نظرا للمفهوم الضيق والخطير الذي تعتمد عليه النيابة العامة ومصالحها لمفهوم قرينة البراءة كأصل وقيمة دستورية كبيرة، وكمفهوم متفق عليه دوليا، واعتبار لتأججات الفقهية والاجتماعية حول الموضوع( ) ووعيا من المشرع بخطورة هذا الجهاز الذي يمثل اليد الغاشمة لمقتضيات السياسة الجنائية( ) عمد المشرع إلى الحد وإضعاف من صلاحيات هذا الجهاز عن طريق جعل التحقيق الإعدادي في الجنايات وبعض الجنح من اختصاص قاضي التحقيق لما تمثله من خطورة على المتهم، وتحقيق لمفهوم العدالة الجنائية، والسير على التطور الذي يعرفه العالم في تحقيق حقوق الإنسان.
بالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية وبمجرد ذكر التحقيق الإعدادي يبادر للذهن مباشرة قاضي التحقيق، وهذا يعني أن هناك علاقة وثيقة ومباشرة بين التحقيق الإعدادي وقاضي التحقيق ولا غرابة في ذلك.
فقاضي التحقيق هي الجهة الأم والأصلية التي أوكل إليها المشرع مهمة إنجاز التحقيق الإعدادي والقيام بمهامه وأعبائه.
ويعتبر قاضي التحقيق من القضاة الجالسين وهو الساهر الأول على إنجاز التحقيق الإعدادي بحيث قال فيه الأستاذ بير دوفي المحامي العام بمحكمة الاستئناف بالرباط في ندوة وزارة العدل المنعقدة بتاريخ 20 أبريل 1959 بأن «هذا الرجل الذي يملك سلطات واسعة ويتصرف في حرية المواطنين وشرفهم يباشر مهمته ضمن شبكة القوانين العسيرة حيث ينبغي له أن يستعمل عمله وخبرته، لكن في نهاية الأمر إنما هي صفاته الأخلاقية وضميره وفضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقة»( ).
ويعتبر إبقاء المشرع بل وتطوير هذه المؤسسة( ) من المكتسبات المهمة التي رسختها مدونة مسطرة الجنائية الجديدة لما توفره من ضمانات قانونية للمتهم والمجتمع على حد سواء، مما يتعين عليها الوصول إلى حقيقة في مجال لا يخلو من تعقيد واستنكار للخروقات التي تقوم بها النيابة العامة.
وبالرجوع إلى المادة 52 من ق م ج نستشف أن المشرع المغربي تبنى ثنائية التحقيق وذلك لجعل التحقيق على مستوى المحاكم الابتدائية بالإضافة إلى تواجده بمحاكم الاستئناف دعامة لتحقيق العدالة الجنائية وإصلاح مفهوم البراءة لدى النيابة العامة من جهة وأسوة ببعض التشريعات المقارنة كالتشريع المصري وذلك من خلال المادة 64 من قانون الإجراءات الجنائية المصرية التي نصت على أنه «إذا أرادت النيابة العامة في مواد الجنايات والجنح أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق أكثر ملاءمة بالنظر إلى ظروفها الخاصة بأن لها في أية حالة كانت عليها الدعوى أن تخابر رئيس المحكمة الابتدائية وهو يندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة هذا التحقيق”.
ويجوز للمتهم أو للمدعى بالحقوق المدنية أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية إصدار قرار بهذا الندب ويصدر رئيس المحكمة هذا القرار إذا تحققت الأسباب المبينة بالفقرة السابقة بعد سماع أقوال النيابة العامة ويكون قراره غير قابل للطعن وتستمر النيابة العامة في التحقيق حتى يباشرها القاضي المندوب في حالة صدور قرار بذلك( ).
ومن الأسباب الرئيسية التي دفعت بالمشرع المغربي إلى إعادة النظر في تنظيم وتقسيم مؤسسة قاضي التحقيق الانتقادات الخطيرة التي وجهت للنيابة العامة في تحديدها للسياسة الجنائية من جهة والتحول والتطور العميق الذي شهده المغرب خلال السنوات الأخيرة من أجل إصلاح السياسة الجنائية لما يخدم حقوق الإنسان وحفظ كرامة المتهم أثناء التحقيق الإعدادي عن طريق توفر كل الضمانات القانونية في هذه المرحلة وتركيز سيادة دولة الحق والقانون وكذا نتيجة لدخوله عتبة القرن الواحد والعشرين الذي تكتسحه عولمة الاقتصاد وعالمية القانون الجنائي.
وقد أكد هذا التوجه المغفور له صاحب الجلالة الحسن الثاني عند استقباله لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 24 أبريل 1995 وذلك بقوله «إن المغرب إذا أراد أن ينفتح على العالم يجب أن يكون كذلك قضاؤه متفتحا وفي مستوى قضاء العالم لأنه لا يمكن ذلك الحال الأجنبي عارفا أنه في مأمن الشطط وسوء الفهم، فالقضاء اليوم لم يصبح فقط أساسا لطمأنينة الرعية والمجتمع بل أصبح ضروريا للنماء».
إلا أنه إذا كان المشرع قد راهن على مسطرة التحقيق الإعدادي عن طريق توفير كل الضمانات التي انتهكت أمام النيابة العامة، وكانت موضوع السخط داخل الفقه، كعدم التسرع بإحالة المتهم على جلسات الحكم والمحاكمة على ما تم تضمينه في محاضر الضابطة القضائية والله وحده يعلم كيف وبأي وسيلة وبأية نية ضمن من طرف الضابطة القضائية( ). ولا يسعنا إلا التنويه باختيارات المشرع بالعودة إلى الوضع السابق عن ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 وذلك من خلال النص على مبدأ ثنائية التحقيق على مستوى المحاكم الابتدائية وكدا محاكم الاستئناف كإجراء مسطري على قدر كبير من الأهمية يسبق إجراء إحالة الملف على هيئة الحكم.
وخاصة التأكيد على مبدأ محاكمة المتهم بناء على تحقيقات معمقة وذلك عوض محاكمة بناء على محاضر الشرطة القضائية المنافية للعدالة الجنائية خاصة آجال الوضع تحت الحراسة النظرية والتي لا تسمح بكل وضوح بسبب الضغوط هذه الآجال من جهة وقلة خبرة هذه الجهة من جهة أخرى، ثانية للقيام بتحقيق جنائي مفصل ومعمق من أجل الوصول إلى الحقيقة وذلك قبل العمد على إحالة المتهم على جلسات المحاكمة، إلا أنه لن يتأتى هذا إلا عن طريق تفعيل استقلالية قاضي التحقيق من أجل ضمان الحياد التام في التعامل مع الأطراف من أجل ترسيخ العدالة الجنائية.
فإذا كان المشرع المغربي راهن على ترسيخ مبادئ المحاكمة العادلة عن طريق وضع التحقيق الإعدادي بيد قاضي التحقيق من أجل تدعيم وترسيخ مبادئ المحاكمة العادلة المستندة بالأساس على قرينة البراءة متماشيا بذلك مع التطور الحقوقي الذي عرفه العالم واحتراما للاتفاقيات الدولية المنددة بكل الخروقات لحقوق الإنسان واستجابة للصيحات الفقهية المنددة للتجاوزات التي تقوم بها النيابة العامة من خلال السياسة الجنائية المتبعة من قبلها.
فإن هذا لن يتأتى إلا عن طريق تفعيل مؤسسة قاضي التحقيق، فما هي المهام المسندة لقاضي التحقيق من أجل النهوض بأعباء التحقيق الإعدادي لما يخدم العدالة الجنائية المعتمدة على براءة كأصل والسلطات المخولة له بشأن ذلك (ثانيا) وما هي الهيئة أو الجهة التي أوكل بها المشرع المغربي مهمة تعين قاضي التحقيق (أولا).
المطلب الأول: تعيين قاضي التحقيق
لقد عرفت مسطرة تعيين قضاة التحقيق تراجعا خطيرا أخل بكل مقومات العدالة الجنائية المبنية على مبدأ الفصل بين السلط والتأكيد وتأصيل مفهوم قرينة البراءة كأصل في الظنين.
فإذا كان قانون المسطرة الجنائية القديم ينص على أن قاضي التحقيق يعين في محكمة الاستئناف( ) لغاية النهوض بأعباء التحقيق الإعدادي بصفة أساسية لمدة ثلاث سنوات وذلك بقرار من وزير العدل، فإنه في المقابل وتماديا في تكريس السياسة الجنائية القائمة على إخلال بمبدأ الفصل بين السلط والمركزة على أساس هيمنة وزير العدل على المرحلة ما قبل المحاكمة بشقيها سواء أمام الضابطة القضائية –البحث التمهيدي- أو أمام قاضي التحقيق –التحقيق الإعدادي- فاستنادا إلى الفصل (6 و19 ض ح ن) وكذا الفصل 53 ف م ج أعطى الحق لوزير العدل في أن يصدر قرار إعفاء قاضي التحقيق من مهامه لكن بعد أن يحصل على رأي المكتب المجلس الأعلى للقضاء.
لكن الغريب في الأمر وبعد انتظار مرير ونضال فقهي وحقوقي وجمعوي طويل الذي ناهز قرابة نصف قرن من أجل تعديل قانون المسطرة الجنائية فقد جاءت بما لم يكن في الحسبان بحيث عمد المشرع بضرب عرض الحائط كل النضالات الفقهية الحقوقية والقانونية من أجل تكريس وتفعيل مبدأ الفصل بين السلط كحق ومبدأ دستوري قار.
جاءت المادة 52 من ق م ج العديد بأكثر تراجع حقوقي مخلة بذلك بمبدأ الفصل بين السلط( ).
فبالرجوع إلى المادة 52 ف م ج حيث نصت على أن هؤلاء يتم تعيينهم باقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية، وبناء على هذا الاقتراح يتولى وزير العدل عملية التسمية الرسمية لقاضي التحقيق وذلك لولاية قضائية مدتها ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار إداري لوزير العدل بناء على نفس الكيفيات والشروط الواردة في المادة أعلاه.
كما عمل أيضا على تحديد طريقة تعين قضاة التحقيق بمحكمة الاستئناف بحيث نص على أن هؤلاء يتم انتقائهم من ضمن المستشارين أو المكلفين بمهام المستشارين بها بنفس الإجراءات التي تم بها تعين قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية أي عن طريق وزير العدل، كما أجاز لهذا الأخير في المقابل كسلطة لتعين اتخاد قرار بوضع حد وإنهاء مهام قاضي التحقيق ومن نفس الشروط المسطرية –المادة 52 ف .م. ج-( ).
وما يميز هذه المسطرة، هي تلك الإرادة المتزايدة للمشرع في ضمان احكام والمسطرة نهائيا على هيئة التحقيق من طرف السلطة التنفيذية من جهة الممثلة في وزير العدل وأيضا من طرف سلطة الاتهام من جهة أخرى، علما وكما سبق الإشارة إليه في المبحث الأول على أن وزير العدل هو السلطة الرئيسية المباشرة للنيابة العامة طبقا لمقتضيات المادة 51 ف. م. ج. ( ).
فهذا الوضع الرذيل لا يتماشى مع دولة القرن الواحد والعشرين التي أخذت على عاتقها الالتزام بمفهوم الحرية والديموقراطية للجميع أمام القانون وأمام المجتمع عن طريق تخليق السياسة الجنائية لما هو متعارف عليه دوليا( ) في تأصيل مفهوم البراءة أمام القضاء الجنائي.
وهذا الوضع يترتب عنه وضع شاذ للغاية: سيطرة وزير العدل على أخطر جهازين يتحكمان في حرية الناس وأعراضهم وهما سلطتي الاتهام والمتابعة وسلطة التحقيق من جهة ثانية.
وكتحصيل حاصل لما خوله المشرع المغربي لوزير العدل من امتيازات على النيابة العامة الخاضعة لسلطته الرئيسية بحيث يمكنه من خلالها أي النيابة العامة التأثير على سير التحقيق لما يخدم مصالحه السياسية من جهة ومن أجل تفعيل مظاهر الهيمنة والسيطرة على سلطة التحقيق من خلال مسطرة اختيار القاضي الذي يتعين تكليفه بمسطرة التحقيق الإعدادي، فهذا الوضع المزري لا يعكس فقط عدم استقلالية سلطة التحقيق على جهاز النيابة العامة، ومن تم وزير العدل بل يعكس بؤس الوضعية القانونية لقاضي التحقيق( ) وهكذا نص المشرع من أجل ترجمة هذه النوايا والأهداف الغير المنطقة في المادة 90 ق.م.ج. «إذا تعدد قضاة التحقيق في محكمة واحدة فإن النيابة العامة تعين من يحقق في كل قضية على حدة» فهذا الفصل لا محل له من الإعراب في إطار التغني بفلسفة استقلالية قاضي التحقيق لما يخدم العدالة واحترام الحريات وترسيخ مبدأ البراءة كأصل.
فالمنطق الذي لا يتجادل فيه اثنان، وذلك على ضوء هذه الاعتبارات المشار إليها أعلاه، على أن قاضي التحقيق أصبح أكثر من أي وقت مضى تحت رحمة سلطة وزير العدل، وذلك على قرار الوضع البئيس لجهاز النيابة العامة، والذي يمكنه بناء عليه إعفاء قاضي التحقيق ووضع حد لمهامه في إطار سلطة التحقيق، إن لم يخضع لسلطة وتوجيه وزير العدل وما يخدم مصالحه السياسية فعلى الرغم ما جاء في ديباجة المسطرة الجنائية بحيث نصت على «أن قانون المسطرة الجنائية……يضمن الفصل بين السلطات المكلفة بممارسة الدعوة العمومية والتحقيق…»
فما يدعو للاستغراب والعجب أن نفس القانون ينص صراحة في المادة 90 ق م ج على أن قضاة النيابة هم من يتولى اختيار قاضي التحقيق الذي يجب تكليفه بقضية ما، ولربما أصيب واضعو مدونة قانون المسطرة الجنائية بداء النسيان وهم في إطار ديباجة الشعارات والمبادئ الكونية في الديباجة، ويتولون بعد ذلك إفراغها من مضمونها بل أكثر من ذلك الاتيان والتنصيص على مبادئ وأحكام قانونية تتعارض جملة وتفصيلا مع هذه الشعارات التي وضعت بها مقدمة أو ديباجة المسطرة الجنائية.
فإذا كانـت المادة 52 ق. م. ج. قياسا مع ما كان ينص عليه الفصل 53 ف م ج. القديم تشكل تراجعا معنويا على الأقل اعتبارا لكون هذه المادة الملغاة ضمن مسطرة الجنائية القديم كانت نسبيا تمثل إحدى الضمانات الموضوعية لقاضي التحقيق بحيث كانت تنص على ضرورة استشارة مكتب المجلس الأعلى رغم إيماننا العميق على أن هذه المسطرة ليست في نهاية المطاف إلا تحصيل حاصل أو مجرد تمويه لأن موقف هذا الأخير ليس له قوة قانونية خاضعة أمام القرار الإداري لوزير العدل.
وهذا ما جعل ببعض الباحثين المغاربة يطالبون اسناد مسألة التعين والإعفاء إلى جمعية قضاة المحاكم الابتدائية وللهيئة العامة لقضاة المحاكم الاستئناف، وذلك لما هو عليه الأمر بتعين قضاة الغرفة الجنحية نظرا لما تتميز به هذه الهيئات من استقلالية، كما أن هناك اتجاهات فقهية من يقترح وذلك تحقيقا للحياد والاستقلالية أكثر وتدعيما لهذه الحصانة المعنوية أن تعود سلطة التحقيق وإعفاء من مهام المجلس الدستوري( ).
فسواء أنيط اختصاص تعين قاضي التحقيق لهيئة أو جمعية القضاة المحكمة المحكمة الابتدائية أو للهيئة العامة للقضاة محكمة الاستئناف أو حتى لمجلس الأعلى للقضاء، فإن هذا قد يحد أو يخفف على العموم من التناقض الذي تتخبط فيه مسطرة الجنائية بين تدعيم هيمنة وسيطرة السلطة التنفيذية في شخص وزير العدل وبين التبرح بمفاهيم العدالة الجنائية القائمة على الحرية واحترام حقوق الإنسان وعلى اعتبار الفصل الأول من المسطرة الجنائية ينص على أن كل شخص يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي.
والملاحظ أن المشرع بسياسته القائمة وبفلسفته الرامية إلى عدم إيلاء أي اعتبار أو اهتمام يذكر وهو بصدد صياغة نصوص قانون المسطرة الجنائية للآراء والانتقادات الفقهية، بحيث تبنى سياسة اللامبالاة والاحتكار وصم الاذن وحافض تقريبا على نفس الوضع القائم سابقا.
فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 83 ق م ج التي عملت على إيراد الحالات التي يشملها التحقيق الإعدادي سنلاحظ مسلسل من التراجعات المؤدية إلى تضيق الخناق على المجال الذي يعطيه التحقيق الإعدادي( ) وفقا لما كان منصوص عليه في ظهير 10 فبراير 1959 وكذا عدم الأخذ بعين الاعتبار لا نوعية ولا خطورة الفعل الجرمي وكذا مجمل التقسيمات التي تراد عليه عليها لم يكن له أي تأثير يذكر على اختيارات المشرع وبالتالي على مبدأ ضرورة إخضاعها بشكل إلزامي وإجباري للتحقيق الإعدادي.
فبالرجوع إلى مقتضيات المنظمة لمجال التحقيق الإعدادي على ضوء مقتضيات ظهير 10 فبراير 1959 يمكن لنا أن نستنتج حجم وهول التراجع على هذه الضمانات الهامة للغاية التي تعتبر أحد أهم الضمانات التي كان يتمتع بها المتهم في تدعيم الحكم ببراءته واحترام حريته وخاصة إذا تم النظر إليها على أساس أنها وسيلة يترتب عنها آليا عدم الاكتفاء بتحريات الضابط القضائية، وهو التسرع والسطحية في أغلب الأحيان وكانت أهمية التحقيق الإعدادي بالمقابل تتمثل أساسا في كونه تحقيقا معقولا للإظهار براءة المتهم.
فهذه الانتقادات الفقهية والقضائية الموجهة إلى مقتضيات الانتقالية في عمقه، ليس مجرد تغيرات أدبية أدت إلى تراجعات واختبارات معينة، بل تكشف عن السياسة القائمة والديكتاتورية لسياسة الدولة وتطورها في التعاطي والتعامل مع المواطن وبالتالي فإن الابقاء على هذا الوضع المشين لدولة الحق والقانون بموجب مسطرة التحقيق الإعدادي الجديد يشكل في عمقه استمرارية في اختيارات غير مبررة نحو تشديد والمزيد من الصرامة وإخضاع المحاكمات الجنائية لمسطرة سريعة، ليس من شأنها مطلقا كفالة الحد الأدنى من الضمانات وتحقيق وترجمة مبادئ المحاكمة العادلة القائمة على قرينة البراءة.
بالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية وبمجرد ذكر التحقيق الإعدادي يبادر للذهن مباشرة قاضي التحقيق، وهذا يعني أن هناك علاقة وثيقة ومباشرة بين التحقيق الإعدادي وقاضي التحقيق ولا غرابة في ذلك.
فقاضي التحقيق هي الجهة الأم والأصلية التي أوكل إليها المشرع مهمة إنجاز التحقيق الإعدادي والقيام بمهامه وأعبائه.
ويعتبر قاضي التحقيق من القضاة الجالسين وهو الساهر الأول على إنجاز التحقيق الإعدادي بحيث قال فيه الأستاذ بير دوفي المحامي العام بمحكمة الاستئناف بالرباط في ندوة وزارة العدل المنعقدة بتاريخ 20 أبريل 1959 بأن «هذا الرجل الذي يملك سلطات واسعة ويتصرف في حرية المواطنين وشرفهم يباشر مهمته ضمن شبكة القوانين العسيرة حيث ينبغي له أن يستعمل عمله وخبرته، لكن في نهاية الأمر إنما هي صفاته الأخلاقية وضميره وفضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقة»( ).
ويعتبر إبقاء المشرع بل وتطوير هذه المؤسسة( ) من المكتسبات المهمة التي رسختها مدونة مسطرة الجنائية الجديدة لما توفره من ضمانات قانونية للمتهم والمجتمع على حد سواء، مما يتعين عليها الوصول إلى حقيقة في مجال لا يخلو من تعقيد واستنكار للخروقات التي تقوم بها النيابة العامة.
وبالرجوع إلى المادة 52 من ق م ج نستشف أن المشرع المغربي تبنى ثنائية التحقيق وذلك لجعل التحقيق على مستوى المحاكم الابتدائية بالإضافة إلى تواجده بمحاكم الاستئناف دعامة لتحقيق العدالة الجنائية وإصلاح مفهوم البراءة لدى النيابة العامة من جهة وأسوة ببعض التشريعات المقارنة كالتشريع المصري وذلك من خلال المادة 64 من قانون الإجراءات الجنائية المصرية التي نصت على أنه «إذا أرادت النيابة العامة في مواد الجنايات والجنح أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق أكثر ملاءمة بالنظر إلى ظروفها الخاصة بأن لها في أية حالة كانت عليها الدعوى أن تخابر رئيس المحكمة الابتدائية وهو يندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة هذا التحقيق”.
ويجوز للمتهم أو للمدعى بالحقوق المدنية أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية إصدار قرار بهذا الندب ويصدر رئيس المحكمة هذا القرار إذا تحققت الأسباب المبينة بالفقرة السابقة بعد سماع أقوال النيابة العامة ويكون قراره غير قابل للطعن وتستمر النيابة العامة في التحقيق حتى يباشرها القاضي المندوب في حالة صدور قرار بذلك( ).
ومن الأسباب الرئيسية التي دفعت بالمشرع المغربي إلى إعادة النظر في تنظيم وتقسيم مؤسسة قاضي التحقيق الانتقادات الخطيرة التي وجهت للنيابة العامة في تحديدها للسياسة الجنائية من جهة والتحول والتطور العميق الذي شهده المغرب خلال السنوات الأخيرة من أجل إصلاح السياسة الجنائية لما يخدم حقوق الإنسان وحفظ كرامة المتهم أثناء التحقيق الإعدادي عن طريق توفر كل الضمانات القانونية في هذه المرحلة وتركيز سيادة دولة الحق والقانون وكذا نتيجة لدخوله عتبة القرن الواحد والعشرين الذي تكتسحه عولمة الاقتصاد وعالمية القانون الجنائي.
وقد أكد هذا التوجه المغفور له صاحب الجلالة الحسن الثاني عند استقباله لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 24 أبريل 1995 وذلك بقوله «إن المغرب إذا أراد أن ينفتح على العالم يجب أن يكون كذلك قضاؤه متفتحا وفي مستوى قضاء العالم لأنه لا يمكن ذلك الحال الأجنبي عارفا أنه في مأمن الشطط وسوء الفهم، فالقضاء اليوم لم يصبح فقط أساسا لطمأنينة الرعية والمجتمع بل أصبح ضروريا للنماء».
إلا أنه إذا كان المشرع قد راهن على مسطرة التحقيق الإعدادي عن طريق توفير كل الضمانات التي انتهكت أمام النيابة العامة، وكانت موضوع السخط داخل الفقه، كعدم التسرع بإحالة المتهم على جلسات الحكم والمحاكمة على ما تم تضمينه في محاضر الضابطة القضائية والله وحده يعلم كيف وبأي وسيلة وبأية نية ضمن من طرف الضابطة القضائية( ). ولا يسعنا إلا التنويه باختيارات المشرع بالعودة إلى الوضع السابق عن ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 وذلك من خلال النص على مبدأ ثنائية التحقيق على مستوى المحاكم الابتدائية وكدا محاكم الاستئناف كإجراء مسطري على قدر كبير من الأهمية يسبق إجراء إحالة الملف على هيئة الحكم.
وخاصة التأكيد على مبدأ محاكمة المتهم بناء على تحقيقات معمقة وذلك عوض محاكمة بناء على محاضر الشرطة القضائية المنافية للعدالة الجنائية خاصة آجال الوضع تحت الحراسة النظرية والتي لا تسمح بكل وضوح بسبب الضغوط هذه الآجال من جهة وقلة خبرة هذه الجهة من جهة أخرى، ثانية للقيام بتحقيق جنائي مفصل ومعمق من أجل الوصول إلى الحقيقة وذلك قبل العمد على إحالة المتهم على جلسات المحاكمة، إلا أنه لن يتأتى هذا إلا عن طريق تفعيل استقلالية قاضي التحقيق من أجل ضمان الحياد التام في التعامل مع الأطراف من أجل ترسيخ العدالة الجنائية.
فإذا كان المشرع المغربي راهن على ترسيخ مبادئ المحاكمة العادلة عن طريق وضع التحقيق الإعدادي بيد قاضي التحقيق من أجل تدعيم وترسيخ مبادئ المحاكمة العادلة المستندة بالأساس على قرينة البراءة متماشيا بذلك مع التطور الحقوقي الذي عرفه العالم واحتراما للاتفاقيات الدولية المنددة بكل الخروقات لحقوق الإنسان واستجابة للصيحات الفقهية المنددة للتجاوزات التي تقوم بها النيابة العامة من خلال السياسة الجنائية المتبعة من قبلها.
فإن هذا لن يتأتى إلا عن طريق تفعيل مؤسسة قاضي التحقيق، فما هي المهام المسندة لقاضي التحقيق من أجل النهوض بأعباء التحقيق الإعدادي لما يخدم العدالة الجنائية المعتمدة على براءة كأصل والسلطات المخولة له بشأن ذلك (ثانيا) وما هي الهيئة أو الجهة التي أوكل بها المشرع المغربي مهمة تعين قاضي التحقيق (أولا).
المطلب الأول: تعيين قاضي التحقيق
لقد عرفت مسطرة تعيين قضاة التحقيق تراجعا خطيرا أخل بكل مقومات العدالة الجنائية المبنية على مبدأ الفصل بين السلط والتأكيد وتأصيل مفهوم قرينة البراءة كأصل في الظنين.
فإذا كان قانون المسطرة الجنائية القديم ينص على أن قاضي التحقيق يعين في محكمة الاستئناف( ) لغاية النهوض بأعباء التحقيق الإعدادي بصفة أساسية لمدة ثلاث سنوات وذلك بقرار من وزير العدل، فإنه في المقابل وتماديا في تكريس السياسة الجنائية القائمة على إخلال بمبدأ الفصل بين السلط والمركزة على أساس هيمنة وزير العدل على المرحلة ما قبل المحاكمة بشقيها سواء أمام الضابطة القضائية –البحث التمهيدي- أو أمام قاضي التحقيق –التحقيق الإعدادي- فاستنادا إلى الفصل (6 و19 ض ح ن) وكذا الفصل 53 ف م ج أعطى الحق لوزير العدل في أن يصدر قرار إعفاء قاضي التحقيق من مهامه لكن بعد أن يحصل على رأي المكتب المجلس الأعلى للقضاء.
لكن الغريب في الأمر وبعد انتظار مرير ونضال فقهي وحقوقي وجمعوي طويل الذي ناهز قرابة نصف قرن من أجل تعديل قانون المسطرة الجنائية فقد جاءت بما لم يكن في الحسبان بحيث عمد المشرع بضرب عرض الحائط كل النضالات الفقهية الحقوقية والقانونية من أجل تكريس وتفعيل مبدأ الفصل بين السلط كحق ومبدأ دستوري قار.
جاءت المادة 52 من ق م ج العديد بأكثر تراجع حقوقي مخلة بذلك بمبدأ الفصل بين السلط( ).
فبالرجوع إلى المادة 52 ف م ج حيث نصت على أن هؤلاء يتم تعيينهم باقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية، وبناء على هذا الاقتراح يتولى وزير العدل عملية التسمية الرسمية لقاضي التحقيق وذلك لولاية قضائية مدتها ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار إداري لوزير العدل بناء على نفس الكيفيات والشروط الواردة في المادة أعلاه.
كما عمل أيضا على تحديد طريقة تعين قضاة التحقيق بمحكمة الاستئناف بحيث نص على أن هؤلاء يتم انتقائهم من ضمن المستشارين أو المكلفين بمهام المستشارين بها بنفس الإجراءات التي تم بها تعين قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية أي عن طريق وزير العدل، كما أجاز لهذا الأخير في المقابل كسلطة لتعين اتخاد قرار بوضع حد وإنهاء مهام قاضي التحقيق ومن نفس الشروط المسطرية –المادة 52 ف .م. ج-( ).
وما يميز هذه المسطرة، هي تلك الإرادة المتزايدة للمشرع في ضمان احكام والمسطرة نهائيا على هيئة التحقيق من طرف السلطة التنفيذية من جهة الممثلة في وزير العدل وأيضا من طرف سلطة الاتهام من جهة أخرى، علما وكما سبق الإشارة إليه في المبحث الأول على أن وزير العدل هو السلطة الرئيسية المباشرة للنيابة العامة طبقا لمقتضيات المادة 51 ف. م. ج. ( ).
فهذا الوضع الرذيل لا يتماشى مع دولة القرن الواحد والعشرين التي أخذت على عاتقها الالتزام بمفهوم الحرية والديموقراطية للجميع أمام القانون وأمام المجتمع عن طريق تخليق السياسة الجنائية لما هو متعارف عليه دوليا( ) في تأصيل مفهوم البراءة أمام القضاء الجنائي.
وهذا الوضع يترتب عنه وضع شاذ للغاية: سيطرة وزير العدل على أخطر جهازين يتحكمان في حرية الناس وأعراضهم وهما سلطتي الاتهام والمتابعة وسلطة التحقيق من جهة ثانية.
وكتحصيل حاصل لما خوله المشرع المغربي لوزير العدل من امتيازات على النيابة العامة الخاضعة لسلطته الرئيسية بحيث يمكنه من خلالها أي النيابة العامة التأثير على سير التحقيق لما يخدم مصالحه السياسية من جهة ومن أجل تفعيل مظاهر الهيمنة والسيطرة على سلطة التحقيق من خلال مسطرة اختيار القاضي الذي يتعين تكليفه بمسطرة التحقيق الإعدادي، فهذا الوضع المزري لا يعكس فقط عدم استقلالية سلطة التحقيق على جهاز النيابة العامة، ومن تم وزير العدل بل يعكس بؤس الوضعية القانونية لقاضي التحقيق( ) وهكذا نص المشرع من أجل ترجمة هذه النوايا والأهداف الغير المنطقة في المادة 90 ق.م.ج. «إذا تعدد قضاة التحقيق في محكمة واحدة فإن النيابة العامة تعين من يحقق في كل قضية على حدة» فهذا الفصل لا محل له من الإعراب في إطار التغني بفلسفة استقلالية قاضي التحقيق لما يخدم العدالة واحترام الحريات وترسيخ مبدأ البراءة كأصل.
فالمنطق الذي لا يتجادل فيه اثنان، وذلك على ضوء هذه الاعتبارات المشار إليها أعلاه، على أن قاضي التحقيق أصبح أكثر من أي وقت مضى تحت رحمة سلطة وزير العدل، وذلك على قرار الوضع البئيس لجهاز النيابة العامة، والذي يمكنه بناء عليه إعفاء قاضي التحقيق ووضع حد لمهامه في إطار سلطة التحقيق، إن لم يخضع لسلطة وتوجيه وزير العدل وما يخدم مصالحه السياسية فعلى الرغم ما جاء في ديباجة المسطرة الجنائية بحيث نصت على «أن قانون المسطرة الجنائية……يضمن الفصل بين السلطات المكلفة بممارسة الدعوة العمومية والتحقيق…»
فما يدعو للاستغراب والعجب أن نفس القانون ينص صراحة في المادة 90 ق م ج على أن قضاة النيابة هم من يتولى اختيار قاضي التحقيق الذي يجب تكليفه بقضية ما، ولربما أصيب واضعو مدونة قانون المسطرة الجنائية بداء النسيان وهم في إطار ديباجة الشعارات والمبادئ الكونية في الديباجة، ويتولون بعد ذلك إفراغها من مضمونها بل أكثر من ذلك الاتيان والتنصيص على مبادئ وأحكام قانونية تتعارض جملة وتفصيلا مع هذه الشعارات التي وضعت بها مقدمة أو ديباجة المسطرة الجنائية.
فإذا كانـت المادة 52 ق. م. ج. قياسا مع ما كان ينص عليه الفصل 53 ف م ج. القديم تشكل تراجعا معنويا على الأقل اعتبارا لكون هذه المادة الملغاة ضمن مسطرة الجنائية القديم كانت نسبيا تمثل إحدى الضمانات الموضوعية لقاضي التحقيق بحيث كانت تنص على ضرورة استشارة مكتب المجلس الأعلى رغم إيماننا العميق على أن هذه المسطرة ليست في نهاية المطاف إلا تحصيل حاصل أو مجرد تمويه لأن موقف هذا الأخير ليس له قوة قانونية خاضعة أمام القرار الإداري لوزير العدل.
وهذا ما جعل ببعض الباحثين المغاربة يطالبون اسناد مسألة التعين والإعفاء إلى جمعية قضاة المحاكم الابتدائية وللهيئة العامة لقضاة المحاكم الاستئناف، وذلك لما هو عليه الأمر بتعين قضاة الغرفة الجنحية نظرا لما تتميز به هذه الهيئات من استقلالية، كما أن هناك اتجاهات فقهية من يقترح وذلك تحقيقا للحياد والاستقلالية أكثر وتدعيما لهذه الحصانة المعنوية أن تعود سلطة التحقيق وإعفاء من مهام المجلس الدستوري( ).
فسواء أنيط اختصاص تعين قاضي التحقيق لهيئة أو جمعية القضاة المحكمة المحكمة الابتدائية أو للهيئة العامة للقضاة محكمة الاستئناف أو حتى لمجلس الأعلى للقضاء، فإن هذا قد يحد أو يخفف على العموم من التناقض الذي تتخبط فيه مسطرة الجنائية بين تدعيم هيمنة وسيطرة السلطة التنفيذية في شخص وزير العدل وبين التبرح بمفاهيم العدالة الجنائية القائمة على الحرية واحترام حقوق الإنسان وعلى اعتبار الفصل الأول من المسطرة الجنائية ينص على أن كل شخص يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي.
والملاحظ أن المشرع بسياسته القائمة وبفلسفته الرامية إلى عدم إيلاء أي اعتبار أو اهتمام يذكر وهو بصدد صياغة نصوص قانون المسطرة الجنائية للآراء والانتقادات الفقهية، بحيث تبنى سياسة اللامبالاة والاحتكار وصم الاذن وحافض تقريبا على نفس الوضع القائم سابقا.
فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 83 ق م ج التي عملت على إيراد الحالات التي يشملها التحقيق الإعدادي سنلاحظ مسلسل من التراجعات المؤدية إلى تضيق الخناق على المجال الذي يعطيه التحقيق الإعدادي( ) وفقا لما كان منصوص عليه في ظهير 10 فبراير 1959 وكذا عدم الأخذ بعين الاعتبار لا نوعية ولا خطورة الفعل الجرمي وكذا مجمل التقسيمات التي تراد عليه عليها لم يكن له أي تأثير يذكر على اختيارات المشرع وبالتالي على مبدأ ضرورة إخضاعها بشكل إلزامي وإجباري للتحقيق الإعدادي.
فبالرجوع إلى مقتضيات المنظمة لمجال التحقيق الإعدادي على ضوء مقتضيات ظهير 10 فبراير 1959 يمكن لنا أن نستنتج حجم وهول التراجع على هذه الضمانات الهامة للغاية التي تعتبر أحد أهم الضمانات التي كان يتمتع بها المتهم في تدعيم الحكم ببراءته واحترام حريته وخاصة إذا تم النظر إليها على أساس أنها وسيلة يترتب عنها آليا عدم الاكتفاء بتحريات الضابط القضائية، وهو التسرع والسطحية في أغلب الأحيان وكانت أهمية التحقيق الإعدادي بالمقابل تتمثل أساسا في كونه تحقيقا معقولا للإظهار براءة المتهم.
فهذه الانتقادات الفقهية والقضائية الموجهة إلى مقتضيات الانتقالية في عمقه، ليس مجرد تغيرات أدبية أدت إلى تراجعات واختبارات معينة، بل تكشف عن السياسة القائمة والديكتاتورية لسياسة الدولة وتطورها في التعاطي والتعامل مع المواطن وبالتالي فإن الابقاء على هذا الوضع المشين لدولة الحق والقانون بموجب مسطرة التحقيق الإعدادي الجديد يشكل في عمقه استمرارية في اختيارات غير مبررة نحو تشديد والمزيد من الصرامة وإخضاع المحاكمات الجنائية لمسطرة سريعة، ليس من شأنها مطلقا كفالة الحد الأدنى من الضمانات وتحقيق وترجمة مبادئ المحاكمة العادلة القائمة على قرينة البراءة.