طيب محمد عمر محام بهيئة الدار البيضاء
تطرح بعض الصعوبات العملية، عند تنفيذ مقررات مجالس هيئات المحامين، بعد تاييدها من طرف محكمة الاستئناف او تعديلها مع الابقاء على مبدا الادانة.
ومرجع هذه الصعوبات يكمن في الجواب عن السؤال التالي :
هل ان الطعن بالنقض ضد القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف يوقف تنفيذ العقوبة التي تم القضاء بها، او لا يوقفه؟
وللجواب عن هذا التساؤل لا بد من تحديد الاطار الذي تباشر فيه الدعوى التأديبية، والقول هل هي اقرب الى المسطرة الجنائية، وبالتالي فأجل النقض وكذا طلب النقض يوقفان التنفيذ، او الى المسطرة المدنية، حيث لا يجدي الطعن بالنقض في ايقاف التنفيذ، وكل ذلك بعد استعراض بعض اوجه التشابه والاختلاف بين العقوبتين التاديبية والزجرية، ومسطرة كل واحدة منهما.
* * *
اوجه التشابه بين العقوبتين
التاديبية والزجرية:
النقاش الفقهي مستفيض حول تمثيل الدعوى التاديبية بالدعوى الجنحية من جهة، وتمثيلها بالدعوى المدنية من جهة اخرى.
ويذهب القائلون بوجود التماثل في الطبيعة بين العقوبتين التاديبية والجنائية الى القول بان ما يوجد من اختلاف بين العقوبتين، انما هو مجرد اختلاف سطحي ظاهري، ناتج من كون نطاق تطبيق العقوبتين مختلف، فالعقوبة التاديبية تسري في نطاق مجتمع مصغر هو مجتمع وظيفة عامة او مهنة حرة، لان في ذلك حماية للصالح العام، والعقوبة الزجرية تسري في نطاق المجتمع ككل هدفها كذلك المحافظة على الصالح العام.
فبينما يستهدف العقاب الزجري ردع مرتكب الجرم، وارضاء الشعور الجماعي العام، واعادة التوازن اليه، نجد ان العقوبة التاديبية لا تبتعد في راي العميد " دوجي" عما سبق ذكره من اهداف، وهي زجر مرتكب المخالفة وردع غيره واعادة التوازن الى الطائفة الوظيفية او المهنية.
ومن بين الوسائل دفاع هذا الصنف من الفقهاء، القول بان كلا من السلطتين التاديبية والزجرية ملزمتان بتوقيع ما تم النص عليه من عقوبات حصرا في القانون دون غيرها.
يضاف الى ذلك مبدا وحدة العقوبة وشخصيتها، بحيث ان الجريمة الواحدة او الخطأ الواحد لا تطاله الا عقوبة واحدة، كما ان العقوبة لا تمتد الى الغير.
ثم ان كلا من الدعويين التاديبية والزجرية تستهدفان عقابا ينطوي على معنى الايلام والمساس بالشرف.
وان كلا من الدعويين التاديبية والجنحية يتحدان في الشكل والاجراءات المتبعة.
ومؤدى هذه الفكرة ان العقوبة التاديبية متجهة نحو الشكل القضائي، وهو ما يعرف بمبدا " قضائية العقوبة التاديبية"، la juridictionnalisation des peines.
فالعقوبة التاديبية مثلا في ظل قانون المحاماة يسبقها ما يسبق الدعوى الزجرية من اجراءات وضمانات، ومن ذلك اعطاء الحق للوكيل العام للملك في المطالبة بتحريك المسطرة التاديبية، ومن ذلك التحقيق في المتابعة حضوريا ( الفصل 84)، واعطاء الحق للمحامي المتابع في ان يطلع على جميع وثائق الملف، واستدعائه قبل تاريخ الجلسة بثمانية ايام بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل، وحضوره شخصيا او استعانته بمحام لمؤازرته ( الفصل 85).
وعدم صدور اية عقوبة تاديبية دون الاستماع للمحامي المتابع او استدعائه داخل الاجل المشار اليه ( الفصل 86).
ثم تبليغ المقرر التاديبي الى المحكوم عليه والى النيابة العامة ( الفصل 87).
واعطاء الوكيل العام للملك حق السهر على تنفيذ العقوبات التاديبية في جميع الاحوال (الفصل 81).
* *
اوجه الاختلاف بين العقوبتين
التاديبية والجنائية:
هناك اختلاف بين الدعويين من حيث تطبيق المبادئ القانونية العامة.
ففيما يخص مبدا قانونية العقوبات نجد ان القانون الجنائي لا يمد سلطانه الا الى افعال محددة بشكل دقيق دون غيرها، بينما في المجال التاديبي يبقى الباب مفتوحا لتحديد ما يعتبره الجهاز المسؤول عن الطائفة الوظيفية او المهنية، اخلالا بالشرف او اللياقة او النزاهة او المروءة.
وبخصوص مبدا التناسب بين الجريمة والعقوبة نجد في المجال الزجري تحديدا للجرائم والعقوبات المقابلة لها، أي ان هناك مبدا الشرعية فيما يتعلق بالجريمة والعقوبة على حد سواء، بينما الامر على العكس من ذلك في المجال التاديبي، اذ العقوبات محددة قانونا، الا ان تحديدها غير مقرون بافعال معينة تطالها تلك العقوبات.
لذلك، فان الدعوى الزجرية تستهدف عقاب جريمة متوافرة الاركان، فلا عقاب ما لم يتحقق ذلك، اما العقوبة التاديبية فتستهدف سلوكا معينا وعدم مراعاة لقواعد وتنظيمات مهنية معينة.
ان العقوبة الزجرية تستهدف حرية المحكوم عليه او ماله، والامر على العكس من ذلك في الدعوى التاديبية التي تستهدف ضمان حسن سير الهيئة بانتظام وتوازن، بانذار او توبيخ او ايقاف من يخل بذلك الانتظام والتوازن، او التشطيب عليه، او حرمانه من الصفة الشرفية.
وهناك فارق آخر يتجلى في اختلاف السلطة الموقعة للعقوبة، فبينما تختص بتوقيع الجزاء التاديبي سلطات متعددة، هي مجلس الهيئة مثلا، ومحاكم الاستيناف في نطاق جرائم الجلسات، وكدرجة ثانية للبت في مقررات مجالس الهيئات، نجد ان الجزاء الزجري لا تختص بايقاعه الا المحاكم الجنحية وحدها وفقا لاجراءات محددة في قانون المسطرة الجنائية.
يضاف الى ذلك ان العقوبة التاديبية يمكن الحكم بها ولو لم يتصف الفعل باي وصف جنائي، او قررت السلطة القضائية المختصة حفظ ملف القضية او أبرأت المحكمة الزجرية ساحة المتابع.
والقاعدة القائلة بان الشك يفسر لمصلحة المتهم في المجال الزجري لا تجد تطبيقا لها في الميدان التاديبي، اذ الشك نفسه هو اساس توقيع العقاب التاديبي.
ان المحاكمات الزجرية كقاعدة عامة لا بد ان تتم بصورة علنية، بينما المحاكمات التاديبية لا تتم الا في اطار السرية سواء امام مجالس التاديب او امام القضاء.
* *
اوجه الاختلاف من حيث المسطرة المطبقة:
ان المتفق عليه في الفقه الحديث ان نظام التاديب ليس فرعا من قانون العقوبات ولا من مشتقاته، بل انه جزء من القانون الاداري، وبالتالي تطبق عليه المسطرة المدنية وحدها دون المسطرة الجنائية، او كما يقول الاستاذ جارسون، ان العقوبات التاديبية بطبيعتها لا تعتبر من العقوبات الزجرية، بقدر ما هي وسائل ضمان النظام الداخلي لهيئة من الهيئات، ولحماية المصلحة العامة والسلطة المعنوية للطوائف الوظيفية والمهنية المختلفة (مذكرات في القانون الجنائي طبعه1901، الفقرات 1 و11).
ولتاكيد ذلك على الواقع العملي نبدي الملاحظات الموجزة الاتي بيانها :
ان القانون الصادر بتاريخ 5/6/1979 المنظم لنقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة لم يرد فيه نص صريح خاص على تبني المسطرة الجنائية او المسطرة المدنية.
وتطبيقا لمقتضيات الفصل الثالث من الظهير الشريف بمثابة القانون الصادر بتاريخ 28/9/1974 للمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، فان مقتضيات قانون المسطرة المدنية تطبق في القضايا التي تنظمها نصوص تشريعية وتنظيمية خاصة اذا لم يرد في هذه القوانين نص صريح خاص بها.
ان الدعوى العمومية التي تحكمها قواعد المسطرة الجنائية الغرض منها المصلحة العامة للمجتمع، ويقيمها ويتابعها رجال القضاء، او الموظفون المعهود اليهم بها بمقتضى القانون، ويمكن للمتضرر نفسه ان يقيمها.
اما الدعوى التاديبية التي تحكمها قواعد المسطرة المدنية فتستهدف اساسا مصلحة هيئة او طائفة مهنية معينة كمهنة المحاماة التي هي مهنة حرة ومستقلة، ولا تقدم المتابعة الا لمجلس الهيئة وحده.
ان الطعن في مقررات مجلس الهيئة تقدم بمقال يوضع بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف ( الفصل 119).
بينما الطعون المنظمة بموجب ظهير المسطرة الجنائية تقدم كلها بتصريح شفوي الى كتابة الضبط ( الفصول 373،385، 406، 426، 577 من قانون المسطرة الجنائية).
ان الجلسات الجنحية لا بد ان تنعقد في اطار العلانية ولا تنعقد سريا الا استثناءا وفي حالات خاصة.
بينما مجلس الهيئة يبت تاديبيا في اطار السرية، ومحكمة الاستئناف تبت بغرفة المشورة مكونة من خمسة قضاة وفي اطار السرية ايضا.
ان الطعن بالنقض الذي يمارسه الوكيل العام للملك والمحامي المتضرر وكذا النقيب يقدم وفقا للشروط والقواعد والاجال العادية.
وما هذه الشروط والقواعد والاجال العادية الا محددة في المسطرة العادية التي هي المسطرة المدنية، لان الطعن بالنقض لا يقدم بتصريح طبقا للفصل 577 من ظهير المسطرة الجنائية، بل يقدم بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من طرف محام مقبول للترافع امام المجلس الاعلى طبقا لمقتضيات الفصل354 من قانون المسطرة المدنية.
والمقال المكتوب ترفق به نسخة الحكم النهائي تحت طائلة عدم القبول، خلافا لما عليه الحال في المسطرة الجنائية.
والوجيبة القضائية المؤداة ليست هي 200 درهم طبقا لمقتضيات الفصل 581 من ظهير المسطرة الجنائية، بل هي الوجيبة المنصوص عليها في المرسوم المتعلق بالصوائر والوجيبة القضائية في المادتين المدنية والتجارية.
واجل رفع عريضة الطعن بالنقض هو ثلاثون يوما ابتداء من يوم تبليغ الحكم المطعون فيه لا ثمانية ايام كما تقضي بذلك احكام الفصل 578 من ظهير المسطرة الجنائية، او عشرين يوما ابتداء من تاريخ التصريح طبقا لمقتضيات الفصل 579 من القانون نفسه.
ان التعديل الذي ادخل على المسطرة الجنائية بظهير18/9/1962 اصبح معه الاثر الواقف للاستئناف مقيدا، فالفصول 384، 406، 425 تقضي بان الاستئناف يوقف تنفيذ الحكم ما لم يقرر القاضي خلاف ذلك بناء على طلبات النيابة العامة، فتكون الاحكام الجنائية تاسيسا على ذلك قابلة للتنفيذ المؤقت عندما تامر به المحكمة بناء على طلبات النيابة العامة.
في حين ان هذا الحق ليس مخولا لمجلس الهيئة مثلا، الذي لا يمكنه ان يامر بالتنفيذ المؤقت لقراراته التي يوقف تنفيذها اجل الاستئناف والاستئناف نفسه تطبيقا لمقتضيات الفصل 134 من ظهير المسطرة المدنية، اللهم ما كان من الاستثناء المنصوص عليه في الفصل 78 من القانون المنظم للمهنة، حيث يمكن لمجالس الهيئات، وفي حالة الضرورة القصوى، ان تصدر مقررا معللا باسباب، لمنع كل محام من مزاولة المهنة بصفة مؤقتة، عند فتح متابعة جنائية ضده لاسباب مهنية، للحفاظ على مصالح الزبناء المتضررين، وذلك اما تلقائيا، او بطلب من النقيب او الوكيل العام للملك، وشريطة اتخاذ المقرر بالاغلبية المطلقة لاعضاء المجلس، مع تطبيق الشروط ذاتها لوضع حد لذلك المنع المؤقت، تلقائيا او بطلب من المعني بالامر.
ان المجلس الاعلى لم يسبق له نهائيا ان بت في طلب نقض يتعلق بالتأديب من طرف الغرفة الجنائية، بل من طرف الغرفة المدنية او الادارية.
* *
واخيرا واعتبارا لكون النقاش المسطر اعلاه، ينصب بالاساس على مقتضيات الفصل 77 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، فيمكن تلخيص تأويله بالقول بان المقرر القاضي بالايقاف او بالتشطيب يصبح قابلا للتنفيذ بمجرد مرور ثمانية ايام كاملة على تبليغه تبليغا قانونيا للمعني بالامر بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل اليه شخصيا او في مكتبه او في المكتب الذي يمارس فيه بصفته مساعدا او متمرنا، او الى مقر سكناه، ودون ان يطعن فيه، وبمجرد تبليغه قرار محكمة الاستئناف المؤيد او المعدل للمقرر المتخذ ابتدائيا، ما لم يستصدر المعني بالامر قرارا من المجلس الاعلى بايقاف التنفيذ طبقا لمقتضيات الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية.
هذا، واعتقد ان منع تقييد المحامي الموقوف او المشطب عليه بالجدول او بلائحة التمرين لنقابة اخرى، ليس موقوفا على صيرورة المقرر قابلا للتنفيذ، بل ان ذلك المنع يسري حتى قبل ذلك، لاننا سنكون امام احدى فرضيتين، اما صدور مقرر وصيرورته نهائيا نتيجة عدم الطعن فيه، واما صدوره مع الطعن فيه. وفي هذه الحالة يبقى امام النقابة المقدم اليها طلب التسجيل بالجدول او باللائحة اما ان تقرر الرفض قبل صدور قرار محكمة الاستئناف، واما ان تنتظر صدوره تلافيا لاتخاذ مقرر قد يكون مخالفا للفقرة الاخيرة من الفصل 77 وقفا على قرار محكمة الاستئناف المنتظر صدوره. والنتيجة في الفرضيتين معا واحدة، وهي عدم امكانية تقييد المحامي الموقوف او المشطب عليه بجدول نقابة اخرى او بلائحة التمرين.
* * *
وفي الختام ارى لزاما القول بان تدخل المشرع لاعطاء مجالس الهيئات حق جعل قراراتها مشمولة بالنفاذ المعجل، كما فعل القانون الفرنسي المنظم لمهنة المحاماة، والصادر بتاريخ 9/6/1972 ( الفصلين 124 و125)، سيكون فيه علاج لبعض الوضعيات الخاصة، وضمان لحسن سير المهنة وللصالح العام، مع تقييد هذا الحق بالنص على ضرورة توافر شروط خاصة، كحالة الضرورة القصوى، واتخاذ مقرر معلل باسباب، وصدوره عن الاغلبية المطلقة لاعضاء المجلس.
الأستاذ طيب محمد عمر
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 38، ص 45.