الرقابة القضائية على دستورية القوانين
Contrôle juridictionnel de la Constitutionnalité des lois
المطلب الأول : معنى الرقابة القضائية :
v : معنى الرقابة القضائية :
تعني الرقابة القضائية وجود هيئة قضائية تتولى الرقابة على دستورية القوانين و قصد بالرقابة القضائية على دستورية القوانين قيام القضاء بالتحقق من مدى مطابقة القانون لأحكام الدستور. فالرقابة القضائية ترمز إذن إلى الهيئة التي تباشرها وطابعها القضائي.
v الهيئة المختصة بالرقابة القضائية :
إن القيام بالرقابة تتم من قبل هيئة قضائية على دستورية القوانين للمحافظة على علوية الدستور.
و اعتمدت عدة دول في العالم أسلوب الرقابة القضائية لدستورية القوانين و خولت آو سمحت لهيئات قضائية بممارسة هذا النوع من الرقابة و هناك العديد من أنواع الرقابة القضائية إلا أن أهمها هما
ü أولا : الامتناع من تطبيق القانون الغير دستوري, وهو ما يسمى برقابة الامتناع
ü ثانيا : الحكم بإلغاء القانون المخالف للدستور , اي ان الرقابة هي رقابة و الالغاء بعد صدور فيطلق عليه الإلغاء لاحق.
المطلب الثاني أنواع الرقابة القضائية :
v الفرع الأول : رقابة الامتناع
قلنا إن رقابة الامتناع تعني امتناع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري , و تكون دائما لاحقة على إصدار القانون. و لما كان المثال البارز لهذه الرقابة يعود للولايات المتحدة الأمريكية , فإننا سوف نعمل على دراسة هذه الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية .
نشأت هذه الرقابة أولا في الولايات المتحدة الأمريكية و تمارس المحاكم هذه الرقابة القضائية لدستورية القوانين , كل حسب حدود اختصاصاتها .فالمحاكم الاتحادية تراقب دستورية القوانين بالنسبة للقوانين التي تسنها السلطة التشريعية , إما محاكم الولايات فإنها تنظر في دستورية القوانين التي تسنها برلمانات الولايات حيث يراعى من قبل الحاكم نصوص دساتير الولايات و نصوص دستورية الاتحاد المركزي .و الواقع ان دستور الولايات المتحدة لعام ى1787 لم بنص صراحة على جواز مثل هذه الرقابة .
لكن رئيس المحكمة العليا القاضي مارشال اجتهد في هذا الأمر حين نظرت المحكمة بدعوى ماربوري ضد ماديسون في عام 1803.و كانت مبررات اجتهاده تكمن في ان من حق القاضي حين ينظر في قضية ما أن يفصل في المنازعات التي يمكن ان تقوم فيما بين القوانين بشكل عام و القوانين العادية و الدستورية بشكل خاص. و لهذا فان من حقه إذا وجد أن هناك تناقضا بين القانون العادي و الدستور ان يمتنع عن تطبيق الأول , احتراما و التزاما بما نص عليه الدستور باعتباره القانون الاسمي للبلاد.
و على الأساس هذا الاجتهاد . أصبحت رقابة الامتناع القضائية جزءا من النظام الدستوري للولايات المتحدة من الجدير بالذكر أن الأثر القانوني الذي تحدثه هذه الرقابة على القانون المخالف للدستور لا يصل لحد إلغاء هذا القانون و إنما الامتناع عن تطبيقه فقط. كذلك فان قرار محكمة ما بعد دستورية احد القوانين لا يسري أثره , بالأصل إلا عن المتخاصمين في الدعوى المنظور بها. لكن نظام السوابق القضائية المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية و الذي يعني ضرورة تقيد المحاكم الأدنى بالقرارات الصادرة عن المحاكم الأعلى يؤدي إلى تعميم الأثر القانوني للأحكام الصادرة عن المحكمة العليا باعتبارها أعلى هيئة قضائية في الاتحاد [11] . و عليه فان قرارات المحكمة العليا التي قد تعلن عدم دستورية بعض القوانين تكون ملزمة لكافة المحاكم الأخرى في البلاد .إلا أن هذا لا يعني , مع ذلك , إلغاء القانون لان المحكمة العليا نفسها قد يعود لأسباب عديدة. وبعد فترة من الوقت عن قرار سابق لها بشان احد القوانين و تعتبره مطابقا للدستور بعد أن كانت قد اعتبرته مخالفا له .
و هذه السلطة الواسعة التي تتمتع بها المحكمة العليا بالولايات المتحدة دفعت العديد من الفقهاء للحديث عن ما يسمى ((بحكومة القضاة)) في تلك البلاد او للقول بان دستور الولايات المتحدة الامريكية هو ما تقرره أكثرية التسعة قضاة الذين تتألف منهم المحكمة العليا .
v الفرع الثاني : رقابة الإلغاء
الرقابة القضائية بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة (رقابة الإلغاء)
تحدث الرقابة بطريقة الإلغاء أو الدعوى الأصلية contrôle par voie d’action عندما يقوم صاحب الشأن المتضرر من قانون معين بالطعن فيه مباشرة أمام المحكمة المختصة طالبا إلغائه لمخالفته الدستور , دون أن ينتظر تطبيق القانون عليه في دعوى من الدعاوى القضائية , فإذا ما ثبت للمحكمة المختصة أن القانون المطعون فيه مخالف للدستور فإنها تحكم بإلغائه بحيث كأن لم يكن أو إنهاء حياته بالنسبة للمستقبل طبقا لأحكام الدستور التي تنظم الرقابة القضائية [12] .
وقد يكون هذا الحكم قبل صدور القانون المخالف للدستور فتسمى رقابة الإلغاء السابقة أو بعده فتسمى رقابة الإلغاء اللاحقة. وبسبب خطورة الأثر المترتب على هذا الحكم والمتمثل بإلغاء تشريعات البرلمان، حرصت الدول على إن تمارسه محاكم دستورية عليا متخصصة أو أعلى درجات القضاء في الدولة، كما لم تجز كثر منها للأفراد إن يطعنوا مباشرة في دستورية القوانين بينما أجاز بعضها ذلك بطريق غير مباشر بان يتقدموا بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام بعض المحاكم، فان اقتنعت هذه المحكمة بجدية الطعن تقدمت به إلى المحكمة الدستورية( [13]).وتفريعا" على ذلك سأتناول هذا المطلب في ثلاث فروع ,الأول رقابة الإلغاء السابقة , والثاني رقابة الإلغاء اللاحقة أما الثالث عيوب ومزايا الرقابة القضائية بطريقة الدعوى الأصلية المباشر.
v الفرع الثالث :
أولا : رقابة الإلغاء اللاحقة :
وهي رقابة لاحقة على إصدار القانون أو هي وسيلة هجومية تسمح لبعض الجهات أو المراجع بالطعن في هذا القانون مباشرة أي بصورة مستقلة عن أي نزاع عن طريق الدعوى الأصلية.
فهي تفرض وجود دعوى أمام القضاء تتضمن الطعن في دستورية احد القوانين. و من ابرز الدول التي اخدت بهذا الأسلوب سويسرا التي خولت المحكمة الاتحادية فيها صلاحية الرقابة القضائية بالنسبة لقوانين المقاطعات فقط دون القوانين الصادرة عن الجمعية الاتحادية . و ايطاليا التي نص دستورها لعام 1947 على تشكيل محكمة دستورية من خمسة عشر قاضيا مهمتها البت في دستورية القوانين , و الحكم بإلغاء القانون المخالف لدستور , من اليوم التالي لصدوره.
ثانيا : رقابة الإلغاء السابقة :
بعد تشريع القانون من قبل السلطة التشريعية المكلفة بإعداد القانون , يرسل القانون للتصديق عليه لغرض إصداره , وقد ترتئي الجهة الموكلة بالتصديق إرسال هذا القانون إلى محكمة خاصة يحددها الدستور , للتأكد من عدم تعارض القانون مع الدستور , فتحريك الرقابة يكون من السلطة , وليس من قبل الأفراد , وقد أخذ بهذا دستور ايرلندا لعام 1937 , حيث يتعين على رئيس الدولة إذا رغب بممارسة حق الرقابة أن يحيل القانون في ظرف سبعة أيام من تاريخ استلامه للقانون إلى المحكمة العليا , وبعد استشارت مجلس الدولة , أن تصدر حكمها في فترة لا تتجاوز الستين يوما , فإذا أصدرت المحكمة حكما بدستورية القانون المحال إليها وجب على رئيس الجمهورية التصديق عليه , وقد تبنت هذه الطريقة من الرقابة بعض دول أمريكا اللاتينية أمثال كولومبيا في دستورها لعام 1886 , وبنما في دستورها لعام 1904 , والإكوادور في دستورها لعام 1929 ( [14] (
المطلب الثالث : المقارنة بين رقابة الإلغاء ورقابة والامتناع و عيوب الرقابة القضائية :
من خلال دراسة الرقابة الدستورية بطريقتي الإلغاء(الدعوى الأصلية) و الامتناع (الدفع) بمكن إجمال أهم الفروق بين طريقتين بالنواحي الآتية :
1 - في طريقة الإلغاء الدعوى الأصلية تختص محكمة واحدة في الدولة بالنظر في دستورية القوانين ; سواء كانت هذه المحكمة هي المحكمة العليا في النظام القضائي السائد في الدولة أم كانت محكمة دستورية أنشئت خصيصا لهذه المهمة .في حين في طريقة الامتناع (الدفع) فان جميع المحاكم على اختلاف درجاتها , سواء كانت من الدرجة الأولى أم الثانية و سواء كانت مدنية آو جزائية آو إدارية , فإنها تختص بالنظر في هذا الدفع .
2 - ان طريقة الإلغاء تفترض نصا دستوريا يجيز ممارسة الرقابة الدستورية و يحدد المحكمة المختصة بنظرها و يحدد عادة المدة التي يجب مرجعة المحكمة خلالها إما طريقة الدفع فلا تحتاج لمثل هذا النص و أن ممارستها لا تتقيد بمدة معينة , بل يمكن إثارة الدفع في كل مرة يراد تطبيق ذلك القانون في دعوى من الدعاوي القضائية. و ينتج عن ذلك أن طريقة الإلغاء التي ينص عليها الدستور تزول بإلغاء آو تعديل ذلك الدستور , في حين تبقى طريقة الدفع حتى بعد زوال الدستور لأنها لم تقرر بموجب هذا الدستور إلا إذا نص الدستور الجديد صراحة على منع هذه الرقابة .
3 - في طريقة الإلغاء تتم الرقابة الدستورية عن طريق الطعن بالقانون بدعوى مبتدأه , حيث يهاجم صاحب الشأن القانون بطريقة مباشرة , إما الرقابة بطريق الدفع فتتم بطريقة غير مباشرة , اي بمناسبة دعوى منظورة أمام القضاء يراد فيها تطبيق القانون
4 - في رقابة الإلغاء تقضي المحكمة المختصة بإلغاء القانون إذا ما تأكدت من عدم دستوريته .إما في رقابة الامتناع فان حكم المحكمة يقتصر على الامتناع عن تطبيق ذللك القانون على الدعوى المنظورة أمامها .
5 - ان ممارسة الرقابة بالدعوى الأصلية , وما يترتب عليها من إلغاء القانون المخالف للدستور , قد تثير حساسية السلطة التشريعية و تؤدي إلى التصادم بينها و بين المحكمة . إما ممارسة طريقة الدفع فلا تثير حساسية السلطة التشريعية , لان المحكمة لا تتدخل بعمل السلطة التشريعية و لا تقوم بإلغاء القانون المخالف للدستور , بل أنها تمتنع عن تطبيقه فقط.
عيوب ومزايا الرقابة القضائية بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة :
انقسم الفقهاء بشان الرقابة القضائية على دستورية القوانين بين مؤيد ومعارض على تفصيل في الأمر نبين حجج الطرفين فيما يلي:
v أولا: عيوب الرقابة بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة:
بالرغم من مزايا الرقابة القضائية بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة , إلا أنها لم تسلم من النقد من جانب الفقه باعتبار أنها تمثل خروجا على حدود مهمة القضاء وتؤدي إلى إقحامه في المجال التشريعي وإهداره لعمل السلطة التشريعية , مما يعتبر مساسا" بمبدأ الفصل بين السلطات , كما إن إعطاء سلطة إلغاء القانون يعطيها مركزا" قويا" ونفوذا" كبيرا" باتجاه سلطات الدولة لا سيما السلطة التشريعية( [15] (
v ثانيا: مزايا الرقابة بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة :
تحقق هذه الرقابة بعض المزايا المهمة التي لا تنكر , فمن ناحية أن تخصص جهة قضائية واحدة بمسألة فحص دستورية القوانين وتقرير ما إذا كان القانون المطعون فيه مخالف لأحكام الدستور أم لا وذلك سواء كانت هذه الجهة القضائية هي المحكمة العليا في النظام القضائي القائم في الدولة , أو محكمة دستورية خاصة أنشأت لتضطلع بهذه المهمة يؤدي إلى ثبات الأوضاع واستقرار المعاملات القانونية .
ومن ناحية أخرى فان الحكم الصادر بالإلغاء في حالة ثبوت مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام الدستور ينهي المشكلة ويحسم الموقف بصفة نهائية مما لا يسمح بالعودة مرة أخرى لطرح النزاع بصدد نفس القانون أمام محكمة أخرى أو أمام ذات المحكمة ( [16] (
Contrôle juridictionnel de la Constitutionnalité des lois
المطلب الأول : معنى الرقابة القضائية :
v : معنى الرقابة القضائية :
تعني الرقابة القضائية وجود هيئة قضائية تتولى الرقابة على دستورية القوانين و قصد بالرقابة القضائية على دستورية القوانين قيام القضاء بالتحقق من مدى مطابقة القانون لأحكام الدستور. فالرقابة القضائية ترمز إذن إلى الهيئة التي تباشرها وطابعها القضائي.
v الهيئة المختصة بالرقابة القضائية :
إن القيام بالرقابة تتم من قبل هيئة قضائية على دستورية القوانين للمحافظة على علوية الدستور.
و اعتمدت عدة دول في العالم أسلوب الرقابة القضائية لدستورية القوانين و خولت آو سمحت لهيئات قضائية بممارسة هذا النوع من الرقابة و هناك العديد من أنواع الرقابة القضائية إلا أن أهمها هما
ü أولا : الامتناع من تطبيق القانون الغير دستوري, وهو ما يسمى برقابة الامتناع
ü ثانيا : الحكم بإلغاء القانون المخالف للدستور , اي ان الرقابة هي رقابة و الالغاء بعد صدور فيطلق عليه الإلغاء لاحق.
المطلب الثاني أنواع الرقابة القضائية :
v الفرع الأول : رقابة الامتناع
قلنا إن رقابة الامتناع تعني امتناع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري , و تكون دائما لاحقة على إصدار القانون. و لما كان المثال البارز لهذه الرقابة يعود للولايات المتحدة الأمريكية , فإننا سوف نعمل على دراسة هذه الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية .
نشأت هذه الرقابة أولا في الولايات المتحدة الأمريكية و تمارس المحاكم هذه الرقابة القضائية لدستورية القوانين , كل حسب حدود اختصاصاتها .فالمحاكم الاتحادية تراقب دستورية القوانين بالنسبة للقوانين التي تسنها السلطة التشريعية , إما محاكم الولايات فإنها تنظر في دستورية القوانين التي تسنها برلمانات الولايات حيث يراعى من قبل الحاكم نصوص دساتير الولايات و نصوص دستورية الاتحاد المركزي .و الواقع ان دستور الولايات المتحدة لعام ى1787 لم بنص صراحة على جواز مثل هذه الرقابة .
لكن رئيس المحكمة العليا القاضي مارشال اجتهد في هذا الأمر حين نظرت المحكمة بدعوى ماربوري ضد ماديسون في عام 1803.و كانت مبررات اجتهاده تكمن في ان من حق القاضي حين ينظر في قضية ما أن يفصل في المنازعات التي يمكن ان تقوم فيما بين القوانين بشكل عام و القوانين العادية و الدستورية بشكل خاص. و لهذا فان من حقه إذا وجد أن هناك تناقضا بين القانون العادي و الدستور ان يمتنع عن تطبيق الأول , احتراما و التزاما بما نص عليه الدستور باعتباره القانون الاسمي للبلاد.
و على الأساس هذا الاجتهاد . أصبحت رقابة الامتناع القضائية جزءا من النظام الدستوري للولايات المتحدة من الجدير بالذكر أن الأثر القانوني الذي تحدثه هذه الرقابة على القانون المخالف للدستور لا يصل لحد إلغاء هذا القانون و إنما الامتناع عن تطبيقه فقط. كذلك فان قرار محكمة ما بعد دستورية احد القوانين لا يسري أثره , بالأصل إلا عن المتخاصمين في الدعوى المنظور بها. لكن نظام السوابق القضائية المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية و الذي يعني ضرورة تقيد المحاكم الأدنى بالقرارات الصادرة عن المحاكم الأعلى يؤدي إلى تعميم الأثر القانوني للأحكام الصادرة عن المحكمة العليا باعتبارها أعلى هيئة قضائية في الاتحاد [11] . و عليه فان قرارات المحكمة العليا التي قد تعلن عدم دستورية بعض القوانين تكون ملزمة لكافة المحاكم الأخرى في البلاد .إلا أن هذا لا يعني , مع ذلك , إلغاء القانون لان المحكمة العليا نفسها قد يعود لأسباب عديدة. وبعد فترة من الوقت عن قرار سابق لها بشان احد القوانين و تعتبره مطابقا للدستور بعد أن كانت قد اعتبرته مخالفا له .
و هذه السلطة الواسعة التي تتمتع بها المحكمة العليا بالولايات المتحدة دفعت العديد من الفقهاء للحديث عن ما يسمى ((بحكومة القضاة)) في تلك البلاد او للقول بان دستور الولايات المتحدة الامريكية هو ما تقرره أكثرية التسعة قضاة الذين تتألف منهم المحكمة العليا .
v الفرع الثاني : رقابة الإلغاء
الرقابة القضائية بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة (رقابة الإلغاء)
تحدث الرقابة بطريقة الإلغاء أو الدعوى الأصلية contrôle par voie d’action عندما يقوم صاحب الشأن المتضرر من قانون معين بالطعن فيه مباشرة أمام المحكمة المختصة طالبا إلغائه لمخالفته الدستور , دون أن ينتظر تطبيق القانون عليه في دعوى من الدعاوى القضائية , فإذا ما ثبت للمحكمة المختصة أن القانون المطعون فيه مخالف للدستور فإنها تحكم بإلغائه بحيث كأن لم يكن أو إنهاء حياته بالنسبة للمستقبل طبقا لأحكام الدستور التي تنظم الرقابة القضائية [12] .
وقد يكون هذا الحكم قبل صدور القانون المخالف للدستور فتسمى رقابة الإلغاء السابقة أو بعده فتسمى رقابة الإلغاء اللاحقة. وبسبب خطورة الأثر المترتب على هذا الحكم والمتمثل بإلغاء تشريعات البرلمان، حرصت الدول على إن تمارسه محاكم دستورية عليا متخصصة أو أعلى درجات القضاء في الدولة، كما لم تجز كثر منها للأفراد إن يطعنوا مباشرة في دستورية القوانين بينما أجاز بعضها ذلك بطريق غير مباشر بان يتقدموا بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام بعض المحاكم، فان اقتنعت هذه المحكمة بجدية الطعن تقدمت به إلى المحكمة الدستورية( [13]).وتفريعا" على ذلك سأتناول هذا المطلب في ثلاث فروع ,الأول رقابة الإلغاء السابقة , والثاني رقابة الإلغاء اللاحقة أما الثالث عيوب ومزايا الرقابة القضائية بطريقة الدعوى الأصلية المباشر.
v الفرع الثالث :
أولا : رقابة الإلغاء اللاحقة :
وهي رقابة لاحقة على إصدار القانون أو هي وسيلة هجومية تسمح لبعض الجهات أو المراجع بالطعن في هذا القانون مباشرة أي بصورة مستقلة عن أي نزاع عن طريق الدعوى الأصلية.
فهي تفرض وجود دعوى أمام القضاء تتضمن الطعن في دستورية احد القوانين. و من ابرز الدول التي اخدت بهذا الأسلوب سويسرا التي خولت المحكمة الاتحادية فيها صلاحية الرقابة القضائية بالنسبة لقوانين المقاطعات فقط دون القوانين الصادرة عن الجمعية الاتحادية . و ايطاليا التي نص دستورها لعام 1947 على تشكيل محكمة دستورية من خمسة عشر قاضيا مهمتها البت في دستورية القوانين , و الحكم بإلغاء القانون المخالف لدستور , من اليوم التالي لصدوره.
ثانيا : رقابة الإلغاء السابقة :
بعد تشريع القانون من قبل السلطة التشريعية المكلفة بإعداد القانون , يرسل القانون للتصديق عليه لغرض إصداره , وقد ترتئي الجهة الموكلة بالتصديق إرسال هذا القانون إلى محكمة خاصة يحددها الدستور , للتأكد من عدم تعارض القانون مع الدستور , فتحريك الرقابة يكون من السلطة , وليس من قبل الأفراد , وقد أخذ بهذا دستور ايرلندا لعام 1937 , حيث يتعين على رئيس الدولة إذا رغب بممارسة حق الرقابة أن يحيل القانون في ظرف سبعة أيام من تاريخ استلامه للقانون إلى المحكمة العليا , وبعد استشارت مجلس الدولة , أن تصدر حكمها في فترة لا تتجاوز الستين يوما , فإذا أصدرت المحكمة حكما بدستورية القانون المحال إليها وجب على رئيس الجمهورية التصديق عليه , وقد تبنت هذه الطريقة من الرقابة بعض دول أمريكا اللاتينية أمثال كولومبيا في دستورها لعام 1886 , وبنما في دستورها لعام 1904 , والإكوادور في دستورها لعام 1929 ( [14] (
المطلب الثالث : المقارنة بين رقابة الإلغاء ورقابة والامتناع و عيوب الرقابة القضائية :
من خلال دراسة الرقابة الدستورية بطريقتي الإلغاء(الدعوى الأصلية) و الامتناع (الدفع) بمكن إجمال أهم الفروق بين طريقتين بالنواحي الآتية :
1 - في طريقة الإلغاء الدعوى الأصلية تختص محكمة واحدة في الدولة بالنظر في دستورية القوانين ; سواء كانت هذه المحكمة هي المحكمة العليا في النظام القضائي السائد في الدولة أم كانت محكمة دستورية أنشئت خصيصا لهذه المهمة .في حين في طريقة الامتناع (الدفع) فان جميع المحاكم على اختلاف درجاتها , سواء كانت من الدرجة الأولى أم الثانية و سواء كانت مدنية آو جزائية آو إدارية , فإنها تختص بالنظر في هذا الدفع .
2 - ان طريقة الإلغاء تفترض نصا دستوريا يجيز ممارسة الرقابة الدستورية و يحدد المحكمة المختصة بنظرها و يحدد عادة المدة التي يجب مرجعة المحكمة خلالها إما طريقة الدفع فلا تحتاج لمثل هذا النص و أن ممارستها لا تتقيد بمدة معينة , بل يمكن إثارة الدفع في كل مرة يراد تطبيق ذلك القانون في دعوى من الدعاوي القضائية. و ينتج عن ذلك أن طريقة الإلغاء التي ينص عليها الدستور تزول بإلغاء آو تعديل ذلك الدستور , في حين تبقى طريقة الدفع حتى بعد زوال الدستور لأنها لم تقرر بموجب هذا الدستور إلا إذا نص الدستور الجديد صراحة على منع هذه الرقابة .
3 - في طريقة الإلغاء تتم الرقابة الدستورية عن طريق الطعن بالقانون بدعوى مبتدأه , حيث يهاجم صاحب الشأن القانون بطريقة مباشرة , إما الرقابة بطريق الدفع فتتم بطريقة غير مباشرة , اي بمناسبة دعوى منظورة أمام القضاء يراد فيها تطبيق القانون
4 - في رقابة الإلغاء تقضي المحكمة المختصة بإلغاء القانون إذا ما تأكدت من عدم دستوريته .إما في رقابة الامتناع فان حكم المحكمة يقتصر على الامتناع عن تطبيق ذللك القانون على الدعوى المنظورة أمامها .
5 - ان ممارسة الرقابة بالدعوى الأصلية , وما يترتب عليها من إلغاء القانون المخالف للدستور , قد تثير حساسية السلطة التشريعية و تؤدي إلى التصادم بينها و بين المحكمة . إما ممارسة طريقة الدفع فلا تثير حساسية السلطة التشريعية , لان المحكمة لا تتدخل بعمل السلطة التشريعية و لا تقوم بإلغاء القانون المخالف للدستور , بل أنها تمتنع عن تطبيقه فقط.
عيوب ومزايا الرقابة القضائية بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة :
انقسم الفقهاء بشان الرقابة القضائية على دستورية القوانين بين مؤيد ومعارض على تفصيل في الأمر نبين حجج الطرفين فيما يلي:
v أولا: عيوب الرقابة بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة:
بالرغم من مزايا الرقابة القضائية بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة , إلا أنها لم تسلم من النقد من جانب الفقه باعتبار أنها تمثل خروجا على حدود مهمة القضاء وتؤدي إلى إقحامه في المجال التشريعي وإهداره لعمل السلطة التشريعية , مما يعتبر مساسا" بمبدأ الفصل بين السلطات , كما إن إعطاء سلطة إلغاء القانون يعطيها مركزا" قويا" ونفوذا" كبيرا" باتجاه سلطات الدولة لا سيما السلطة التشريعية( [15] (
v ثانيا: مزايا الرقابة بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة :
تحقق هذه الرقابة بعض المزايا المهمة التي لا تنكر , فمن ناحية أن تخصص جهة قضائية واحدة بمسألة فحص دستورية القوانين وتقرير ما إذا كان القانون المطعون فيه مخالف لأحكام الدستور أم لا وذلك سواء كانت هذه الجهة القضائية هي المحكمة العليا في النظام القضائي القائم في الدولة , أو محكمة دستورية خاصة أنشأت لتضطلع بهذه المهمة يؤدي إلى ثبات الأوضاع واستقرار المعاملات القانونية .
ومن ناحية أخرى فان الحكم الصادر بالإلغاء في حالة ثبوت مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام الدستور ينهي المشكلة ويحسم الموقف بصفة نهائية مما لا يسمح بالعودة مرة أخرى لطرح النزاع بصدد نفس القانون أمام محكمة أخرى أو أمام ذات المحكمة ( [16] (