يرتبط مفهوم السلطة بعنصر التأثير النفسي والوجداني في إدراك الشخص فيصبح الشخص منقاداً ومطيعاً تحت تأثير تلك القوى التي تعمل بداخله دون إصدار أي أوامر أو تعليمات من صاحب السلطة نفسه ، لذلك فإن قوة التأثير تأتي من قوة الشخصية التي يمتلكها صاحب السلطة ويتميز بها عن غيره في أي مجال من مجالات الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الدينية .........وليس من إرادة فعل الأمر ، وفي هذه الحالة لا وجود لأي تناقض أو تعارض بين السلطة وقوة التأثير ، باستثناء أن السلطة تعني اعترافاً ظاهراً بالحق الشرعي بين طرفين أحدهما يصدر الأوامر والآخر يستجيب لها ، فإن قوة التأثير تعني اعترافاً ضمنياً من الطرف الأضعف للطرف الأقوى بفعل قوة التأثير الملازمة للطرف الأقوى في شعور الطرف الأضعف ، وتستمر العلاقة الموجبة بينهما طالما استمر الطرف الضعيف يشعر بقوة تأثير الطرف الأقوى ، في حين تفقد قوتها تدريجياً كلما كانت قوة التأثير في الشخص ضعيفة .
تبدو مظاهر هذه العلاقة واضحة في جميع صور الحياة الاجتماعية وأشكالها التي يمارسها الشخص في الأسرة والمدرسة والعمل وفي كل التنظيمات السياسية والمهنية والدينية....... إنه يخضع لسلطتها دون إدراكه لتأثيراتها فيه ، لأن السلطة واقعة ضمنية في وعيه ويكاد لا يشعر بها، لكنه يلتزم بأنظمتها وتشغل وعيه واهتمامه، ما يدفعه إلى عدم الإتيان بأفعال مخالفة ، فهي جزء من سلوكه ومكوناً أساسياً مع الآخر من مكوناتها . لذا يلاحظ تمسك الشخص بها والامتثال لها كنتيجةً للصلة التي تربطه بها.
وكما توجد قوة التأثير في المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية ، توجد أيضاً في قوة الأفراد المعنوية المرتبطة بشخصياتهم، والمتفاعلة معها يشعر الشخص بقوة تأثيرها واندفاعه نحوها بقوة غير واعية، مستعداً لامتثال أوامرها كما يحدث عندما يوجه القائد السياسي أو الديني أو الاجتماعي خطاباً يحث فيه الناس للقيام بعمل ما أو الابتعاد عنه دون أن يحدد تلك الأوامر أو التوجيهات لفرد محدد .
إن إحساس الفرد وشعوره بقوة السلطة وهيبتها يدفعه بقوة تجاه ما يطلب منه أو يبتعد عنه فكلما كانت قوة السلطة أكثر تأثيراً في إدراك الفرد كلما ازداد اندفاعه للإقدام على عمل ما أو الابتعاد عنه ، كما أن قوة السلطة تستمد هيبتهـا وقوتها من قوة الأفراد أنفسهم ، فقوة السلطة صانعة لنفسها ومصنوعة من غيرها، وهذا ما جعل قوة التلاحم قوية بين السلطة والقائمين عليها سلباً وإيجاباً.
يستنتج مما تقدم أن علاقة السلطة بقوة التأثير علاقة نفسية اجتماعية متوازنة يمارسها الفرد ويؤثر فيها على الآخرين وترتبط قدرتها التأثيرية في إطارها الخارجي بقدرتها على التأثير الداخلي في نفوس الأفراد وإدراكهم لها .