إذا كانت السلطة تحمل في مضمونها الإيجابي معنى القوة التأثيرية في علاقتها بالآخر فرد أو جماعة , فإن القوة تحمل أيضاً في مضمونها السلبي قوة الإكراه. ومن هنا يأتي الاختلاف في تحديد مفهوم القوة بمعناها الإيجابي والسلبي، فاستخدام قوة الإكراه مع الآخر يُبعد القوة عن مجال فعل السلطة ويدخلها ضمن مجال فعل التسلط . ومجال استخدام نوع القوة هو الحد الفاصل بين السلطة والتسلط ، فكلما زاد تأثير فعل القوة السلبي انعكس ذلك في مجال تأثيرها وأبعدها عن مجال فعل السلطة الذي يحتوى أيضاً على تأثير القوة ولكن بصيغة مختلفة عن تأثير القوة السلبي ، فالعلاقة بين السلطة والقوة تتحدد من خلال فعل القوة ونوعها، فكلما اقترب فعل القوة الإيجابي نحو السلطة كلما قل وضوح فعل القوة السلبي فيها، ويكون العكس تماماً حينما يبتعد فعل القوة الإيجابي عن مفهوم السلطة ويميل نحو التسلط . وبهذه النتيجة فقد فُسرت القوة ضمن بُعداً واحداً أكسبها ضبابية متميزة أحياناً إلى جانب السلطة وفي أحيان أخرى إلى جانب التسلط ما أفقدها المعنى الإيجابي لها لاسيما في علاقتها بالسلطة ، وترافق هذا التميز غير المقصود في معظم الكتابات التي وضحت مفهوم السلطة حتى غدا كثيراً من المهتمين بهذا المجال لا يضعون حداً فاصلاً بين مفهوم السلطة والتسلط انطلاقا من تفسير مفهوم القوة الذي يتضمنه المفهومان .
ويتفق هذا الرأي مع " جاك ماريتان "Jacques maritan " الذي يرى في القوة قدرة على إجبار الآخرين على الطاعة حينما يتم استخدامها خارج نطاق السلطة , ويحدث العكس حينما يتم استخدامها بالحق مع الآخرين ، حيث يتم توجيههم والتأثير فيهم لقبولهم الطاعة ، فالسلطة عنده قوة ولكنها الحق في شرعية استخدامها ، أما القوة بلا سلطة فهي تسلط واستبداد (ماريتان جاك: 1962،ص 149) .
من ذلك يتضح أن مجال فعل القوة ونوعها يرتبط بشرعية استخدامها وبمدى قبول الطرف الآخر لتلك الشرعية ورضاه عنها ، فهو الذي يكسبها قوة الشرعية المتمثلة في مفهوم السلطة ويكسبها في الوقت نفسه مفهوم التسلط متى استخدمت بدون وجه حق، وبدون اعتراف لشرعيتها من الطرف الآخر ، ومن هنا تأتي أهمية الشرعية لمفهوم القوة في جانبها الإيجابي والسلبي وفي علاقتها بمفهوم السلطة والتسلط ، وعلى هذا النحو فإن السلطة تستمر حتى بدون ممارسة القوة ( أحمد : 1994 ، ص 113 ) . ويشير إسماعيل إلى أن السلطة تتضمن عنصر الإكراه بسبب الخضوع الناشئ من العلاقة القائمة بين طرفي السلطة كما أنها تتضمن الإقناع بضرورة فعلها ، فهي تحتوى على عنصرين من القوة ، قوة الإكراه بسبب الفعل المادي لها وقوة الإقناع بسبب الحاجة إليها ( أحمد : 1994 ، ص 18 )
وعلى هذا الأساس فإن السلطة مزيج بين قوتين متلازمتين يحدد قبولها أو رفضها قوة الفعل ونوعه ، فالفرق بين السلطة والقوة يكمن في الاستخدام الإيجابي أو السلبي لفعل القوة ونوعه ، ففي القوة تستطيع أن تجبر الآخرين على طاعتك أما في السلطة فتستطيع أن توجه الآخرين وأن تأمرهم بالاستماع إليك وطاعتهم لك (وطفه :1998 , ص128) .
يتضح من ذلك أن تأثير فعل القوة الإيجابي يتضمن معنى السلطة , لأن السلطة قوة، في حين لا يتضمن تأثير فعل القوة السلبي معنى السلطة لأن القوة ليست سلطة، ولهذا فإن فعل تأثير القوة يحدده الفرد أو الأفراد في المجتمع من خلال رؤيتهم لمعنى السلطة مع الأخر.
بهذا الاختلاف في مجال قوة تأثير الفعل ونوعه تظهر السلطة والقوة بمظهرين مختلفين ومتفقين في آن واحد . فالاختلاف والاتفاق بين المفهومين يحدده نوع فعل القوة وشروطه المتضمنة فيهما وتكون بنسب مختلفة ، وهذه النسب غير ثابتة ومتغيرة بحسب الظروف التي تمارس فيها القوة والسلطة، وترتبط أيضاً بمدى قدرة الفرد الذي يمارس الفعل والآخر الذي يقع عليه .
وباختصار فإن التأثير الذي تتضمنه القوة والسلطة يشبه إلى حد بعيد التأثير الذي يفعله سلوك الحب في علاقات القوة والسلطة بين الأطراف. وبهذا فإن شكل الحب لا يظهر إلا في وجود العلاقات التي تربط الأفراد ، وليس له مدلول خارجي والفرد آمر أو مأمور هو الذي يعرف شكل هذا المدلول ومضمونه.
والنتيجة أن القوة ترتبط بشخصية الآمر الذي يمارسها ، في حين ترتبط السلطة بالموقع الذي يشغله ذلك الآمر في إطار تلك الممارسة وتتأثر بشرعية ممارستها(سعد:1978 ، ص 123 ) .