أدلة الإثبات في الشريعة الإسلامية هي ذاتا المعروفة في القوانين الوضعية وعلى ذلك نقول أن أدلة الإثبات بصفة عامة في المواد الجنائية هي: الشهادة، القرائن، اليمين، الكتابة، الإقرار أو الاعتراف على القاضي وأخيرا الخبرة.
ونقول هنا أيضا أن جريمة الرشوة باعتبارها من جرائم التعزير وتدخل في الأموال فإنها تبث بأحد الأدلة التالية: الشهادة، الإقرار أو الاعتراف وأخيرا القرائن.
وعلى ذلك سنخصص لكل مطلبا مستقلا:

المطلب الأول: الشهــادة:
الفقرة الأولى: معنى الشهادة
لغة: هي البيان أو الإخبار القاطع وقولهم أشهد بكذا أي أحلف والمشاهدة: المعاينة (وشهده) بالسكر (شهودا) أي حضره فهو (شاهد) وقوم (شهود) أي حضور ( ).
شرعا: هي إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء فتخرج شهادة الزور فليست شهادة وإطلاق الشاهد على الزور مجاز من قبيل إطلاق البيع على بيع الحق( ).
وقيل هي إخبار بحق للغير على آخر سواء كان حق الله تعالى أو حق غيره ناشئا عن يقين لا عن حسبان وتخمين وإليه الإشارة بقوله : “إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع”( ).
وأدلة الشهادة تثبت بالكتاب والسنة والإجماع:
أولا: من الكتاب قوله تعالى:
واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا.. ( ).

ثانيا: من السنة النبوية الشريفة
روى وائل ابن حجر قال:
جاء رجل من كندة إلى النبي  فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي، فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي فليس له فيها حق فقال النبي  للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه”.
وما روى أن النبي  قال: “البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه” وهذه القاعدة تقابلها في القوانين الوضعية البينة على من ادعى واليمين على من أنكر”

ثالثا: من الإجماع:
أجمع السحابة والخلفاء على الإثبات بالشهادة ويساق لذلك ما ورد في رسالة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه إلى أبي موسى الأشعري والتي جاء فيها: “البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا”
الفقرة الثانية: الشروط الواجب توفرها في الشهادة:
للشهادة شروط عامة هي: البلوغ ، العدالة، انعدام التهمة، العقل، الإسلام، الحفظ، انعدام القرابة، الكلام، انعدام العداوة.
وفيما يخص لفظ الشهادة فيرى بعض الفقهاء بضرورة أن تؤدى الشهادة بلفظ أشهد بينما يرى البعض جواز أداء الشهادة بأي لفظ يفيد معناها( ).
الفقرة الثالثة: نصاب الشهادة:
جريمة الرشوة كما قلنا من الجرائم الموجبة لعقوبة مالية وعلى ذلك نصاب الشهادة كالآتي:
1-شهادة برجلين، 2-أو رجل وامرأتان، 3-أو شهادة رجل واحد ويمين المدعى
ويرى ابن القيم أن الجرائم الموجبة للعقوبات المالية تثبت بشهادة شاهد واحد دون يمين كلما وثق به القاضي( ).
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : قضى رسول الله  باليمين مع الشاهد الواحد.
هذا وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز الحكم بشهادة شاهد واحد ويستدلوه على ذلك حديث خزيمة بن ثابت أن النبي  ابتاع فرسا إلى أعرابي فاستتبعه إلى منزله ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي  وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي يساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي  ابتاعه فنادى الأعرابي رسول الله : “إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي  حين سمع نداء الأعرابي فقال أوليس قد ابتعته منك؟ قال الأعرابي: لا والله ما بعتكم، فقال النبي  بل قد ابتعته منك، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا، فقال خزيمة بن ثابت أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل النبي  على خزيمة فقال بم تشهد؟ قال لتصديقك يا رسول الله  فجعل النبي  شهادة خزيمة بشهادة رجلين” (رواه النسائي وأبو داود.

المطلب الثاني: الإقرار:
الفقرة الأولى: مفهوم الإقرار : لغة واصطلاحا
لغة: هو الإثبات من قر الشيء يقر قرارا
شرعا: عرفه البعض بأنه الإخبار عن الحق أو الاعتراف.
وقال البعض: أنه إخبار بحق لآخر لا إثبات له عليه وهو خبر يتردد بين الصدق والكذب فهو خبر محتمل باعتبار ظاهره وبذلك لا يكون حجة، ولكنه جعل حجة إذا اصطحب بدليل معقول يرجع جانب الصدق على جانب الكذب.
والإقرار يقال له الاعتراف في تعبير القانونيين
أدلة الإقرار: ثبت الإقرار بالكتاب والسنة والإجماع.

أولا: أدلة القرآن الكريم
قوله تعالى: وليملل الذي عليه الحق وليتفق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ( ).

وقوله تعالى:  يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم( ).
ثانيا: من السنة النبوية الشريفة
حفلت السنة النبوية الشريفة بروايات كثيرة تؤيد الأخذ بالإقرار نذكر منها حديث ما عزا والفامدية وحديث العسيف.
ثالثا: من الإجماع:
الأمة أجمعت على صحة الإقرار لأنه إخبار بنفي التهمة عن المقر ولهذا كان الإقرار أكد من الشهادة وكان حجة في حق المقر يوجب عليه الحد والقصاص والتقرير كما يوجب عليه الحقوق المالية.
الفقرة الثانية: الشروط الواجب توافرها في الإقرار:
يشترط في المقر ما يلي:
1-أن يكون بالغا، 2-أن يكون عاقلا، 3-أن يكون مختارا، 4-أن يكون قادرا على النطق أي أن يكون بالخطاب والعبارة لا بالكتابة والإشارة، 5-يجب أن يكون الإقرار مفصلا مبينا لحقيقة الفعل، 6-يكتفي بالإقرار مرة واحدة في التقرير لأنه مما لا يندئ بالشبهات.

المطلب الثـالث: القـرائن:
الفقرة الأولى: تعريفها
القرينة مأخوذة من المقارنة وهي المصاحبة
والشريعة الإسلامية قد عرفت القرائن بل إن معظم أحكامها قد بنيت على أساس القرائن محل القسامة وإثبات الزنا بالحمل وإثبات شرب الخمر بالرائحة وإثبات السرقة على من يوجد في حيازته المال المدعى بسرقته ودفع اللقطة لمن يصفها ويعطى مميزاتها بصفة صادقة ولمن يريد الاستزادة أن يرجع إلى كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم الجوزية.
الفقرة الثانية أدلتها:
وردت أدلة القرائن بالكتاب والسنة والإجماع
أولا أدلة القرآن الكريم
قوله تعالى: واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سواء إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدهن إن كيدكن عظيم ( ) .

ثانيا: من السنة النبوية الشريفة
“عن أبي هريرة عن النبي  قال بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها، إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى فخرجنا على سليمان بن داود عليه السلام فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما فقالت الصغرى لا يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى” ( ) رواه الشيخان والنسائي
يستدل أيضا أن النبي  أمر الزبير أن يتعهد عم يحيى بن أقطب بالعذاب على إخراج المال الذي غيبه وادعى نفاذه فقال له العهد قريب والمال أكثر من ذلك فهاتان قرينتان في غاية القوة: كثرة المال وقصر المدة التي ينفق كله فيها( ).
أمر رسول الله  الملتفظ أن يندفع اللقطة إلى واضعها وأمره أن يعرف عقاصها ووعاءها وركائنها فجعل وصفه لها قائما مقام البينة.

ثالثا: من الإجماع
يستدل من ذلك ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصحابة معه برجم المرأة التي ظهر بها حمل ولا زوج لها ولا سيد وذهب إليه مالك وأحمد في أصح روايته اعتمادا على القرينة الظاهرة.
وقد قال ابن القيم أن الحاكم إذا أهمل الحكم بالقرائن أضاع حقا كثيرا وأقام باطلا كبيرا وأنه إن توسع وجعل معوله عليها دون الأوضاع الشرعية وقع في أنواع من الظلم والفساد( ).
والذي يحدث أن التحريات التي يجريها رجال الشرطة عن جرائم الرشوة يعد بناء عليها كمين لضبط الراشي والمرتشي بعد أن توضع علامات أو تؤخذ أرقام المبالغ المالية ويستعان بأجهزة التسجيل ويواجه بها المتهم فلا يجد سبيلا للإنكار وفي الغالب ما يقرر ويعترف، وتبقى السلطة التقديرية للقاضي.