أصل البراءة وأهميته وجد أساسه في كل الاتفاقيات والإعلانات الدولية وكذا الدساتير والقوانين الداخلية وقبل ذلك وجد أساسه في الشريعة الإسلامية، هذا وقد أكدت جل الدساتير الغربية والعربية على هذا المبدأ بالنص عليه، ومن بينها الدستور الجزائري الجديد (28 نوفمبر 1996 في المادة 45).
أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد ظل المجتمع المغربي ينتظر تعديلا جوهريا لقانون المسطرة الجنائية لوقت طويل وارتفعت أصوات الحقوقيين للمطالبة بذلك منذ التراجعات التي عرفها قانون المسطرة الجنائية بتاريخ 18/04/1962 وازدادت المطالبة بحدة في بداية السبعينات في القرن الماضي حتى أضحى المشرع وتحت الضغوط الدولية في ترسيخ حقوق الإنسان وصيانة كرامته –نفسه مقتنعا بضرورة التغيير، وعبر عن إقتناعه بذلك في الفصل الأول من ظهير الإجراءات الجنائية الانتقالية الذي جاء فيه تبقى بصفة انتقالية وإلى أن يدخل القانون الجديد للمسطرة الجنائية في حيز التطبيق مقتضيات الظهير 61-56-1 بتاريخ قانون شعبان 1378
(10 فبراير 1959) المكونة لقانون المسطرة الجنائية مطبقة، وانتظر المغاربة قرابة ثلاثة عقود لكي يتبنى المشرع قانون المسطرة الجنائية الجديدة رقم 01-22 بعدما كانوا قد استقبلوا بارتياح التعديلات التي أدخلت على بعض مقتضيات قانون المسطرة الجنائية القديم 10 فبراير 1959 بتاريخ 30 دجنبر 1991 و10 شتنبر 1993 والتي استهدفت على الخصوص تقوية الدفاع وتقليص مدة الحراسة النظرية.
وقد أصدر قانون المسطرة الجنائية الجديدة في وقت أصبح فيه التلازم بين بناء دولة القانون والمؤسسات، وبناء قضاء قوي وفعال ومستقل قادر على حماية المؤسسات وفرص المساواة أمام القانون بشكل الأولوية في السياسة العليا لبلادنا التي تعقد الأمل على قضاءها لكسب هذا الرهان وقد عبر الملك محمد السادس عن هذا الأمل قائلا:
«إن القضاء واعيا كل الوعي بحتمية هذا الرهان ومؤهلا لاستيعاب التحولات التي يعرفها المغرب، فهو القادر على رفع التحدي ومواصلة رسالته التقليدية المتمثلة في السهر على ضمان النظام العام وتأمين السلم الاجتماعي مستجيبا في نفس الوقت للمتطلبات الجديدة المتمثلة في ضرورة حرص القضاء على التفعيل والتجسيد الملموسين للمفهوم ومضمون بناء دولة الديموقراطية ودولة الحق بضمان سيادة القانون ومساواة الجميع أمامه في جميع الظروف والأحوال».
ولا شك أن قانون المسطرة الجنائية يشكل قفزة نوعية في مسار تطور بناء دولة الحق والقانون وهو كذلك استجابة لآمال المغاربة المنتظرة منذ أكثر من ربع قرن، إلا أنه وعلى الرغم من الضمانات التي صرح بها من أجل تفعيل قانون المسطرة الجنائية مستندا في ذلك إلى معايير دولية المتمثلة في الاتفاقيات الدولية المنادية لحقوق الإنسان من خلال تفعيل المسطرة الجنائية، فإن هناك العديد من الانتقادات الفقهية الصارخة التي عبرت بأساها على التناقضات التي جاءت بها هذه المسطرة الجديدة رقم 01/22 الرامية إلى تفعيل الضمانات القديمة، بل إن بعض الفقهاء عبروا بأسهم لهذه المسطرة باعتبارها تشكل تراجعا ح
قوقيا للضمانات التي كانت معتمدة في قانون المسطرة الجنائية القديمة.