التوثيق العدلي مهنة حرة مستقلة وعلى قاضي التوثيق أن يرفع يده عن عقود المعاملات المدنية
الدكتور: العربي مياد
أستاذ باحث
أثير نقاش فقهي حول الطبيعة القانونية للعقود العدلية، هل هي عقود عرفية أم عقود رسمية، والمناسبة هي إلزامية مخاطبة قاضي التوثيق عليها؟
بداية لابد من الإشارة أنه طبقا لمقتضيات الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود فإن الورقة الرسمية هي التي تلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك وفق الشكل الذي يحدده القانون .
وتكون رسمية أيضا:
- 1) الأوراق المخاطب عليها من القضاء في محاكمهم.
- 2) الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية.
والأوراق بهذه الصفة تعتبر حجة قاطعة بين الأطراف وتجاه الغير إلى أن يطعن فيها بالزور.
إذن أهمية التمييز بين الورقة العرفية والورقة الرسمية تكمن على الخصوص في قيمتها القانونية وحصانة مضمونها ، وتستمد الوثيقة الرسمية من محررها وشكلها.
وعلى هذا الأساس نصت المادة 33 من القانون رقم 16 . 03 المتعلق بخطة العدالة أنه تكتب الشهادة تحت مسؤولية العدلين في وثيقة واحدة دون انقطاع أو بياض أو بتر أو إصلاح أو إقحام أو إلحاق أو تشطيب أو استعمال حرف إضراب .
وتذيل الوثيقة بتوقيع عدليها مقرونا باسميهما مع التنصيص دائما على تاريخ التحرير.. وتضيف الفقرة الأخيرة من المادة 35 على أنه لا تكون الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بالخطاب ، وتعتبر حينها وثيقة رسمية .
تباين في الشروط:
يستشف مما سلف أن المحررات العدلية تكون رسمية بعد الخطاب عليها من طرف القاضي المكلف بالتوثيق ، أما قبل ذلك فتبقى وثيقة عرفية في مفهوم الفصل 423 من قانون الالتزامات والعقود الذي أكد على أن الورقة التي لا تصلح لتكون رسمية بسبب عدم الاختصاص أو عدم أهلية الموظف أو بسبب عيب في الشكل تصلح لاعتبارها محررا عرفيا.
لكن إذا كانت المادة 33 المشار إليها أعلاه تفرض أن على العدلين وتحت مسؤوليتهما تحرير الوثيقة العدلية ضمن شكل معين وأن تكون خالية من جميع العيوب التي من شأنها أن تحمل على أكثر من معنى وألا تتضمن أي خدش أو بتر أو إضافة أو إقحام بالإضافة إلى إيداعها لدى مصلحة التسجيل لاستيفاء واجبات التسجيل عند الضرورة ألا تكفي كل هذه الشكليات لاعتبارها ورقة رسمية؟ لاسيما بالمقارنة مع المحررات التي يحررها الموثق الخاضع لظهير 4 ماي 1925 المتعلق بتنظيم شؤون محرري الوثائق ( الفرنسيين) حيث تستمد الوثيقة أو المحرر المنجز من طرفه بمجرد تحريره ووضع التوقيع عليه دون حاجة إلى تقديمه لجهة أجنبية عن المهنة.
وهنا تكمن خطورة هذا الإجراء لجملة من الأسباب أهمها:
- 1) إن هامش الخطأ لدى المحرر المفرد يكون كبيرا بالمقارنة مع المحرر العدلي الذي يسهر على تحريره ومراجعته عدلان .
- 2) إن من أهم شروط ممارسة التوثيق العدلي في المغرب أن يكون العدل مسلما ومغربيا وبالغا من العمر 25 سنة وألا يكون محكوما عليه من أجل جناية أو عقوبة حبسية من أجل جنحة باستثناء الجنح غير العمدية وكذا غير محكوم عليه بعقوبة مالية ولو موقوفة التنفيذ من أجل جرائم الأموال,..
وهنا تظهر الشروط العسيرة لولوج مهنة التوثيق العدلي ، عكس التوثيق العصري فإن الفصل 7 من قانون 4 ماي 1925 في نصه الأصلي لا يشترط الإسلام كما أنه منع حاملي الجنسية المغربية من ولوج المهنة كما أنه لا يعير أهمية قصوى للمروءة وخلو الذمة من عقوبات بدنية أو مالية .
وهذا ما حاول مشروع القانون رقم 09. 32 يتعلق بتنظيم مهنة التوثيق وبإحداث هيئة وطنية للموثقين تفاديه متأثرا ببعض مقتضيات القانون المنظم لخطة العدالة .
»خجل « في المعالجة :
- 3) إن المحرر التوثيقي العصري يحرر من طرف شخص منفرد ، وهذا ما يجعل الموثق مجرد محرر عكس العدل الذي يعتبر محررا وشاهدا .
- 4) تحرر غالبا المحررات العدلية باللغة العربية عكس تلك المحررة من طرف الموثق "العصري" التي غالبا ما تحرر بلغة أجنبية .وهذا ما حاول مشروع القانون المنظم للتوثيق تفاديه بكثير من الخجل في المادة 42 التي نصت على أنه تحرر العقود والمحررات باللغة العربية،إلا إذا اختار الأطراف تحريرها بلغة أخرى .
وهذا يعني حتى في ظل السيادة المغربية فإن المشروع كما أعدته وزارة العدل يسمح للموثق بأن يحرر العقود والمحررات بلغة أجنبية ، والحال أن قانون 1965قانون المغربة والتوحيد الذي يستمد منه الموثقون المغاربة شرعية مهامهم يؤكد على أن اللغة العربية لغة التعامل كقاعدة.
حديث عن خطة العدالة عوضا عن التوثيق العدلي :
بقي علينا أن نتساءل هل هناك من مبرر لجعل خطاب القاضي المعبر الوحيد لرسمية العقود العدلية ؟
كما سبق وأن قلنا فإن المادة 1 من القانون رقم 03 . 16 يتعلق بخطة العدالة تنص على أنه تمارس خطة العدالة بصفتها مهنة حرة حسب الاختصاصات والشروط المقررة في هذا القانون وفي النصوص الخاصة ويعتبر العدول من مساعدي القضاء .
إن التحليل البسيط لهذه المادة يثير الملاحظات التالية :
- 1) إن المشرع يعترف بأن مهنة العدول مهنة حرة أي أنها لا تخضع للسلطة الرئاسية ولا إلى سلطة الوصاية من طرف أجهزة الحكومة .
- 2) إن المشرع يعتبر العدول من مساعدي القضاء. وفي اعتقادنا فإنهم أكثر من ذلك فهم من أسرة القضاء .
- 3) إن المادة المذكورة تتحدث عن خطة العدالة عوضا عن مـهنة التوثيق العدلي وفي هذا تقصير، ومن تم يجب الإعتراف بان التوثيق العدلي مهنة حرة مستقلة شأنها في ذلك شأن المهن الحرة الأخرى
- 4) مادام المشرع استعمل عبارة خضوع المهنة لقانون 03 . 16 والنصوص الخاصة فهو يعترف صراحة بأنها مهنة تخضع للقانون الوضعي وليس للفقه الإسلامي، وبالتالي يجب أن يرفع قاضي التوثيق يده عن جميع العقود التي تتعلق بالمعاملات المدنية.
والجدير بالملاحظة أن القانون التونسي رقم 60 الصادر بتاريخ 23 مايو 1994يتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد، نص في مادته الأولى على أن لعدل الإشهاد صفة المأمور العمومي كما أن المادة 12 منه نصت على أن العدل يتولى المهام التالية :
ـ تحرير كل ما ترغب السلط أو الأشخاص في إثباته بحجة رسمية من اتفاقات وتصريحات.
ـ إجراء الاستجوابات المنشئة للإلتزامات.
ـ تحرير الفرائض باعتماد حجج الوفيات
كما يتولى المهام التي توكلها له قوانين خاصة ….
ضروروة تحصين التوثيق العدلي ومعاملة بالمثل :
صفوة القول فإن مهنة التوثيق العدلي مهنة متأصلة في الأعراف والتقاليد العربية والإسلامية عامة والمغربية على الخصوص كما انها ضاربة جذورها في المجتمع المغربي دون أن تكون جامدة فهي مهنة متطورة وقابلة للتكيف مع المستجدات العصرية المرتبطة بالعقود المتعلقة بالإيجار المفضي للتملك والبيع في طور الانجاز والملكية المشتركة والعقود الإلكترونية وغيرها من الععقود المستحدثة .
لذا فإن المشرع مطالب بأن يتحمس لتحصين التوثيق العدلي إسوة بالحماس الذي يتعامل به مع التوثيق العصري لما في ذلك من مساواة بين المهن وممتهنيها، كما أن المجتمع المدني والأحزاب السياسية مدعوة للدفاع عن مهنة التوثيق العدلي لأنه توثيق مغربي أصيل.
العلم 17 مارس 2010