المطلب الثالث:القواعد القانونية وقواعد الأخلاق.
يقصد بالأخلاق "مجموعة من المبادئ والقيم التي تحكم سلوك الجماعة،وترقى بالإنسان نحو الكمال والسمو والفضيلة،والتي يعتنقها الإنسان ويفرضها ضمير الجماعة على أفرادها باعتبارها تعبيرا عن المثل العليا التي يجب أن يكون عليها سلوك الأفراد في المجتمع،تحقيقا للخير العام وتجنبا للشر،والتي يترتب على مخالفتها تأنيب الضمير واستنكار الجميع.
ومن أمثلة الأخلاق الصدق في القول،والعدل،والوفاء بالعهد،ومساعدة الضعيف،وتقديم العون للمحتاج وحب الخير للناس...إلخ
وإذا كان من القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية،قاعدة سلوك،ترى ما الذي يميزهما؟
للجواب عن ذلك يجدر بنا الوقوف على أوجه التشابه بينهما(الفقرة الأول)وكذا الاختلاف الذي يمكن أن تنفرد به كل قاعدة عن الأخرى(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:أوجه الشبه بين القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية.
تشترك القاعدة الأخلاقية مع القاعدة القانونية –إلى حد ما - في جميع الخصائص المميزة لها(أولا)كما أن جل القواعد القانونية الأصل فيها الأخلاق(ثانيا).
أولا:الاشتراك في الخصائص المميزة للقاعدة القانونية.
القاعدة الأخلاقية مثلها مثل قواعد الدين تتفق مع القاعدة القانونية في أن كليهما وليدة المجتمع،لأنهما قاعدتا سلوك،تهدفان إلى تنظيم وتقويم سلوك الفرد داخل الجماعة،بما يكفل وييسر سبل العيش والنظام فيه،كما أن كلا منهما قواعد عامة ومجردة تتوجه بخطابها إلى جميع أفراد المجتمع،دون أن تتعلق بأشخاص معينين بذواتهم،وأن كلاهما يقترن بجزاء يوقع على المخالف لهما،وإن اختلف الجزاء في القاعدة القانونية عنه في القاعدة الأخلاقية( ).
ثانيا: صلة القواعد القانونية بقواعد الأخلاق.
كثير من قواعد القانون الوضعي كانت في الأصل قواعد أخلاقية ارتقت إلى درجت رأت معها الجماعة وجوب فرض احترامها بجزاء مادي لضرورتها لحفظ النظام في المجتمع.ومثال ذلك:قاعدة عدم التعسف في استعمال الحق،والقاعدة التي تمنع الإثراء على حساب الغير بلا سبب،والقاعدة التي توجب تنفيذ العقد بحسن نية،والمسؤولية المفترضة لرب العمل عن الإصابات الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية استنادا إلى قاعدة"الغُنمُ بالغرم"،وتقديم المساعدة لشخص في خطر حيث أصبح الإمساك عمدا عن تقديم هذه المساعدة يشكل فعلا إجراميا معاقبا عليه بعد أن كان محرما أخلاقيا( ).يضاف إلى ذلك قاعدة "العقد شريعة المتعاقدين"،وإبطال العقد إذا كان محله أو سببه غير مشروعين.
الفقرة الثانية:أوجه الاختلاف بين القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية.
تختلف القاعدة الأخلاقية عن القاعدة القانونية من حيث المصدر(أولا)والغاية(ثانيا)ثم النطاق(ثالثا)والجزاء(رابعا).
أولا: الاختلاف من حيث المصدر.
مصدر القاعدة الأخلاقية يكمن في عناصر متعددة،فهي تنبع من ثقافة وتراث المجتمع وما ترسخ في ضمير الجماعة من قيم لها ارتباط إما بالأفكار السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية،وكذا من درجة تقدم المجتمع الحضاري والثقافي وغير ذلك من العوامل التي تتعاون في تحديد مفاهيم المبادئ والقيم والمثل التي تتكون منها الأخلاق في جماعة من الجماعات.أما القانون فله مصادره المحددة الخاصة به وهي التشريع والعرف والفقه والقضاء( ).
ثانيا:الاختلاف من حيث الغاية.
تهدف قواعد القانون إلى تحقيق غاية واقعية اجتماعية نفعية.فهي تسعى إلى إقامة النظام وتحقيق الاستقرار والأمن في المجتمع،وتحاول إيجاد حلول للمشاكل المطروحة في الحياة اليومية،وهي في ذلك لا تبتعد عن الواقع وتهتم بما هو كائن،وتتخذ من الإنسان العادي نموذجا( ).
أما قواعد الأخلاق فهي مثالية فردية تهدف إلى الوصول بالإنسان إلى الكمال،وتهدف إلى المثالية والعدالة المطلقة.وبذلك فالأخلاق تهتم بما يجب أن يكون عليه المجتمع وتتخذ من الإنسان المثالي نموذجا( ).
وينبني على ذلك أن قواعد الأخلاق بخلاف قواعد القانون تهتم بالنوايا والسلوك الداخلي كاللوم الاجتماعي الذي يوجه للحاقد والحاسد( ).
ثالثا:الاختلاف من حيث النطاق.
إن نطاق الأخلاق أكثر اتساعا من نطاق القانون الوضعي،فهي لا تهتم فقط بالتصرفات المتعلقة بالسلوك الاجتماعي للإنسان والمتصلة مع غيره من الأفراد في المجتمع(الأخلاق الاجتماعية)،ولكن أيضا بسلوكه وتصرفاته الفردية الخاصة وواجبه نحو نفسه(الأخلاق الشخصية أو الفردية).
أما القانون فهو لا يهتم من حيث الأصل إلا بالجوانب الإجتماعية للأخلاق( ).ويترتب على ذلك:
ـ من ناحية أولى يلاحظ أن نطاق الأخلاق أو سع من نطاق القانون حتى وإن كانت معظم قواعده الأساس فيها الأخلاق.لذلك نجده مثلا لا يهتم بما قد تأمر به بعض الفضائل كالشهامة،والشجاعة،والترفع عن النفاق والكذب وعن الغيبة والنميمة...إلخ.بالرغم من ورود بعض هذه الفضائل في صور خاصة.فمثلا إذا كان القانون لا يمنع الكذب وإبداء النصيحة بوجه عام،أي الكذب العادي المألوف بين الناس،فإنه يمنعه فير حالات خاصة يبدو فيها أثره السيء وخطورته على النظام الاجتماعي.
وهكذا نجد قانون الالتزامات والعقود في فصله 83 يقضي بترتيب المسؤولية على عاتق مقدم النصيحة أو التوصية في حالات ثلاثة:إذا أعطى النصيحة قصد خداع الطرف الآخر؛وإذا تسبب تدخله في المعاملة بحكم وظيفته قد ارتكب خطأ جسيما ونتج عن هذا الخطأ ضرر للطرف الآخر؛إذا ضمن نتيجة المعاملة.وفي القانون الجنائي نجد المشرع يحرم الكذب في جرائم الزور( )والتزوير( )والبلاغ الكاذب( ) وغير ذلك( ).
ـ ومن ناحية فإن القانون قد استقل ببعض القواعد التي لا وجود لها في المنظومة الأخلاقية مثل قوانين المرور،وقواني إجراءات التقاضي وقانون الضرائب وقانون التحفيظ العقاري...فمثل هذه القواعد يختص القانون بتنظيمها،وإن كانت لا تتنافى مع الأخلاق بل تسير في الاتجاه الذي ترتضيه الأخلاق.فاللوائح المنظمة للمرور تهدف إلى منع وقوع الحوادث المهلكة،والقواعد المنظمة إجراءات التقاضي تهدف إلى ضمتن تحقيق العدالة بين الخصوم...ومن ثم فالحكمة التشريعية التي أملت تلك القواعد تهدف إلى تحقيق الخير العام للمجتمع،وهو هدف تدعو إليه الأخلاق( ).
ـ ومن ناحية ثالثة،فإن القانون ينظم أمورا قد تبدو منافية للأخلاق،وذلك مراعاة للمصلحة الاجتماعية،وحفاظا على استقرار المعاملات والمراكز القانونية للأفراد..فالأخلاق تقتضي بأن المدين لا تبرأ ذمته من الدين مهما طالت المدة إلا إذا وفى به المدين أو أبرأه منه الدائن،في حين أن القانون يجيز للمدين أن يمتنع عن الوفاء بالدين إذا لم يطالب به الدائن خلال مدة زمنية معينة،وأقصاها 15 سنة( ).والأخلاق توجب رد المال المغصوب إلى مالكه مهما طال الزمن على وضع اليد عليه،في حين أن القانن يجيز لحائز العقار غير المحفظ تملكه بالتقادم إذا استمر وضع اليد عليه مدة معينة يحددها القانون( )،ولا يجيز للمالك الحقيقي أن يطالب باسترداد عقاره بعد مرور هذه المدة.والأخلاق توجب رد الحق إلى صاحبه،والقانون يضيعه عليه إذا لم يتوافر لديه دليل كتابي لإثبات أحقيته له،والقانون يبيح القرض بالفائدة...وهكذا( ).
ويبرر فقها القانون التعارض بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق في هذه الأمثلة الأخيرة،أن قواعد القانون تعتبر مصلحة الاستقرار الاجتماعي تقتضي ألا تبقى المنازعات على الحقوق قائمة بشكل مستمر،بل يجب حسمها حفاظا على استقرار المعاملات في المجتمع،ولذلك فقد تغض الطرف أحيانا عن بعض التصرفات – التي تبدو منافية للأخلاق – وذلك حرصا على استقرار المراكز والمعاملات في المجتمع،وتقديما للمصلحة العامة على المصلحة الفردية( ).
رابعا:الاختلاف من حيث الجزاء.
يعتبر الجزاء من أهم المعايير التي اعتمدها الفقهاء في التمييز بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق( ).
فالجزاء في القاعدة القانونية جزاء مادي توقعه السلطة بما تملكه من وسائل الإجبار على المخالف عند الاقتضاء.بينما في القاعدة الأخلاق هو جزاء معنوي يتمثل في تأنيب الضمير وسخط واستنكار الجماعة.
ثم إن الجزاء في القاعدة القانونية يتنوع إلى ومنه الجزاء المشدد والجزاء المخفف حسب ظروف ارتكاب الفعل المخالف للقاعدة القانونية،أما في القاعدة الأخلاقية فإن قوته تتناسب حسب سوء مقاصد القاعدة الأخلاقية،وليس بمدى جسامة الضرر( ).
يقصد بالأخلاق "مجموعة من المبادئ والقيم التي تحكم سلوك الجماعة،وترقى بالإنسان نحو الكمال والسمو والفضيلة،والتي يعتنقها الإنسان ويفرضها ضمير الجماعة على أفرادها باعتبارها تعبيرا عن المثل العليا التي يجب أن يكون عليها سلوك الأفراد في المجتمع،تحقيقا للخير العام وتجنبا للشر،والتي يترتب على مخالفتها تأنيب الضمير واستنكار الجميع.
ومن أمثلة الأخلاق الصدق في القول،والعدل،والوفاء بالعهد،ومساعدة الضعيف،وتقديم العون للمحتاج وحب الخير للناس...إلخ
وإذا كان من القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية،قاعدة سلوك،ترى ما الذي يميزهما؟
للجواب عن ذلك يجدر بنا الوقوف على أوجه التشابه بينهما(الفقرة الأول)وكذا الاختلاف الذي يمكن أن تنفرد به كل قاعدة عن الأخرى(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:أوجه الشبه بين القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية.
تشترك القاعدة الأخلاقية مع القاعدة القانونية –إلى حد ما - في جميع الخصائص المميزة لها(أولا)كما أن جل القواعد القانونية الأصل فيها الأخلاق(ثانيا).
أولا:الاشتراك في الخصائص المميزة للقاعدة القانونية.
القاعدة الأخلاقية مثلها مثل قواعد الدين تتفق مع القاعدة القانونية في أن كليهما وليدة المجتمع،لأنهما قاعدتا سلوك،تهدفان إلى تنظيم وتقويم سلوك الفرد داخل الجماعة،بما يكفل وييسر سبل العيش والنظام فيه،كما أن كلا منهما قواعد عامة ومجردة تتوجه بخطابها إلى جميع أفراد المجتمع،دون أن تتعلق بأشخاص معينين بذواتهم،وأن كلاهما يقترن بجزاء يوقع على المخالف لهما،وإن اختلف الجزاء في القاعدة القانونية عنه في القاعدة الأخلاقية( ).
ثانيا: صلة القواعد القانونية بقواعد الأخلاق.
كثير من قواعد القانون الوضعي كانت في الأصل قواعد أخلاقية ارتقت إلى درجت رأت معها الجماعة وجوب فرض احترامها بجزاء مادي لضرورتها لحفظ النظام في المجتمع.ومثال ذلك:قاعدة عدم التعسف في استعمال الحق،والقاعدة التي تمنع الإثراء على حساب الغير بلا سبب،والقاعدة التي توجب تنفيذ العقد بحسن نية،والمسؤولية المفترضة لرب العمل عن الإصابات الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية استنادا إلى قاعدة"الغُنمُ بالغرم"،وتقديم المساعدة لشخص في خطر حيث أصبح الإمساك عمدا عن تقديم هذه المساعدة يشكل فعلا إجراميا معاقبا عليه بعد أن كان محرما أخلاقيا( ).يضاف إلى ذلك قاعدة "العقد شريعة المتعاقدين"،وإبطال العقد إذا كان محله أو سببه غير مشروعين.
الفقرة الثانية:أوجه الاختلاف بين القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية.
تختلف القاعدة الأخلاقية عن القاعدة القانونية من حيث المصدر(أولا)والغاية(ثانيا)ثم النطاق(ثالثا)والجزاء(رابعا).
أولا: الاختلاف من حيث المصدر.
مصدر القاعدة الأخلاقية يكمن في عناصر متعددة،فهي تنبع من ثقافة وتراث المجتمع وما ترسخ في ضمير الجماعة من قيم لها ارتباط إما بالأفكار السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية،وكذا من درجة تقدم المجتمع الحضاري والثقافي وغير ذلك من العوامل التي تتعاون في تحديد مفاهيم المبادئ والقيم والمثل التي تتكون منها الأخلاق في جماعة من الجماعات.أما القانون فله مصادره المحددة الخاصة به وهي التشريع والعرف والفقه والقضاء( ).
ثانيا:الاختلاف من حيث الغاية.
تهدف قواعد القانون إلى تحقيق غاية واقعية اجتماعية نفعية.فهي تسعى إلى إقامة النظام وتحقيق الاستقرار والأمن في المجتمع،وتحاول إيجاد حلول للمشاكل المطروحة في الحياة اليومية،وهي في ذلك لا تبتعد عن الواقع وتهتم بما هو كائن،وتتخذ من الإنسان العادي نموذجا( ).
أما قواعد الأخلاق فهي مثالية فردية تهدف إلى الوصول بالإنسان إلى الكمال،وتهدف إلى المثالية والعدالة المطلقة.وبذلك فالأخلاق تهتم بما يجب أن يكون عليه المجتمع وتتخذ من الإنسان المثالي نموذجا( ).
وينبني على ذلك أن قواعد الأخلاق بخلاف قواعد القانون تهتم بالنوايا والسلوك الداخلي كاللوم الاجتماعي الذي يوجه للحاقد والحاسد( ).
ثالثا:الاختلاف من حيث النطاق.
إن نطاق الأخلاق أكثر اتساعا من نطاق القانون الوضعي،فهي لا تهتم فقط بالتصرفات المتعلقة بالسلوك الاجتماعي للإنسان والمتصلة مع غيره من الأفراد في المجتمع(الأخلاق الاجتماعية)،ولكن أيضا بسلوكه وتصرفاته الفردية الخاصة وواجبه نحو نفسه(الأخلاق الشخصية أو الفردية).
أما القانون فهو لا يهتم من حيث الأصل إلا بالجوانب الإجتماعية للأخلاق( ).ويترتب على ذلك:
ـ من ناحية أولى يلاحظ أن نطاق الأخلاق أو سع من نطاق القانون حتى وإن كانت معظم قواعده الأساس فيها الأخلاق.لذلك نجده مثلا لا يهتم بما قد تأمر به بعض الفضائل كالشهامة،والشجاعة،والترفع عن النفاق والكذب وعن الغيبة والنميمة...إلخ.بالرغم من ورود بعض هذه الفضائل في صور خاصة.فمثلا إذا كان القانون لا يمنع الكذب وإبداء النصيحة بوجه عام،أي الكذب العادي المألوف بين الناس،فإنه يمنعه فير حالات خاصة يبدو فيها أثره السيء وخطورته على النظام الاجتماعي.
وهكذا نجد قانون الالتزامات والعقود في فصله 83 يقضي بترتيب المسؤولية على عاتق مقدم النصيحة أو التوصية في حالات ثلاثة:إذا أعطى النصيحة قصد خداع الطرف الآخر؛وإذا تسبب تدخله في المعاملة بحكم وظيفته قد ارتكب خطأ جسيما ونتج عن هذا الخطأ ضرر للطرف الآخر؛إذا ضمن نتيجة المعاملة.وفي القانون الجنائي نجد المشرع يحرم الكذب في جرائم الزور( )والتزوير( )والبلاغ الكاذب( ) وغير ذلك( ).
ـ ومن ناحية فإن القانون قد استقل ببعض القواعد التي لا وجود لها في المنظومة الأخلاقية مثل قوانين المرور،وقواني إجراءات التقاضي وقانون الضرائب وقانون التحفيظ العقاري...فمثل هذه القواعد يختص القانون بتنظيمها،وإن كانت لا تتنافى مع الأخلاق بل تسير في الاتجاه الذي ترتضيه الأخلاق.فاللوائح المنظمة للمرور تهدف إلى منع وقوع الحوادث المهلكة،والقواعد المنظمة إجراءات التقاضي تهدف إلى ضمتن تحقيق العدالة بين الخصوم...ومن ثم فالحكمة التشريعية التي أملت تلك القواعد تهدف إلى تحقيق الخير العام للمجتمع،وهو هدف تدعو إليه الأخلاق( ).
ـ ومن ناحية ثالثة،فإن القانون ينظم أمورا قد تبدو منافية للأخلاق،وذلك مراعاة للمصلحة الاجتماعية،وحفاظا على استقرار المعاملات والمراكز القانونية للأفراد..فالأخلاق تقتضي بأن المدين لا تبرأ ذمته من الدين مهما طالت المدة إلا إذا وفى به المدين أو أبرأه منه الدائن،في حين أن القانون يجيز للمدين أن يمتنع عن الوفاء بالدين إذا لم يطالب به الدائن خلال مدة زمنية معينة،وأقصاها 15 سنة( ).والأخلاق توجب رد المال المغصوب إلى مالكه مهما طال الزمن على وضع اليد عليه،في حين أن القانن يجيز لحائز العقار غير المحفظ تملكه بالتقادم إذا استمر وضع اليد عليه مدة معينة يحددها القانون( )،ولا يجيز للمالك الحقيقي أن يطالب باسترداد عقاره بعد مرور هذه المدة.والأخلاق توجب رد الحق إلى صاحبه،والقانون يضيعه عليه إذا لم يتوافر لديه دليل كتابي لإثبات أحقيته له،والقانون يبيح القرض بالفائدة...وهكذا( ).
ويبرر فقها القانون التعارض بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق في هذه الأمثلة الأخيرة،أن قواعد القانون تعتبر مصلحة الاستقرار الاجتماعي تقتضي ألا تبقى المنازعات على الحقوق قائمة بشكل مستمر،بل يجب حسمها حفاظا على استقرار المعاملات في المجتمع،ولذلك فقد تغض الطرف أحيانا عن بعض التصرفات – التي تبدو منافية للأخلاق – وذلك حرصا على استقرار المراكز والمعاملات في المجتمع،وتقديما للمصلحة العامة على المصلحة الفردية( ).
رابعا:الاختلاف من حيث الجزاء.
يعتبر الجزاء من أهم المعايير التي اعتمدها الفقهاء في التمييز بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق( ).
فالجزاء في القاعدة القانونية جزاء مادي توقعه السلطة بما تملكه من وسائل الإجبار على المخالف عند الاقتضاء.بينما في القاعدة الأخلاق هو جزاء معنوي يتمثل في تأنيب الضمير وسخط واستنكار الجماعة.
ثم إن الجزاء في القاعدة القانونية يتنوع إلى ومنه الجزاء المشدد والجزاء المخفف حسب ظروف ارتكاب الفعل المخالف للقاعدة القانونية،أما في القاعدة الأخلاقية فإن قوته تتناسب حسب سوء مقاصد القاعدة الأخلاقية،وليس بمدى جسامة الضرر( ).