هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionالنظام العقابي في الشريعة الإسلامية Emptyالنظام العقابي في الشريعة الإسلامية

more_horiz


تمهيد
اهتم الإسلام برعاية المجتمع وذلك بتجريم الأقوال والأفعال الضارة بالأفراد والمجتمعات مادياً ومعنوياً، لذلك وضع نظاماً عقابياً كفيلاً بتحقيق ذلك.

أولا: تعريف الجريمة
[محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير][1]، إما بإتيان فعل منهي عنه، أو ترك فعل مأمور به.

ثانيا: تعريف العقوبة

جزاء شرع ضد الجرائم المختلفة، وهي مفاسد تؤدي إلى تحقيق مصالح عامة.

ثالثا: أهدافها

1. العقوبة جزاء عادل لجريمة مرتكبة.

2. إجراء تقويمي للمجرم وأداة لعلاجه وزجر لغيره، فهي زواجر وجوابر.

3. تأهيل المجرمين اجتماعياً.

رابعا: أنواع العقوبات المقررة شرعا

أ- الحدود:

الحدود هي عقوبات محددة شرعا لا يجوز تناولها بالقياس، ولا التوسع فيها، قال تعالى: ﴿...تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 229] وهي ستة.

1. حد السرقة

أولا: تعريف السرقة

أخذ المال المحروز على وجه الاختفاء.

ثانيا: حكمها

كبيرة من الكبائر، جزاؤها قطع اليد، لقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة المائدة، الآية 38].

ثالثا: شروط إقامة الحد

1. أن يكون السارق مكلفاً (عاقلاً بالغاً).

2. ألا يكون السارق والداً لصاحب المال المسروق ولا ولداً أو زوجاً أو زوجةً.

3. ألا يكون للسارق شبهة ملك في المال المسروق، كمن يسرق رهنه، أو أجرته من المستأجر.

4. أن يكون المال المسروق مالاً مباحاً.

5. أن يكون المال المسروق في حرز مثله: دار، دكان، حظيرة، صندوق.

6. ألا يؤخذ المال على وجه الغلبة والقهر.

رابعا: كيفية القطع

تقطع اليد اليمنى من مفصل الكف، لكن إذا عفا صاحب المال فلا تقطع.

تمنع الشفاعة في الحدود إذا وصلت إلى ولي الأمر، قال صلى الله عليه وسلم:

(يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله) [متفق عليه].

(إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) [رواه البخاري].

أما إذا كانت السرقة التالية فقد اختلف العلماء:

- يرى الأحناف: أنه لا قطع ليد سارق قطعت يده في سرقة سابقة، وإنما يعزّر بما يناسب جريمته، وحجتهم في ذلك أن تترك للسارق يد يأكل بها ويتطهر بها، وقدم يمشي عليها.

- يرى المالكية والشافعية والحنابلة أن السارق تقطع يده ولو كانت الثانية، ويتكرر العقاب بتكرار الجريمة، لأن الآية توجب القطع.

2. حد الحرابة

أولا: تعريف الحرابة

خروج جماعة من المتآمرين على النظام العام للمجتمع والعدوان على أمنه بارتكاب جرائم السلب والقتل.

ثانيا: عقوبة الحرابة

قرر القرآن الكريم أربع عقوبات على جريمة الحرابة، تختلف بحسب طبيعة الجريمة المرتكبة، وهي:

1. القتل.

2. القتل مع الصلب.

3. قطع الأيدي والأرجل من خلاف.

4. النفي.

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[سورة المائدة، الآيتان 33-34].

3. حد القذف

أولا: تعريف القذف

اتهام الرجل أو المرأة بجريمة الزنا من غير برهان أو دليل.

والقذف يعد كبيرة من الكبائر لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات... وقذف المحصنات العفيفات) [رواه البخاري].

ثانيا: حكم القذف

ورد في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[سورة النور، الآيات 4-5].

1- تقرير عقوبة بدنية بضربه ثمانين جلدة.

2- إسقاط عدالته وبطلان شهادته.

3- تفسيق القاذف إلى أن يتوب.

ولقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحد على الخائضين في حادثة الإفك، فجلدهم ثمانين جلدة.

رابعا: شروط إقامة حد القذف

1- أن يكون القاذف بالغاً عاقلاً.

2- أن يكون القذف صريحاً.

3- أن يكون المقذوف عفيفاً محصناً، غير معروف بين الناس بالفاحشة.

4- ألا يأتي القاذف بأربعة شهود: رُوي أن عمر بن الخطاب في أيام خلافته رأى رجلا وامرأة على فاحشة، فجمع الناس وقال لهم: [ما قولكم إذا رأى أمير المؤمنين رجلا وامرأة على فاحشة؟]، فقام علي بن أبي طالب وأجابه: [يأتي أمير المؤمنين بأربعة شهداء أو يجلد حد القذف، ويصبح ساقط الشهادة إذا صرح باسمي من رآهما شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين]، فسكت عمر.

خامسا: تكييف عقوبة القذف

1. الأحناف والظاهرية: عقوبة القذف حق لله تعالى، لأن توقيعها تعود منفعته إلى المصلحة العامة وهي حماية المجتمع، فلا يمكن إسقاطها، وتقام بمجرد وقوع الجريمة.

2. الشافعية والحنابلة: عقوبة القذف حق للآدمي، لذلك لا يمكن توقيعها ما لم يطلب المقذوف (المجني عليه) ذلك، لهذا يمكن له أن يعفو عن الجاني لأن الاعتداء وقع على سمعته وحده.

3. المالكية: هي حق للآدمي قبل رفعها إلى القاضي، وبعد رفعها إليه تصير حقا لله تعالى لا يمكن إسقاط عقوبتها.


سادسا: إثبات جريمة القذف

تثبت بالشهادة والإقرار:

1. الشهادة: إحضار أربعة شهود.

2. الإقرار: إذا أقر القاذف (العاقل البالغ) بجريمة القذف يقام عليه الحد.

سابعا: أثر توبة القاذف

اتفق الفقهاء على أمرين:

الأول: لا أثر للتوبة في العقوبة المقررة.

الثاني: أنها مؤثرة في اعتباره فاسقاً: فإذا تاب تنزع منه صفة الفسق.

وأول من طبقت عليهم عقوبة القذف الذين رموا السيدة عائشة أم المؤمنين بالإفك فبرأها الله بقرآن يتلى، وعاقب الرسول صلى الله عليه وسلم من رموها بالإفك بعد البهتان الذي أشاعه رأس النفاق ابن سلول.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ* لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ* لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ* وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ* وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ* يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ* وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ* وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة النور، الآيات 11-21].

4. حد الزنا

أولا: تعريف الزنا

هو الوطء المحرم في قبل أو دبر.

ثانيا: حكمة تحريمه والعقوبة عليه

1. منع شيوع الفاحشة في المجتمع.

2. حماية الأعراض والحرمات.

3. المحافظة على النسل وطهارة الأنساب.

6. حماية المجتمع من الأمراض الخبيثة مثل فقدان المناعة (السيدا).

ثالثا: حُكمه

حكم الزنا هو الحرمة، وهو من أكبر الذنوب والموبقات، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [سورة الإسراء، الآية 32]، فإذا كان الزاني غير محصن حده مائة جلدة، لقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة النور، الآية 2].

أما إذا كان محصنا حده الرجم حتى الموت، وقد ثبت في الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجم ماعز عند اعترافه بالزنا وكرر الاعتراف أربع مرات.

ورجم كذلك المرأة الغامدية التي اعترفت بالزنا، وكانت حاملا فتركها حتى وضعت الحمل وأتمت الرضاع وجاءت بالولد وفي يده كسرة خبز.

ويطبق على جريمة اللواط حكم الرجم حتى الموت، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) [رواه أبو داود والترمذي].

خامسا: شروط إقامة الحد

1. أن يكون الزاني مسلماً عاقلاً بالغاً مختاراً.

2. أن يثبت الزنا ثبوتا قطعيا بأربعة شهود.

5. حد شرب الخمر

أولا: تعريف جريمة شرب الخمر

تناول الخمر المستخرجة من العنب أو التمر أو العسل أو الحبوب...، أو مادة مسكرة، بنية الشرب أو الإسكار، من قبل عاقل بالغ مختار.

وقد اعتبرتها الشريعة الإسلامية أم الخبائث، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ [سورة المائدة، الآيتان 90-91].

وقال صلى الله عليه وسلم:

(ما أسكر كثيره فقليله حرام) [***].

(مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن) [رواه أحمد]

ثانيا: حكمها

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه...)، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جلد شارب الخمر أربعين جلدة، وثبت أن عمر بن الخطاب جلد شارب الخمر ثمانين جلدة، وقد حملت تلك الزيادة على أنها تعزير يجوز فعله من ولي الأمر إذا رأى مصلحة في ذلك.

ثالثا: الإثبات في جريمة شرب الخمر
تثبت بأحد أمرين:

1. بشهادة رجلين عدلين.

2. الإقرار الحر لشارب الخمر.

6- حد الردة

أولا: تقرير شمولية رسالة الإسلام

لقد جاء الإسلام رسالة للناس كافة، والنبي صلى الله عليه وسلم – وهو خاتم النبيين – رحمة للعالمين، ومن النصوص الدالة على ذلك:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 107].

﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [سورة آل عمران، الآية 19]

ثانيا: تقرير حرية الاعتقاد

لقد قرر الإسلام حرية الاعتقاد، وبين أن [الإيمان الصحيح المقبول يجيء وليد يقظة عقلية، واقتناع قلبي، إنه استبانة الإنسان العاقل للحق، ثم اعتناقه عن رضا ورغبة] [2]، ومن النصوص المؤكدة لذلك قوله تعالى:

﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...﴾ [سورة البقرة، الآية 256].

﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ [سورة الغاشية، الآيتان 21-22].

وحينما تحدث القرآن الكريم عن المخالفين له والكافرين به لم يرغمهم على اعتناقه لقوله تعالى:

﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [سورة الكافرون، الآية 6] .

﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة يونس، الآية 41].

ثالثا: الردة

المراد بالردة خروج المسلم من الإسلام طواعية [3] بعد أن كان فيه بالقول أو بالفعل، ومن يفعل ذلك يعد مرتدا إلى الوراء بعد أن تقدم إلى الهداية والرشد [4].

رابعا: موقف الفقهاء من عقوبة الردة

لقد قرر الفقهاء الأقدمون أن المرتد يقتل اعتمادا على الأحاديث الآتية:

- (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري].

- (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) [رواه البخاري ومسلم].

- رُوي أن معاذا قدم على أبي موسى وقد وجد عنده رجلا موثقا، فقال: (ما هذا؟ قال: رجل كان يهوديا فأسلم، ثم تهود، فقال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله) [رواه البخاري ومسلم].

فهذه الأحاديث [5] تؤكد على أن عقوبة المرتد هي القتل، وحكمة ذلك تتمثل في حماية حرية العقيدة من العبث والفساد، ويعلل الشيخ أبو زهرة [6] ذلك بقوله: [أن الدولة الإسلامية قائمة على الدين، فمن خرج منه فقد ناوأها، وخرج عليها، وهو يشبه الآن من يرتكب الخيانة العظمى، وقد أجمعت الدول المتحضرة الآن على قتل من يتهم بالخيانة العظمى] [7].

ويرى بعض المعاصرين أن المرتد لا يُقتل، بل يُدعَى إلى الإسلام كمن لم يسبق منه إسلام، وممن ذهب إلى هذا الرأي الشيخ عبد المتعال الصعيدي وقد اعتمد على أدلة نلخصها فيما يلي:[8]

1. الأدلة النقلية:

أ- إن قول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...﴾ يخاطب الجميع على السواء: الذين لم يسبق لهم الإسلام، وكذا المرتدين، ثم إن القرآن لم يسلط عقابا على المرتد في الدنيا، إنما عقابه في الآخرة.

ب- يُرد على الأحاديث الآمرة بالقتل بأحد الوجهين:[9]

الأول: عدم قبول العمل بأحاديث الآحاد في العقائد.

الثاني: حمل حديث (من بدّل دينه فاقتلوه) على المرتد المقاتل، ولا يكون السبب في قتله ارتداده، بل قتاله للمسلمين.

2. الدليل العقلي:

ما دام أن الاختيار شرط في صحة إسلام شخص لم يسبق له أن أسلم، فيجب أن يكون مطلوبا كذلك في الشخص الذي ارتد بعد إسلام، ثم إن الإسلام لا يستفيد من شخص يعلن إسلامه بالإكراه ويبطن كفره.

7. الصفات المشتركة للحدود:

1- الحدود كلها عقوبات بدنية لها أثر معنوي: الرجم، القتل، الجلد.

2- الحدود لا تثبت إلا بنص القرآن أو السنة لا بتقرير ولي الأمر كما هو الحال بالنسبة للتعازير.

3. لا تقام الحدود إلا إذا توافرت شروطها وانتفت موانعها ولابد من التشدّد في إثباتها.

4. الحدود زواجر وجوابر: زواجر بالنسبة لمن أقيمت عليه ولغيره من المجرمين، وجوابر فلا يعاقب في الآخرة مادام قد نال عقابه في الدنيا.

5. الحدود تدرأ بالشبهات: قال صلى الله عليه وسلم: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم) [رواه الترمذي]، ومن ثم تسقط الحدود وتحل محلها التعزيرات.

6. الحدود الثابتة لا تقبل العفو ولا الصلح كما لا تقبل الإبراء لأنها من حق الله تعالى فلا يملك أحد إسقاط هذا الحق: قال عز وجل:

﴿...وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ...﴾ [سورة الطلاق، الآية 1].

﴿...تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 229].

﴿...تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا...﴾ [سورة البقرة، الآية 187].

7. الحدود تحمي مقاصد الشريعة الكبرى:

- حد الزنى يحمي العرض والنسل.

- حد السرقة يحمي المال.

- حد الحرابة يحمي المال والنفس.

- حد شرب الخمر يحمي الكليات الخمس.

- حد القذف يحمي العرض.

- حد الردة يحمي الدين.

- ب- القصاص

أولا: تعريف القصاص

أ- لغة: المساواة.

ب- اصطلاحا: المعاملة بالمثل في الجنايات على النفس عمدا

وقد شرع القصاص للمحافظة على الأنفس: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 179] ، واستتبابا للأمن.

ثانيا: أنواع جرائم القصاص

1/ جريمة القتل العمد:

أ. تعريفه: قتل إنسان حي قصدا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة، الآية 178].

ب. أركانه:

1. وجود إنسان حي أزهقت روحه.

2. وقوع فعل عمدي من الجاني أدى إلى إحداث وفاة المجني عليه.

3. تحقق القصد الجنائي، أما إذا تخلف القصد الجنائي فنكون أمام القتل الخطأ الذي تجب فيه الدية لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [سورة النساء، الآية 92].

ومقدار الدية مائة من الإبل، فيما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بكتاب إلى أهل اليمن جاء فيه: (وأن في النفس مائة من الإبل) [رواه مالك والنسائي].

ج- الإثبات في القتل العمدي:

يتم بثلاثة طرق:

1. الإقرار: وهو سيد الأدلة، شرط أن يكون المقر بالغا عاقلا مختارا.

2. البينة: تتحقق بشهادة شاهدي عدل، قال إبراهيم النخعي: الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة.

3. القسامة: يلجأ للقسامة إذا وجد شخص مقتول ولم يعرف قاتله، والمراد بها أن يحلف خمسون من أهل المحلة بالله بصيغة: ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، ولأولياء القتيل اختيار من يحلفون من أهل المحلة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأخ القتيل اختر منهم خمسين رجلا.

إن وجد القتيل بين قريتين تقاس المسافة ويحلف أهل القرية التي تقرب من جثة القتيل.

2/ جريمة الضرب والجرح: ضرب شخص باستخدام آلة حادة أو غيرها وأدى إلى إحداث تمزيق في أنسجته أو كسور أو رضوض أو غيرها، قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة المائدة، الآية 45].

* أركانها:

أ. الركن المادي: إحداث جرح أو كسر أو رضوض أو غيرها كقطع اليد أو الإصبع أو شجاج بالرأس.

ب. القصد الجنائي: أي بنية العمد التي انصرفت إلى إحداث جروح أو كسور أو قطع في الإنسان وغيرها كقطع اليد أو الإصبع أو شجاج بالرأس.

-ج- التعزير

أولا: تعريف التعزير

عقوبة يقررها ولي الأمر على جرائم لا حد فيها ولا كفارة، بالنظر إلى طبيعة الجرم وظروف الجريمة أو المعصية المرتكبة مثل: الرشوة، الغش في التعامل والتطفيف في الميزان، وخيانة الأمانة، وشهادة الزور...، قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة الشورى، الآية 40].

ثانيا: أنواع العقوبات التعزيرية

1. التوبيخ

2. الجلد

3. الغرامة المالية.

4. الحبس.
5. الإعدام.

[1]- الماوردي، الأحكام السلطانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1983، ص189.

[2]- الشيخ محمد الغزالي، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، الطبعة الثالثة، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، 1984، ص80.

[3]- ولا يُعد كافرا من أرغم على الردة بالنطق بكلمة الكفر، أو الإتيان بعمل مكفر، باتفاق فقهاء المذاهب الأربعة، وكذا الشيعة الزيدية، والضاهرية لقوله تعالى: ﴿...إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ...﴾ [سورة النحل، الآية 106]، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) [رواه مسلم].

[4]- الإمام محمد أبو زهرة، العقوبة، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت.ن، ص172.- عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، المجلد الثاني، دار التراث، القاهرة، د.ت.ن، ص707.

[5]- لم ينص القرآن الكريم على عقوبة دنيوية إنما أشار إلى عقاب المرتد في الآخرة مثل قوله تعالى: ﴿...وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾ [سورة البقرة، الآية 108]، ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ [سورة آل عمران، الآيتان 86-88]، ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة النحل، الآية 106].

[6]- الإمام محمد أبو زهرة، مرجع سابق، ص 173.

[7]- يرى الدكتور عبد الكريم زيدان أن: [المسلم بإسلامه يكون قد التزم أحكام الإسلام وعقيدته، فإذا ارتد فقد أخل بالتزامه وأساء للدولة، وتجرأ عليها فيستحق العقاب، لأن إخلال الشخص بالتزامه يوجب عليه الجزاء] الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، مكتبة المنار، الكويت، 1965، ص 67.

[8]- في كتابه الحرية في الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت.ن، ص 88 .

وممن قال بهذا الرأي الشيخ محمد شلتوت في كتابه الإسلام عقيدة وشريعة، ص281: [...وقد يتغير وجه النظر في المسألة إذا لوحظ أن كثيرا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم، وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين، والعدوان عليهم، وماولة فتنتهم عن دينهم، وإن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه على الدين].

[9]- عبد المتعال الصعيدي، مرجع سابق، ص158 وما بعدها.

- د/ حمود حمبلي، حقوق الإنسان بين النظم الوضعية والشريعة الإسلامية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1955، ص164-165.

descriptionالنظام العقابي في الشريعة الإسلامية Emptyرد: النظام العقابي في الشريعة الإسلامية

more_horiz
شكرا لك اخي موضوع مميز من اخ مميز

descriptionالنظام العقابي في الشريعة الإسلامية Emptyرد: النظام العقابي في الشريعة الإسلامية

more_horiz
شكرا على الموضوع الرائع
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد