سبق القول بأن لجنة واضعي المدونة تكونت أغلبها من قضاة النيابة العامة، وهذا ما جعل هذه اللجنة تبالغ نوعا ما في حماية أنفسهم من الاعتبار عن طريق تمتيع أنفسهم بحصانة مهمة جدا وكذلك لكون المشرع وفي سياسته العامة يود تعزيز وتقوية مركز النيابة العامة في المجتمع لاعتبارات سياسية لا تخفى عن الجميع وفي اعتبارها الابن البار للسلطة التنفيذية تأتمر بأوامرها وتنفذ سياستها( ). وهذا ما توصلت إليه هيئة الإنصاف والمصالحة المكلفة بجبر الضرر الناتج عن الحقيقة الزمنية ما بين 1958-1998، التي سميت بسنوات الجمر والرصاص، وتكمن هذه الحصانة في وضع قاضي التحقيق تحت رقابة هذا الجهاز فيما يخص الإجراءات المتخذة في التحقيق الإعدادي.
فإذا كان القانون الجديد وخاصة المادة 75 منه الحق لقاضي التحقيق، إذا كان حاضرا بمكان وقوع الجريمة المتلبس بها في أن يتخلى له الوكيل العام للملك ووكيل الملك أو ضابطة الشرطة القضائية بقوة القانون عن عملية البحث، إلا أن المادة 84 من نفس القانون ورد فيها أن قاضي التحقيق لا يستطيع إجراء أي تحقيق إلا بعد أن يتلقى من النيابة العامة ملتمسا بإجراء التحقيق ولو كان قاضي التحقيق يقوم بالمهام المخولة له في حالة تلبس، فالنيابة العامة هي الجهة المخول لها تعين من يحقق في القضية عند تعدد قضاة التحقيق لدى محكـمة الاستـئناف (9م ج) كما يمكن أن تقدم ملتمسا للغرفة الجنحية بحسب القضية من قاضي التحقيق وإحالتها على قاضي آخر للتحقيق حسب الفصل 91 م ج.
طبعا ستختار النيابة العامة من يميل أساسا إلى تبني وجهات نظرها بشكل أو بآخر أي أنها ستختار من ضمن قضاة التحقيق من تستشعر أنه جزء من سلطة الاتهام أكثر من انتمائه إلى جهاز يطلق العنان لسلطة التحقيق، أي أحد قضاة النيابة العامة في زي وصفه قاضي التحقيق، وهذا الوضع بالتأكيد ليس له فقط مساس بحياد هذا الأخير ونزاهته، بل له مساس بشكل خطير بوضعية المتهم وبمجمل الضمانات التي يتمتع بها، لأن من سيقوم بالتحقيق شخص مشكوك في حياده وذلك لعلاقته المشبوهة بالشكوك لقيامها على اعتبارات رضى النيابة العامة عليه دون باقي قضاة التحقيق وتفضيله بملفات قضايا هامة أو مثيرة للرأي العام الوطني أو الدولي، وهذا كله شبهة مؤكدة( ) وهي كما سلفنا كلها اعتبارات يتعين أن تقود آليا وحتميا إلى تجريح قاضي التحقيق المذكور.
وما يزيد الطين بلة ويؤزم من وضعية قاضي التحقيق هي التبعية العمياء لهذا الأخير لنيابة العامة، بحيث تقوم أيضا بإحالة محاضر الشكايات والانابات على هيئة التحقيق وكذلك تقديم الملتمسات بقصد القيام بإجراءات التحقيق ولو كان واضعا يده على القضية في حالة تلبس طبقا للمادة 84 من ق م ج. في الواقع لا نجد تبرير لتقديم ملتمس في هذه الحالة إلا لتذكير قاضي التحقيق بوضعيته المزرية.
كما أن للنيابة العامة أن تطلب من قاضي التحقيق القيام بكل إجراء مفيد لإظهار الحقيقة أو ضروري للحفاظ على الأمن، ولا يمكن إجراء بحت من طرف قاضي التحقيق إلا بناء على ملتمس كتابي محال إليه من النيابة العامة أو بناء على شكاية المتضرر المنتصب طرفا مدنيا، وفي إطار علاقة قاضي التحقيق مع النيابة العامة فإن القانون الجديد للمسطرة الجنائية يلقى مجموعة من الواجبات على عاتق قاضي التحقيق، منها:
1- إحالة ملف القضية على النيابة العامة لاستدعاء للمحاكمة طبقا لقانون المادة 209 م ج.
2-تبليغ الشكاية إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك في حالة اتخاذه موقفا مخالفا لملتمس النيابة العامة يصدر بذلك أمرا معللا مادة 93.
3-إشعارها عند الانتقال إلى التفتيش ولها إمكانية مرافقته طبقا للمادة 99 قانون المسطرة الجنائية.
4-إخبار النيابة العامة عند الانتقال خارج نفوذ المحكمة باعتباها وصية عليها، المادة 100.
5-لا يصدر قاضي التحقيق الأمر بإلقاء القبض إلا بعد استشارتها، المادة 144 قانون المسطرة الجنائية.
6-يجوز لقاضي التحقيق بعد تلقي رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم للعلاج ضد التسمم طبقا لمقتضيات المادة 88 من ق م ج.
7-يجب تبليغ النيابة العامة، دورا فعالا باستئناف قرارات قاضي التحقيق النيابة في رد الأشياء المحجوزة بعد صدور قرار بعدم المتابعة، المادة 107.
8-يجب تبليغ النيابة العامة بقرار إجراء الخبرة، فهذا الشرط لا معنى له ما دام لا يمكن لنيابة الطعن فيه (م 196) وبأمر الاعتقال الاحتياطي أو بالإفراج المؤقت (المادة 178).
9-تقديم طلب الافراج المؤقت إلى الغرفة الاستئنافية طبقا لنفس الشروط والآجال المنصوص عليها في المادتين 179 و180.
10-تقديم الطعن بالاستئناف في قرارات الإفراج مع بقاء المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي إلى أن يبث في الاستئناف، بغض النظر على المدة التي قد يستغرقها النص في الدعوى طبقا للفقرة 2 من المادة 181.
11- مطالبة قاضي التحقيق بفتح تحقيق مؤقت بواسطة ملتمس كتابي، الفقرة 4 من المادة 93.
12-تقديم النيابة العامة ملتمسا بخصوص الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق، المواد 214 إلى 217.
13-توجيه النيابة العامة إلى قاضي التحقيق ملتمساتها بشأن الأوامر الآتية:
-انتهاء البحث
-الأمر بعدم الاختصاص
-الأمر بعدم المتابعة
الأمر بوضع حد للوضع تحت المراقبة القضائية، المواد 214 إلى 217.
14-للنيابة العامة حق الاستئناف أمام الغرفة الجنائية لكل الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق باستناد الأمر القاضي بإجراء الخبرة وتبلغ لها داخل أجل 24 ساعة من استئناف المتهم والطرف المدني، المواد 222 –227.
15-يحق للنيابة العامة وحدها أن تقرر ما إذا كان هناك مبرر لالتماس بسبب ظهور أدلة جديدة (الشهود والمحاضر والمستندات) طبقا للمادة 228-230 م ج.
يمكن القول أن المشرع من خلال قانون المسطرة الجنائية الجديدة قد وضع لبنات جديدة لمؤسسة قاضي التحقيق بالنظر إلى دورها الفعال في مجال التحقيق الإعدادي الذي أسس على أساس حماية المتهم والمجتمع على حد سواء، كما أنه وسع من اختصاصات هذه المؤسسة وخلق ثنائية للتحقيق الذي كان محضورا في السابق في محاكم الاستئناف. إلا أن الوضع كفيل أعلاه باعتباره بارزا وصارخا على فكرة اللامساواة وطغيان وتسلط الدولة والذي يؤمن به المشرع، فالنيابة العامة خصم فكيف يمكن للخصم أن يكون شبه رئيس لمن يقوم بالتحقيق ففاقد الشيء لا يعطيه. وتبقى هذه التجربة رهينة بما سوف تسفر عنه الممارسة القضائية في تفعيل المقتضيات الإجرائية الجديدة.
فإذا كان القانون الجديد وخاصة المادة 75 منه الحق لقاضي التحقيق، إذا كان حاضرا بمكان وقوع الجريمة المتلبس بها في أن يتخلى له الوكيل العام للملك ووكيل الملك أو ضابطة الشرطة القضائية بقوة القانون عن عملية البحث، إلا أن المادة 84 من نفس القانون ورد فيها أن قاضي التحقيق لا يستطيع إجراء أي تحقيق إلا بعد أن يتلقى من النيابة العامة ملتمسا بإجراء التحقيق ولو كان قاضي التحقيق يقوم بالمهام المخولة له في حالة تلبس، فالنيابة العامة هي الجهة المخول لها تعين من يحقق في القضية عند تعدد قضاة التحقيق لدى محكـمة الاستـئناف (9م ج) كما يمكن أن تقدم ملتمسا للغرفة الجنحية بحسب القضية من قاضي التحقيق وإحالتها على قاضي آخر للتحقيق حسب الفصل 91 م ج.
طبعا ستختار النيابة العامة من يميل أساسا إلى تبني وجهات نظرها بشكل أو بآخر أي أنها ستختار من ضمن قضاة التحقيق من تستشعر أنه جزء من سلطة الاتهام أكثر من انتمائه إلى جهاز يطلق العنان لسلطة التحقيق، أي أحد قضاة النيابة العامة في زي وصفه قاضي التحقيق، وهذا الوضع بالتأكيد ليس له فقط مساس بحياد هذا الأخير ونزاهته، بل له مساس بشكل خطير بوضعية المتهم وبمجمل الضمانات التي يتمتع بها، لأن من سيقوم بالتحقيق شخص مشكوك في حياده وذلك لعلاقته المشبوهة بالشكوك لقيامها على اعتبارات رضى النيابة العامة عليه دون باقي قضاة التحقيق وتفضيله بملفات قضايا هامة أو مثيرة للرأي العام الوطني أو الدولي، وهذا كله شبهة مؤكدة( ) وهي كما سلفنا كلها اعتبارات يتعين أن تقود آليا وحتميا إلى تجريح قاضي التحقيق المذكور.
وما يزيد الطين بلة ويؤزم من وضعية قاضي التحقيق هي التبعية العمياء لهذا الأخير لنيابة العامة، بحيث تقوم أيضا بإحالة محاضر الشكايات والانابات على هيئة التحقيق وكذلك تقديم الملتمسات بقصد القيام بإجراءات التحقيق ولو كان واضعا يده على القضية في حالة تلبس طبقا للمادة 84 من ق م ج. في الواقع لا نجد تبرير لتقديم ملتمس في هذه الحالة إلا لتذكير قاضي التحقيق بوضعيته المزرية.
كما أن للنيابة العامة أن تطلب من قاضي التحقيق القيام بكل إجراء مفيد لإظهار الحقيقة أو ضروري للحفاظ على الأمن، ولا يمكن إجراء بحت من طرف قاضي التحقيق إلا بناء على ملتمس كتابي محال إليه من النيابة العامة أو بناء على شكاية المتضرر المنتصب طرفا مدنيا، وفي إطار علاقة قاضي التحقيق مع النيابة العامة فإن القانون الجديد للمسطرة الجنائية يلقى مجموعة من الواجبات على عاتق قاضي التحقيق، منها:
1- إحالة ملف القضية على النيابة العامة لاستدعاء للمحاكمة طبقا لقانون المادة 209 م ج.
2-تبليغ الشكاية إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك في حالة اتخاذه موقفا مخالفا لملتمس النيابة العامة يصدر بذلك أمرا معللا مادة 93.
3-إشعارها عند الانتقال إلى التفتيش ولها إمكانية مرافقته طبقا للمادة 99 قانون المسطرة الجنائية.
4-إخبار النيابة العامة عند الانتقال خارج نفوذ المحكمة باعتباها وصية عليها، المادة 100.
5-لا يصدر قاضي التحقيق الأمر بإلقاء القبض إلا بعد استشارتها، المادة 144 قانون المسطرة الجنائية.
6-يجوز لقاضي التحقيق بعد تلقي رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم للعلاج ضد التسمم طبقا لمقتضيات المادة 88 من ق م ج.
7-يجب تبليغ النيابة العامة، دورا فعالا باستئناف قرارات قاضي التحقيق النيابة في رد الأشياء المحجوزة بعد صدور قرار بعدم المتابعة، المادة 107.
8-يجب تبليغ النيابة العامة بقرار إجراء الخبرة، فهذا الشرط لا معنى له ما دام لا يمكن لنيابة الطعن فيه (م 196) وبأمر الاعتقال الاحتياطي أو بالإفراج المؤقت (المادة 178).
9-تقديم طلب الافراج المؤقت إلى الغرفة الاستئنافية طبقا لنفس الشروط والآجال المنصوص عليها في المادتين 179 و180.
10-تقديم الطعن بالاستئناف في قرارات الإفراج مع بقاء المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي إلى أن يبث في الاستئناف، بغض النظر على المدة التي قد يستغرقها النص في الدعوى طبقا للفقرة 2 من المادة 181.
11- مطالبة قاضي التحقيق بفتح تحقيق مؤقت بواسطة ملتمس كتابي، الفقرة 4 من المادة 93.
12-تقديم النيابة العامة ملتمسا بخصوص الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق، المواد 214 إلى 217.
13-توجيه النيابة العامة إلى قاضي التحقيق ملتمساتها بشأن الأوامر الآتية:
-انتهاء البحث
-الأمر بعدم الاختصاص
-الأمر بعدم المتابعة
الأمر بوضع حد للوضع تحت المراقبة القضائية، المواد 214 إلى 217.
14-للنيابة العامة حق الاستئناف أمام الغرفة الجنائية لكل الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق باستناد الأمر القاضي بإجراء الخبرة وتبلغ لها داخل أجل 24 ساعة من استئناف المتهم والطرف المدني، المواد 222 –227.
15-يحق للنيابة العامة وحدها أن تقرر ما إذا كان هناك مبرر لالتماس بسبب ظهور أدلة جديدة (الشهود والمحاضر والمستندات) طبقا للمادة 228-230 م ج.
يمكن القول أن المشرع من خلال قانون المسطرة الجنائية الجديدة قد وضع لبنات جديدة لمؤسسة قاضي التحقيق بالنظر إلى دورها الفعال في مجال التحقيق الإعدادي الذي أسس على أساس حماية المتهم والمجتمع على حد سواء، كما أنه وسع من اختصاصات هذه المؤسسة وخلق ثنائية للتحقيق الذي كان محضورا في السابق في محاكم الاستئناف. إلا أن الوضع كفيل أعلاه باعتباره بارزا وصارخا على فكرة اللامساواة وطغيان وتسلط الدولة والذي يؤمن به المشرع، فالنيابة العامة خصم فكيف يمكن للخصم أن يكون شبه رئيس لمن يقوم بالتحقيق ففاقد الشيء لا يعطيه. وتبقى هذه التجربة رهينة بما سوف تسفر عنه الممارسة القضائية في تفعيل المقتضيات الإجرائية الجديدة.