التسول "ظاهرة" تنتعش بالمناسبات الدينية
"لله يا محسنين".. جملة ضمن قاموس معروف، تتردد مفرداته على مسامعنا كثيراً في الطرقات، والميادين. كما تتردد بصفة خاصة أمام "المساجد" وتزداد في "المناسبات الدينية".. يوم الجمعة، في عيدي الفطر والأضحى، وطوال شهر رمضان... إلخ، إنه "قاموس الشحاذين".
وقد أصبحت "الشحاذة"، ظاهرة مزعجة للغاية، في العديد من الدول العربية، والأكثر إزعاجا هو استغلال هؤلاء الشحاذين للدين في التأثير على الناس، وخاصة في المناسبات الدينية مثل رمضان، حيث التعبد وحرص المسلمين على التقرب إلى الله، وبسط أيديهم في الصدقات، وخاصة أن نهاية شهر رمضان يتزامن مع إخراج زكاة الفطر، فضلاً عن حرص الكثير من الأغنياء على إخراج زكواتهم -الفريضة- قبيل نهاية شهر رمضان.
وفي محاولة منهم لامتلاك أدوات التأثير المطلوبة، لربط حالهم بمقتضيات الشهر الكريم من التعاطف والتراحم، يحفظ الشحاذون بعض آيات القرآن، والأحاديث المحرضة على التصدق والإنفاق في سبيل الله، فضلا عن الأدعية التي يكررونها لاستجلاب عطف الناس، وربما ارتدت الشحاذة ملابس ظاهرها التدين والحشمة كالحجاب أو النقاب، وقد يطلق أحدهم لحيته.
فيؤثر الشحاذون بأدائهم الدرامي في المسلمين، ويأخذون أموال الصدقات والزكاة بالباطل، حيث يدعي عدد غير قليل منهم الفقر والحاجة، وهنا يأتي دور المسلم في اختيار من يعطهم الصدقات وأموال الزكاة، لكي يحسن استثمارها في دعم فقراء المسلمين المتعففين.
نصف مليون متسول!
لم يعد التسول في المغرب لسد الرمق، وإنما أصبح ظاهرة واحترافاً، لما يدره من مداخيل في واقع تفشى فيه الفقر والبطالة والأمية. ومع اقتراب المناسبات الدينية لا يكاد زقاق أو باب مسجد يخلو من أيادي تمتد تطالب الناس بالصدقة، مستخدمة عدة أساليب وعبارات للاستعطاف.
ورغم أن الدولة المغربية تنفق سنويا 37.6 مليون درهم في مكافحة التسول والإقصاء الاجتماعي؛ فإن نسبة الأشخاص الذين يتعاطون للتسول بشكل دائم أو موسمي تقدر بـ 500 ألف شخص.
قد يصل متوسط دخل المتسول في اليوم ما بين 50 درهما و100 درهم، وتعتبر المساجد المكان الإستراتيجي لممارسة التسول؛ لأن قلب المصلي يكون لحظتها قد رق وخشع؛ وبالتالي فإنه يكون أقرب للتصدق، وفعل الخير بكل سخاء.
ويستخدم الشحاذ في ذلك عبارات تخاطب العاطفة بقوة واحترافية بالغة في كثير من الحالات، إلى جانب نوعية اللباس، وأحيانا بعضهم يرفق معه أطفال صغارا ورضعا للاستعطاف.
ويعد الفقر من العوامل الرئيسية التي تدفع إلى تعاطي التسول، وتليها المشاكل الاجتماعية المترتبة بالدرجة الأولى على الزواج (الطلاق، الإهمال، السجن..) وعن المرض أو وفاة الآباء أو سوء المعاملة، إلى جانب العوامل الثقافية المتمثلة في التعود على التسول أو الانتماء إلى عائلة تحترف التسول.
بعض هؤلاء المتسولين غير راضين عن أوضاعهم، فقد دفعتهم ظروف قاهرة لمد اليد، مما ولد لديهم الشعور بالإهانة والدونية والاستياء، أحيانا تترجم إلى سلوكيات عدوانية وانتقامية. ولذلك فإن شعور الناس تجاه المتسولين يختلف من شخص لآخر، ما بين الشفقة أو التقزز والاشمئزاز أو الضغينة والحقد.
وقبل عيد الفطر، تبدأ عدد من العائلات الفقيرة والمتسولين بطرق أبواب الناس للتوصية بترك "الفْطْرَة" – زكاة الفطر- لهم، وليلة العيد وصبيحته، تبدأ رحلة جمع الزكاة يقوم بها نساء ورجال ومسنون وأطفال.
فيما يفضل بعض الميسورين من أصحاب المحلات التجارية أو المصانع والشركات إعطاء زكاة الفطر إلى المتسولين، الذين يصطفون في طابور طويل انتظارا لدورهم، فإن أناسا آخرين يعطون "الفطرة" إلى أقاربهم الفقراء، حتى لو اقتضى الأمر أن يكونوا بمدينة أخرى.
ظاهرة احترافية
ومثلما هو الحال في المغرب، بل ويزيد، تنتشر ظاهرة التسول في الطرق والميادين وأمام المساجد وخاصة الكبرى منها (الأزهر، الحسين، السيدة زينب، السيد البدوي...)، كما تبدو واضحة في مواقف السيارات، ومحطات القطارات، وعند مداخل ومخارج محطات مترو الأنفاق، حتى ليبدو لك أن المسألة قد أضحت احترافاً ترعاه شخصيات وربما جهات!.
وتشتكي من هذه الظاهرة في مصر، عفاف محمد – موظفة- قائلة: "لا تخلو الشوارع خلال الشهر الكريم، ممن يمدون أيديهم بالسؤال، لدرجة أنني قررت ذات يوم عدم الخروج من بيتي، وأخذ إجازة من العمل، للاحتجاب عنهم ولو ليوم، ففوجئت بأحدهم يطرق بيتي بعد صلاة العصر!".
ويرفض محمد علي – مدرس- إعطاء المتسولين أي جزء من أموال الزكاة، مبررا ذلك بقوله: "أعتقد أن من يقومون بالتسول في رمضان، يحاولون استغلال العاطفة الدينية لدى المسلم في هذا الشهر لاستنزاف ماله، أو للحصول على جزء من الزكاة في حين أنهم قد لا يستحقونها؛ لذا رأيت أن أفضل وسيلة لمقاومة هذه الظاهرة، ألا أعطي من يتسولون في الشوارع أي مال، وأن أكتفي بمن أعرفهم من الفقراء والمعوزين الذين لا يسألون الناس إلحافا".
توظيف الطب والدين!
ويقص لنا ياسر البنا – صحفي فلسطيني- واقع الشحاذة في أرجاء فلسطين، ومدى استغلال الشحاذين للدين: "يتمثل استغلال وتوظيف الدين في سيل من الدعوات الدينية المصحوبة بالمواقف الدرامية، مثل: "الله يبارك فيك، الله يسترك، الله يحفظ شبابك".. وقد يحفظ المتسول آية أو حديثا نبويا يلقيه على مسامع السيارة، على شاكلة: "الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
ويضيف البنا: "المجتمع الفلسطيني صغير ومكشوف، لذا يذهب الشحاذ إلى الأماكن التي لا يعرفه فيها أحد، وهناك عدة طرق للشحاذة، من بينها أن يقف الرجل أمام المسجد عقب الصلاة مباشرة، ويلقى خطبة عصماء أمام الناس، ويتباكى: "يا جماعة عندي 12 نفر، وأريد إطعامهم، ولدي ثقب في القلب، وعندي السكري والضغط" ثم يقدم في نهاية عرضه الدرامي شهادات طبية تؤكد ادعاءاته.
وقد تقف امرأة على باب المسجد، بطريقة بدائية تقليدية، وتقول: "اعملها يا مسلم، لا يوقف لك ولية زيّ".. وتحمل بين يديها طفلا رضيعا أو معوقا لاستعطاف الناس.
وهناك طريقة ثالثة، وهي اللف على المنازل "حيث تدق المرأة الباب صباحا، حتى تضمن أن الرجل في الخارج، وتنفرد بالزوجة صاحبة المنزل، ثم تشرع في البكاء والكذب والدجل، وترفض الخروج حتى تعطيها المرأة أي شيء!!".
الجمعيات والمساجد أضمن
وعن طريقة إخراج زكاة الفطر في فلسطين وتقديمها، فإنها تختلف من شخص إلى لآخر، ويرغب العديد من الفلسطينيين عن إعطاء الشحاذين زكاة الفطر، وينفقون أموالهم في مصارف أخرى أحوج إليها.
يذكر الحاج أبو أحمد عبد العال أنه قام بإعطاء زكاة الفطر إلى إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية، ويعلق قائلاً: "أردت أن أضمن أن الصدقات تصل بالفعل إلى الفقراء والمساكين بشكل سليم وصحيح، فتوجهت إلى هذه الجمعية وسلمتهم الصدقات بقلب مطمئن".
أما دعاء عاشور – مشرفة بمسجد اليرموك بغزة- فقالت: إن المسجد يحث النساء على التبرع بزكاة الفطر هذا العام للأيتام، وقالت: "شاهدنا إقبالا شديدا من الفتيات والنساء لتقديم صدقات الفطر للأيتام، وربما ذلك يعود؛ لأنهن لا يعرفن بشكل مباشر أحد الأيتام فنسهل نحن عليهم هذه المهمة".
وتتفق "أم محمد حجازي" -مشرفة- مع دعاء فيما ذهبت إليه من أن المساجد تسهل المهمة على المواطنين، وتضيف: "كنت أرغب في تقديم صدقات الفطر إلى الأيتام، ولكن في الحي الذي أسكنه لا يوجد أيتام فجاء إعلان المسجد فحل لنا المشكلة، فالمساجد تمتاز بأن المشرفين والعاملين بها يعرفون أكثر من المواطن العادي: من هم الفقراء والمساكين والأيتام".
"الأقربون أولى بالمعروف" انطلاقاً من هذا الشعار أخرج "أبو خالد" زكاة الفطر، مشيرا: "لي قريب عاطل عن العمل وحالته المعيشية سيئة جدًّا هو أحق بالصدقة من غيره". كثير من الناس يحذون حذو "أبو خالد" فالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، جعلت في كل حي وفي كل شارع عشرات المساكين والفقراء ممن يطرقون باب السؤال!!
الإسلام يرفض التسول
يشير د. عزت عطية -أستاذ الحديث بجامعة الزهر الشريف أطراف الحديث- إلى رفض الإسلام للتسول؛ حيث افترض على الأغنياء الزكاة والصدقات، لرعاية الفقراء ورعايتهم، مشيراً إلى أن "الواقع المخالف للشريعة، أتى بهؤلاء الذين احترفوا مهنة التسول، وقد توعد الرسول من يتسول دون حاجة بنزع لحم وجهه يوم القيامة".
ويوضح د. عطية "أن أموال الصدقة والزكاة نعطيها للمحتاجين حتى لو كانوا متسولين، ولكن من يمتهنون الشحاذة يجب ألا نشجعهم على أكل أموال الناس بالباطل، فلا بد من تنظيم العلاقة بين الفقراء والأغنياء".
ويوصي د. عطية بنشر الوعي الإيماني لدى الفقراء، حتى لا يلحوا في سؤال الناس، ولكن نوجههم إلى أهمية التعفف والاجتهاد في طلب الرزق، والابتهال إلى الله، مشيراً إلى أن: "التسول ينافي الإيمان".
"لله يا محسنين".. جملة ضمن قاموس معروف، تتردد مفرداته على مسامعنا كثيراً في الطرقات، والميادين. كما تتردد بصفة خاصة أمام "المساجد" وتزداد في "المناسبات الدينية".. يوم الجمعة، في عيدي الفطر والأضحى، وطوال شهر رمضان... إلخ، إنه "قاموس الشحاذين".
وقد أصبحت "الشحاذة"، ظاهرة مزعجة للغاية، في العديد من الدول العربية، والأكثر إزعاجا هو استغلال هؤلاء الشحاذين للدين في التأثير على الناس، وخاصة في المناسبات الدينية مثل رمضان، حيث التعبد وحرص المسلمين على التقرب إلى الله، وبسط أيديهم في الصدقات، وخاصة أن نهاية شهر رمضان يتزامن مع إخراج زكاة الفطر، فضلاً عن حرص الكثير من الأغنياء على إخراج زكواتهم -الفريضة- قبيل نهاية شهر رمضان.
وفي محاولة منهم لامتلاك أدوات التأثير المطلوبة، لربط حالهم بمقتضيات الشهر الكريم من التعاطف والتراحم، يحفظ الشحاذون بعض آيات القرآن، والأحاديث المحرضة على التصدق والإنفاق في سبيل الله، فضلا عن الأدعية التي يكررونها لاستجلاب عطف الناس، وربما ارتدت الشحاذة ملابس ظاهرها التدين والحشمة كالحجاب أو النقاب، وقد يطلق أحدهم لحيته.
فيؤثر الشحاذون بأدائهم الدرامي في المسلمين، ويأخذون أموال الصدقات والزكاة بالباطل، حيث يدعي عدد غير قليل منهم الفقر والحاجة، وهنا يأتي دور المسلم في اختيار من يعطهم الصدقات وأموال الزكاة، لكي يحسن استثمارها في دعم فقراء المسلمين المتعففين.
نصف مليون متسول!
لم يعد التسول في المغرب لسد الرمق، وإنما أصبح ظاهرة واحترافاً، لما يدره من مداخيل في واقع تفشى فيه الفقر والبطالة والأمية. ومع اقتراب المناسبات الدينية لا يكاد زقاق أو باب مسجد يخلو من أيادي تمتد تطالب الناس بالصدقة، مستخدمة عدة أساليب وعبارات للاستعطاف.
ورغم أن الدولة المغربية تنفق سنويا 37.6 مليون درهم في مكافحة التسول والإقصاء الاجتماعي؛ فإن نسبة الأشخاص الذين يتعاطون للتسول بشكل دائم أو موسمي تقدر بـ 500 ألف شخص.
قد يصل متوسط دخل المتسول في اليوم ما بين 50 درهما و100 درهم، وتعتبر المساجد المكان الإستراتيجي لممارسة التسول؛ لأن قلب المصلي يكون لحظتها قد رق وخشع؛ وبالتالي فإنه يكون أقرب للتصدق، وفعل الخير بكل سخاء.
ويستخدم الشحاذ في ذلك عبارات تخاطب العاطفة بقوة واحترافية بالغة في كثير من الحالات، إلى جانب نوعية اللباس، وأحيانا بعضهم يرفق معه أطفال صغارا ورضعا للاستعطاف.
ويعد الفقر من العوامل الرئيسية التي تدفع إلى تعاطي التسول، وتليها المشاكل الاجتماعية المترتبة بالدرجة الأولى على الزواج (الطلاق، الإهمال، السجن..) وعن المرض أو وفاة الآباء أو سوء المعاملة، إلى جانب العوامل الثقافية المتمثلة في التعود على التسول أو الانتماء إلى عائلة تحترف التسول.
بعض هؤلاء المتسولين غير راضين عن أوضاعهم، فقد دفعتهم ظروف قاهرة لمد اليد، مما ولد لديهم الشعور بالإهانة والدونية والاستياء، أحيانا تترجم إلى سلوكيات عدوانية وانتقامية. ولذلك فإن شعور الناس تجاه المتسولين يختلف من شخص لآخر، ما بين الشفقة أو التقزز والاشمئزاز أو الضغينة والحقد.
وقبل عيد الفطر، تبدأ عدد من العائلات الفقيرة والمتسولين بطرق أبواب الناس للتوصية بترك "الفْطْرَة" – زكاة الفطر- لهم، وليلة العيد وصبيحته، تبدأ رحلة جمع الزكاة يقوم بها نساء ورجال ومسنون وأطفال.
فيما يفضل بعض الميسورين من أصحاب المحلات التجارية أو المصانع والشركات إعطاء زكاة الفطر إلى المتسولين، الذين يصطفون في طابور طويل انتظارا لدورهم، فإن أناسا آخرين يعطون "الفطرة" إلى أقاربهم الفقراء، حتى لو اقتضى الأمر أن يكونوا بمدينة أخرى.
ظاهرة احترافية
ومثلما هو الحال في المغرب، بل ويزيد، تنتشر ظاهرة التسول في الطرق والميادين وأمام المساجد وخاصة الكبرى منها (الأزهر، الحسين، السيدة زينب، السيد البدوي...)، كما تبدو واضحة في مواقف السيارات، ومحطات القطارات، وعند مداخل ومخارج محطات مترو الأنفاق، حتى ليبدو لك أن المسألة قد أضحت احترافاً ترعاه شخصيات وربما جهات!.
وتشتكي من هذه الظاهرة في مصر، عفاف محمد – موظفة- قائلة: "لا تخلو الشوارع خلال الشهر الكريم، ممن يمدون أيديهم بالسؤال، لدرجة أنني قررت ذات يوم عدم الخروج من بيتي، وأخذ إجازة من العمل، للاحتجاب عنهم ولو ليوم، ففوجئت بأحدهم يطرق بيتي بعد صلاة العصر!".
ويرفض محمد علي – مدرس- إعطاء المتسولين أي جزء من أموال الزكاة، مبررا ذلك بقوله: "أعتقد أن من يقومون بالتسول في رمضان، يحاولون استغلال العاطفة الدينية لدى المسلم في هذا الشهر لاستنزاف ماله، أو للحصول على جزء من الزكاة في حين أنهم قد لا يستحقونها؛ لذا رأيت أن أفضل وسيلة لمقاومة هذه الظاهرة، ألا أعطي من يتسولون في الشوارع أي مال، وأن أكتفي بمن أعرفهم من الفقراء والمعوزين الذين لا يسألون الناس إلحافا".
توظيف الطب والدين!
ويقص لنا ياسر البنا – صحفي فلسطيني- واقع الشحاذة في أرجاء فلسطين، ومدى استغلال الشحاذين للدين: "يتمثل استغلال وتوظيف الدين في سيل من الدعوات الدينية المصحوبة بالمواقف الدرامية، مثل: "الله يبارك فيك، الله يسترك، الله يحفظ شبابك".. وقد يحفظ المتسول آية أو حديثا نبويا يلقيه على مسامع السيارة، على شاكلة: "الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
ويضيف البنا: "المجتمع الفلسطيني صغير ومكشوف، لذا يذهب الشحاذ إلى الأماكن التي لا يعرفه فيها أحد، وهناك عدة طرق للشحاذة، من بينها أن يقف الرجل أمام المسجد عقب الصلاة مباشرة، ويلقى خطبة عصماء أمام الناس، ويتباكى: "يا جماعة عندي 12 نفر، وأريد إطعامهم، ولدي ثقب في القلب، وعندي السكري والضغط" ثم يقدم في نهاية عرضه الدرامي شهادات طبية تؤكد ادعاءاته.
وقد تقف امرأة على باب المسجد، بطريقة بدائية تقليدية، وتقول: "اعملها يا مسلم، لا يوقف لك ولية زيّ".. وتحمل بين يديها طفلا رضيعا أو معوقا لاستعطاف الناس.
وهناك طريقة ثالثة، وهي اللف على المنازل "حيث تدق المرأة الباب صباحا، حتى تضمن أن الرجل في الخارج، وتنفرد بالزوجة صاحبة المنزل، ثم تشرع في البكاء والكذب والدجل، وترفض الخروج حتى تعطيها المرأة أي شيء!!".
الجمعيات والمساجد أضمن
وعن طريقة إخراج زكاة الفطر في فلسطين وتقديمها، فإنها تختلف من شخص إلى لآخر، ويرغب العديد من الفلسطينيين عن إعطاء الشحاذين زكاة الفطر، وينفقون أموالهم في مصارف أخرى أحوج إليها.
يذكر الحاج أبو أحمد عبد العال أنه قام بإعطاء زكاة الفطر إلى إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية، ويعلق قائلاً: "أردت أن أضمن أن الصدقات تصل بالفعل إلى الفقراء والمساكين بشكل سليم وصحيح، فتوجهت إلى هذه الجمعية وسلمتهم الصدقات بقلب مطمئن".
أما دعاء عاشور – مشرفة بمسجد اليرموك بغزة- فقالت: إن المسجد يحث النساء على التبرع بزكاة الفطر هذا العام للأيتام، وقالت: "شاهدنا إقبالا شديدا من الفتيات والنساء لتقديم صدقات الفطر للأيتام، وربما ذلك يعود؛ لأنهن لا يعرفن بشكل مباشر أحد الأيتام فنسهل نحن عليهم هذه المهمة".
وتتفق "أم محمد حجازي" -مشرفة- مع دعاء فيما ذهبت إليه من أن المساجد تسهل المهمة على المواطنين، وتضيف: "كنت أرغب في تقديم صدقات الفطر إلى الأيتام، ولكن في الحي الذي أسكنه لا يوجد أيتام فجاء إعلان المسجد فحل لنا المشكلة، فالمساجد تمتاز بأن المشرفين والعاملين بها يعرفون أكثر من المواطن العادي: من هم الفقراء والمساكين والأيتام".
"الأقربون أولى بالمعروف" انطلاقاً من هذا الشعار أخرج "أبو خالد" زكاة الفطر، مشيرا: "لي قريب عاطل عن العمل وحالته المعيشية سيئة جدًّا هو أحق بالصدقة من غيره". كثير من الناس يحذون حذو "أبو خالد" فالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، جعلت في كل حي وفي كل شارع عشرات المساكين والفقراء ممن يطرقون باب السؤال!!
الإسلام يرفض التسول
يشير د. عزت عطية -أستاذ الحديث بجامعة الزهر الشريف أطراف الحديث- إلى رفض الإسلام للتسول؛ حيث افترض على الأغنياء الزكاة والصدقات، لرعاية الفقراء ورعايتهم، مشيراً إلى أن "الواقع المخالف للشريعة، أتى بهؤلاء الذين احترفوا مهنة التسول، وقد توعد الرسول من يتسول دون حاجة بنزع لحم وجهه يوم القيامة".
ويوضح د. عطية "أن أموال الصدقة والزكاة نعطيها للمحتاجين حتى لو كانوا متسولين، ولكن من يمتهنون الشحاذة يجب ألا نشجعهم على أكل أموال الناس بالباطل، فلا بد من تنظيم العلاقة بين الفقراء والأغنياء".
ويوصي د. عطية بنشر الوعي الإيماني لدى الفقراء، حتى لا يلحوا في سؤال الناس، ولكن نوجههم إلى أهمية التعفف والاجتهاد في طلب الرزق، والابتهال إلى الله، مشيراً إلى أن: "التسول ينافي الإيمان".