المطلب الثاني:القاعدة القانونية وقواعد الدين.
الدين مجموعة من الأحكام الشرعية المستنبطة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية،والمتضمنة لأوامر ونواهي يُكلف بها العبد المسلم،بُغية تحقيق سعادته في الدنيا وفي الآخرة( ).
وقواعد الدين تظم ثلاثة أنواع من العلاقات:علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بالغير وعلاقة الإنسان بنفسه.
من هنا تبرز أهمية البحث عن أوجه الشبه بين القاعدة القانونية والقاعدة الدينية(الفقرة الأولى)ثم أوجه الاختلاف بينهما(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:أوجه الشبه بين القاعدة القانونية والقاعدة الدينية.
الواقع أن كل من القاعدة القانونية والقاعدة الدينية تلتقيان في كونهما تنظمان علاقة الفرد بالغير أو بالدولة،وعلاقة هذه الأخيرة بغيرها من الدول.لذلك يوجد بينهما نوع من الشبه في الأهداف(أولا)والمصدر(ثانيا).
أولا:ـ الأهداف.
يشترك كل من القانون والدين في الهدف المتوخى منهما وهو تنظيم العيش داخل الجماعة بما يضمن لها من النظام سواء في الميدان المدني،من عقود والتزامات وتجارة ...أو في الميدان الجنائي،من تجريم للقتل والسرقة والعدوان....وغير ذلك،إلا أن تنظيم كل منهما لهذه المسائل وغيرها مختلف.وكمثال على ذلك إذا كان كلاهما يحرم السكر،فإن الدين يحرمه إطلاقا بينما يشترط القانون الوضعي لتوقيع العقاب على شارب الخمر أن يتم ذلك علنا وفي حالة التلبس( )( ).
- ثانيا:التشابه في بعض الأحكام.
إن من قواعد الدين ما نص عليه القانون،بحيث نقل الحكم بذاته،وجعل منه قاعدة قانونية،مثل القواعد المتعلقة بالأسرة من زواج وطلاق نسب وحضانة ووصية ومواريث وأوقاف وشفعة...فهذه الأحكام كلها مستمدة من الفقه الإسلامي.
كما أن هناك بعض القواعد الدينية التي تبناها القانون بشكل غير رسمي،بحيث نلتزم بها،ولكن ليس باعتبار التشريع تناولها وصاغها في عبارات محددة،وإنما هي تظل خاضعة للدين باعتباره مصدرها الأصلي الخاص،مثل:موانع الزواج بسبب القرابة أو الرضاع( )( ).
الفقرة الثانية:أوجه الاختلاف بين القاعدة القانونية والقاعدة الدينية.
تختلف القاعدة القانونية عن القاعدة الدينية في المصدر(أولا)والغاية (ثانيا)وكذلك النطاق(ثالثا)والجزاء(رابعا).
أولا: الاختلاف من حيث المصدر.
من البديهي أن مصدر القعدة الدينية هو الوحي الإلهي المنزل على النبي عليه الصلاة والسلام باعتباره مبلغا رسالة رب العالمين.قال تعالى:"وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"( ).والوحي من الله تعالى،وهذا يعني أن أحكام الدين مصدرها الله تعالى.
أما القاعدة القانونية فهي من وضع السلطة التشريعية أي أنها من وضع البشر،والإنسان مهما ارتقت مداركه يبقى مجبول على الخطأ والنسيان والخضوع للأهواء والنزوات التي قد تحيد به عن العدل والمساواة.ومعنى ذلك أن القاعدة القانونية قد تأتي ناقصة ونسبية مما تكون معه دائما عرضة للتغيير والتبديل حتى تتماشى والتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلد( ).
ثانيا: الاختلاف من حيث الغاية.
تحقق القواعد التي مصدرها الدين – السماوي – غايتين:روحية ومادية.فالإسلام يوازي بين الجوانب الروحية والجوانب المادية في الإنسان،فهو دين ودنيا.قال تعالى:"وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك،ولا تبغ الفساد في الأرض،إن الله لا يحب المفسدين"( ).وتبعا لذلك فهو يهتم بالسلوك الخارجي للإنسان كما يهتم بالسلوك الداخلي المتجلي في النوايا،بخلاف القاعدة القانونية التي لا تهتم بالنوايا الداخلية – من حيث المبدأ - إلا إذا ترجمت في مظهر خارجي.لكن هذا المبدأ قد يرد عليه استثناء في القانون الجنائي والقانون المدني،لتشديد العقوبة كما هو الشأن بالنسبة لارتكاب الجريمة مع سبق الإصرار والترصد،أو لتخفيف العقوبة مثل قتل الأم لوليدها.أو إلغاء التصرف وإبطال العقد إذا تبين أن التصرف رافقه سوء النية مثل التدليس،أو وجوب التعويض إذا بيع العقار المحفظ من مشتريين مختلفين،بادر المشتري الثاني إلى تسجيل العقد.
ثالثا: الاختلاف من حيث النطاق.
إن مبتغى القاعدة الدينية أعم وأشمل من الغاية التي تسعى إليها القاعدة القانونية،وهو ما يعني أن الدين الإسلامي أوسع نطاقا من القانون،ويتجلى ذلك في كون قواعد الدين قد عالجت أمور الدين والدنيا.فإلى جانب اهتمامها بالسلوك الاجتماعي للأفراد تهتم بتنظيم علاقة الإنسان بربه،كالإيمان بالله وبالآخرة...وبعبادته تعالى؛كما تهتم بعلاقة الإنسان بنفسه،كالتحلي بالأخلاق الحميدة والصفات النبيلة.وهذا بخلاف القاعدة القانونية التي لا تهتم إلا بتنظيم علاقة الإنسان بالإنسان وبأمور الدنيا مثل المعاملات المدنية.
رابعا:الاختلاف من حيث الجزاء.
إن اختلاف الغاية والنطاق بين القاعدة الدينية والقاعدة القانونية هو الذي أدى تميز كل منهما من حيث الجزاء.
صحيح أن القاعدة القانونية تشترك مع الدين في الجزاء الدنيوي لكن الدين ينفرد عن القانون في ترتيب الجزاء الأخروي.
ففي مجال العلاقات الاجتماعية،فإن عدم الالتزام بأحكام الدين التي تنظم علاقة الإنسان بالغير يعرض المخالف لها لجزاءات دنيوية كالضمان عند إتلاف مال الغير أو هلاكه،وبطلان العقد غير الصحيح،أو توقيع عقوبة القصاص أو الحدود أو التعزير في حق الجاني،وهي جزاءات يتولى توقيعها القضاء( ).
أما عند مخالفة الأحكام العقائدية أو التعبدية فمن الجزاءات ما هو دنيوي وما هو مؤجل إلى يوم الآخرة.
أما الجزاء في القاعدة القانونية – كما رأينا في المحاضرات – هو دائما دنيوي.
الدين مجموعة من الأحكام الشرعية المستنبطة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية،والمتضمنة لأوامر ونواهي يُكلف بها العبد المسلم،بُغية تحقيق سعادته في الدنيا وفي الآخرة( ).
وقواعد الدين تظم ثلاثة أنواع من العلاقات:علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بالغير وعلاقة الإنسان بنفسه.
من هنا تبرز أهمية البحث عن أوجه الشبه بين القاعدة القانونية والقاعدة الدينية(الفقرة الأولى)ثم أوجه الاختلاف بينهما(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:أوجه الشبه بين القاعدة القانونية والقاعدة الدينية.
الواقع أن كل من القاعدة القانونية والقاعدة الدينية تلتقيان في كونهما تنظمان علاقة الفرد بالغير أو بالدولة،وعلاقة هذه الأخيرة بغيرها من الدول.لذلك يوجد بينهما نوع من الشبه في الأهداف(أولا)والمصدر(ثانيا).
أولا:ـ الأهداف.
يشترك كل من القانون والدين في الهدف المتوخى منهما وهو تنظيم العيش داخل الجماعة بما يضمن لها من النظام سواء في الميدان المدني،من عقود والتزامات وتجارة ...أو في الميدان الجنائي،من تجريم للقتل والسرقة والعدوان....وغير ذلك،إلا أن تنظيم كل منهما لهذه المسائل وغيرها مختلف.وكمثال على ذلك إذا كان كلاهما يحرم السكر،فإن الدين يحرمه إطلاقا بينما يشترط القانون الوضعي لتوقيع العقاب على شارب الخمر أن يتم ذلك علنا وفي حالة التلبس( )( ).
- ثانيا:التشابه في بعض الأحكام.
إن من قواعد الدين ما نص عليه القانون،بحيث نقل الحكم بذاته،وجعل منه قاعدة قانونية،مثل القواعد المتعلقة بالأسرة من زواج وطلاق نسب وحضانة ووصية ومواريث وأوقاف وشفعة...فهذه الأحكام كلها مستمدة من الفقه الإسلامي.
كما أن هناك بعض القواعد الدينية التي تبناها القانون بشكل غير رسمي،بحيث نلتزم بها،ولكن ليس باعتبار التشريع تناولها وصاغها في عبارات محددة،وإنما هي تظل خاضعة للدين باعتباره مصدرها الأصلي الخاص،مثل:موانع الزواج بسبب القرابة أو الرضاع( )( ).
الفقرة الثانية:أوجه الاختلاف بين القاعدة القانونية والقاعدة الدينية.
تختلف القاعدة القانونية عن القاعدة الدينية في المصدر(أولا)والغاية (ثانيا)وكذلك النطاق(ثالثا)والجزاء(رابعا).
أولا: الاختلاف من حيث المصدر.
من البديهي أن مصدر القعدة الدينية هو الوحي الإلهي المنزل على النبي عليه الصلاة والسلام باعتباره مبلغا رسالة رب العالمين.قال تعالى:"وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"( ).والوحي من الله تعالى،وهذا يعني أن أحكام الدين مصدرها الله تعالى.
أما القاعدة القانونية فهي من وضع السلطة التشريعية أي أنها من وضع البشر،والإنسان مهما ارتقت مداركه يبقى مجبول على الخطأ والنسيان والخضوع للأهواء والنزوات التي قد تحيد به عن العدل والمساواة.ومعنى ذلك أن القاعدة القانونية قد تأتي ناقصة ونسبية مما تكون معه دائما عرضة للتغيير والتبديل حتى تتماشى والتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلد( ).
ثانيا: الاختلاف من حيث الغاية.
تحقق القواعد التي مصدرها الدين – السماوي – غايتين:روحية ومادية.فالإسلام يوازي بين الجوانب الروحية والجوانب المادية في الإنسان،فهو دين ودنيا.قال تعالى:"وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك،ولا تبغ الفساد في الأرض،إن الله لا يحب المفسدين"( ).وتبعا لذلك فهو يهتم بالسلوك الخارجي للإنسان كما يهتم بالسلوك الداخلي المتجلي في النوايا،بخلاف القاعدة القانونية التي لا تهتم بالنوايا الداخلية – من حيث المبدأ - إلا إذا ترجمت في مظهر خارجي.لكن هذا المبدأ قد يرد عليه استثناء في القانون الجنائي والقانون المدني،لتشديد العقوبة كما هو الشأن بالنسبة لارتكاب الجريمة مع سبق الإصرار والترصد،أو لتخفيف العقوبة مثل قتل الأم لوليدها.أو إلغاء التصرف وإبطال العقد إذا تبين أن التصرف رافقه سوء النية مثل التدليس،أو وجوب التعويض إذا بيع العقار المحفظ من مشتريين مختلفين،بادر المشتري الثاني إلى تسجيل العقد.
ثالثا: الاختلاف من حيث النطاق.
إن مبتغى القاعدة الدينية أعم وأشمل من الغاية التي تسعى إليها القاعدة القانونية،وهو ما يعني أن الدين الإسلامي أوسع نطاقا من القانون،ويتجلى ذلك في كون قواعد الدين قد عالجت أمور الدين والدنيا.فإلى جانب اهتمامها بالسلوك الاجتماعي للأفراد تهتم بتنظيم علاقة الإنسان بربه،كالإيمان بالله وبالآخرة...وبعبادته تعالى؛كما تهتم بعلاقة الإنسان بنفسه،كالتحلي بالأخلاق الحميدة والصفات النبيلة.وهذا بخلاف القاعدة القانونية التي لا تهتم إلا بتنظيم علاقة الإنسان بالإنسان وبأمور الدنيا مثل المعاملات المدنية.
رابعا:الاختلاف من حيث الجزاء.
إن اختلاف الغاية والنطاق بين القاعدة الدينية والقاعدة القانونية هو الذي أدى تميز كل منهما من حيث الجزاء.
صحيح أن القاعدة القانونية تشترك مع الدين في الجزاء الدنيوي لكن الدين ينفرد عن القانون في ترتيب الجزاء الأخروي.
ففي مجال العلاقات الاجتماعية،فإن عدم الالتزام بأحكام الدين التي تنظم علاقة الإنسان بالغير يعرض المخالف لها لجزاءات دنيوية كالضمان عند إتلاف مال الغير أو هلاكه،وبطلان العقد غير الصحيح،أو توقيع عقوبة القصاص أو الحدود أو التعزير في حق الجاني،وهي جزاءات يتولى توقيعها القضاء( ).
أما عند مخالفة الأحكام العقائدية أو التعبدية فمن الجزاءات ما هو دنيوي وما هو مؤجل إلى يوم الآخرة.
أما الجزاء في القاعدة القانونية – كما رأينا في المحاضرات – هو دائما دنيوي.