقتضيه الأمر، فبالنظر من جهة لوضعية التلبس بالجريمة التي لا تعمر إلا زمنا يسيرا مما يتعين معه التدخل السريع للشرطة القضائية للاستدلال على الجريمة و فاعلها قبل غياب آثارها و اندثار أدلتها، و من جهة ثانية موقف المشرع من هذه الوضعية التي خصها بإحدى و عشرين نصا في قانون المسطرة الحنائية ( من الفصل 56 إلى الفصل 77) يقود إلى الاعتراف بأن للبحث التمهيدي المقترن بحالات التلبس خصائص مميزة له، قد يترتب عنها بمناسبة إنجازه من طرف رجال السلطة القضائية ضرر أظهر بحريات و حقوق الخاضعين له من ذلك الذي قد يطالهم بمناسبة البحث التمهيدي العادي و يظهر ذلك من خلال الصبغة القسرية الواضحة على الأعمال التي تقوم بها السلطة القضائية عند إنجاز البحث التلبسي بالجريمة كمنع مغادرة كل شخص لمكان وقوع الجريمة إلى أن تتم تحريات ضابط الشرطة القضائية
الخصوصيات السابقة إذن تبرر إفراد البحث التمهيدي التلبسي بدراسة تحدد نطاقه عن البحث التمهيدي العادي، لذلك سنحدد مفهومه و حالاته و صلاحيات الشرطة القضائية أثناءه.
المبحث الأول: معنى التلبس و خصائصه و حالاته و شروطه
*الفقرة الأولى: مفهوم التلبس و خصائصه و حالاته
أولا:مفهوم التلبس
يعتبر التلبس المستعمل في النص العربي يفيد لغة الاختلاط، فيقال تلبس بالشيء إذ هو اختلط به، وتلبس بالثوب إذا هو ألبس نفسه فيه فارتداه. أما النص الفرنسي فقد استعمل لفظة Flagrance و هي تفيد الوضوح الذي لا غبار عليه و الذي لا يترك مدعاة للشك.
و على أي حال مهما تكن المفاهيم اللغوية لمصطلح التلبس فإن المشرع تجاوز هذه المفاهيم و أورد أحوالا للتلبس، لكن الفقه قد جاء بتعاريف متعددة تصب في نفس المعنى منها: " يقصد بالجريمة المتلبس بها أو المشهودة، الجريمة التي تضبط وقائعها أو فاعلها أثناء تنفيذ الفعل الإجرامي، أو تضبط بعد تنفيذها في ظروف خاصة حددها القانون"
ثانيا: خصائص التلبس بالجريمة
إن الجريمة العادية لا تختلف عن الجريمة المتلبس بها، سواء من حيث الأركان أو من حيث الجزاء، و إنما تتميز الجريمة المتلبس بها بطريقة اكتشافها، و بمسطرة مواجهتها. و بالتالي فهي تتميز بالخصائص التالية :
إنها حالة موضوعية، تتعلق بملابسات محددة، بمعنى أن الجريمة تعتبر قد ارتكبت في حالة تلبس، إذا ما حصلت وفقا لأحدى الحالات الموضوعية، فالتلبس وصف يتعلق بموضوع الجريمة و ليس شخص الفاعل.
حالة التلبس حالة مادية يتضح من خلال مظاهر مادية يمكن مشاهدتها
مبررات الإجراءات الخاصة بالتلبس:
الملاحظ أن السلطات التي تتمتع بها الشرطة القضائية في حالة التلبس،تجعل البحث التمهيدي يتسم بصبغة تحقيقية مما يطرح التساؤل عن المبرر الكامن وراء الاعتراف للشرطة القضائية بهذه الصلاحيات الاستثنائية.
فالطبيعة الخاصة لحالة التلبس، تستدعي الإسراع في إنجاز الإجراءات و ملاحقة المجرم لمنعه من الفرار، و حجز الدليل و الحفاظ عليه و بعث الاطمئنان في نفوس المواطنين الذين اضطربوا لحصول الجريمة بمرابهم، كذلك يكون المجرم الذي يرتكب جريمته أمام العيان، يتسم بنوع من الخطورة الإجرامية. مما يبرر الإجراءات السريعة الممكن اتخاذها في مواجهته.
و بالرغم من وجاهة هذه الاعتبارات، فيجب ألا يغيب عن البال، ضرورة الحفاظ على حقوق المشتبه فيه، كي لا تضيع الحقيقة نتيجة التسرع. لذلك قد حرص المشرع على حصر حالات التلبس بالجريمة، و ضبط الصلاحيات المخولة للشرطة القضائية.
ثالثا: حالات التلبس بالجريمة:
بعد أن أكد المشرع في المادة 56 من ق.م.ج أن التلبس قاصر على الجنايات و الجنح، عرض لحالات التلبس، و هي أربع حالات حصرية، نعالجها فيما يأتي:
-الحالة الأولى: حالة إنجاز الفعل الإجرامي أو على إثر إنجازه
هذه الحالة من حالات التلبس الحقيقي تضمنتها الفقرة الأولى من الفصل 56 من ق.م.ج و هي كما تبدو تتمحور حول الجريمة و ليس بفاعلها و إن كان يصعب جدا الفصل بين مشاهدة أو معاينة ارتكاب الجريمة عن الذي يرتكبها أثناء إنجاز الفعل أو عقبه مباشرة.
و لا تتحقق هذه الحالة إلا إذا شوهد الجاني و هو يحاول تنفيذ جريمته، أو يباشر هذا التنفيذ، أو بمجرد الانتهاء من تحقيق الغاية الإجرامية.
و الأعمال التنفيذية للجريمة هي التي يتكون منها ركنها المادي سواء في صورة الجريمة التامة، أو في صورة المحاولة، فوصف التلبس يلحق الجريمة التامة و يلحق محاولتها كذلك.
و الملاحظ أن هذه الحالة تتضمن في الحقيقة وضعيتين للتلبس لا واحدة ، أولاهما تتحقق عندما يشاهد ضابط الشرطة بنفسه ارتكاب الفعل الإجرامي، و لا يشترط لتحقق التلبس في هذه الحالة أن يكون برؤية العين فقط فقد يتم بالسماع أو الشم....إلى غير ذلك
و يستوي أن تدرك وقائع الجريمة بالحواس المجردة، أو بالاستعانة بالوسائل العلمية أو الفنية شريطة أن يضبط وقائع الجريمة أثناء ارتكابها أو إثر ذلك، و لو تأخر الكشف عنها بالوسائل العلمية إلى ما بعد
و ثانيهما تتحقق إذا ما عاين رجل الشرطة القضائية الجريمة عقب إنجاز الفعل الإجرامي بفترة و جيزة، و إن كان قد وقع خلاف فقهي حول هذه الفترة فبعض الفقه يرى بأنه مادام النص القانوني لم يحدد هذه الفترة، و قد فعل ذلك عن قصد، لأن الأمر يختلف باختلاف الجرائم و و ملابسات تنفيذها، و هو ما يتطلب إسناد التقدير إلى القاضي الذي تعرض أمامه هذه الملابسات و هذا رأي أستاذنا الفاضل أجمد الخمليشي –بينما يرى البعض الآخر- المشيشي الإدريسي العلمي- بأن استعمال المشرع لعبارة " على إثر إنجازه" الواردة في النص القانوني يمنع من اعتبار فاصل زمني بين الإنجاز و الاكتشاف و إنما يقصد حصول هذا الأخير في اللحظة التي يكون فيها الجاني يقوم بآخر عمل نهائي للجرم مثل إخراج السارق يده من جيب الضحية.
و الواضح أن المشرع قد صاغ النص بمرونة تسمح و تعطي التقدير للقاضي بحسب ظروف و ملابسات القضية، على أنه يشترط أن تكون المدة بين الإنجاز و المشاهدة ضيقة و يسيرة جدا، و هذا رأي الأستاذ أبو الفتوح.
-الحالة الثانية: إذا كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكاب الجريمة.
صياح الجمهور رد فعل عفوي و فوري، يعقب مباشرة ارتكاب الجريمة، و المقصود منه إثارة الانتباه لما حصل، و استنفار الناس للقبض على الجاني.
و التطبيقات المحققة لهذه الحالة من حالات التلبس يطلق عليها الفقه حالة التلبس المفترض. و الحقيقة أن هذه الوضعية تقوم على مجرد افتراض أن من يتبعه الجمهور صائحا بأنه هو الفاعل للجريمة يكون كذلك. و الحال أن هذا الافتراض ينبغي أن ينظر إليه بحذر شديد إذ في كل حال لن يكون سوى افتراض بسيط، فقد تحصل مشاهدة شخص يفر من مسرح الجريمة مصادفة لأن الجمهور قد فاجئه متواجد في مكان جسم الجريمة فيتعقبه بالصراخ و هو بريء. و قد تكون المطاردة نتيجة لغلط المجني عليه نفسه في الجاني.
و نظرا لخطورة ما يترتب من نتائج بسبب اعتبار وضعية ما بأنها تلبس من عدمه بناء على صياح الجمهور و تعقبه لشخص بأنه الفاعل للجريمة سواء على مستوى سلطات الضابطة القضائية حيث يواجه الشخص بحثا شبه تحقيقي و بدون ضمانات قضائية، أو على مستوى ما يخول للنيابة العامة من استنطاق الشخص الموجود في حالة تلبس ينبغي ربط هذه الحالة من حالات التلبس بارتكاب الجريمة مباشرة و أن تكون المطاردة في زمن قريب .
و ليس ضروريا أن تكون المطاردة من عدد كبير من الأفراد مما يطلق عليه لغة لفظ " الجمهور" و إنما تتحقق حالة التلبس و لو كانت المطاردة من شخصين أو ثلاثة أو واحد مادامت خصائص التلبس تبرز في علانية تنفيذ الجريمة
يستوي أن يكون المطارد أو المطاردون يصيحون، أولا ينطقون بكلمة، كانوا يسيرون وراءه أو اكتفوا بالإشارة إليه.
و تجدر الإشارة إلى أن الفترة الفاصلة بين ارتكاب الجريمة و مطاردة الجاني بصياح الجمهور هو من الأمور الموضوعية التي يقدرها قاضي الموضوع و لا معقب عليه في ذلك.
-الحالة الثالثة: وجود المجرم بعد زمن قصير على ارتكاب الجريمة و معه أسلحة أو أشياء أو أثار و علامات تدل على مشاركته في الجريمة.
هذه الوضعية من وضعيات التلبس المفترض تتمحور كسابقتها حول المجرم و ليس على الجريمة، مناطها وجود محيط من القرائن و الأدلة، التي تفيد قطعا علاقة الجاني بالجريمة المرتكبة لزمن يسير، حيث غيب المشرع اشتراط مشاهدة أو معاينة ارتكاب الجريمة ذاتها مكتفيا فقط بالقرائن الدالة عليها و اللصيقة بالمشبوه فيه.
إن التطبيقات التي تحدث عنها المشرع كثيرا ما تكون مثبتة فعلا للتلبس كمعاينة من يحمل المسروق و لكن عليها التأكد أن هذه القرائن قد لا تكون كذلك إما بسبب حسن نية أو حتى غباءه، فيكون ما أورده المشرع من قرائن واقعية على التلبس بصددها لا ترقى إلى أن تكون قاطعة في الدلالة عليه مما يوجب التروي في شأنها، و التشدد في رفض قبول حالة التلبس كلما طال الوقت.
إضافة إلى أن ضبط الأسلحة و الأدوات المستعملة يجب أن تضبط في يد مرتكب الجريمة نفسه كان فاعلا وحيدا أو مساهما، أما ضبطها في يد غير المساهم فلا تنتج عنه حالة التلبس و لوكان حمله إياها يشكل جريمة.
على أنه لتحقق حالة التلبس يكفي أن يتم ضبط الجاني و هو حامل للأمارات أو الأشياء في وسيلة تنقله، أو في حقائب أو أكياس يرافقها معه.
و قد اشترط القانون أن يكون ضبط الجاني قد تم بعد تنفيذ الجريمة بزمن قصير، و ترك مهمة تحديد هذا الزمن إلى القاضي الذي يراعي ظروف و ملابسات كل جريمة
-الحالة الرابعة: الجناية أو الجنحة المرتكبة داخل منزل يطلب صاحبه من النيابة العامة أو ضابط الشرطة القضائية التثبت منها.
جدير بلفت النظر إلى أن هذه الوضعية من وضعيات التلبس تنعت من الفقه الشارح للمسطرة بالتلبس الحكمي بسبب أن القانون هو موجدها و باستقلال تام عن توافر الشروط المتطلبة في الفقرات الأولى و الثانية و الثالثة من الفصل 56 ق.م.ج
فهي ملحقة بحالات التلبس لا غير، و لأن طلب التثبت منها من صاحب المنزل يفيد أن معالم الجريمة و آثارها ما تزال قائمة لم تندثر، فكانت بذلك أقرب إلى الحالة التي تضبط فيها وقائع الجريمة عقب ارتكابها مباشرة.
و واضح أن هذه الصورة لا أهمية فيها للزمن الفاصل بين تنفيذ الجريمة و بين حضور ضابط الشرطة القضائية استجابة لطلب صاحب المنزل، فتخضع الجريمة لمسطرة التلبس و لو لم يطلب التثبت منها إلا بعد مضي أشهر أو سنوات على التنفيذ .
ما سبق يدل على مخاطر هذه الحالة من حالة التلبس التي تفرضها في الحقيقة إرادة مدعي الجريمة في منزله الذي أغدق المشرع في حمايته إلى أقصى الحدود فتوسع بإفراط في قياس هذه الحالة بحالات التلبس السابقة، و الحال أنها ليست لا تلبسا حقيقيا و لا مفترضا.
و في كل حال فلتطبيق إجراءات البحث التلبسي في هذه الصورة وجب التقيد بأمرين:
* أن يطلب صاحب المنزل من النيابة العامة،أو ضابط الشرطة القضائية التثبت من الجريمة
* أن يتقدم المعني بالأمر بطلب إلى ضباط الشرطة القضائية من أجل التثبت من واقعة معينة وقعت بمنزل.
* الفقرة الثانية: شروط قيام التلبس بالجريمة
يلاحظ ابتداءا أن الفصل 56 ق.م.ج أتى خاليا من الإشارة لأهم هذه الشروط، و لكن الفقه المؤيد بالاجتهاد يثير ما أغفله النص من شروط و يؤكد على ضرورتها حتى تقوم حالة التلبس قانونا و أهم مؤيداته في ذلك الخشية من المساس بالحريات الفردية نتيجة إخضاع المشبوه فيه لمسطرة البحث التلبسي الأكثر قسرية عن مسطرة البحث العادية، إلا إذا كان هناك مبرر قوي لذلك. و أهم الشروط هي:
أولا، توافر الحالات المنصوص عليها في الفصل 56 ق.م.ج:
لقد حصر المشرع حالات التلبس بالجريمة في الأربع حالات المنصوص عليها في المادة 56 من ق.م.ج، و معنى ذلك أن التلبس لا يتحقق إلا في إحدى الصور الأربع المذكورة، فإذا لم تتوفر حالة منها، انتفت صفة التلبس و انتفت معها التدابير الاستثنائية الخاصة بها.
ثانيا، أن تحصل المشاهدة من طرف ضابط الشرطة القضائية:
إن التلبس حالة قانونية لا يمكن أن تنتج إلا عن مشاهدة أحد ضباط الشرطة القضائية،رفعا لشبهة الظلم و التسرع دون الاستناد إلى الرويات التي قد تكون مجرد إشاعات تتكذب فيما بعد و في وقت يكون المشبوه فيه قد مس في حقوقه الواجبة له بمقتضى قرينة " البراءة لاهي الأصل" و هذا الشرط قد يبدو متعارضا مع صيغة الفصلين 56 و 76 من ق.م.ج، و لكن التعارض ينجلي إذا علمنا أن :
- حالة التلبس لا تتبث إلا عن طريق أفراد الشرطة القضائية لأنهم وحدهم مؤهلون قانونا للتثبت من وقوع الجريمة و ضبط أثارها و أدلتها و هم الذين أضفى القانون على تسجيلهم لما يحدث أمامهم أو يشاهدونه قوة الإثبات القانونية، فلا يتأتى و الحالة هذه الاطمئنان لها إذا هو وقع الاكتفاء بأن ينقل في محاضره ما سمعه بصدد أمور لها اثار خطيرة على الحريات الفردية و إنما ينبغي أن يكون هو الذي عاين.
- إن الفصل 78 ق.م.ج يتعرض للتلبس المادي للجريمة و ليس التلبس القانوني الذي لا يتحقق ما لم يكن المشبوه فيه أثناء عرضه لضابط الشرطة القضائية متلبسا بإحدى الحالات الأربع السالفة الذكر (م56ق.م.ج). و هكذا فالموجد لحالة التلبس القانونية هو معاينة ضابط الشرطة القضائية بنفسه لها، و ليس ضبط المجرم متلبسا ماديا بالجريمة و سوقه إلى الضابط.
ثالثا : أن تحصل المشاهدة بطريق مشروع:
يجب أن يكون ضابط الشرطة القضائية وقت مشاهدته لوقائع الجريمة، أو حين ضبطه للجاني في وضع قانوني مشروع، و يتحقق ذلك إذا صدرت منه المشاهدة أو الضبط و هو يزاول مهامه كضابط للشرطة القضائية و الإدارية.
و هكذا يكون من قبيل السلوك المشروع قيام ضابط الشرطة القضائية أثناء إنجازه لمهمته و لو عرضا بمعاينة حالة تلبس بالجريمة... لكن معاينة الجريمة إذا تمت بطرقة غير مشروعة فإنها لا تعتبر متلبسا بها من وجهة نظر القانون و لا تنتج اثارها، و من أظهر حالات السلوك غير المشروع، قيام ضابط الشرطة القضائية بمشاهدة جريمة ترتكب داخل غرفة من غرف البيت من خلال ثقب مفتاح بابها فلا تثبت مشاهدته و الحالة هذه تلبسا قانونيا بالجرائم المعثور عليها لأن معاينته لها كانت مرفوقة بخرق المشروعية المتطلبة في إنجاز المعاينة و هكذا....
رابعا: أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة الحبس:
لا تطبق مقتضيات التلبس على المخالفات، و لا على الجنح لمعاقبة بعقوبة الغرامة و المقصود بذلك أن المشرع ارتأى أن تقتصر إجراءات التلبس المتسمة بطابع تحقيقي، على نوع من الجرائم التي تبلغ درجة معينة من الخطورة، الشيء الذي يبرر مواجهتها بتدابير تتسم بالحزم و السرعة.
و يستفاد هذا المعنى من مقتضيات المادة 56 من ق.م.ج، المحدد لحالة التلبس بالجناية أو الجنحة، و هذا ما أكدته المواد 70 و 74 و 76 من نفس القانون.
المادة 70 من ق.م.ج: تسري مقتضيات المادة57 و ما بعدها إلى69 على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس ، وجاء في المادة 74 :إذا تعلق الأمر بجنحة معاقبة بالحبس، و هو نفس التعبير الوارد في المادة 76. و الملاحظ أن المشرع قد أعاد صياغة هذه المواد و أصلح النصوص القديمة (72.76.78) و التي كانت تستعمل عبارة السجن بدل الحبس، و مصطلح الجريمة عوض عبارة الجنحة.
المبحث الثاني: تحريات الشرطة القضائية في حالة التلبس
إذا كان الأمر يتعلق بالبحث بشأن جنايته أو جنحة ارتكبت في حالة التلبس ، أي تم اكتشافها في إحدى الحالات المشار إليها 56 من ق.م.ج الجديدة ، فإن ضابط الشرطة القضائية تخول له صلاحيات واسعة أجل التثبت من الجريمة و البحث فورا على كل المعلومات المفيدة دون إضاعة الوقت.
و يتضح من خلال استعراض نصوص قانون المسطرة الجنائية، المتعلقة بموضوع التلبس إن حالات التلبس بالجريمة، تخول ضابط الشرطة القضائية الصلاحيات الآتية:
1- الانتقال على الفور إلى مكان الجريمة، و ضبط حالة الأشياء و الأشخاص.
2- تفتيش الأشياء و الأشخاص و القيام بالحجز.
3- القبض على الفاعل أو المشتبه فيه و وضعه رهن الحراسة.
و عليه سوف نقدم بمعالجة كل هذه الصلاحيات السالفة في فقرات مستقلة.
*الفقرة الأولى: الانتقال إلى مكان الجريمة:
إن البحث في كل جريمة ينطلق أساسا من مكان وقوعها، لذلك فالانتقال إلى مسرح الجريمة يعد أهم الإجراءات التي يعتمد عليها بحث ضابط الشرطة القضائية.
حيث ألزم المشرع ضابط الشرطة القضائية، الذي بلغ إلى علمه خبر وقوع جناية أو جنحة متلبس بها، أن ينتقل إلى مكان الجريمة لإجراء المعاينات المفيدة .
و الغاية من هذا الانتقال الفوري، هو القيام بما يسمى بالتحريات الأولية بقصد المحافظة على الأدلة القابلة للاندثار، وضبط كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة، و حجز الأسلحة و الأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة، أو التي كانت معدة لارتكابها، و كذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة. و يلزم القانون ضابط الشرطة القضائية ، بمجرد علمه بوجود حالة التلبس بجناية أو جنحة، أن يعلم النيابة العامة قبل أن ينتقل إلى عين المكان.
و قد يظهر لأعضاء النيابة العامة، أن ينتقلوا بأنفسهم إلى مكان الجريمة، كما يجوز لقاضي التحقيق هو آخر أن يقوم بنفس الشيء.
و في حالة انتقال النيابة العامة أو أحد أعضائها إلى مكان الجريمة، و انتقال قاضي التحقيق أيضا، و تواجد ضابط الشرطة القضائية يطرح التساؤل حول التنازع المحتمل بشأن القيام بالبحث.
و لقد عالج المشرع في المادة 71 حالة وصول ممثل النيابة العامة إلى مكان الجريمة، دون حضور قاضي التحقيق ، ففي هذه الحالة يتخلى ضابط الشرطة القضائية من العملية لفائدة ممثل النيابة العامة ، لأن هذه الأخيرة هي المؤهلة لتسير الأبحاث و يمكنها أن تتولى القيام بها بنفسها أو تزود الضابط بالتعليمات التي تراها مناسبة عند الاقتضاء.
و يجوز لممثل النيابة العامة الذي يباشر بنفسه الإجراءات أن ينتقل كلما استلزمت ذلك ضرورة البحث إلى دوائر نفوذ محاكم المجاورة للمحكمة التي يمارس مهامه ، شريطة أن يخبر بذلك مسبقا النيابة العامة لدى المكان التي سوف ينتقل إليها، و يبين بسبب هذا التنقل بالمحضر.
و بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الوكيل الملك أن يخبر بتنقل الوكيل العام للملك الذي يتبع لدائرة نفوذه.
و يجوز لوكيل العام للملك أو أحد نوابه، و في حالة التلبس جناية غير معاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أن يستفسر عن هوية المتهم، و يشعره بحقه في اختيار محامي حالا، و إلا عين له من طرف رئيس غرفة الجنايات، وله بعد ذلك أن يقوم باستجوابه بحضور محاميه الذي يجوز له طلب إجراء فحص طبي على موكله، و يدلي نيابة عنه بوثائق أو إثبات كنايته أو يعرض تقديم كفالة مالي أو شخصية، مقابل إطلاق سراحه، إذا تبين الفعل مجرد جنحة .
و إذا قررت النيابة العامة، الإفراج مؤقتا عن المشتبه به، بكفالة وجب ان يتضمن مقدر الإفراج بكل دقة القدر المالي المخصص كضمان لحضور المتهم. حيث تقوم النيابة العامة بتضمين مقرر تحديد الكفالة في سجل خاص، و يوضع بملف القضية نسخة من القرار و من وصل إيداع المبلغ حيث تطبق أحكام على إيداع الكفالة و استردادها أحكام المادة 168 و 187 من ق/م/ج المتعلق بأحكام الكفالة أمام قاضي التحقيق.
كما يجوز للوكيل العام للملك، في هذه الحالة، أن يأمر بإجراء تحقيق على يد قاضي تحقيق، إذا ظهر أن القضية غير جاهزة للحكم يعني. أما إذا تعلق الأمر بالتلبس بجنحة معاقبة بالحبس، أو إذا لم تتوفر في مرتكبيها ضمانات الحضور، فإنه بعد استشعاره بأن من حقه تنصيب محام حالا، و استفساره عن هويت و الأفعال المنسوبة إليه، كما يمكن تقديمه للمحكمة في حالة سراح، إذا قدم ضمانات مالية أو شخصية، و يحقق للمحامي في هذه الحالة، أن يحضر الاستجواب، كما له الحق أن يطلب الملتمس إجراء فحص طبي على موكله، و أن يدلي نيابة بوثائق أو إثباتات كتابية، كما يمكنه تقديم أو عرض كفالة شخصية مقابل إطلاق سراحه.
و في حالة حضور قاضي التحقيق لمكان وقوع الجناية أو الجنحة المتلبس بها، فإن الوكيل العام للملك و وكيل الملك و ضباط الشرطة القضائية يتخلون له عن القضية لزوما بقوة القانون المادة 75 من ق/م/ج .
و في هذه الحالة، يقوم قاضي التحقيق، بصفته ضابط الشرطة القضائية، و له أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية. بمتابعة العمليات و بمجرد من الانتهاء من التحريات، يرسل القاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك جميع الوثائق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر.
إذا ما حل بالمكان الكل أي الوكيل العام للملك ثم الوكيل الملك و القاضي التحقيق في آن واحد، فلممثل النيابة العامة، أن تلتمس مباشرة إجراء تحقيق يكلف بالقيام به قاضي التحقيق الحاضر.
و في إطار التحريات الأولية التي تباشرها ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب بالحبس، و يجوز لهم أن يمنعوا أي شخص مفيد في التحريات، من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي التحريات.
كما أن المشرع أعطى الحق، إذا توفرت حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقبة عليها بالحبس، ضبط الفاعل و سوقه إلى أقرب ضابط الشرطة القضائية.
و ألزم المشرع ضابط الشرطة القضائية، الذي ثم إشعاره بالعثور جثة شخص مات بسبب من الأسباب أي عنف أو غيره، أو ظل بسبب موته غير معروف أو يحيطه الشك أن يخبر بذلك فورا النيابة العامة، و أن ينتقل إلى مكان فورا قصد القيام بالمعاينات الأولية.
و في هذا الصدد يمكن لممثل النيابة العامة، أن ينتقل هو الآخر إلى مكان العثور على الجثة إذا رأى ضرورة لذلك، و أن يستعين بأشخاص لهم كفاءة لتحديد ظروف الوفاة، و أن يختار من بين ضباط الشرطة القضائية من ينوب عنه للقيام بذبك المهمة.
و لذا يجوز للنيابة العامة، أن تنتدب خبيرا للكشف عن أسباب الوفاة و في حالة استعانة خبراء غير مسجلين في لائحة الخبراء المقبولين لدى المحاكم يؤدي هؤلاء اليمين كتابة، على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف و الضمير.
*الفقرة الثانية: الوضع تحت الحراسة
تناول المشرع في لمواد 66 و ما يليها من ق/م/ج أهم و أخطر الصلاحيات و السلطات المخولة لضابطة الشرطة القضائية، أثناء البحث في جريمة متلبس بها، و يتعلق الأمر بسلطة الوضع تحت الحراسة النظرية.
و نظرا لمساسها بحرية الفرد و حقوقه الشخصية فقد أحاطها المشرع بمجموعة من الشروط و أحكام صارمة.
إذا كان المشرع لم يعرف الوضع تحت الحراسة و المقصود به، أنه إجراء يحق بمقتضاه لضابط الشرطة القضائية، أن يحتفظ بشخص أو بعدة أشخاص، و يضعه في مكان معين ( مركز أو مخفر الشرطة ) و ذلك لضرورة تتطلبها البحث خلال مدة معينة و هذه السلطة يملكها الضابط الشرطة القضائية إذا كان البحث في جريمة في حالة تلبس إن القبض على الشخص، لمنعه من الفرار و أخذ تصريحاته و التثبت من صلته بالجرم. و نظرا لكون هذا الإجراء يعد قيدا على حرية الأفراد، فقد نظمه المشرع، و بين شرطه و مدته، و أحاطه بحملة من المقتضيات التي تعد في ذاتها، ضمانات في مواجهة الشطط أو التعسف المحتمل في مجال التقييد حرية.
و سوق نعرض على التوالي الأشخاص الذين يجوز لهم وضعهم تحت الحراسة، ثم شروط الوضع تحت الحراسة و أخيرا الآثار المرتبة عن الإخلال بشروط الوضع الحراسة.
1- الأشخاص الذين من الممكن وضعهم تحت الحراسة.
يجوز لضابط الشرطة القضائية بوجه عام، أن يحتفظ خلال إجراءات البحث بأي شخص مشتبه فيه، أو كل من اجتمعت ضده قرائن لإدانته.
و تشير المادة 65 من ق/م/ج إلى صنفين من الأشخاص الممكن وضعهم تحت الحراسة فهناك من جهة الأشخاص الذي يمنعهم ضابط الش/ق من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة، و هناك الأشخاص الذين من اللازم التعرف على هويتهم أو التحقق منها.
و من جهة أخرى و من الناحية العملية غالبا ما يعتبر ضباط الشرطة القضائية هذا الإجراء ضروري، يسهل الاستماع إلى الأشخاص لاسيما إذا كان هذا الاستماع يحتاج إلى وقت و ساعات طويلة على اعتبار أن الوضع تحت الحراسة قد يلحق أحيانا الأذى بالأبرياء و يسيء إلى سمعتهم و كرامتهم فيصبحون مذنبين من طرف المجتمع قبل أن تقول العدالة فيهم. كما أنه قد يضر سير البحث و جعل الضابط الشرطة القضائية يسرع عقاريب الساعة التي لن تتوقف و التي قد تؤدي إلى إهمال بعض الأبحاث و التحريات المفيدة التي من الممكن أن تساعد على إظهار الحقيقة و لعل خطورة هذه الإجراءات دفعت العديد من التشريعات المقارنة إلى سن ترسانة من النصوص القانونية التنظيمية تنظيما محكما يوازن بين الحق في الوصول إلى الحقيقة و بين الحق الوصول أو عدم المساس بحقوق المواطن و لذلك أحيط النيابة العامة ضرورة مراقبة تطبيقها و السهر على ممارستها في ظروف إنسانية و عاقب كل متجاوز في مدتها.
و نظرا لكون الوضع تحت الحراسة، قد يفضي إلى الحصول على أدلة في ظروف تنعدم فيها الضمانات الدفاع المخول للمتهم، خلال استنطاقه من طرف القاضي التحقيق، فإن المشرع تدخل و أقر العديد من الشروط، التي من شأنها إضفاء المصدقية على هذا الإجراء و بذلك يرى أستاذنا الفاضل احمد الخمليشي بان الضمانات التي يقرها المشرع للمشتبه فيه خلال وضعه تحت الحراسة النظرية مقرونة بأخلاق و ضمير الضابط الشرطة القضائية.
2- شروط الوضع تحت الحراسة:
لصحة الوضع تحت الحراسة لابد من شروط توفرها و هي:
الشرط الأول: يجب أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة بالحبس.
تجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب ما اشترطته المادة 66 من ق/م/ج بشأن الاقتضاء حاجيات البحث وضع شخص تحت الحراسة النظرية، فإن القانون تطلب شرطا آخر بشأن نوع الجريمة موضوع البحث التي ينبغي أن تكون جناية أو على الأقل جنحة معاقب عليها بالحبس، نص المشرع على ذلك صراحة على هذا الشرط في المادة 70 من ق/م/ج بقوله: " تسري مقتضيات المادة 57 و ما بعدها إلى المادة 69 على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقدية الحبس".
و هذا ما أكده المشرع بالنسبة للجنايات و الجنح معا في المادة 80 من ق/م/ج.
و يستفاد من هذه النصوص، أن الوضع تحت الحراسة، لا يجوز في المخالفات أو الجنح المعاقبة بعقوبة الغرامة وحدها.
الشرط الثاني: يجب أن يكون الوضع تحت الحراسة مما تتطلبه حاجيات البحث.
و هذا ما عبرته صراحة المادة 66 من ق/م/ج الجديد و المادة 80 منه بقولها " إذا تطلبت ضرورة البحث أن يحتفظ ضابط الشرطة القضائية بشخص أو عدة أشخاص فغنه أن يضعهم تحت الحراسة النظرية...".
و لا يشترط القانون المغربي في الوضع تحت الحراسة النظرية وجود أدلة أو قرائن قوية على ارتكاب أو محاولة ارتكاب الجريمة موضوع البحث، كما هو الشأن بالنسبة لباقي التشريعات الأخرى المقارنة كالمادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي مثلا التي اشترطت لإمكانية الوضع تحت الحراسة النظرية أن تتوفر في حق الشخص إمارات من شانها أن تدفع إلى الاعتقاد بضلوعه في ارتكاب
القانون لم يتعرض بنص صريح لقيام الضباط الساميين للشرطة القضائية بالبحث التمهيدي إذا كانت موضوع البحث غير متلبس بها\
أي في الأحوال العادية
و البحث التمهيدي في الأحوال العادية يقصد به البحث الذي يجري خارج حالة التلبس و من خلال قانون المسطرة الجنائية يتضح أن
الشرطة القضائية هي التي تتولى هي التي تتولى القيام بالبحث التمهيدي
و يحمل صفة ظابط الشرطة القضائية كالمدير العام للأمن الوطني، وولاة الأمن و المراقبون العامون لشرطة ، و عمداء الشرطة و ضباطها، ضباط الدرك الملكي،و ذوو الرتب فيه و كذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة، أو مركز الدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة، و يمكن تخويل صفة ضابط الشرطة القضائية: مفتشي الشرطة التابعين للأمن الوطني، ممن قضواعلى الأقل ثلاث سنوات لهذه الصفة بقرار مشترك صادر من وزير العدل ووزير الداخلية و للدركيين الذين قضوا على الأقل ثلاث سنوات من الخدمة بالدرك الملكي و عينوا رسميا بقرار مشترك من وزير العدل و السلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني.
و حسب ماجاء به الأستاذ الدكتور أحمد الخمليشي و استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 38 أن وكيل الملك و الوكيل العام للملك و نوابهما يمكن لهم القيام بالبحث التمهيدي بصفتهم ضباط سامون للشرطة القضائية
و أعمال البحث التمهيدي تتلخص حسب المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية بقولها" يعهد إلى الشرطة القضائية تبعا إلى البيانات المقررة في هذا القسم لمعاينة الجرائم و جمع الأدلة و البحث عن مرتكبيها"
و من خلال الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية يتضح أن مهام الشرطة القضائية هو تلقي الشكايات و الوشايات
المبحث الأول: تلقي الشكايات و الوشايات
تقوم الشرطة القضائية بتلقي الشكايات و الوشايات من أشخاص مجهولين أو معلومين حول حدوث جريمة أو أدلتها أو أشخاص مرتكبيها، و يستوي أن يكون تبليغ الشكاية أو الوشاية إليه كتابة أو شفويا أو عبر الهاتف أو غير ذلك من وسائل التبليغ كالفاكس، وسائل تكنولوجية و تجدر الإشارة أن المواد 27-40-49 من قانون المسطرة الجنائية قد عالج كيفية تلقي الشكايات و الوشايات من طرف ضباط الشرطة القضائية و نظرا لوجود اختلاف بين الشكاية و الوشاية، وجب علينا أن نقوم بمعالجة كل عنصر على حدى
*الفقرة الأولى:
الوشاية: الوشاية إجراء يأخذ شكل إخبار شفوي أو مكتوب بواسطة الهاتف يصدر عن شخص لم يتضرر من الجريمة،يبلغ بواسطته بنبأ وقوعها إلى الشرطة القضائية
وقد يتلقى الوكيل العام للملك الوشاية الموجهة إليه و يتخذ بشأنها ما يراه ملائما من الإجراءات أو يرسلها مرفقة بتعليماته إلى وكيل العام للملك المختص.
و قد يحيل الوكيل العام للملك ما يتلقاه من الشكاية و ما يتخذه من إجراءات إلى هيئات التحقيق أو هيئات الحكم المختصة أو يأمر بحفضها بمقرر يمكن دائما التراجع عنه و قد يكون الهدف من الوشاية نيل و هو مساعدة العدالة أو المجني عليه، و قد يكون الهدف من تقديم الوشاية مجرد الانتقام و بالتالي يعد عملا دنيئا.
و قد نصت المادة 42 من قانون المسطرة الجنائية، يجب على كل سلطة مختصة ، و على كل موظف بلغ إلى علمه أثناء ممارسته لمهامه، ارتكاب جريمة أن يخبر بذلك فورا وكيل الملك أو وكيل العام للملك، و أن يوجه إليه جميع ما يتعلق بالجريمة من معلومات و محاضر ووثائق.
فالمقصود من هذه المادة، و هي أن الوشاية يمكن أن تصدر من جهة رسمية عندما تقدم وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 42 من ق.م.ج.
و على خلاف ذلك فيمكن أن تكون الوشاية عادية بمعنى أنها صادرة عن جهة غير مختصة و هي ما أشارت إليه المادة 43 ق.م.ج بقولها" يجب على كل من شاهد ارتكاب جريمة تمس بالأمن العام و بحياة شخص أو أمواله أن يبلغ وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو الشرطة القضائية.
و إذا كانت الضحية قاصرا أو معاقا ذهنيا، تبلغ أية سلطة قضائية، أو إدارية مختصة و المشرع لم يرتب أي جزاء قانوني عن كل شخص أخل بهذا الواجب.
و الملاحظ أن المجتمع ينظر إلى الواشي بنوع من الإزدراء و الاحتقار و قلة الاحترام لأن الدافع في بعض الأحيان يكون هو الانتقام و التشفي من الموشى به، و لكن نجد في بعض الأحيان أن الوشاية لها أهمية كبيرة تتجلى في خلق تضامن اجتماعي و القضاء على المجرمين الذين يخربون قواعد و أسس المجتمع.
* الفقرة الثانية: الشكاية
الشكاية هي إجراء يقوم به المجني عليه أو من يقوم مقامه، و يتقدم بواسطته إلى السلطات المختصة لتبليغها عن خبر جريمة تعرض لها.
و الشكاية كما ذكرنا سابقا يمكن أن تكون شفوية يصرح بها صاحب الشكاية إلى السلطات المختصة و يحرر محضر بذلك و يمكن أن تكون كتابية و عندئذ يجب أن تتضمن الوقائع و الأحداث و شخصية المشتكى به و اسمه و محل إقامته.
أما إذا كان المشتكي معلوم الأوصاف و ادعى أنه ليس هو المعني وجب على المحكمة أن تتولى التحقيق من هويته و ذلك وفقا لقانون المسطرة الجنائية.
و الشكاية إما أن تكون عادية و إما أن تكون مصحوبة بالادعاء المدني إلى الشرطة القضائية لإنها تعتبر دعوى و الدعوى ترفع إلى القضاء. و يجب على المطالب بالحق المدني أن تعتبر بصفته مدعيا مدنيا و يحدد مبلغ التعويض الذي يؤدى عنه الرسوم القضائية تحت طائلة عدم القبول.
و ينتج عن المطالبة بالحق المدني عن طريق الادعاء المباشر لروم المتابعة، عكس الشكاية العادية التي تبقى لنيابة العامة سلطة في تحديد الملاءمة و القانون يعطيها حق النظر في الشكاية.
و تجدر الإشارة أن الشكاية يمكن أن تصدر ضد مجهول، لكن في حقيقة الأمر هذه الشكاية يكون الغرض منها في أغلب الأحيان هو الانتقام و التشفي من المشتكى به.
و الشكاية تقدم إما للنيابة العامة أو لضباط الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق، لكن نجد في الواقع العملي حالات خاصة حدد القانون الجهة المختصة و هو ما ورد في الفصل 71 الفقرة الثانية من قانون الصحافة الذي يجعل المتابعة من أجل السب و القذف الموجهة ضد أعضاء الحكومة يجري بناء على شكاية من المعني بالأمر و يوجه إلى وزير الأول الذي يحيلها إلى وزير العدل .
و يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يحتاط من إجراءات البحث التي يقوم بها، و لا سيما تلك التي تمس بحريات الأشخاص و حقوقهم كالوضع تحت الحراسة و تفتيش المنازل لأنه قد يكون هدف الشاكي أو الواشي مجرد الانتقام أو التشفي فإذا كانت طبيعة و صبغة مهام الشرطة القضائية تقضي بأن لا يهمل تبليغا عن الجريمة و إن كانت مؤيداته ضعيفة. فإن المحافظة على طمأنينة المواطنين و حريته تفرض عليه الاحتياط و عدم التسرع في الإجراءات التي تضايق أو تشهر بالأفراد الموشى بهم.
المبحث الثاني: مضمن البحث التمهيدي في الأحوال العادية
يكتسي البحث التمهيدي أهمية خاصة و أنه مرحلة تكون فبل التحقيق الإعدادي و المحاكمة من خلاله تجمع الأدلة و المعلومات و البحث عن مرتكبها قبل القيام بدعوى عمومية و أيضا في هذه الفترة يقوم ضباط الشرطة القضائية من التأكد من صحة الشكايات و الوشايات قبل تقديمها للعدالة و قول كلمتها في البحث التمهيدي في الأحوال العادية هو مجموع التحريات التي تقوم بها الشرطة القضائية في غير حالة التلبس بجريمة ، و قد عالج المشرع هذا النوع من البحث في الفصول 78 إلى 89 من ق.م.ج. و الملاحظ أن البحث التمهيدي ينطوي على مخاطر عدة ، ذلك أنه لا يتوفر على ضمانات مثل التحقيق الإعدادي، بحيث أن حرية الفرد تكون مهددة و مصلحة المجتمع تكون مضرورة، و يكون الفرد عندئذ عرضة لتعذيب و غيره من ضروب المعاملة العقوبة القاسية .
لذلك نجد أن القانون الدولي لحقوق الإنسان بموجب الاتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية نجده قام بتدقيق مفهوم متعارف عليه عالميا فيما يخص بالتعذيب باعتباره انتهاكا جسيما، تقاطعت بشأنه قرارات على نطاق واسع بحدوثه أثناء المراحل السابقة للمحاكمة و بصفة خاصة من طرف الأجهزة المكلفة بالأبحاث التمهيدية.
و بمقتضى هذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب:
-أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما يقصد الحصول من هذا الشخص أو شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل أو شكاية أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو شخص ثالث.
و عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص اخر ينصرف بصفته الرسمية و لا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضة لها.
فهذه الاتفاقية جاءت لتحمي حق الفرد تجاه أي سلطة عليا فيما لو أسيء استعمال السلطة التقديرية المخولة لضابط الشرطة القضائية، و قد نجد أن السلطة القضائية تقوم بتحريات خلال البحث التمهيدي تتمثل في التحريات المنصبة على الأشخاص و التحريات المنصبة على الأشياء.
*الفقرة الأولى: التحريات المنصبة على الأشخاص.
التحريات المنصبة على الأشخاص هي التحريات التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية بغية الوصول إلى معلومات تفيد الجريمة و تتجلى هذه التحريات:
استدعاء المشبوه فيه
استماع إلى الأشخاص.
القيام بكل التحريات.
التفتيش الجسدي للأشخاص.
الوضع تحت الحراسة.
أ-استدعاء المشبوه فيه: إن ضابط الشرطة القضائية من الناحية القانونية، لا يجوز له إجبار المشبوه فيه على الحضور أمامه استجوابه حول الجريمة التي يقوم بالبحث فيها، و إنما يحق فقط استدعائه عن طريق أحد أعوان أو أحد أعوان السلطة العامة أما إذا لم يستجب المشبوه فيه لهذا الاستدعاء أمكن أن يتابعه للمخالفة المنصوص عليها في المادة 29 (ف3)
و عند مجىء المشبوه ليستجوبه ضابط الشرطة القضائية عن الجريمة موضوع البحث، له أن يستجوبه فقط عن بعض حيثيات الجريمة التي يراها ضرورية لإظهار الحقيقة،
لكن بدون تناول التفاصيل و الجزئيات التي يكون الهدف منها استدراج المشبوه فيه للوصول الحقيقة، لأن هذا من اختصاص قاضي التحقيق.
ب- الاستماع إلى الأشخاص: يحق لضابط الشرطة القضائية بموجب القانون أن يقوم بالاستماع لأي شخص تفيد تصريحاته الكشف عن الحقيقة.
و المقصود بالأشخاص أي شخص يمكنه أن يفيد في كشف عن ستار الحقيقة سواء كان المشتكى أو المشتكى به أو المشتبه في أمره أو أخذأقوال الشهود أو السلطات الإدارية أو أي شخص يمكن أن يفيد في إظهار الحقيقة.
و الاستماع إلى هؤلاء الأشخاص لا يخضع لأي شرط من الشروط الشكلية التي يخضع إليها الاستماع من طرف قاضي التحقيق أو المحاكمة مثلا ( أداء اليمين و عدم الاستعانة بالمذكرات و قراءة الشهادة عليه) لذلك فإن التصريحات أمام ضابط الشرطة القضائية لا تعتبر شهادة بالمفهوم القانوني، بحيث لا يمكن للمحكمة أن تعتمد عليها لإصدار الحكم حتى لو كان عدد الأفراد الذين أدلوا بها كثير،و لو اشتملت على تفاصيل دقيقة كوقائع الجريمة، بل دورها يقتصر فقط للاستئناس بها كباقي القرائن التي تعتمد بهاو سائل الإثبات القانونية المدلى بها أمامها.
قد جاءت في هذا الصدد اتفاقية أروبية لحقوق الإنسان حق الشخص المتهم في أن يوجه الأسئلة بنفسه أو بواسطة من يتولى الدفاع عنه لشهود الإثبات و أن يتمكن من استدعاء شهود النفي و توجيه الأسئلة إليهم بالطريقة ذاتها التي يوجه بها الأسئلة إلى شهود إثبات
ج- القيام بكل التحريات: مثل الوقوف على مكان اقتراف الجريمة و البحث عن الآثار التي خلفتها و تحليل هذه الآثار بالوسائل الفنية و العلمية.
و الاستعانة بالكلاب البوليسية و بكل وسيلة أخرى تساعد على كشف الجريمة و إبراز معالمها و لا يتقيد في ذلك إلا بضرورة المحافظة على حقوق الأفراد و حرياتهم و التمسك بالمشروعية.
فكل إجراء يمس بحق الفرد أو حريته لا يجوز لضابط الشرطة القضائية القيام به إلا إذا وجد نص صريح في القانون لأن البحث التمهيدي ينحصر في جمع الأدلة عن وقائع الجريمة دون المساس بحقوق المشبوه فيه الذي لم يوجه إليه الاتهام بعد، و المحافظة على حقوق الفرد سابقة على هدف الوصول إلى الحقيقة، نعم إذا وجد نص صريح في القانون يمكن للضابط القيام بالإجراء المسموح به مثل الوضع تحت الحراسة و تفتيش المنازل.
كما أنه من الضروري أن يتقيد ضابط الشرطة القضائية بالمشروعية، فيمتنع عليه مثلا التجسس و التقاط الاعترافات و الأحاديث عن طريق التليفون أو آلات التسجيل السرية و أدوات التقاط الأصوات و الأمواج و قراءة الرسائل المغلقة فمثل هذه الوسائل و إن كانت مستعملة اليوم في جميع أنحاء العالم إلا أنها تعتبر عملا من أعمال الشرطة الإدارية، دون الشرطة القضائية التي لا تقبل محاضرها أمام القضاء إلا إذا كانت صحيحة في الشكل و المحضر لا يكون صحيحا شكلا إلا إذا كان محرره قد عاين أو تلقى ما ضمنه فيه بوسيلة مشروعة لا يمنعها القانون و لذلك حتى لو اكتشف ضابط الشرطة القضائية الجريمة بإحدى الوسائل الناقصة بمقتضى وظيفته في الشرطة الإدارية، فإنه يتعين عليه أن يعتمد في البحث التمهيدي وسائل إثبات مشروعة و إلا كان المحضر الذي يحرره باطلا.
د- التفتيش الجسدي للأشخاص: يكتسي موضوع التفتيش أهمية كبرى من حيث أنه يهم كرامة و حرمة الشخص و قد اعتبرت اللجنة في إطار تعليقاتها في هذا المجال" ينبغي أن يقتصر تفتيش منزل الشخص على البحث عن الأدلة اللازمة، و ينبغي أن لا يسمح بأن يصل إلى حد المضايقة و فيما يتعلق بالتفتيش الشخصي و البدني أن تكون هناك تدابير فعالة تكفل إجراء هذا التفتيش بأسلوب يتفق مع كرامة الشخص الذي يجري التفتيش في حالة الأشخاص الذين يخضعون لتفتيش بدني يجريه مسؤولون أو موظفون بناء على طلب الدولة ينبغي أن يجري الفحص بواسطة أشخاص من نفس الجنس"
فقد أثيرت في هذا التعليق عبارة "من نفس الجنس" بمعنى أن المرأة لا تنتهك حرمتها و يجب أ|ن تقوم بتفتيشها امرأة مثلها ينتدبها ضابط الشرطة القضائية و هذا ما أشارت إليه مادة 81 من ق.م.ج و يعتبر هذا الإجراء من مستجدات ق.م.ج فاتح أكتوبر 2003.
و التفتيش يشمل أيضا تفتيش الحقائب و الأوراق و الملابس الداخلية ، أي كل ما يمكن أن يفيد إلى الوصول إلى الحقيقة شريطة عدم التعسف في استعمال السلطة .
ه-الوضع تحت الحراسة: أجاز المشرع المغربي لضابط الشرطة القضائية إبقاء الشخص رهن إشارته فله أن يضعه رهن الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة بإذن من النيابة العامة و يتعين لزوما تقديمه إلى وكيل الملك أو وكيل العام للملك قبل انتهاء هذه المدة.
و يمكن لوكيل الملك أو وكيل العام للملك بعد الاستماع إلى الشخص الذي قدم إليه أن يمنح إذنا مكتوبا بتمديد الحراسة النظرية لمدة 24 ساعة. إذا تعلق الأمر بالمس بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي فإن مدة الوضع تحت الحراسة تحدد في 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة بإذن كتابي من النيابة العامة.
و يمنح بصفة استثنائية منح الإذن المذكور بموجب مقرر معلل بأسباب دون أن يقدم الشخص إلى النيابة العامة.
و يعتبر الوضع تحت الحراسة من أخطر الصلاحيات التي خولها المشرع لضابط الشرطة القضائية، بحيث يكون ضابط الشرطة القضائية غير ملزم بتقديم تبرير لقراره و المشرع لم يحدد أي جزاء عن الإخلال بهذا الإجراء.
و نظرا لما تمثله الحراسة النظرية على حرية الأفراد فقد قيدها المشرع ببعض الإجراءات:
* تعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة بالحبس
* أن تكون هناك ضرورة يقتضيها البحث ( تسهيل البحث، إيجاد قرائن..)
* احترام مدة الحراسة
و تجدر الإشارة أن النيابة العامة تقوم بمراقبة الوضع تحت الحراسة النظرية و يمكن لها أن تأمر في أي وقت وضع حد لها أو لمثول الشخص المحتجز أمامها و يجب على كل ضابط شرطة قضائية أن يتبث محضر سماع أي شخص وضع تحت الحراسة النظرية (يوم وساعة إطلاق سراحه و تقديمه).
و خلاصة القول مما لاسبق نجد أن ضابط الشرطة القضائية لم يحدد له القانون الإجراءات التي ينجز بها البحث التمهيدي، و إنما بقي له كامل الحرية في أن يلجئ إلى أية وسيلة يراها مفيدة في أداء مهمته الهادفة إلى إبراز معالم الجريمة و وقوعها و مساعدة العدالة على الوصول إلى الحقيقة و لكن في إطار هذه الحرية المخولة لضابط الشرطة عليه أن يتقيد بطبيعة البحث التمهيدي الذي لا ينبغي أن تمس إجراءاته لشخص المشبوه فيه أو حريته كما عليه الالتزام بالمشروعية و المقتضيات القانونية المتعلقة بحقوق الفرد و حريته.
*الفقرة الثانية: التحريات المنصبة على الأشياء
يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يتولى المعاينات الضرورية و أن ينتقل إلى مسرح الجرم ( عين المكان) كلما دعت حاجة البحث و الكشف عن الحقيقة.
و ضابط الشرطة القضائية لا يحتاج إلى القبول المسبق من الأشخاص، ما عدا في حالة تفتيش المساكن و المحلات الخاصة على الرغم من كون الشرطة القضائية ينبغي القيام خلال الوقت القانوني المسموح به بتفتيش المنازل و عليه فلا يجوز التفتيش إلا بعد 6 صباحا و قبل 9 ليلا إلا إذا طلب منه صاحب المنزل.
و يتميز التفتيش في الأحوال العادية، بأنه يخلو من الصبغة التحقيقية التي تطبعه في حالة التلبس و قد أكد المشرع في المادة 79 بقوله " لا يمكن دخول المنازل أو تفتيشها و حجز ما بها من أوراق الاقتناع دون موافقة صريحة من الشخص الذي تجري العمليات بمنزله".
و لذلك يجب أن تضمن هذه الموافقة في تصريح مكتوب يخط المعني بالأمر و إن كان لا يعرف الكتابة، يشار إلى ذلك في المحضر كما يشار إلى قبول المعني بالتفتيش
الفصـــــل الثانــي:
الفصل الثاني:البحث التمهيدي في حالة التلبس بالجريمة
على الرغم من أن غاية البحث التمهيدي واحدة سواء كان بمناسبة التلبس أم كان في غيابه – أي عاديا- فهي تكون في كلتا الحالتين إعداد ملف كامل يتعلق بالنازلة ووضعه أمام السلطة القضائية لاتخاذ ما يقتضيه الأمر، فبالنظر من جهة لوضعية التلبس بالجريمة التي لا تعمر إلا زمنا يسيرا مما يتعين معه التدخل السريع للشرطة القضائية للاستدلال على الجريمة و فاعلها قبل غياب آثارها و اندثار أدلتها، و من جهة ثانية موقف المشرع من هذه الوضعية التي خصها بإحدى و عشرين نصا في قانون المسطرة الحنائية ( من الفصل 56 إلى الفصل 77) يقود إلى الاعتراف بأن للبحث التمهيدي المقترن بحالات التلبس خصائص مميزة له، قد يترتب عنها بمناسبة إنجازه من طرف رجال السلطة القضائية ضرر أظهر بحريات و حقوق الخاضعين له من ذلك الذي قد يطالهم بمناسبة البحث التمهيدي العادي و يظهر ذلك من خلال الصبغة القسرية الواضحة على الأعمال التي تقوم بها السلطة القضائية عند إنجاز البحث التلبسي بالجريمة كمنع مغادرة كل شخص لمكان وقوع الجريمة إلى أن تتم تحريات ضابط الشرطة القضائية
الخصوصيات السابقة إذن تبرر إفراد البحث التمهيدي التلبسي بدراسة تحدد نطاقه عن البحث التمهيدي العادي، لذلك سنحدد مفهومه و حالاته و صلاحيات الشرطة القضائية أثناءه.
المبحث الأول: معنى التلبس و خصائصه و حالاته و شروطه
*الفقرة الأولى: مفهوم التلبس و خصائصه و حالاته
أولا:مفهوم التلبس
يعتبر التلبس المستعمل في النص العربي يفيد لغة الاختلاط، فيقال تلبس بالشيء إذ هو اختلط به، وتلبس بالثوب إذا هو ألبس نفسه فيه فارتداه. أما النص الفرنسي فقد استعمل لفظة Flagrance و هي تفيد الوضوح الذي لا غبار عليه و الذي لا يترك مدعاة للشك.
و على أي حال مهما تكن المفاهيم اللغوية لمصطلح التلبس فإن المشرع تجاوز هذه المفاهيم و أورد أحوالا للتلبس، لكن الفقه قد جاء بتعاريف متعددة تصب في نفس المعنى منها: " يقصد بالجريمة المتلبس بها أو المشهودة، الجريمة التي تضبط وقائعها أو فاعلها أثناء تنفيذ الفعل الإجرامي، أو تضبط بعد تنفيذها في ظروف خاصة حددها القانون"
ثانيا: خصائص التلبس بالجريمة
إن الجريمة العادية لا تختلف عن الجريمة المتلبس بها، سواء من حيث الأركان أو من حيث الجزاء، و إنما تتميز الجريمة المتلبس بها بطريقة اكتشافها، و بمسطرة مواجهتها. و بالتالي فهي تتميز بالخصائص التالية :
إنها حالة موضوعية، تتعلق بملابسات محددة، بمعنى أن الجريمة تعتبر قد ارتكبت في حالة تلبس، إذا ما حصلت وفقا لأحدى الحالات الموضوعية، فالتلبس وصف يتعلق بموضوع الجريمة و ليس شخص الفاعل.
حالة التلبس حالة مادية يتضح من خلال مظاهر مادية يمكن مشاهدتها
مبررات الإجراءات الخاصة بالتلبس:
الملاحظ أن السلطات التي تتمتع بها الشرطة القضائية في حالة التلبس،تجعل البحث التمهيدي يتسم بصبغة تحقيقية مما يطرح التساؤل عن المبرر الكامن وراء الاعتراف للشرطة القضائية بهذه الصلاحيات الاستثنائية.
فالطبيعة الخاصة لحالة التلبس، تستدعي الإسراع في إنجاز الإجراءات و ملاحقة المجرم لمنعه من الفرار، و حجز الدليل و الحفاظ عليه و بعث الاطمئنان في نفوس المواطنين الذين اضطربوا لحصول الجريمة بمرابهم، كذلك يكون المجرم الذي يرتكب جريمته أمام العيان، يتسم بنوع من الخطورة الإجرامية. مما يبرر الإجراءات السريعة الممكن اتخاذها في مواجهته.
و بالرغم من وجاهة هذه الاعتبارات، فيجب ألا يغيب عن البال، ضرورة الحفاظ على حقوق المشتبه فيه، كي لا تضيع الحقيقة نتيجة التسرع. لذلك قد حرص المشرع على حصر حالات التلبس بالجريمة، و ضبط الصلاحيات المخولة للشرطة القضائية.
ثالثا: حالات التلبس بالجريمة:
بعد أن أكد المشرع في المادة 56 من ق.م.ج أن التلبس قاصر على الجنايات و الجنح، عرض لحالات التلبس، و هي أربع حالات حصرية، نعالجها فيما يأتي:
-الحالة الأولى: حالة إنجاز الفعل الإجرامي أو على إثر إنجازه
هذه الحالة من حالات التلبس الحقيقي تضمنتها الفقرة الأولى من الفصل 56 من ق.م.ج و هي كما تبدو تتمحور حول الجريمة و ليس بفاعلها و إن كان يصعب جدا الفصل بين مشاهدة أو معاينة ارتكاب الجريمة عن الذي يرتكبها أثناء إنجاز الفعل أو عقبه مباشرة.
و لا تتحقق هذه الحالة إلا إذا شوهد الجاني و هو يحاول تنفيذ جريمته، أو يباشر هذا التنفيذ، أو بمجرد الانتهاء من تحقيق الغاية الإجرامية.
و الأعمال التنفيذية للجريمة هي التي يتكون منها ركنها المادي سواء في صورة الجريمة التامة، أو في صورة المحاولة، فوصف التلبس يلحق الجريمة التامة و يلحق محاولتها كذلك.
و الملاحظ أن هذه الحالة تتضمن في الحقيقة وضعيتين للتلبس لا واحدة ، أولاهما تتحقق عندما يشاهد ضابط الشرطة بنفسه ارتكاب الفعل الإجرامي، و لا يشترط لتحقق التلبس في هذه الحالة أن يكون برؤية العين فقط فقد يتم بالسماع أو الشم....إلى غير ذلك
و يستوي أن تدرك وقائع الجريمة بالحواس المجردة، أو بالاستعانة بالوسائل العلمية أو الفنية شريطة أن يضبط وقائع الجريمة أثناء ارتكابها أو إثر ذلك، و لو تأخر الكشف عنها بالوسائل العلمية إلى ما بعد
و ثانيهما تتحقق إذا ما عاين رجل الشرطة القضائية الجريمة عقب إنجاز الفعل الإجرامي بفترة و جيزة، و إن كان قد وقع خلاف فقهي حول هذه الفترة فبعض الفقه يرى بأنه مادام النص القانوني لم يحدد هذه الفترة، و قد فعل ذلك عن قصد، لأن الأمر يختلف باختلاف الجرائم و و ملابسات تنفيذها، و هو ما يتطلب إسناد التقدير إلى القاضي الذي تعرض أمامه هذه الملابسات و هذا رأي أستاذنا الفاضل أجمد الخمليشي –بينما يرى البعض الآخر- المشيشي الإدريسي العلمي- بأن استعمال المشرع لعبارة " على إثر إنجازه" الواردة في النص القانوني يمنع من اعتبار فاصل زمني بين الإنجاز و الاكتشاف و إنما يقصد حصول هذا الأخير في اللحظة التي يكون فيها الجاني يقوم بآخر عمل نهائي للجرم مثل إخراج السارق يده من جيب الضحية.
و الواضح أن المشرع قد صاغ النص بمرونة تسمح و تعطي التقدير للقاضي بحسب ظروف و ملابسات القضية، على أنه يشترط أن تكون المدة بين الإنجاز و المشاهدة ضيقة و يسيرة جدا، و هذا رأي الأستاذ أبو الفتوح.
-الحالة الثانية: إذا كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكاب الجريمة.
صياح الجمهور رد فعل عفوي و فوري، يعقب مباشرة ارتكاب الجريمة، و المقصود منه إثارة الانتباه لما حصل، و استنفار الناس للقبض على الجاني.
و التطبيقات المحققة لهذه الحالة من حالات التلبس يطلق عليها الفقه حالة التلبس المفترض. و الحقيقة أن هذه الوضعية تقوم على مجرد افتراض أن من يتبعه الجمهور صائحا بأنه هو الفاعل للجريمة يكون كذلك. و الحال أن هذا الافتراض ينبغي أن ينظر إليه بحذر شديد إذ في كل حال لن يكون سوى افتراض بسيط، فقد تحصل مشاهدة شخص يفر من مسرح الجريمة مصادفة لأن الجمهور قد فاجئه متواجد في مكان جسم الجريمة فيتعقبه بالصراخ و هو بريء. و قد تكون المطاردة نتيجة لغلط المجني عليه نفسه في الجاني.
و نظرا لخطورة ما يترتب من نتائج بسبب اعتبار وضعية ما بأنها تلبس من عدمه بناء على صياح الجمهور و تعقبه لشخص بأنه الفاعل للجريمة سواء على مستوى سلطات الضابطة القضائية حيث يواجه الشخص بحثا شبه تحقيقي و بدون ضمانات قضائية، أو على مستوى ما يخول للنيابة العامة من استنطاق الشخص الموجود في حالة تلبس ينبغي ربط هذه الحالة من حالات التلبس بارتكاب الجريمة مباشرة و أن تكون المطاردة في زمن قريب .
و ليس ضروريا أن تكون المطاردة من عدد كبير من الأفراد مما يطلق عليه لغة لفظ " الجمهور" و إنما تتحقق حالة التلبس و لو كانت المطاردة من شخصين أو ثلاثة أو واحد مادامت خصائص التلبس تبرز في علانية تنفيذ الجريمة
يستوي أن يكون المطارد أو المطاردون يصيحون، أولا ينطقون بكلمة، كانوا يسيرون وراءه أو اكتفوا بالإشارة إليه.
و تجدر الإشارة إلى أن الفترة الفاصلة بين ارتكاب الجريمة و مطاردة الجاني بصياح الجمهور هو من الأمور الموضوعية التي يقدرها قاضي الموضوع و لا معقب عليه في ذلك.
-الحالة الثالثة: وجود المجرم بعد زمن قصير على ارتكاب الجريمة و معه أسلحة أو أشياء أو أثار و علامات تدل على مشاركته في الجريمة.
هذه الوضعية من وضعيات التلبس المفترض تتمحور كسابقتها حول المجرم و ليس على الجريمة، مناطها وجود محيط من القرائن و الأدلة، التي تفيد قطعا علاقة الجاني بالجريمة المرتكبة لزمن يسير، حيث غيب المشرع اشتراط مشاهدة أو معاينة ارتكاب الجريمة ذاتها مكتفيا فقط بالقرائن الدالة عليها و اللصيقة بالمشبوه فيه.
إن التطبيقات التي تحدث عنها المشرع كثيرا ما تكون مثبتة فعلا للتلبس كمعاينة من يحمل المسروق و لكن عليها التأكد أن هذه القرائن قد لا تكون كذلك إما بسبب حسن نية أو حتى غباءه، فيكون ما أورده المشرع من قرائن واقعية على التلبس بصددها لا ترقى إلى أن تكون قاطعة في الدلالة عليه مما يوجب التروي في شأنها، و التشدد في رفض قبول حالة التلبس كلما طال الوقت.
إضافة إلى أن ضبط الأسلحة و الأدوات المستعملة يجب أن تضبط في يد مرتكب الجريمة نفسه كان فاعلا وحيدا أو مساهما، أما ضبطها في يد غير المساهم فلا تنتج عنه حالة التلبس و لوكان حمله إياها يشكل جريمة.
على أنه لتحقق حالة التلبس يكفي أن يتم ضبط الجاني و هو حامل للأمارات أو الأشياء في وسيلة تنقله، أو في حقائب أو أكياس يرافقها معه.
و قد اشترط القانون أن يكون ضبط الجاني قد تم بعد تنفيذ الجريمة بزمن قصير، و ترك مهمة تحديد هذا الزمن إلى القاضي الذي يراعي ظروف و ملابسات كل جريمة
-الحالة الرابعة: الجناية أو الجنحة المرتكبة داخل منزل يطلب صاحبه من النيابة العامة أو ضابط الشرطة القضائية التثبت منها.
جدير بلفت النظر إلى أن هذه الوضعية من وضعيات التلبس تنعت من الفقه الشارح للمسطرة بالتلبس الحكمي بسبب أن القانون هو موجدها و باستقلال تام عن توافر الشروط المتطلبة في الفقرات الأولى و الثانية و الثالثة من الفصل 56 ق.م.ج
فهي ملحقة بحالات التلبس لا غير، و لأن طلب التثبت منها من صاحب المنزل يفيد أن معالم الجريمة و آثارها ما تزال قائمة لم تندثر، فكانت بذلك أقرب إلى الحالة التي تضبط فيها وقائع الجريمة عقب ارتكابها مباشرة.
و واضح أن هذه الصورة لا أهمية فيها للزمن الفاصل بين تنفيذ الجريمة و بين حضور ضابط الشرطة القضائية استجابة لطلب صاحب المنزل، فتخضع الجريمة لمسطرة التلبس و لو لم يطلب التثبت منها إلا بعد مضي أشهر أو سنوات على التنفيذ .
ما سبق يدل على مخاطر هذه الحالة من حالة التلبس التي تفرضها في الحقيقة إرادة مدعي الجريمة في منزله الذي أغدق المشرع في حمايته إلى أقصى الحدود فتوسع بإفراط في قياس هذه الحالة بحالات التلبس السابقة، و الحال أنها ليست لا تلبسا حقيقيا و لا مفترضا.
و في كل حال فلتطبيق إجراءات البحث التلبسي في هذه الصورة وجب التقيد بأمرين:
* أن يطلب صاحب المنزل من النيابة العامة،أو ضابط الشرطة القضائية التثبت من الجريمة
* أن يتقدم المعني بالأمر بطلب إلى ضباط الشرطة القضائية من أجل التثبت من واقعة معينة وقعت بمنزل.
* الفقرة الثانية: شروط قيام التلبس بالجريمة
يلاحظ ابتداءا أن الفصل 56 ق.م.ج أتى خاليا من الإشارة لأهم هذه الشروط، و لكن الفقه المؤيد بالاجتهاد يثير ما أغفله النص من شروط و يؤكد على ضرورتها حتى تقوم حالة التلبس قانونا و أهم مؤيداته في ذلك الخشية من المساس بالحريات الفردية نتيجة إخضاع المشبوه فيه لمسطرة البحث التلبسي الأكثر قسرية عن مسطرة البحث العادية، إلا إذا كان هناك مبرر قوي لذلك. و أهم الشروط هي:
أولا، توافر الحالات المنصوص عليها في الفصل 56 ق.م.ج:
لقد حصر المشرع حالات التلبس بالجريمة في الأربع حالات المنصوص عليها في المادة 56 من ق.م.ج، و معنى ذلك أن التلبس لا يتحقق إلا في إحدى الصور الأربع المذكورة، فإذا لم تتوفر حالة منها، انتفت صفة التلبس و انتفت معها التدابير الاستثنائية الخاصة بها.
ثانيا، أن تحصل المشاهدة من طرف ضابط الشرطة القضائية:
إن التلبس حالة قانونية لا يمكن أن تنتج إلا عن مشاهدة أحد ضباط الشرطة القضائية،رفعا لشبهة الظلم و التسرع دون الاستناد إلى الرويات التي قد تكون مجرد إشاعات تتكذب فيما بعد و في وقت يكون المشبوه فيه قد مس في حقوقه الواجبة له بمقتضى قرينة " البراءة لاهي الأصل" و هذا الشرط قد يبدو متعارضا مع صيغة الفصلين 56 و 76 من ق.م.ج، و لكن التعارض ينجلي إذا علمنا أن :
- حالة التلبس لا تتبث إلا عن طريق أفراد الشرطة القضائية لأنهم وحدهم مؤهلون قانونا للتثبت من وقوع الجريمة و ضبط أثارها و أدلتها و هم الذين أضفى القانون على تسجيلهم لما يحدث أمامهم أو يشاهدونه قوة الإثبات القانونية، فلا يتأتى و الحالة هذه الاطمئنان لها إذا هو وقع الاكتفاء بأن ينقل في محاضره ما سمعه بصدد أمور لها اثار خطيرة على الحريات الفردية و إنما ينبغي أن يكون هو الذي عاين.
- إن الفصل 78 ق.م.ج يتعرض للتلبس المادي للجريمة و ليس التلبس القانوني الذي لا يتحقق ما لم يكن المشبوه فيه أثناء عرضه لضابط الشرطة القضائية متلبسا بإحدى الحالات الأربع السالفة الذكر (م56ق.م.ج). و هكذا فالموجد لحالة التلبس القانونية هو معاينة ضابط الشرطة القضائية بنفسه لها، و ليس ضبط المجرم متلبسا ماديا بالجريمة و سوقه إلى الضابط.
ثالثا : أن تحصل المشاهدة بطريق مشروع:
يجب أن يكون ضابط الشرطة القضائية وقت مشاهدته لوقائع الجريمة، أو حين ضبطه للجاني في وضع قانوني مشروع، و يتحقق ذلك إذا صدرت منه المشاهدة أو الضبط و هو يزاول مهامه كضابط للشرطة القضائية و الإدارية.
و هكذا يكون من قبيل السلوك المشروع قيام ضابط الشرطة القضائية أثناء إنجازه لمهمته و لو عرضا بمعاينة حالة تلبس بالجريمة... لكن معاينة الجريمة إذا تمت بطرقة غير مشروعة فإنها لا تعتبر متلبسا بها من وجهة نظر القانون و لا تنتج اثارها، و من أظهر حالات السلوك غير المشروع، قيام ضابط الشرطة القضائية بمشاهدة جريمة ترتكب داخل غرفة من غرف البيت من خلال ثقب مفتاح بابها فلا تثبت مشاهدته و الحالة هذه تلبسا قانونيا بالجرائم المعثور عليها لأن معاينته لها كانت مرفوقة بخرق المشروعية المتطلبة في إنجاز المعاينة و هكذا....
رابعا: أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة الحبس:
لا تطبق مقتضيات التلبس على المخالفات، و لا على الجنح لمعاقبة بعقوبة الغرامة و المقصود بذلك أن المشرع ارتأى أن تقتصر إجراءات التلبس المتسمة بطابع تحقيقي، على نوع من الجرائم التي تبلغ درجة معينة من الخطورة، الشيء الذي يبرر مواجهتها بتدابير تتسم بالحزم و السرعة.
و يستفاد هذا المعنى من مقتضيات المادة 56 من ق.م.ج، المحدد لحالة التلبس بالجناية أو الجنحة، و هذا ما أكدته المواد 70 و 74 و 76 من نفس القانون.
المادة 70 من ق.م.ج: تسري مقتضيات المادة57 و ما بعدها إلى69 على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس ، وجاء في المادة 74 :إذا تعلق الأمر بجنحة معاقبة بالحبس، و هو نفس التعبير الوارد في المادة 76. و الملاحظ أن المشرع قد أعاد صياغة هذه المواد و أصلح النصوص القديمة (72.76.78) و التي كانت تستعمل عبارة السجن بدل الحبس، و مصطلح الجريمة عوض عبارة الجنحة.
المبحث الثاني: تحريات الشرطة القضائية في حالة التلبس
إذا كان الأمر يتعلق بالبحث بشأن جنايته أو جنحة ارتكبت في حالة التلبس ، أي تم اكتشافها في إحدى الحالات المشار إليها 56 من ق.م.ج الجديدة ، فإن ضابط الشرطة القضائية تخول له صلاحيات واسعة أجل التثبت من الجريمة و البحث فورا على كل المعلومات المفيدة دون إضاعة الوقت.
و يتضح من خلال استعراض نصوص قانون المسطرة الجنائية، المتعلقة بموضوع التلبس إن حالات التلبس بالجريمة، تخول ضابط الشرطة القضائية الصلاحيات الآتية:
1- الانتقال على الفور إلى مكان الجريمة، و ضبط حالة الأشياء و الأشخاص.
2- تفتيش الأشياء و الأشخاص و القيام بالحجز.
3- القبض على الفاعل أو المشتبه فيه و وضعه رهن الحراسة.
و عليه سوف نقدم بمعالجة كل هذه الصلاحيات السالفة في فقرات مستقلة.
*الفقرة الأولى: الانتقال إلى مكان الجريمة:
إن البحث في كل جريمة ينطلق أساسا من مكان وقوعها، لذلك فالانتقال إلى مسرح الجريمة يعد أهم الإجراءات التي يعتمد عليها بحث ضابط الشرطة القضائية.
حيث ألزم المشرع ضابط الشرطة القضائية، الذي بلغ إلى علمه خبر وقوع جناية أو جنحة متلبس بها، أن ينتقل إلى مكان الجريمة لإجراء المعاينات المفيدة .
و الغاية من هذا الانتقال الفوري، هو القيام بما يسمى بالتحريات الأولية بقصد المحافظة على الأدلة القابلة للاندثار، وضبط كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة، و حجز الأسلحة و الأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة، أو التي كانت معدة لارتكابها، و كذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة. و يلزم القانون ضابط الشرطة القضائية ، بمجرد علمه بوجود حالة التلبس بجناية أو جنحة، أن يعلم النيابة العامة قبل أن ينتقل إلى عين المكان.
و قد يظهر لأعضاء النيابة العامة، أن ينتقلوا بأنفسهم إلى مكان الجريمة، كما يجوز لقاضي التحقيق هو آخر أن يقوم بنفس الشيء.
و في حالة انتقال النيابة العامة أو أحد أعضائها إلى مكان الجريمة، و انتقال قاضي التحقيق أيضا، و تواجد ضابط الشرطة القضائية يطرح التساؤل حول التنازع المحتمل بشأن القيام بالبحث.
و لقد عالج المشرع في المادة 71 حالة وصول ممثل النيابة العامة إلى مكان الجريمة، دون حضور قاضي التحقيق ، ففي هذه الحالة يتخلى ضابط الشرطة القضائية من العملية لفائدة ممثل النيابة العامة ، لأن هذه الأخيرة هي المؤهلة لتسير الأبحاث و يمكنها أن تتولى القيام بها بنفسها أو تزود الضابط بالتعليمات التي تراها مناسبة عند الاقتضاء.
و يجوز لممثل النيابة العامة الذي يباشر بنفسه الإجراءات أن ينتقل كلما استلزمت ذلك ضرورة البحث إلى دوائر نفوذ محاكم المجاورة للمحكمة التي يمارس مهامه ، شريطة أن يخبر بذلك مسبقا النيابة العامة لدى المكان التي سوف ينتقل إليها، و يبين بسبب هذا التنقل بالمحضر.
و بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الوكيل الملك أن يخبر بتنقل الوكيل العام للملك الذي يتبع لدائرة نفوذه.
و يجوز لوكيل العام للملك أو أحد نوابه، و في حالة التلبس جناية غير معاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أن يستفسر عن هوية المتهم، و يشعره بحقه في اختيار محامي حالا، و إلا عين له من طرف رئيس غرفة الجنايات، وله بعد ذلك أن يقوم باستجوابه بحضور محاميه الذي يجوز له طلب إجراء فحص طبي على موكله، و يدلي نيابة عنه بوثائق أو إثبات كنايته أو يعرض تقديم كفالة مالي أو شخصية، مقابل إطلاق سراحه، إذا تبين الفعل مجرد جنحة .
و إذا قررت النيابة العامة، الإفراج مؤقتا عن المشتبه به، بكفالة وجب ان يتضمن مقدر الإفراج بكل دقة القدر المالي المخصص كضمان لحضور المتهم. حيث تقوم النيابة العامة بتضمين مقرر تحديد الكفالة في سجل خاص، و يوضع بملف القضية نسخة من القرار و من وصل إيداع المبلغ حيث تطبق أحكام على إيداع الكفالة و استردادها أحكام المادة 168 و 187 من ق/م/ج المتعلق بأحكام الكفالة أمام قاضي التحقيق.
كما يجوز للوكيل العام للملك، في هذه الحالة، أن يأمر بإجراء تحقيق على يد قاضي تحقيق، إذا ظهر أن القضية غير جاهزة للحكم يعني. أما إذا تعلق الأمر بالتلبس بجنحة معاقبة بالحبس، أو إذا لم تتوفر في مرتكبيها ضمانات الحضور، فإنه بعد استشعاره بأن من حقه تنصيب محام حالا، و استفساره عن هويت و الأفعال المنسوبة إليه، كما يمكن تقديمه للمحكمة في حالة سراح، إذا قدم ضمانات مالية أو شخصية، و يحقق للمحامي في هذه الحالة، أن يحضر الاستجواب، كما له الحق أن يطلب الملتمس إجراء فحص طبي على موكله، و أن يدلي نيابة بوثائق أو إثباتات كتابية، كما يمكنه تقديم أو عرض كفالة شخصية مقابل إطلاق سراحه.
و في حالة حضور قاضي التحقيق لمكان وقوع الجناية أو الجنحة المتلبس بها، فإن الوكيل العام للملك و وكيل الملك و ضباط الشرطة القضائية يتخلون له عن القضية لزوما بقوة القانون المادة 75 من ق/م/ج .
و في هذه الحالة، يقوم قاضي التحقيق، بصفته ضابط الشرطة القضائية، و له أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية. بمتابعة العمليات و بمجرد من الانتهاء من التحريات، يرسل القاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك جميع الوثائق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر.
إذا ما حل بالمكان الكل أي الوكيل العام للملك ثم الوكيل الملك و القاضي التحقيق في آن واحد، فلممثل النيابة العامة، أن تلتمس مباشرة إجراء تحقيق يكلف بالقيام به قاضي التحقيق الحاضر.
و في إطار التحريات الأولية التي تباشرها ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب بالحبس، و يجوز لهم أن يمنعوا أي شخص مفيد في التحريات، من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي التحريات.
كما أن المشرع أعطى الحق، إذا توفرت حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقبة عليها بالحبس، ضبط الفاعل و سوقه إلى أقرب ضابط الشرطة القضائية.
و ألزم المشرع ضابط الشرطة القضائية، الذي ثم إشعاره بالعثور جثة شخص مات بسبب من الأسباب أي عنف أو غيره، أو ظل بسبب موته غير معروف أو يحيطه الشك أن يخبر بذلك فورا النيابة العامة، و أن ينتقل إلى مكان فورا قصد القيام بالمعاينات الأولية.
و في هذا الصدد يمكن لممثل النيابة العامة، أن ينتقل هو الآخر إلى مكان العثور على الجثة إذا رأى ضرورة لذلك، و أن يستعين بأشخاص لهم كفاءة لتحديد ظروف الوفاة، و أن يختار من بين ضباط الشرطة القضائية من ينوب عنه للقيام بذبك المهمة.
و لذا يجوز للنيابة العامة، أن تنتدب خبيرا للكشف عن أسباب الوفاة و في حالة استعانة خبراء غير مسجلين في لائحة الخبراء المقبولين لدى المحاكم يؤدي هؤلاء اليمين كتابة، على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف و الضمير.
*الفقرة الثانية: الوضع تحت الحراسة
تناول المشرع في لمواد 66 و ما يليها من ق/م/ج أهم و أخطر الصلاحيات و السلطات المخولة لضابطة الشرطة القضائية، أثناء البحث في جريمة متلبس بها، و يتعلق الأمر بسلطة الوضع تحت الحراسة النظرية.
و نظرا لمساسها بحرية الفرد و حقوقه الشخصية فقد أحاطها المشرع بمجموعة من الشروط و أحكام صارمة.
إذا كان المشرع لم يعرف الوضع تحت الحراسة و المقصود به، أنه إجراء يحق بمقتضاه لضابط الشرطة القضائية، أن يحتفظ بشخص أو بعدة أشخاص، و يضعه في مكان معين ( مركز أو مخفر الشرطة ) و ذلك لضرورة تتطلبها البحث خلال مدة معينة و هذه السلطة يملكها الضابط الشرطة القضائية إذا كان البحث في جريمة في حالة تلبس إن القبض على الشخص، لمنعه من الفرار و أخذ تصريحاته و التثبت من صلته بالجرم. و نظرا لكون هذا الإجراء يعد قيدا على حرية الأفراد، فقد نظمه المشرع، و بين شرطه و مدته، و أحاطه بحملة من المقتضيات التي تعد في ذاتها، ضمانات في مواجهة الشطط أو التعسف المحتمل في مجال التقييد حرية.
و سوق نعرض على التوالي الأشخاص الذين يجوز لهم وضعهم تحت الحراسة، ثم شروط الوضع تحت الحراسة و أخيرا الآثار المرتبة عن الإخلال بشروط الوضع الحراسة.
1- الأشخاص الذين من الممكن وضعهم تحت الحراسة.
يجوز لضابط الشرطة القضائية بوجه عام، أن يحتفظ خلال إجراءات البحث بأي شخص مشتبه فيه، أو كل من اجتمعت ضده قرائن لإدانته.
و تشير المادة 65 من ق/م/ج إلى صنفين من الأشخاص الممكن وضعهم تحت الحراسة فهناك من جهة الأشخاص الذي يمنعهم ضابط الش/ق من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة، و هناك الأشخاص الذين من اللازم التعرف على هويتهم أو التحقق منها.
و من جهة أخرى و من الناحية العملية غالبا ما يعتبر ضباط الشرطة القضائية هذا الإجراء ضروري، يسهل الاستماع إلى الأشخاص لاسيما إذا كان هذا الاستماع يحتاج إلى وقت و ساعات طويلة على اعتبار أن الوضع تحت الحراسة قد يلحق أحيانا الأذى بالأبرياء و يسيء إلى سمعتهم و كرامتهم فيصبحون مذنبين من طرف المجتمع قبل أن تقول العدالة فيهم. كما أنه قد يضر سير البحث و جعل الضابط الشرطة القضائية يسرع عقاريب الساعة التي لن تتوقف و التي قد تؤدي إلى إهمال بعض الأبحاث و التحريات المفيدة التي من الممكن أن تساعد على إظهار الحقيقة و لعل خطورة هذه الإجراءات دفعت العديد من التشريعات المقارنة إلى سن ترسانة من النصوص القانونية التنظيمية تنظيما محكما يوازن بين الحق في الوصول إلى الحقيقة و بين الحق الوصول أو عدم المساس بحقوق المواطن و لذلك أحيط النيابة العامة ضرورة مراقبة تطبيقها و السهر على ممارستها في ظروف إنسانية و عاقب كل متجاوز في مدتها.
و نظرا لكون الوضع تحت الحراسة، قد يفضي إلى الحصول على أدلة في ظروف تنعدم فيها الضمانات الدفاع المخول للمتهم، خلال استنطاقه من طرف القاضي التحقيق، فإن المشرع تدخل و أقر العديد من الشروط، التي من شأنها إضفاء المصدقية على هذا الإجراء و بذلك يرى أستاذنا الفاضل احمد الخمليشي بان الضمانات التي يقرها المشرع للمشتبه فيه خلال وضعه تحت الحراسة النظرية مقرونة بأخلاق و ضمير الضابط الشرطة القضائية.
2- شروط الوضع تحت الحراسة:
لصحة الوضع تحت الحراسة لابد من شروط توفرها و هي:
الشرط الأول: يجب أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة بالحبس.
تجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب ما اشترطته المادة 66 من ق/م/ج بشأن الاقتضاء حاجيات البحث وضع شخص تحت الحراسة النظرية، فإن القانون تطلب شرطا آخر بشأن نوع الجريمة موضوع البحث التي ينبغي أن تكون جناية أو على الأقل جنحة معاقب عليها بالحبس، نص المشرع على ذلك صراحة على هذا الشرط في المادة 70 من ق/م/ج بقوله: " تسري مقتضيات المادة 57 و ما بعدها إلى المادة 69 على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقدية الحبس".
و هذا ما أكده المشرع بالنسبة للجنايات و الجنح معا في المادة 80 من ق/م/ج.
و يستفاد من هذه النصوص، أن الوضع تحت الحراسة، لا يجوز في المخالفات أو الجنح المعاقبة بعقوبة الغرامة وحدها.
الشرط الثاني: يجب أن يكون الوضع تحت الحراسة مما تتطلبه حاجيات البحث.
و هذا ما عبرته صراحة المادة 66 من ق/م/ج الجديد و المادة 80 منه بقولها " إذا تطلبت ضرورة البحث أن يحتفظ ضابط الشرطة القضائية بشخص أو عدة أشخاص فغنه أن يضعهم تحت الحراسة النظرية...".
و لا يشترط القانون المغربي في الوضع تحت الحراسة النظرية وجود أدلة أو قرائن قوية على ارتكاب أو محاولة ارتكاب الجريمة موضوع البحث، كما هو الشأن بالنسبة لباقي التشريعات الأخرى المقارنة كالمادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي مثلا التي اشترطت لإمكانية الوضع تحت الحراسة النظرية أن تتوفر في حق الشخص إمارات من شانها أن تدفع إلى الاعتقاد بضلوعه في ارتكاب