الأستاذ عبد الله درميش
محام بهية بالدار البيضاء
يعتبر موضوع الشفعة في العقار المحفظ موضوعا دقيقا وتقينا يصعب جمع شتاته في بحث واحد، ولذلك سأحوال مناقشة قواعد وشروط الشفعة في العقار المحفظ ثم الاجراءات المسطرية، وكيفية ممارسة الشفعة. وكل ذلك من الجانب العملي دون تفصيل في بسط النظريات .
وعليه. فإنني اخترت كمنهج للموضوع تقسيمه الى فصلين اثنين .
الفصل الأول :
قواعد وشروط الشفعة في العقار المحفظ .
الفصل الثاني :
الإجراءات المسطرية وكيفية ممارسة الشفعة
الفصل الأول :
قواعد وشروط الشفعة في العقار المحفظ
في هذا الفصل سأتناول بعض الاحكام والقواعد المتعلقة بالشفعة في العقار المحفظ مقتصرا على الجانب الذي يطرح اشكاليات ( موضوع الفرع الاول). كما سأتطرق الى بعض الشروط البارزة للشفعة ( موضوع الفرع الثاني) .
الفرع الأول :
بعض القواعد والأحكام المتعلقة
بالشفعة في العقار المحفظ
1) ان المصادر التشريعية التي يمكن الرجوع اليها بالنسبة للشفعة في العقار المحفظ هي اولا ظهير 19 رجب 1333 الموافق لـ 2 يونيو1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة، لانه تشريع خاص، وفي حالة غياب نص او حل في هذا الظهير، نبحث عنه في قانون العقود والالتزامات بحكم انه شريعة عامة، وعند انعدام النص او الحل في القانون العادي ( ق- ل-ع ) نرجع الى قواعد الفقه الاسلامي، بصفة عامة، والى مذهب الامام مالك، بصفة خاصة، لان الشفعة مستمدة من الشريعة الاسلامية والجدير بالملاحظة ان قواعد الشفعة في ظهير 2 يونيو1915 لا تكاد تختلف عن قواعد الشفعة في الشريعة الاسلامية الا في بعض الاجراءات الشكلية المتعلقة بالمسطرة، ونلاحظ كذلك ان الفصل 30 من الظهير يحيلنا على احكام الشريعة الاسلامية بقوله : " ان حقوق الاولوية في ممارسة الشفعة يبقى العمل جاريا بها بين المسلمين وفقا للاحكام الشريعة الاسلامية".
ومن مصادر الشفعة كذلك - بالنسبة للشقق المشتركة - الفصل 27 من ظهير 21 ذي الحجة 1365 الموافق لـ 16 نوفمبر1946 المؤسس لنظام الملكية المشتركة للعمارات المجزاة الى شقق .
2) ان كان المشرع لا يعني بوضع تعريفات للحقوق والتصرفات تاركا ذلك للفقه، فان الفصل 25 من ظهير 2/6/1915 قد عرف الشفعة كسبب من اسباب كسب الملكية بانها "هي الحق الثابت لكل من يملك مع اخرين على الشياع عقارات او حقوقا عينية عقارية في ان ياخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها، بعد ادائه المبلغ المؤدى في شرائها وكذا مبلغ ما ادخل عليها من تحسينات وما ادى عنها من مصاريف لازمة للعقد".
3) ويستخلص مـن التعريف السابـق ان الشفعـة ليست حقـا شخصيا او عينيا، وان كان المشرع استعمل لفظة " الحق الثابت" فيعني بذلك ان الشفعة كواقعة مادية رخصة ممنوحة للشفيع تخوله الحق في ان يكتسب الحصة المبيعة بعد توافر عدة شروط واجتماع عدة وقائع مادية، وقد اشار الاستاذ السنهوري في هامش صفحة451 من الوسيط الجزء التاسع الى ان الاهمية العملية لعدم اعتبار الشفعة حقا انه لا يجوز لدائني الشفيع ان يستعملوا الشفعة باسم مدينهم، فالشفعة لصيقة بشخص الشفيع فهي غير قابلة للانتقال عن طريق الحوالة، ومرتبطة بالعقار المشفوع فلا يجوز للشفيع ان يحولها للغير، فهي لا تنتقل بين الاحياء، فاذا باع الشخص - الذي له حق ممارسة الشفعة - حصته فان المشتري لهذه الحصة لا يحق له ممارسة حق الشفعة في التصرف الذي قام به الشخص البائع، وقولنا بان الشفعة لا تنتقل بين الاحياء يعني انها قابلة للانتقال بين الورثة، وان كان المشرع المغربي لم ينص على ذلك فانه باهتدائنا بقواعد الفقه الاسلامي نجد هذا المبدا مسلما به في المذهبين الشافعي والمالكي، ونعني بانتقالها بين الورثة ان يكون الشفيع قد اعلن رغبته في ممارسة حق الشفعة، اما اذا مات قبل ذلك الاعلان فان الشفعة لا تنتقل الى الورثة لانها رخصة لصيقة بالشفيع وليست حقا، اما اذا وقع الاعلان عن الرغبة فان الشفعة تتحول من رخصة الى حق وتنتقل بالارث لان الرخص شخصية لا تورث بخلاف الحقوق (1) .
هذا ويلاحظ ان الجدال لازال محتدما، بخصوص هذه النقطة، وان كان الراجح ان الاستشفاع لا ينتقل كما تنتقل الحقوق والاموال الى الوارث لان الاستشفاع متروك لمشيئة الشفيع ولصيق بشخصه، الا ان المجلس الاعلى قد اتجه اتجاها معاكسا لهذا الراي فاصدر قرارا بتاريخ 12/1/1969 جاء فيه : " يحق للورثة الذين قيدوا على العقار المحفظ ما نابهم منه من ملكية عن طريق الارث، استعمال حق الشفعة في مواجهة المشترين لواجب شخص كان يملك مع المورث على الشياع، وقيد هذا الشراء على نفس العقار في تاريخ سابق على تقييد الاراثة، ما دام استعمال حق الشفعة تم داخل الاجل القانوني، وذلك طبقا للمبدا الفقهي القائل " من مات عن حق فلوارثه" فاذا مات بعد وجوب الشفعة وقبل الاخذ بها فوارثه يقوم مقامه وينزل منزلته." (2).
4) ان المشرع في الفصل 33 من ظهير 2/6/1915 قد نص على انه " لا يمكن للشركاء في الملك ان يتنازلوا عن حقوقهم في الشفعة قبل تسجيل الشراء بالكناش العقاري والا كان تنازلهم باطلا" بمعنى انه لا يمكن للمشتري ان يسعى لدى الشريك في العقار المحفظ الى الحصول على تنازل منه عن الاستشفاع قبل تقييد شرائه في الرسم العقاري، وهذا تطبيق كذلك لمقتضيات الفصلين 66 و67 من ظهير 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) بشان التحفيظ العقاري .
ويلاحظ ان المشرع قد رتب جزاء البطلان على التنازل الواقع قبل تسجيل الشراء بالكناش العقاري (3) ومفهوم المخالفة للفصل، فان التنازل بعد تقييد الشراء جائز وصحيح وملزم للشفيع، لان الاستشفاع ليس من النظام العام ليمنع التصرف فيه بالتنازل، فاذا وقع التنازل عن الشفعة انتج ذلك التنازل اثره من تاريخ تقديم طلب الشفعة وقد يكون التنازل صريحا او ضمنيا .
5) ان الشفعة بصفة عامة في التشريع المغربي تقع في المنقول او في العقار، ذلك ان الفصل 974 من ق ل ع استعمل " الحصة الشائعة" دون ان يخصص ذلك الحصة للشائعة وحدها اذا بيعت مستقلة عنها، وغالبا ما تكون هذه التوابع شيئا منقولا، اما العقار المحفظ فلا تكون الشفعة الا في العقارات بطبيعتها او في الحقوق العينية العقارية القابلة للتداول بحد ذاتها اما المنقول بمآل او بطبيعته او العقار بالتخصيص فلا ترد عليها الشفعة لوضوح نص الفصل 25 من ظهير 2/6/1915، وبصورة اعم، فان جميع الحقوق التبعية التي لا تقبل الانتقال بحد ذاتها لا يمكن ان تكون موضوعا للشفعة، وتكون قابلة لذلك اذا بيعت مع العقار .
6) كما ان الشفعة مقررة كذلك في ملكية الشقق حسب ما نص عليه الفصل 27 من ظهير 16/11/1946 المؤسس لنظام الملكية المشتركة للعمارات المجزأة الى شقق والمعدل بظهير 10 يناير1955، الذي جاء في بعض فقراته " وفي حالة وقوع بيع او مزاد تعذر القسمة، سواء عن طواعية او بامر من القضاء، لصالح مشتر اجنبي عن نقابة الملاكين يجب على الطرف الاكثر مبادرة ان يبلغ عقد البيع بواسطة رسالة مضمونة مع شهادة التسليم الى النقابة التي تكون ملزمة باعلام الملاكين فورا .
يجوز لهؤلاء سواء باجمعهم او البعض منهم، او احد منهم فقط، ان يحل محل المشتري بعد انجاز الشرطين التاليين داخل اجل كامل مدته ستون يوما يحسب من التبليغ المنصوص عليه في المقطع السابق ….." (4) .
ويستخلص من النص اعلاه ان الشقة المملوكة لاكثر من شريك ويبيع احد الشركاء حصته الشائعة لاجنبي عن نقابة الملاكين (5) حق للشريك او الشركاء الاخرين الاخذ بالشفعة، اما ذا بيعت الشقة كلها صفقة واحدة فان للشريك او الشركاء الاخرين حق الضم (6) .
ويلاحظ كذلك ان الشفعة في الملكية المشتركة تمارس فقط اذا وقع التفويت عن طريق البيع دون غيره من التصرفات الاخرى ولو كانت بعوض لان المشرع استعمل عبارة ( بيع) ومقتضيات الشفعة لا تقبل القياس لانها مقتضيات استثنائية، كما ان الشفعة في ملكية الشقق تمارس في جميع حالات البيع ولو كان البيع جبريا تم عن طريق القضاء، اما اجل الشفعة - حسب النص - فهو ستون يوما ابتداء من تاريخ تبليغ البيع الى اسماء الملاكين وليس من تاريخ تسجيل البيع بالرسم العقاري .
الفرع الثاني
شروط ممارسة الشفعة
ان الشفعة لا تتحقق الا اذا توفرت بعض الشروط الاساسية سواء بالنسبة لنوع التصرف الواقع على العقار او بالنسبة لشخص الشفيع وهذا ما سنتناوله فيما يلي :
الشرط الاول :
التصرف في العقار بعوض
7) ان التصرفات التي تجوز فيها الشفعة هي التصرفات بعوض كالبيع والمعاوضة والوفاء بمقابل، فالفصل 974 من قانون العقود والالتزامات يشير الى عقد البيع وعقد المعاوضة، كما ان الفصل 322 من قانون العقود والالتزامات يجعل مقابل الوفاء يخضع لنفس احكام عقد البيع اما ظهير 2 يونيو1915 فلا يشير الا الى عقد البيع ولما كانت الشفعة استثناء وتقييدا لحرية التعاقد وجب عدم التوسع في تفسير مقتضياته، وبذلك وجب عدم الاخذ بالشفعة في العقار المحفظ الا في عقد البيع، ولكن تحقيقا لهدف المشرع من الشفعة وقطع الطريق على التواطئ، فانه اذا ظهر من عقد المقايضة ان التزام مكتسب الحصة الشائعة على قدر كبير من الاهمية فلا مانع من اعتبار عقد المقايضة بمثابة عقد بيع وبالتالي موجبا للاخذ بالشفعة (7) .
اما التبرعات فلا تجوز فيها الشفعة، فالهبة والوصية والميراث لا تكون موجبا للاخذ بالشفعة، بصفة مطلقة، كذلك لا تجوز الشفعة في عقد اختلطت فيه الهبة بالبيع بنصف القيمة لاعتبارات شخصية أرتاها البائع في المشترى (8) .
اما اذا كان العوض في عقد الهبة كبيرا جاز الاخذ بالشفعة ويلزم الشفيع بدفع الثمن الحقيقي لا العوض المسمى في العقد (9) .
كما لا يجوز ان يكون عقد القسمة سببا للشفعة لان القسمة بحد ذاتها في العقار المحفظ ليس لها اي اثر بالنسبة للمتقاسمين، ولا بالنسبة للغير ما دامت لم تسجل في السجل العقاري (10) .
وكذلك الصلح في شان عقار مقابل مبلغ من المال لا تنبني عليه الشفعة لان ذلك الصلح ليس ناقلا للملكية بل مقررا لها والمبلغ المالي الموضوع ليس ثمنا للعقار، فالصلح حسم للنزاع ويقتضي ذلك تنازل كل من الطرفين للاخر عن جزء مما يدعيه لنفسه ( ف 1098 ق ل ع )، ولا يجوز للاجنبي عن عقد الصلح ان ينتفع من فائدة قررها المشرع لمصلحة شخص معين، فالصلح مناف لحق الشفعة الذي يستلزم، من قبل الطرفين، واجبات شخصية لا يمكن للاجنبي ان يقوم بها (11) .
اما إذا قدم الشريك في عقار حصته لشركة، فانه وان كانت الملكية تنتقل من هذا الشريك الى الشركة، فان ذلك لا يكون سببا للاخذ بالشفعة، لان ذلك التصرف لا يشبه البيع لعدم وجود ثمن، اما ذا وقع تقديم هذه الحصة للشركة مقابل نقود، فان ذلك يعتبر بمثابة بيع تجوز فيه الشفعة .
8) اما عن البيع الذي يكون سببا لممارسة حق الشفعة فهو البيع الرضائي الذي يتم طبقا لمقتضيات الفصول 488، 489 و490 من قانون العقود والالتزامات، اما البيع الذي يتم بدون رضى الشريك أي البيع الجبري الذي يتم بمقتضى إجراءات تنفيذية فانه لا يكون ثمة مجال لأخذ تلك الحصة المبيعة بالشفعة، لان البيع الجبري غالبا ما يتم بالمزاد العلني ويكون بالتالي أمام الشفيع فرصة المشاركة في المزايدة فلو كانت له رغبة في الأخذ بالشفعة لشارك فيها فضلا عن ان مثل هذا البيع تسبقه إجراءات الإشهار القانوني والإعلان عن تاريخ افتتاح المزايدة وإيداع محضر الحجز ووثائق الملكية بكتابة الضبط، ويبلغ ذلك الى العموم بالتعليق او بكل وسائل الإشهار ( ف 474 م ق م م )، وذلك خلال مدة تفوق المدة الممنوحة للشفيع في الفصل 32 من ظهير 2/6/1915 في حالة حضوره لمجلس العقد .
فالبيع الجبري الذي يتم وفق إجراءات رسمها القانون لا تجوز فيه الشفعة وكذلك الشان بالنسبة للبيع الاختياري الذي يتم عن طريق المزاد العلني أمام القضاء وفق إجراءات رسمها القانون كالبيع القضائي لعقار القاصر ( الفصول 207 الى 211 من ق المسطرة المدنية) ولعقار الشخص، الذي افترضت غيبته ( ف 263 من ق م م ) ولعقارات التركة التي وقع اعسارها (الفصل 260 م م) .
فالبيع بالمزاد العلني سواء كان جبريا او اختياريا لا تجوز فيه الشفعة لان حكمة المنع متوافرة في الحالتين وهي إمكانية الشفيع الدخول في المزايدة بفضل الإجراءات التي رسمها المشرع وحددها في قانون المسطرة المدنية (12) .
اما البيع الحر - دون التقييد بالإجراءات المرسومة من طرف المشرع - ولو وقع عن طريق المزاد العلني فلا يندرج تحت الموانع فتجوز فيه الشفعة لان علة المنع غير واردة في غياب الضمانات القانونية اذ لا يتقيد البائع بالإجراءات القانونية من إشهار وغيره .
والى جانب هذا النوع من البيع الحر نذكر كذلك بيع المالك لعقاره عن طريق تقديم عروض في أغلفة مغلقة حيث تنعدم العلانية ففي مثل هذا البيع تجوز الشفعة حتى ولو تم ذلك وفق إجراءات رسمها القانون، فالشرطان الأساسيان للمنع من الشفعة هما ان يتم البيع أولا بالمزاد العلني وثانيا ان يجري وفق إجراءات رسمها القانون (13) .
اما البيع الذي يتم بين الأصول والفروع او بين الزوجين او بين الأقارب لدرجة معينة، وان كانت بعض التشريعات كالتشريع المصري مثلا قد اتخذت موقفا واضحا بخصوص ذلك حيث أدرجت مثل ذلك البيع من بين الموانع من الأخذ بالشفعة، فان المشرع المغربي قد سكت عن ذلك. وأمام هذا السكوت وعدم عثورنا على موقف للعمل او الاجتهاد القضائيين، فإننا نرى، تطبيقا للقاعدة العامة بان الأصل هو الإباحة وان المنع هو الاستثناء، ان نقر بعدم وجود مانع لممارسة حق الشفعة ولو وقع البيع بين هؤلاء على ان لا يحصل البيع لاعتبارات خاصة بشخص المشتري اما اذا وجدت مثل هذه الاعتبارات الشخصية، فإننا لا نكون أمام عقد البيع بالمعني الصحيح بل أمام عقد آخر ذي صفة خاصة حيث لا تجوز فيه الشفعة، ثم انه لو أراد المشرع منع الشفعة في مثل هذا البيع لنص على ذلك صراحة بين مقتضيات الشفعة .
9) يستخلص إذن انه غالبا ما يكون عقد البيع هو سبب الاستشفاع ويقصد بعقد البيع هنا عقد البيع الحقيقي وليس عقد البيع الصوري لان هذا الأخير لا وجود له فهو كالعقد الباطل (14) الذي لا تجوز فيه كذلك الشفعة، ولا يحتج في العقد الصوري بان الشفيع في حكم الغير، وبذلك فيمكنه الأخذ بالشفعة اعتمادا على العقد الظاهر الذي هو العقد الصوري، لان الشفيع كسب حقه بالشفعة، التي يدخل فيها نفس البيع الذي ذكر فيه الثمن الصوري، فيكون قد كسب حقه بموجب العقد الصوري، فلا يعتبر غيرا في هذا العقد فضلا عن ان الشفيع يحل محل المشتري في البيع، فهو ليس بخلف خاص للمشتري بل اصبح يشكل مع البائع طرفا في عقد البيع الصوري، فلا يصح ان يكون أيضا خلفا للبائع (15) .
فالبيع الحقيقي وغير الباطل (16) هو بيع موجود تصح فيه الشفعة، وبذلك تنطبق نفس القاعدة على البيع الابتدائي، لانه بيع تام لوقوع التراضي بالبيع من طرف البائع، وبالشراء من طرف المشتري والتقاء إرادتهما حول الثمن، فبتوفر هذه الأركان يكون العقد الابتدائي عقدا تاما باتا وينزل منزلة عقد البيع النهائي، الا انه عقد موقوف لاعتبارات خاصة ترجع للطرفين، فهو عقد منتج يرتب نفس آثار عقد البيع النهائي وبذلك تجوز فيه الشفعة ابتداء من تاريخ وقوعه وبنفس الشروط الواردة فيه حتى ولو تغيرت هذه الشروط فيما بعد، ما دام الشفيع قد مارس حقه بالشفعة في ظل العقد الابتدائي، اما اذا لم يباشر الشفيع الشفعة، بمقتضى هذا العقد، جاز له ذلك في العقد النهائي بشروط هذا الأخير ومواعيده ودون ان يكون قد تنازل عن حقه أو فات الميعاد بعد علمه بالبيع في العقد الابتدائي، اما اذا اختلفت شروط العقد الابتدائي عن شروط العقد النهائي، كان يكون الثمن في العقد النهائي اقل من الثمن في العقد الابتدائي، جاز له ممارسة الشفعة بناء على العقد النهائي .
اما العقد الابتدائي القابل للعدول نظير دفع تعويض فلا يمكن ان يكون سببا للشفعة لانه عقد لم يتحدد فيه مركزا البائع والمشتري تجاه الشفيع بطريقة نهائية (17) فالعقد الذي تدل صيغته على ان كلا من الطرفين قد الزم نفسه الوفاء بما التزم به. بصفة قطعية، لا تقبل الرجوع فهو عقد يتولد عنه حق الشفعة .
10) اما العقد المقرون بدفع العربون فيجب فحص دلالة العربون، فان كانت تدل على تأكيد للعقد كنا أمام عقد بيع يجيز الشفعة، اما اذا كانت تدل على حفظ الحق لأحد الطرفين للعدول عن البيع مقابل إرجاع العربون للطرف الآخر لم نكن أمام بيع بات ولا تجوز الشفعة .
11) اما البيع المعلق على شرط فاسخ او شرط واقف فهو بيع موجود في كلتا الحالتين، فتجوز الشفعة في البيع المعلق على شرط فاسخ لان مثل هذا البيع بيع موجود وناجز منذ إبرامه - وعلى الشفيع مراعاة آجال الشفعة من وقت انعقاده ويحل محل المشتري في عقد البيع بشرطه الفاسخ، وطبقت قواعد الشرط الفاسخ. وبالنسبة للبيع المعلق على شرط واقف فقد اختلفت فيه آراء الفقه (18) لانه بيع موجود ولكنه غير نافذ، الا ان الراجح هو جواز الشفعة فيه حسب القواعد السابقة في البيع المعلق على شرط فاسخ .
12) اما العقد القابل للإبطال فهو عقد موجود ونافذ ومنتج لاثار قانونية (19) ولا يزول الا بدعوى الابطال، طبقا للفصل 311 من قانون العقود والالتزامات، وبذلك تجوز بمقتضاه الشفعة .
13) اما اذا وقعت الاقالة بين المشتري والبائع فلا اثر لهذه الاقالة تجاه الشفيع، فقد قضى المجلس الاعلى بانه "اذا كان المبيع المطلوب فيه الشفعة وقد وقعت الاقالة منه بين البائع والمشتري فان الشفعة كانت مستحقة بمجرد البيع، واذا حصل من البائع والمشتري قالة برضائهما، فلا يسقط حق الشفيع في الشفعة الثابت له بسبب البيع الذي ترتبت عليه الاقالة بل انها تجدد للشفيع حق الشفعة لاعتبارها بيعا جديدا (20)
ويستخلص إذن ان الشفعة تتحقق بمجرد ابرام عقد البيع موجود مستوف للاركان وتدل صيغته على عدم عدول الطرفين عن التزامهما، دون الالتفات الى ما يعقب هذا العقد من اقالة، فالاقالة من البيع لا تسقط الشفعة بعد ان يكون الشفيع قد ابان عن رغبته في الشفعة، على انها تجدد للشفيع حق الشفعة اذا كان قد سقط حقه في البيع الاول، لان الاقالة تعتبر بيعا جديدا .
بيع حصة مشاعة عدة مرات :
14) قد يحدث ان يبيع المشتري الحصة المشاعة قبل ان يباشر الشفيع حقه في الشفعة مما يطرح تساؤلا حول إمكانية ممارسة الشفعة واذا كان الامر ممكنا فهل يستشفع الشفيع الحصة المبيعة من المشتري الاول او من المشتري الثاني ؟.
لقد تردد القضاء المغربي كثيرا بسبب غياب النص التشريعي فقضى بداية الامر ان حق الشفعة واجلها يتاثران بالبيع الثاني الذي يقوم به المشتري الاول، فتجوز الشفعة في مواجهة المشتري الاول، حيث قالت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، " بان للشفيع الحق في ممارسة حق الشفعة ضد البيع الاول وان اجل ثلاثة ايام لا يسري بالنسبة اليه الا من تاريخ تبليغ البيع الاول" (21) .
الا ان القضاء فيما بعد قيد ذلك بامكانية ممارسة الشفعة في البيع الاول شريطة ان يكون الشفيع قد قيد حقه بالاخذ بالشفعة تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري قبل ان يكون المشتري الثاني قد سجل شراءه بالرسم العقاري (22) الا ان المجلس الاعلى سرعان ما تبنى رايا مفاده ان البيع الثاني الذي يقوم به المشتري الاول لا يمنع الشفيع من ممارسة الشفعة في مواجهة المشتري الثاني مع وجوب احترام اجل ثلاثة ايام - حتى بالنسبة للشراء الاول - اذا وقع اليه تبليغ الشراء الثاني، فيكون للشفيع اذن حق الخيار في ان يشفع اما على اساس الشراء الاول او الثاني، فاذا اختار الشفيع ان يشفع بناء على الشراء الاول التزم باجل ثلاثة ايام حتى في الحالة التي لم يبلغ اليه فيها هذا الشراء، وبلغ اليه الشراء الثاني (23) .
والجدير بالملاحظة ان القضاء المغربي قد قضى في قراره الصادر بتاريخ 13/4/1983 بان تمارس الشفعة ضد المشتري ولو كان قد باع الحصة المبيعة وسجل البيع على الرسم العقاري ويكون للشفيع في هذه الحالة الخيار في الاخذ بالشفعة من يد المشتري الاول او الثاني (24) .
الشفعة في البيع غير المسجل :
15) بقي ان نطرح سؤالا مهما، دارت حوله مناقشات حادة في الفقه وتردد في شانه المجلس الاعلى، هو هل يجوز للشفيع ممارسة حق الشفعة في البيع غير المسجل بالرسم العقاري ؟
للجواب على هذا السؤال لا بد من استعراض موقف الفقه اولا ثم موقف القضاء من المسالة ثانيا .
موقف الفقه : لقد اختلف الراي فيما اذا كان البيع غير المسجل بالرسم العقاري يعطي الحق في ممارسة حق الشفعة ام لا، فراى فريق من الفقهاء جواز الاخذ بالشفعة ولو ان العقد لم يسجل، لان البيع ينعقد صحيحا بغض النظر عن تسجليه بالرسم العقاري الذي يرتب نقل الملكية، وقد استند هذا الراي على ما يلي :
أ) ان عدم جواز ذلك يرتب نتائج خطيرة لا يمكن ان يبيحها المشرع لما تنطوي عليه من حيل يمكن ان يلجا اليها المشفوع ضده لتعطيل حق خوله المشرع للشفيع كأن يتقاعس المشتري او يتلكا عن تسجيل رسم الشراء متربصا الفرصة السانحة، مستغلا ظروف الشفيع فيبقى هذا الاخير تحت رحمته (25) .
ب) ان عقد البيع ليس من العقود الشكلية التي لا تنعقد الا بالتسجيل، فعقد البيع غير المسجل هو عقد بيع كامل صحيح يتم بتراضي عاقديه ويكفي ان يحرر كتابة وفي محرر ثابت التاريخ ( الفصل 489 ق ل ع)، اما الذي يخضع لاجراءات شكلية فهو نقل الملكية الذي لا ينتج اي اثر ولو بين الاطراف الا من تاريخ التسجيل ( 67 من ظهير 9 رمضان) .
ج) ان النصوص الخاصة بالشفعة في ظهير 2/6/1915 لا تنص على وجوب تسجيل عقد البيع بالرسم العقاري لصحة دعوى الشفعة بل ان الفصل 32 من الظهير صريح في الاخذ بالشفعة بالنسبة للشريك الحاضر في العقد، خلال شهرين من تاريخ العقد، ولم يقل من تاريخ تسجيل العقد .
د) ان الشفيع لا يتلقى حق الملكية من المشتري حتى ينتظر تسجليه، بل يكتسب حقه من المقتضيات القانونية للشفعة فيحل محله استنادا على ذلك وكان البيع صادر له من طرف البائع دون المشتري (26) .
هـ) ان انتظار الشفيع حتى يتم تسجيل عقد الشراء قد يجعل حالة العقار غير مستقرة مدة قد تطول كثيرا، وهذا يتنافى مع مقتضيات الشفعة التي تتسم بكثير من السرعة والعجلة في حسم النزاع (27) .
اما الراي المناوئ فهو القائل بعدم جواز الاخذ بالشفعة في البيع غير المسجل وقد استند على الحجج الاتية :
أ) ان الملكية حسب ظهير التحفيظ العقاري لا تنتقل الى المشتري الا بتسجيل عقد البيع في الرسم العقاري فحيث لا تنتقل الملكية فلا شفعة لان العقد غير المسجل لا ينتج اثارا ومنها ممارسة حق الشفعة .
ب) ان القائلين بجواز الاخذ بالشفعة في العقد غير المسجل، لقطع دابر الحيل، يصطدم مع مبادئ قانون التحفيظ العقاري واهمها انه لم يبق هناك فرق من حيث الحجية بين العقد وتسجيل العقد في السجل العقاري (28) ثم ان القانون لا يحمي الشفيع الا بعد ان يتولد له الحق في الشفعة، ولا يتاتى ذلك الا بنقل الملكية عن طريق التسجيل، فنقل الملكية هو جوهر عقد البيع فان كان العقد غير ناقل للملكية فهو ليس بعقد بيع (29) .
ج) ان طلب الاخذ بالشفعة في بيع لم يسجل بعد هو طلب سابق لاوانه، اذ لا داعي لتقديم طلب الشفعة قبل تسجيل التصرف المطلوب فيه الشفعة بالرسم العقاري، لان تقديم الدعوى يعتبر مخالفا لنصوص ظهير 12 غشت 1913 الذي يجعل المدعى عليه في الشفعة بدون صفة في الدعوى ما دام لم يسجل عقده في الرسم العقاري (30) .
د) ان الدفع بان المشرع ضده سيعرقل حق الشفعة بعدم تسجيله لعقد الشراء مسالة احتمالية، وليس من مهمة القضاء البحث عن مصالح الافراد وتفضيل بعضهم على بعض، بل مهمته الاساسية هي تطبيق القانون وليس له ان يتجاوز ذلك لمنح الصفة لمن ليست له، ثم انه من جهة اخرى، فان تقاعس المشتري عن تسجيل شرائه لا يكون عمليا ناتجا عن محض ارادته لانه بدوره مهدد بسقوط حقوقه فقد يقوم البائع بتفويت العقار لمشتر ثان (31) .
موقف القضاء المغربي من المسالة :
لقد كان القضاء المغربي يسير مع الاتجاه الثاني، فكان لا يجيز ممارسة حق الشفعة في العقار المحفظ قبل تقييد الشراء في الرسم العقاري، فهكذا صدر قرار من محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 22/10/1955 يقول القرار : ( لا يجوز على الاطلاق ممارسة حق الشفعة في بيع عقار مسجل، قبل تقييد البيع في السجلات العقارية (32)، ثم ان المجلس الاعلى قد اصدر بتاريخ 10/12/1975 (33) قرارا يقضي فيه بان امد الشفعة يبتدئ من تاريخ تسجيل البيع بالمحافظة لا من تاريخ وقوعه .
الا ان المجلس الاعلى سرعان ما بلور موقفه، بصورة اكثر وضوحا، في قرار 588 بتاريخ 20/9/1976، اذ تراجع عن اتجاهه السابق وقال " يجوز للشفيع ان يمارس حق الشفعة ولو قبل تسجيل عقد الشراء على الرسم العقاري" (34) .
ونرى ان موقف المجلس الاعلى هذا ينسجم مع المنطق القانوني ومع مقتضيات فصول الشفعة التي لا تمنع ممارسة حق الشفعة قبل التسجيل، رغم ما يكتنف ذلك من بعض الصعوبات العملية، فنقل الملكية وتسجيل العقد ليس ركنا في عقد البيع. فقد وضع نظام التسجيل في الرسم العقاري اساسا في صالح المشتري وقد وضع شرط التسجيل في الرسم العقاري في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915 في صالح المشتري حتى يعجل بحسم مسالة الشفعة وفي الفصل 32 وضع شرط التسجيل لبداية اجل السقوط وليس لجواز او عدم جواز ممارسة الشفعة، ثم ان التقيد بالتسجيل يناهض طبيعة اجراءات الشفعة التي تقتضي العجلة والسرعة، هذه السرعة التي تعيد للعقار استقراره، ويمكن القول كذلك بانه لما كان العقد الابتدائي يجيز الاخذ بالشفعة، فمن باب اولى ان يكون الامر كذلك في العقد النهائي غير المسجل .
16) ان حق الشفعة غير قابل للتجزئة indivisible بمعنى انه يجب ان يشمل حق الشفعة بمجموع الحصة دون تبعيضها، وهذا ما اكده الفصل 34 من ظهير 2/6/1915 بقوله " يجب الاخذ بالشفعة في مجموع الحصص المبيعة على الشياع لا في جزء منها" (35) .
فيستنتج من الفصل المذكور انه لا يسوغ طلب جزء من المبيع بالشفعة وترك جزء منه حتى لا تتفرق الصفقة، لان تجزئ الصفقة يضر بمصلحة المشتري، فاذا بيعت عدة حصص بعقد واحد وجب الاخذ بالشفعة في جميع الحصص سواء كان البائع واحدا او متعددا، فالشرط الوحيد هو ان يكون شراء الحصة الواحدة او الحصص المتعددة واقعا بعقد واحد، فيجب على الشفيع اذن ان يستشفع الحصة المبيعة برمتها لا جزءا منها، وذلك حتى ولو تعدد من لهم حق الشفعة .
الملاحظ من هذه القاعدة ان العبرة بوحدة الصفقة، فاذا كانت الصفقة واحدة فلا يجوز تجزئتها على المشتري ويرجع لقاضي الموضوع تقدير ما اذا كانت الصفقة واحدة او متعددة مستهديا في ذلك بالظروف الخاصة بكل صفقة وما يحيط بها من ملابسات (36) .
وقد اكد المجلس الاعلى هذه القاعدة حيث قال " ان محكمة الاستئناف لا تخرق القانون، اذا حكمت بتصحيح العرض المقدم للمشفوع عليهم، وكان الاجل المنصوص عليه في الفصل 32 من ظهير 2/6/1915 قد روعي وعرض الثمن كله واودع داخل اجل سنة ابتداء من تاريخ تسجيل رسم البيع في السجل العقاري، مما يدل على الرغبة في الاخذ بالشفعة تجاه جميع الورثة، طبق مقتضيات الفصل 34 من الظهير المذكور الذي يوجب الاخذ بالشفعة في مجموع الحصص المبيعة على الشياع لا في جزء منها (37) .
الشرط الثاني :
- شخص الشفيع -
17) ان الفصل 25 من ظهير 2/6/1915 في صدد تعريفه للشفعة جعلها حقا ثابتا لكل من يملك مع اخرين على الشياع عقارات او حقوقا عينية عقارية قابلة للتداول بحد ذاتها، بمعنى ان الشفيع هو الشريك على الشياع مع البائع في رقبة واصل الحصة المبيعة لا شريكا في منفعتها فقط، فلا شفعة اذن لمن ليس بشريك في المبيع كما هو الشان في الجار ( بخلاف بعض التشريعات كالمصري مثلا) .
فكل مالك على الشياع مع البائع محق في ممارسة الشفعة سواء كان فردا او اكثر، ومهما كانت الحصة المملوكة له صغيرة ام كبيرة ومهما كان مصدر الشيوع اختياريا كالعقد، ام اضطراريا، كالارث، وبغض النظر عن جنسية الشفيع، فالشفيع الاجنبي من حقه ممارسة الشفعة دون التقيد ببعض القيود التي تفرض على العمليات العقارية الاختيارية، التي يقوم بها غير المغربي الجنسية، لان الشفعة ليست اختيارية بالنسبة للطرفين، فان كانت اختيارية بالنسبة للشفيع، يجوز له التنازل عنها بمحض ارادته فهي اجبارية بالنسبة للمشفوع منه الذي لا يستطيع ان يتملص منها، لكونها حق خوله المشرع للشفيع، وهذا ما اكده المجلس الاعلى حيث نعى على محكمة الموضوع اساءة تطبيق ظهير 7 جمادى الاولى 1383 الموافق ل 26/9/1963 المتعلق بمراقبة العمليات العقارية، عندما رفضت طلب الشفعة الذي تقدم به شخص غير مغربي الجنسية بدعوى انه لم يحصل على الرخصة الادارية بذلك، فقال المجلس الاعلى : " ان ظهير 7 جمادى المذكور يكون واجب التطبيق عندما تكون العملية العقارية اختيارية بالنسبة للطرفين معا، اما اذا كانت اجبارية بالنسبة لاحدهما فلا مجال لتطبيقه الا في حالة وجود نص خاص يوجب ذلك كما هو الحال بالنسبة للبيع عن طريق المزاد العلني اذ نص على ذلك صراحة، ونظم كيفية تقديم طلب الرخصة الادارية والاجل الذي يجب ان يقدم فيه وعين الموظف الذي ينبغي ان يؤشر عليه، اما فيما يتعلق بطلب الشفعة فان المشرع لم يشر الى شيء من ذلك (38) .
18) فالشفيع حسب مفهوم الفصل 25، هو كل مالك على الشياع بصرف النظر عن اي اعتبار، الا انه تشذ عن هذه القاعدة الدولة التي لها دائما حق ممارسة الشفعة باصدار مقرر اداري، طبقا للفصل 32 من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون المالية لسنة 1973 المؤرخ في 8 يناير 1973، مع امكانية الطعن في المقرر الاداري امام الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى، طبقا للفصل 360 من ق م م من طرف المشفوع منه سبب الشطط في استعمال السلطة .
19) ويشترط في الشفيع ان تكون ملكيته سابقة على البيع الذي تمارس فيه الشفعة، ومادمنا في صدد العقار المحفظ، فان ملكية الشفيع غير كافية بل لابد من تسجيلها سابقا على البيع الذي تمارس فيه الشفعة، وهذا ما اكده المجلس الاعلى حيث قال : " لاتثبت لطالب الشفعة صفة الشريك الا اذا كان عقد تملكه مقيدا بالسجل العقاري، قبل تقييد عقد تملك المطلوب منه الشفعة، واذا كان تقييد شراء الطالب قد تم في تاريخ لاحق لتقييد شراء المطلوب منه الشفعة، فلا حق للاول في المطالبة بالشفعة ولو كان تاريخ عقد شرائه سابقا على تاريخ عقد شراء المطلوب منه (39) .
اما اذا تملكا معا حقوقا مشاعة في عقار محفظ دفعة واحدة اي بتاريخ واحد فلا شفعة لاحدهما على الاخر، حيث لم يتجدد ملك اي منهما على الاخر، ويجب ان ياخذ شراؤهما رتبة واحدة بالرسم العقاري اذا تقدما اليه بتاريخ واحد لتقييد شرائـهما (40) .
20) ويجب ان يبقى الشفيع مالكا لحصته الى تاريخ الاخذ بالشفعة، فلو انقسم العقار المشفوع به واصبح عقارا منفصلا عن الحصة المبيعة، فان ملكية الشفيع التي تسمح له بالشفعة قد انفصمت قبل ثبوت حقه في الشفعة فلا يمكن له ان يمضي في اجراءات الاخذ بالشفعة .
21) هذا وان المالك على الشياع الذي يبيع جزءا من حصته، بحدود معينة، يكون بذلك قد خالف قواعد الشيوع التي تقتضي ملكية الشركاء في كل ذرة من ذرات العقار المشترك، ومثل هذا البيع يعتبر بيعا غير جائز لانه بيع ملك الغير بدون اذن وبدون اجازة، وبذلك فان القضاء المغربي لم يجز الشفعة في مثل هذا البيع اذا كان الامر يتعلق بالعقار المحفظ (41) .
ويستخلص اذن ان للشفيع حق مباشرة الشفعة كلما كان سندا ملكيته سندا مثبتا للملكية، ولو كان المثبت بهذا السند معلقا على شرط فاسخ او كان هذا السند قابلا للابطال، اما السند الصوري فلا يمنح للشفيع حق الشفعة لانه ليس سندا حقيقيا .
تعدد الشفعاء :
22) ينص الفصل 26 من ظهير 2/6/1915 " يمارس هذا الحق على نفس العقار من طرف جميع الشركاء كل بقدر نصيبه، فان تنازل البعض منهم فان هذا الحق يمارسه الباقون بقدر حصصهم" يستخلص من هذا النص ان هناك اكثر من شفيع، ووقع تزاحم فيما بينهم على الاخذ بالشفعة، فلمن تكون الاسبقية في ممارسة الشفعة؟.
أ) اذا كانت حقوق الشفعاء ترجع الى مصدر واحد، فلا افضلية لبعضهم على بعض بل يتساوون في هذا الحق فياخذون الحصة المبيعة وتوزع بينهم، بحسب الانصبة والنسب التي يملكون بها في الرسم العقاري لا بحسب عددهم، اما اذا لم يتقدم بطلب الشفعة الا شفيع واحد فيكون الاخرون قد تنازلوا ضمنيا عن حقوقهم، ووجب على الشفيع اخذ مجموع الحصة بناء على مبدا عدم تبعيض الحصة المشفوعة (42) .
ب) اما اذا تعدد الشركاء وكان المشتري للحصة المراد استشفاعها من بينهم، فان الفصل 29 من ظهير 2/6/1915 يجعله مشاركا في ممارسة الاخذ بالشفعة كغيره من باقي الشركاء بقدر الحصة التي كان يملكها قبل الشراء، بمعنى انه اذا بادر شركاؤه بممارسة حق الشفعة ضده، شاركهم هو الاخر في هذا الحق دون ان يقوم باي اجراء بل يترك له نصيبه من الحصة المبيعة بقدر ما يملكه في العقار قبل البيع، ووقع استشفاع الباقي من بينهم بدقة (43) .
وقد وقع تساؤل حول امكانية الاخذ بالشفعة من يد الشريك الذي يشتري من شركائه الحصة المطلوب استحقاقها بالشفعة، وذلك امام العبارتين اللتين استعملهما المشرع في الفصل 974 من قانون العقود والالتزامات حيث استعمل عبارة " اجنبي" وفي الفصل25 من ظهير2/6/1915 " بدلا من مشتريها اي الغير" .
لقد اجاب الاجتهاد القضائي على هذا التساؤل، حيث قال المجلس الاعلى " ليس المراد بعبارة "الغير" في الفصل 25 من ظهير 2/6/1915 و" الاجنبي" الواردة في الفصل 974 من ق ل ع الاجنبي عن العقار، وانما الاجنبي عن عقد البيع، فالشفيع والمشفوع منه يعتبر كل منهما غيرا بالنسبة للاخر فيما يخص عقد البيع (44) فقواعد الشفعة الواردة في فقه الشريعة الاسلامية هي نفسها التي دونها الفصل 25 من ظهير 2/6/1915، وبذلك لا يمنع الاخذ بالشفعة من يد الشريك حيث لا تفرق الشريعة الاسلامية بين الشفعة من الشريك والشفعة من الاجنبي الا من حيث مدى اثرها، اي انه بالنسبة للاجنبي تؤخذ منه الحصة المبيعة برمتها، بينما بالنسبة للشريك، يترك له جزء من المبيع الى حدود نسبة ملكيته في العقار .
ج) اما اذا انحدرت حقوق الشركاء من مصادر مختلفة واختلفت مراتبهم تبعا لاختلاف اسباب شركتهم مع البائع، وحدث ان وقع تزاحم فيما بينهم في الاخذ بالشفعة وكان البعض اولى من البعض الاخر في الاخذ بالشفعة، فان الفصل 30 من ظهير 2/6/1915 يحيل على احكام الشريعة الاسلامية حيث تكون الافضلية بين الشفعاء للشفيع الذي يلتقي مع المتصرف من حيث مصدر حقه، اما اذا كان الشفعاء من اصناف ترتيبية مختلفة كورثة : بعضهم من اصحاب الفرض واخرون من اصحاب التعصيب او موصي لهم، فالورثة بالفرض يفضلون على الورثة بالتعصيب وهؤلاء يفضلون على الموصى لهم (45) .
الفصل الثاني
الاجراءات المسطرية في كيفية ممارسة الشفعة
في العقار المحفظ
بعد تحديد بعض قواعد الشفعة وبيان شروطها بكثير من الايجاز، محاولين تعزيز بعض النظريات واراء الفقه بالاجتهاد والعمل القضائيين، نتناول في الفصل الثاني من هذا البحث الجانب العملي والتطبيقي الذي نراه اكثر اهمية من الجانب النظري، ونرى ان نقسم المراحل التي تمر بها اجراءات ممارسة الشفعة الى ثلاث مراحل .
المرحلة الاولى : اعلان الرغبة في الاخذ بالشفعة .
المرحلة الثانية : اجراءات قضائية لممارسة حق الشفعة .
المرحلة الثالثة : الاثار المترتبة عن الاخذ بالشفعة .
المرحلة الاولى :
اعلان الرغبة في الاخذ بالشفعة
23) ان مسطرة ممارسة الشفعة في العقار المحفظ تكتسي صبغة، خاصة وتخضع لاجراءات دقيقة تختلف عن اجراءات ممارسة الشفعة في العقار غير المحفظ، فاول اجراء يجب القيام به هو الاعلان الصريح من طرف الشفيع عن رغبته في ان ياخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها، وهناك بعض الاجراءات الالزامية التي يجب على الشفيع سلوكها والتقيد بها والا اعتبر غير ممارس لهذا الحق، ولكن قبل هذه الاجراءات، قد تكون هناك خطوات اولية تسبق هذه الاجراءات ومنها على الخصوص ما نص عليه الفصل 31 من الظهير، اذ يمكن للمشتري بعد تقييد شرائه بالرسم العقاري ان يبلغه لكل من له حق الشفعة، ويتم هذا التبليغ باية وسيلة من وسائل التبليغ لان المشرع لم يشترط اية طريقة لهذا التبليغ فقد يكون بواسطة رسالة مضمونة مع الاعلام بالتوصل واما عن طريق كتابة الضبط .
ويلاحظ ان هذا التبليغ ليس الزاميا الا انه في حالة وقوعه يترتب عنه بدء سريان اجل ممارسة الشفعة ولما كان هذا الانذار يرتب اثارا قانونية لابد وان تتوفر فيه بعض الشكليات وقد اوضح المجلس الاعلى تلك الشكليات في القرار الصادر بتاريخ 16/10/83 والذي قال فيه :
" يجب ان تتضمن رسالة الانذار بوقوع البيع جميع البيانات اللازمة كثمن البيع والمصروفات حتى يلزم الشريك العازم على الاخذ بالشفعة بعرض الثمن في ظرف ثلاثة ايام" .
حقا ان الفصل 31 ساكت عن مضمون الانذار وعن محتوياته ولكن المنطق القانوني يفرض ان يتضمن ذلك الانذار بيان الحصة المبيعة بيانا كافيا، وبيان الثمن المؤدى ومبلغ التحسينات والمصاريف اللازمة للعقد من واجب تحرير وواجبات التسجيل وغيرها، وشروط البيع والاسماء العائلية والشخصية وصنعته ومهنته وموطنه او محل اقامة البائع والمشتري، ولهذا الانذار اهمية كبرى لان به تفتتح اجراءات الشفعة ويساعد الشفيع على اتخاذ الاحتياطات اللازمة للاستعداد لممارسة الشفعة، والانذار يوجه من طرف المشتري بخلاف بعض التشريعات (كالمصري) التي تجيز توجيه الانذار من البائع او المشتري، ويلاحظ كذلك ان الانذار يجب ان يوجه الى جميع من لهم حق الشفعة مهما كانت مراتبهم وحصصهم .
وحتى يسرى اجل بدء الشفعة يجب ان يوجه الانذار الى المعنيين بالامر شخصيا ولا ياتى بمفعوله الا بالتوصل الشخصي اذ ان التبليغ بواسطة الغير يجعل الاجل غير ساري المفعول فالركن الاساسي في مسالة بداية انطلاق الاجل انما هو تاريخ الاعلام القانوني لا تاريخ العلم (46) .
وتوجيه الانذار من طرف المشتري ليس معناه ان الشفيع لا يستطيع الاعلان عن رغبته في ممارسة حق الشفعة، اذ بامكانه الاعلان عن رغبته حتى قبل توصله بهذا الانذار لان هذا الاجراء ليس الزاميا كما سبق القول .
24) ان اعلان رغبة الشفيع في ممارسة الشفعة يجب ان يوجه الى المشتري وليس من الضروري توجيه نفس الاعلان الى البائع حسب التشريع المغربي لان الشفيع حسب الفصل 25 ياخذ الحصة من مشتريها، وبذلك فان الرغبة في الشفعة توجه الى المشتري ان كان واحدا او الى كل المشترين ان كانوا متعددين، داخل الاجل القانوني بالنسبة للجميع، لان الخصم الحقيقي في دعوى الشفعة - كما سوف ياتي - هو المشتري وليس البائع، هذا وانه من صيغة الفصل 25 فان الاعلان عن الرغبة يجب ان يكون مقرونا باداء الثمن المؤدى، ولا يكفي اظهار الرغبة الاكيدة المجردة من اداء الثمن الحقيقي، بخلاف لو كان الامر يتعلق بالعقار غير المحفظ .
ويلاحظ ان الاعلان عن الرغبة لممارسة حق الشفعة لا يمكن تصوره الا اذا عبر الشفيع عن ذلك امام القضاء بواسطة انذار رسمي مقرون بالعروض العينية .
25) هذا وان التعبير عن الرغبة في ممارسة الشفعة يرتب اثارا قانونية كاحلال الشفيع محل المشتري تجاه البائع بقوة القانون، وبمجرد تبليغ هذه الرغبة الى المشتري فان الشفيع يصبح اسيرا لرغبته، ولا يجوز له التراجع عن تلك الرغبة بارادته المنفردة اذ لا بد من رضى المشتري، والاعلان عن الرغبة قد يقع الاستغناء عنه اذا تم العرض العيني في الاجل القانوني .
اجال ممارسة حق الشفعة :
26) ان اعلان الرغبة في ممارسة حق الشفعة المقرون بالعروض العينية لابد وان يتم داخل الاجال المنصوص عليها في الفصلين 31 و32 من ظهير 2/6/1915 فالمبدا اذن انه يجوز للشفيع الاخذ بالشفعة ولو قبل تبليغه الشراء من طرف المشتري، فله في اي وقت ممارسة هذا الحق قبل تبليغه الشراء وحتى قبل تقييد الشراء بالرسم العقاري (47) الا ان المبدا قد وقع التضييق منه من طرف المشرع فاورد عليه قيودا في الفصلين 31 و32 من ظهير 2/6/1915 وهي :
أ- اجل ثلاثة ايام :
27) ان الشفيع الذي يبلغه المشتري بالشراء المقيد على الرسم العقاري بمقتضى انذار (48) ويرغب في اخذ الحصة المبيعة فانه يجب عليه ممارسة هذا الحق، داخل اجل ثلاثة ايام من تاريخ توصله بالانذار، وذلك تحت طائلة سقوط حقه، ومن هذا النص يتضح ان الشفيع لا يقيد بعلمه الشخصي بالبيع لان بداية اجل ثلاثة ايام مسالة قننها المشرع وقيدها باجراء شكلي هو التبليغ القانوني وليس العلم .
ويلاحظ على هذا الاجل انه اجل كامل، وان كانت مقتضيات ظهير 2/6/1915 لا تشير الى ذلك، فانه تمشيا مع مقتضيات العدالة فان الاجل يحسب طبقا لمقتضيات قواعد المسطرة المدنية الواردة في الفصول من 511، الى 513، (49)، فلا يحسب اليوم الاول الذي وقع فيه التبليغ ولا اليوم الاخير الذي ينتهي فيه الاجل واذا كان اليوم الاخير يوم عطلة او عيد امتد الاجل الى اول يوم عمل بعده، ذلك ان اليوم الذي يقع فيه التبليغ هو يوم ناقص .
كما يضاف الى هذه الايام مهلة المسافة اذا اقتضى الامر ذلك كما جاء صريحا في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915، ومهلة المسافة حسب الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية القديمة هي يوم واحد لكل 20 كلم، الا انه بالرجوع الى المسطرة المدنية الحالية فاننا لا نجد مثيلا لهذا النص، وبذلك نكون امام فراغ تشريعي بالنسبة لمهلة المسافة، والمسافة المقصودة هنا هي بين الموطن الحقيقي للشفيع وبين المكان الذي يرجع اليه الاختصاص لممارسة حق الشفعة .
واشير ان غرفة النقض المغربية قد اعتبرت عن خطا اجل ثلاثة ايام اجلا ليس كاملا (50) الا ان المجلس الاعلى قد استقر الان على اعتبار اجل الاخذ بالشفعة اجلا كاملا مطبقا في ذلك نص الفصل 511 من قانون المسطرة المدنية، كما انه يضيف الى ذلك اجل المسافة، ولكن دون ان يحدد كيفية حساب تلك المدة (51) .
الاجل هنا سواء اضيفت اليه مهلة المسافة ام لا، اجل سقوط وليس اجل تقادم بصريح النص، فلا ينقطع ولا يوقف، ويسري على الكافة حتى على الغائب وعلى الصغير وعلى من لا اهلية له للتصرف في حقوقه، ويثار هذا الاجل من طرف المحكمة حتى لاول مرة امام المجلس الاعلى لان اجل السقوط من النظام العام من جهة، ومن جهة ثانية فان مقتضيات الشفعة من النظام العام، وقد اكد المجلس الاعلى هذه المقتضيات بقوله : " اجل المطالبة بالشفعة اجل سقوط لا امد تقادم فيسري في حق القاصرين اذا كان لهم نائب قانوني وتراخى في المطالبة بالشفعة الى ان انقضى اجل ممارستها" (52) .
واخيرا فانه كثيرا ما يقع الخلط بين ثلاثة ايام المنصوص عليها في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915 وبين الاجل المنصوص عليه في الفصل 974 من قانون العقود والالتزامات، في حين انه لا علاقة بين الاجلين اطلاقا، اذ ان الاجل الوارد في الفصل974 يطبق على العقارات غير المحفظة دون العقارات المحفظة على عكس ما ذهب اليه المجلس الاعلى في احدى قراراته حيث قال : " حيث انه بالرجوع الى وثائق الملف والحكم المطعون فيه يتبين ان طالب الشفعة كان حصل على قرار استعجالي بتاريخ 13/6/1971 للاذن له بان يتقدم بالعروض الحقيقية لاستشفاع ما اشترته السيدة فلانة، وكان عليه في هذه الحالة ان يتقدم بثمن العقد ولوازمه خلال ثلاثة ايام من تاريخ 13/6/1971 لانه وان كان يتمتع في المطالبة بالشفعة لمدة سنة من يوم تسجيل البيع على الرسم العقاري الا انه بعد حصوله على القرار المشار اليه فقد اصبح في حقه اجل وضع الثمن وتوابعه داخل ثلاثة ايام من تاريخ القرار 13/6/1971 تمشيا مع مقتضيات الفصل 974 الذي يجب تطبيقه هنا حيث لا يتعارض مع مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري " (53) .
يلاحظ على هذا القرار انه لم يميز بين الاجلين لان اجل 974 هو المهلة التي يجب على الشفيع ان يؤدي الثمن بصفة مستعجلة وعلى ابعد تقدير خلال ثلاثة ايام، ويمكن تصور ذلك في الحالة التي يتقدم فيها الشخص بدعوى الشفعة مجردة من العروض العينية، فعليه بعد تقديم هذه الدعوى ان يؤدى الثمن خلال ثلاثة ايام والا كانت دعواه بدون اي اثر، ومثل هذه الصورة لا يمكن تصورها في العقار المحفظ الذي لا تقبل فيه الشفعة الا بعد سلوك مسطرة العرض الحقيقي لان الاعلان عن الرغبة في ممارسة الشفعة في العقار المحفظ لا تكون الا بالعرض العيني، اما الاذن الذي يحصل عليه الشفيع لوضع العروض العينية فلا اثر له وليس هو الذي يبتدئ منه الاجل حتى يمكن القول بان على الشفيع اداء الثمن خلال ثلاثة ايام من تاريخ حصوله على الاذن للقيام بالعرض العيني، فاجل ثلاثة ايام الواردة في الفصل 31 يبتدئ من تاريخ تبليغ الشراء من المشتري للشفيع وليس من تاريخ صدور الاذن بالعروض العينية وقد نص المجلس الاعلى في احدى قراراته : " بان اجل ثلاثة ايام المنصوص عليها في الفصل 974 لا تختلط بالاجال المنصوص عليها في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915 " (54) .
ويلاحظ كثير من رجال الفقه والقضاء ان اجل ثلاثة ايام المنصوص عليه في الفصل 31 اجل غير معقول لان المشتري كثيرا ما يتصيد الشفيع ويستغل ظروفه المادية ويقوم بتبليغه لحرمانه من حق الشفعة، ونناشد المشرع ان يتدخل للزيادة في هذا الاجل، ونعتقد ان المشرع قد عكس الامر في حالة تبليغ ا
محام بهية بالدار البيضاء
يعتبر موضوع الشفعة في العقار المحفظ موضوعا دقيقا وتقينا يصعب جمع شتاته في بحث واحد، ولذلك سأحوال مناقشة قواعد وشروط الشفعة في العقار المحفظ ثم الاجراءات المسطرية، وكيفية ممارسة الشفعة. وكل ذلك من الجانب العملي دون تفصيل في بسط النظريات .
وعليه. فإنني اخترت كمنهج للموضوع تقسيمه الى فصلين اثنين .
الفصل الأول :
قواعد وشروط الشفعة في العقار المحفظ .
الفصل الثاني :
الإجراءات المسطرية وكيفية ممارسة الشفعة
الفصل الأول :
قواعد وشروط الشفعة في العقار المحفظ
في هذا الفصل سأتناول بعض الاحكام والقواعد المتعلقة بالشفعة في العقار المحفظ مقتصرا على الجانب الذي يطرح اشكاليات ( موضوع الفرع الاول). كما سأتطرق الى بعض الشروط البارزة للشفعة ( موضوع الفرع الثاني) .
الفرع الأول :
بعض القواعد والأحكام المتعلقة
بالشفعة في العقار المحفظ
1) ان المصادر التشريعية التي يمكن الرجوع اليها بالنسبة للشفعة في العقار المحفظ هي اولا ظهير 19 رجب 1333 الموافق لـ 2 يونيو1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة، لانه تشريع خاص، وفي حالة غياب نص او حل في هذا الظهير، نبحث عنه في قانون العقود والالتزامات بحكم انه شريعة عامة، وعند انعدام النص او الحل في القانون العادي ( ق- ل-ع ) نرجع الى قواعد الفقه الاسلامي، بصفة عامة، والى مذهب الامام مالك، بصفة خاصة، لان الشفعة مستمدة من الشريعة الاسلامية والجدير بالملاحظة ان قواعد الشفعة في ظهير 2 يونيو1915 لا تكاد تختلف عن قواعد الشفعة في الشريعة الاسلامية الا في بعض الاجراءات الشكلية المتعلقة بالمسطرة، ونلاحظ كذلك ان الفصل 30 من الظهير يحيلنا على احكام الشريعة الاسلامية بقوله : " ان حقوق الاولوية في ممارسة الشفعة يبقى العمل جاريا بها بين المسلمين وفقا للاحكام الشريعة الاسلامية".
ومن مصادر الشفعة كذلك - بالنسبة للشقق المشتركة - الفصل 27 من ظهير 21 ذي الحجة 1365 الموافق لـ 16 نوفمبر1946 المؤسس لنظام الملكية المشتركة للعمارات المجزاة الى شقق .
2) ان كان المشرع لا يعني بوضع تعريفات للحقوق والتصرفات تاركا ذلك للفقه، فان الفصل 25 من ظهير 2/6/1915 قد عرف الشفعة كسبب من اسباب كسب الملكية بانها "هي الحق الثابت لكل من يملك مع اخرين على الشياع عقارات او حقوقا عينية عقارية في ان ياخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها، بعد ادائه المبلغ المؤدى في شرائها وكذا مبلغ ما ادخل عليها من تحسينات وما ادى عنها من مصاريف لازمة للعقد".
3) ويستخلص مـن التعريف السابـق ان الشفعـة ليست حقـا شخصيا او عينيا، وان كان المشرع استعمل لفظة " الحق الثابت" فيعني بذلك ان الشفعة كواقعة مادية رخصة ممنوحة للشفيع تخوله الحق في ان يكتسب الحصة المبيعة بعد توافر عدة شروط واجتماع عدة وقائع مادية، وقد اشار الاستاذ السنهوري في هامش صفحة451 من الوسيط الجزء التاسع الى ان الاهمية العملية لعدم اعتبار الشفعة حقا انه لا يجوز لدائني الشفيع ان يستعملوا الشفعة باسم مدينهم، فالشفعة لصيقة بشخص الشفيع فهي غير قابلة للانتقال عن طريق الحوالة، ومرتبطة بالعقار المشفوع فلا يجوز للشفيع ان يحولها للغير، فهي لا تنتقل بين الاحياء، فاذا باع الشخص - الذي له حق ممارسة الشفعة - حصته فان المشتري لهذه الحصة لا يحق له ممارسة حق الشفعة في التصرف الذي قام به الشخص البائع، وقولنا بان الشفعة لا تنتقل بين الاحياء يعني انها قابلة للانتقال بين الورثة، وان كان المشرع المغربي لم ينص على ذلك فانه باهتدائنا بقواعد الفقه الاسلامي نجد هذا المبدا مسلما به في المذهبين الشافعي والمالكي، ونعني بانتقالها بين الورثة ان يكون الشفيع قد اعلن رغبته في ممارسة حق الشفعة، اما اذا مات قبل ذلك الاعلان فان الشفعة لا تنتقل الى الورثة لانها رخصة لصيقة بالشفيع وليست حقا، اما اذا وقع الاعلان عن الرغبة فان الشفعة تتحول من رخصة الى حق وتنتقل بالارث لان الرخص شخصية لا تورث بخلاف الحقوق (1) .
هذا ويلاحظ ان الجدال لازال محتدما، بخصوص هذه النقطة، وان كان الراجح ان الاستشفاع لا ينتقل كما تنتقل الحقوق والاموال الى الوارث لان الاستشفاع متروك لمشيئة الشفيع ولصيق بشخصه، الا ان المجلس الاعلى قد اتجه اتجاها معاكسا لهذا الراي فاصدر قرارا بتاريخ 12/1/1969 جاء فيه : " يحق للورثة الذين قيدوا على العقار المحفظ ما نابهم منه من ملكية عن طريق الارث، استعمال حق الشفعة في مواجهة المشترين لواجب شخص كان يملك مع المورث على الشياع، وقيد هذا الشراء على نفس العقار في تاريخ سابق على تقييد الاراثة، ما دام استعمال حق الشفعة تم داخل الاجل القانوني، وذلك طبقا للمبدا الفقهي القائل " من مات عن حق فلوارثه" فاذا مات بعد وجوب الشفعة وقبل الاخذ بها فوارثه يقوم مقامه وينزل منزلته." (2).
4) ان المشرع في الفصل 33 من ظهير 2/6/1915 قد نص على انه " لا يمكن للشركاء في الملك ان يتنازلوا عن حقوقهم في الشفعة قبل تسجيل الشراء بالكناش العقاري والا كان تنازلهم باطلا" بمعنى انه لا يمكن للمشتري ان يسعى لدى الشريك في العقار المحفظ الى الحصول على تنازل منه عن الاستشفاع قبل تقييد شرائه في الرسم العقاري، وهذا تطبيق كذلك لمقتضيات الفصلين 66 و67 من ظهير 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) بشان التحفيظ العقاري .
ويلاحظ ان المشرع قد رتب جزاء البطلان على التنازل الواقع قبل تسجيل الشراء بالكناش العقاري (3) ومفهوم المخالفة للفصل، فان التنازل بعد تقييد الشراء جائز وصحيح وملزم للشفيع، لان الاستشفاع ليس من النظام العام ليمنع التصرف فيه بالتنازل، فاذا وقع التنازل عن الشفعة انتج ذلك التنازل اثره من تاريخ تقديم طلب الشفعة وقد يكون التنازل صريحا او ضمنيا .
5) ان الشفعة بصفة عامة في التشريع المغربي تقع في المنقول او في العقار، ذلك ان الفصل 974 من ق ل ع استعمل " الحصة الشائعة" دون ان يخصص ذلك الحصة للشائعة وحدها اذا بيعت مستقلة عنها، وغالبا ما تكون هذه التوابع شيئا منقولا، اما العقار المحفظ فلا تكون الشفعة الا في العقارات بطبيعتها او في الحقوق العينية العقارية القابلة للتداول بحد ذاتها اما المنقول بمآل او بطبيعته او العقار بالتخصيص فلا ترد عليها الشفعة لوضوح نص الفصل 25 من ظهير 2/6/1915، وبصورة اعم، فان جميع الحقوق التبعية التي لا تقبل الانتقال بحد ذاتها لا يمكن ان تكون موضوعا للشفعة، وتكون قابلة لذلك اذا بيعت مع العقار .
6) كما ان الشفعة مقررة كذلك في ملكية الشقق حسب ما نص عليه الفصل 27 من ظهير 16/11/1946 المؤسس لنظام الملكية المشتركة للعمارات المجزأة الى شقق والمعدل بظهير 10 يناير1955، الذي جاء في بعض فقراته " وفي حالة وقوع بيع او مزاد تعذر القسمة، سواء عن طواعية او بامر من القضاء، لصالح مشتر اجنبي عن نقابة الملاكين يجب على الطرف الاكثر مبادرة ان يبلغ عقد البيع بواسطة رسالة مضمونة مع شهادة التسليم الى النقابة التي تكون ملزمة باعلام الملاكين فورا .
يجوز لهؤلاء سواء باجمعهم او البعض منهم، او احد منهم فقط، ان يحل محل المشتري بعد انجاز الشرطين التاليين داخل اجل كامل مدته ستون يوما يحسب من التبليغ المنصوص عليه في المقطع السابق ….." (4) .
ويستخلص من النص اعلاه ان الشقة المملوكة لاكثر من شريك ويبيع احد الشركاء حصته الشائعة لاجنبي عن نقابة الملاكين (5) حق للشريك او الشركاء الاخرين الاخذ بالشفعة، اما ذا بيعت الشقة كلها صفقة واحدة فان للشريك او الشركاء الاخرين حق الضم (6) .
ويلاحظ كذلك ان الشفعة في الملكية المشتركة تمارس فقط اذا وقع التفويت عن طريق البيع دون غيره من التصرفات الاخرى ولو كانت بعوض لان المشرع استعمل عبارة ( بيع) ومقتضيات الشفعة لا تقبل القياس لانها مقتضيات استثنائية، كما ان الشفعة في ملكية الشقق تمارس في جميع حالات البيع ولو كان البيع جبريا تم عن طريق القضاء، اما اجل الشفعة - حسب النص - فهو ستون يوما ابتداء من تاريخ تبليغ البيع الى اسماء الملاكين وليس من تاريخ تسجيل البيع بالرسم العقاري .
الفرع الثاني
شروط ممارسة الشفعة
ان الشفعة لا تتحقق الا اذا توفرت بعض الشروط الاساسية سواء بالنسبة لنوع التصرف الواقع على العقار او بالنسبة لشخص الشفيع وهذا ما سنتناوله فيما يلي :
الشرط الاول :
التصرف في العقار بعوض
7) ان التصرفات التي تجوز فيها الشفعة هي التصرفات بعوض كالبيع والمعاوضة والوفاء بمقابل، فالفصل 974 من قانون العقود والالتزامات يشير الى عقد البيع وعقد المعاوضة، كما ان الفصل 322 من قانون العقود والالتزامات يجعل مقابل الوفاء يخضع لنفس احكام عقد البيع اما ظهير 2 يونيو1915 فلا يشير الا الى عقد البيع ولما كانت الشفعة استثناء وتقييدا لحرية التعاقد وجب عدم التوسع في تفسير مقتضياته، وبذلك وجب عدم الاخذ بالشفعة في العقار المحفظ الا في عقد البيع، ولكن تحقيقا لهدف المشرع من الشفعة وقطع الطريق على التواطئ، فانه اذا ظهر من عقد المقايضة ان التزام مكتسب الحصة الشائعة على قدر كبير من الاهمية فلا مانع من اعتبار عقد المقايضة بمثابة عقد بيع وبالتالي موجبا للاخذ بالشفعة (7) .
اما التبرعات فلا تجوز فيها الشفعة، فالهبة والوصية والميراث لا تكون موجبا للاخذ بالشفعة، بصفة مطلقة، كذلك لا تجوز الشفعة في عقد اختلطت فيه الهبة بالبيع بنصف القيمة لاعتبارات شخصية أرتاها البائع في المشترى (8) .
اما اذا كان العوض في عقد الهبة كبيرا جاز الاخذ بالشفعة ويلزم الشفيع بدفع الثمن الحقيقي لا العوض المسمى في العقد (9) .
كما لا يجوز ان يكون عقد القسمة سببا للشفعة لان القسمة بحد ذاتها في العقار المحفظ ليس لها اي اثر بالنسبة للمتقاسمين، ولا بالنسبة للغير ما دامت لم تسجل في السجل العقاري (10) .
وكذلك الصلح في شان عقار مقابل مبلغ من المال لا تنبني عليه الشفعة لان ذلك الصلح ليس ناقلا للملكية بل مقررا لها والمبلغ المالي الموضوع ليس ثمنا للعقار، فالصلح حسم للنزاع ويقتضي ذلك تنازل كل من الطرفين للاخر عن جزء مما يدعيه لنفسه ( ف 1098 ق ل ع )، ولا يجوز للاجنبي عن عقد الصلح ان ينتفع من فائدة قررها المشرع لمصلحة شخص معين، فالصلح مناف لحق الشفعة الذي يستلزم، من قبل الطرفين، واجبات شخصية لا يمكن للاجنبي ان يقوم بها (11) .
اما إذا قدم الشريك في عقار حصته لشركة، فانه وان كانت الملكية تنتقل من هذا الشريك الى الشركة، فان ذلك لا يكون سببا للاخذ بالشفعة، لان ذلك التصرف لا يشبه البيع لعدم وجود ثمن، اما ذا وقع تقديم هذه الحصة للشركة مقابل نقود، فان ذلك يعتبر بمثابة بيع تجوز فيه الشفعة .
8) اما عن البيع الذي يكون سببا لممارسة حق الشفعة فهو البيع الرضائي الذي يتم طبقا لمقتضيات الفصول 488، 489 و490 من قانون العقود والالتزامات، اما البيع الذي يتم بدون رضى الشريك أي البيع الجبري الذي يتم بمقتضى إجراءات تنفيذية فانه لا يكون ثمة مجال لأخذ تلك الحصة المبيعة بالشفعة، لان البيع الجبري غالبا ما يتم بالمزاد العلني ويكون بالتالي أمام الشفيع فرصة المشاركة في المزايدة فلو كانت له رغبة في الأخذ بالشفعة لشارك فيها فضلا عن ان مثل هذا البيع تسبقه إجراءات الإشهار القانوني والإعلان عن تاريخ افتتاح المزايدة وإيداع محضر الحجز ووثائق الملكية بكتابة الضبط، ويبلغ ذلك الى العموم بالتعليق او بكل وسائل الإشهار ( ف 474 م ق م م )، وذلك خلال مدة تفوق المدة الممنوحة للشفيع في الفصل 32 من ظهير 2/6/1915 في حالة حضوره لمجلس العقد .
فالبيع الجبري الذي يتم وفق إجراءات رسمها القانون لا تجوز فيه الشفعة وكذلك الشان بالنسبة للبيع الاختياري الذي يتم عن طريق المزاد العلني أمام القضاء وفق إجراءات رسمها القانون كالبيع القضائي لعقار القاصر ( الفصول 207 الى 211 من ق المسطرة المدنية) ولعقار الشخص، الذي افترضت غيبته ( ف 263 من ق م م ) ولعقارات التركة التي وقع اعسارها (الفصل 260 م م) .
فالبيع بالمزاد العلني سواء كان جبريا او اختياريا لا تجوز فيه الشفعة لان حكمة المنع متوافرة في الحالتين وهي إمكانية الشفيع الدخول في المزايدة بفضل الإجراءات التي رسمها المشرع وحددها في قانون المسطرة المدنية (12) .
اما البيع الحر - دون التقييد بالإجراءات المرسومة من طرف المشرع - ولو وقع عن طريق المزاد العلني فلا يندرج تحت الموانع فتجوز فيه الشفعة لان علة المنع غير واردة في غياب الضمانات القانونية اذ لا يتقيد البائع بالإجراءات القانونية من إشهار وغيره .
والى جانب هذا النوع من البيع الحر نذكر كذلك بيع المالك لعقاره عن طريق تقديم عروض في أغلفة مغلقة حيث تنعدم العلانية ففي مثل هذا البيع تجوز الشفعة حتى ولو تم ذلك وفق إجراءات رسمها القانون، فالشرطان الأساسيان للمنع من الشفعة هما ان يتم البيع أولا بالمزاد العلني وثانيا ان يجري وفق إجراءات رسمها القانون (13) .
اما البيع الذي يتم بين الأصول والفروع او بين الزوجين او بين الأقارب لدرجة معينة، وان كانت بعض التشريعات كالتشريع المصري مثلا قد اتخذت موقفا واضحا بخصوص ذلك حيث أدرجت مثل ذلك البيع من بين الموانع من الأخذ بالشفعة، فان المشرع المغربي قد سكت عن ذلك. وأمام هذا السكوت وعدم عثورنا على موقف للعمل او الاجتهاد القضائيين، فإننا نرى، تطبيقا للقاعدة العامة بان الأصل هو الإباحة وان المنع هو الاستثناء، ان نقر بعدم وجود مانع لممارسة حق الشفعة ولو وقع البيع بين هؤلاء على ان لا يحصل البيع لاعتبارات خاصة بشخص المشتري اما اذا وجدت مثل هذه الاعتبارات الشخصية، فإننا لا نكون أمام عقد البيع بالمعني الصحيح بل أمام عقد آخر ذي صفة خاصة حيث لا تجوز فيه الشفعة، ثم انه لو أراد المشرع منع الشفعة في مثل هذا البيع لنص على ذلك صراحة بين مقتضيات الشفعة .
9) يستخلص إذن انه غالبا ما يكون عقد البيع هو سبب الاستشفاع ويقصد بعقد البيع هنا عقد البيع الحقيقي وليس عقد البيع الصوري لان هذا الأخير لا وجود له فهو كالعقد الباطل (14) الذي لا تجوز فيه كذلك الشفعة، ولا يحتج في العقد الصوري بان الشفيع في حكم الغير، وبذلك فيمكنه الأخذ بالشفعة اعتمادا على العقد الظاهر الذي هو العقد الصوري، لان الشفيع كسب حقه بالشفعة، التي يدخل فيها نفس البيع الذي ذكر فيه الثمن الصوري، فيكون قد كسب حقه بموجب العقد الصوري، فلا يعتبر غيرا في هذا العقد فضلا عن ان الشفيع يحل محل المشتري في البيع، فهو ليس بخلف خاص للمشتري بل اصبح يشكل مع البائع طرفا في عقد البيع الصوري، فلا يصح ان يكون أيضا خلفا للبائع (15) .
فالبيع الحقيقي وغير الباطل (16) هو بيع موجود تصح فيه الشفعة، وبذلك تنطبق نفس القاعدة على البيع الابتدائي، لانه بيع تام لوقوع التراضي بالبيع من طرف البائع، وبالشراء من طرف المشتري والتقاء إرادتهما حول الثمن، فبتوفر هذه الأركان يكون العقد الابتدائي عقدا تاما باتا وينزل منزلة عقد البيع النهائي، الا انه عقد موقوف لاعتبارات خاصة ترجع للطرفين، فهو عقد منتج يرتب نفس آثار عقد البيع النهائي وبذلك تجوز فيه الشفعة ابتداء من تاريخ وقوعه وبنفس الشروط الواردة فيه حتى ولو تغيرت هذه الشروط فيما بعد، ما دام الشفيع قد مارس حقه بالشفعة في ظل العقد الابتدائي، اما اذا لم يباشر الشفيع الشفعة، بمقتضى هذا العقد، جاز له ذلك في العقد النهائي بشروط هذا الأخير ومواعيده ودون ان يكون قد تنازل عن حقه أو فات الميعاد بعد علمه بالبيع في العقد الابتدائي، اما اذا اختلفت شروط العقد الابتدائي عن شروط العقد النهائي، كان يكون الثمن في العقد النهائي اقل من الثمن في العقد الابتدائي، جاز له ممارسة الشفعة بناء على العقد النهائي .
اما العقد الابتدائي القابل للعدول نظير دفع تعويض فلا يمكن ان يكون سببا للشفعة لانه عقد لم يتحدد فيه مركزا البائع والمشتري تجاه الشفيع بطريقة نهائية (17) فالعقد الذي تدل صيغته على ان كلا من الطرفين قد الزم نفسه الوفاء بما التزم به. بصفة قطعية، لا تقبل الرجوع فهو عقد يتولد عنه حق الشفعة .
10) اما العقد المقرون بدفع العربون فيجب فحص دلالة العربون، فان كانت تدل على تأكيد للعقد كنا أمام عقد بيع يجيز الشفعة، اما اذا كانت تدل على حفظ الحق لأحد الطرفين للعدول عن البيع مقابل إرجاع العربون للطرف الآخر لم نكن أمام بيع بات ولا تجوز الشفعة .
11) اما البيع المعلق على شرط فاسخ او شرط واقف فهو بيع موجود في كلتا الحالتين، فتجوز الشفعة في البيع المعلق على شرط فاسخ لان مثل هذا البيع بيع موجود وناجز منذ إبرامه - وعلى الشفيع مراعاة آجال الشفعة من وقت انعقاده ويحل محل المشتري في عقد البيع بشرطه الفاسخ، وطبقت قواعد الشرط الفاسخ. وبالنسبة للبيع المعلق على شرط واقف فقد اختلفت فيه آراء الفقه (18) لانه بيع موجود ولكنه غير نافذ، الا ان الراجح هو جواز الشفعة فيه حسب القواعد السابقة في البيع المعلق على شرط فاسخ .
12) اما العقد القابل للإبطال فهو عقد موجود ونافذ ومنتج لاثار قانونية (19) ولا يزول الا بدعوى الابطال، طبقا للفصل 311 من قانون العقود والالتزامات، وبذلك تجوز بمقتضاه الشفعة .
13) اما اذا وقعت الاقالة بين المشتري والبائع فلا اثر لهذه الاقالة تجاه الشفيع، فقد قضى المجلس الاعلى بانه "اذا كان المبيع المطلوب فيه الشفعة وقد وقعت الاقالة منه بين البائع والمشتري فان الشفعة كانت مستحقة بمجرد البيع، واذا حصل من البائع والمشتري قالة برضائهما، فلا يسقط حق الشفيع في الشفعة الثابت له بسبب البيع الذي ترتبت عليه الاقالة بل انها تجدد للشفيع حق الشفعة لاعتبارها بيعا جديدا (20)
ويستخلص إذن ان الشفعة تتحقق بمجرد ابرام عقد البيع موجود مستوف للاركان وتدل صيغته على عدم عدول الطرفين عن التزامهما، دون الالتفات الى ما يعقب هذا العقد من اقالة، فالاقالة من البيع لا تسقط الشفعة بعد ان يكون الشفيع قد ابان عن رغبته في الشفعة، على انها تجدد للشفيع حق الشفعة اذا كان قد سقط حقه في البيع الاول، لان الاقالة تعتبر بيعا جديدا .
بيع حصة مشاعة عدة مرات :
14) قد يحدث ان يبيع المشتري الحصة المشاعة قبل ان يباشر الشفيع حقه في الشفعة مما يطرح تساؤلا حول إمكانية ممارسة الشفعة واذا كان الامر ممكنا فهل يستشفع الشفيع الحصة المبيعة من المشتري الاول او من المشتري الثاني ؟.
لقد تردد القضاء المغربي كثيرا بسبب غياب النص التشريعي فقضى بداية الامر ان حق الشفعة واجلها يتاثران بالبيع الثاني الذي يقوم به المشتري الاول، فتجوز الشفعة في مواجهة المشتري الاول، حيث قالت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، " بان للشفيع الحق في ممارسة حق الشفعة ضد البيع الاول وان اجل ثلاثة ايام لا يسري بالنسبة اليه الا من تاريخ تبليغ البيع الاول" (21) .
الا ان القضاء فيما بعد قيد ذلك بامكانية ممارسة الشفعة في البيع الاول شريطة ان يكون الشفيع قد قيد حقه بالاخذ بالشفعة تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري قبل ان يكون المشتري الثاني قد سجل شراءه بالرسم العقاري (22) الا ان المجلس الاعلى سرعان ما تبنى رايا مفاده ان البيع الثاني الذي يقوم به المشتري الاول لا يمنع الشفيع من ممارسة الشفعة في مواجهة المشتري الثاني مع وجوب احترام اجل ثلاثة ايام - حتى بالنسبة للشراء الاول - اذا وقع اليه تبليغ الشراء الثاني، فيكون للشفيع اذن حق الخيار في ان يشفع اما على اساس الشراء الاول او الثاني، فاذا اختار الشفيع ان يشفع بناء على الشراء الاول التزم باجل ثلاثة ايام حتى في الحالة التي لم يبلغ اليه فيها هذا الشراء، وبلغ اليه الشراء الثاني (23) .
والجدير بالملاحظة ان القضاء المغربي قد قضى في قراره الصادر بتاريخ 13/4/1983 بان تمارس الشفعة ضد المشتري ولو كان قد باع الحصة المبيعة وسجل البيع على الرسم العقاري ويكون للشفيع في هذه الحالة الخيار في الاخذ بالشفعة من يد المشتري الاول او الثاني (24) .
الشفعة في البيع غير المسجل :
15) بقي ان نطرح سؤالا مهما، دارت حوله مناقشات حادة في الفقه وتردد في شانه المجلس الاعلى، هو هل يجوز للشفيع ممارسة حق الشفعة في البيع غير المسجل بالرسم العقاري ؟
للجواب على هذا السؤال لا بد من استعراض موقف الفقه اولا ثم موقف القضاء من المسالة ثانيا .
موقف الفقه : لقد اختلف الراي فيما اذا كان البيع غير المسجل بالرسم العقاري يعطي الحق في ممارسة حق الشفعة ام لا، فراى فريق من الفقهاء جواز الاخذ بالشفعة ولو ان العقد لم يسجل، لان البيع ينعقد صحيحا بغض النظر عن تسجليه بالرسم العقاري الذي يرتب نقل الملكية، وقد استند هذا الراي على ما يلي :
أ) ان عدم جواز ذلك يرتب نتائج خطيرة لا يمكن ان يبيحها المشرع لما تنطوي عليه من حيل يمكن ان يلجا اليها المشفوع ضده لتعطيل حق خوله المشرع للشفيع كأن يتقاعس المشتري او يتلكا عن تسجيل رسم الشراء متربصا الفرصة السانحة، مستغلا ظروف الشفيع فيبقى هذا الاخير تحت رحمته (25) .
ب) ان عقد البيع ليس من العقود الشكلية التي لا تنعقد الا بالتسجيل، فعقد البيع غير المسجل هو عقد بيع كامل صحيح يتم بتراضي عاقديه ويكفي ان يحرر كتابة وفي محرر ثابت التاريخ ( الفصل 489 ق ل ع)، اما الذي يخضع لاجراءات شكلية فهو نقل الملكية الذي لا ينتج اي اثر ولو بين الاطراف الا من تاريخ التسجيل ( 67 من ظهير 9 رمضان) .
ج) ان النصوص الخاصة بالشفعة في ظهير 2/6/1915 لا تنص على وجوب تسجيل عقد البيع بالرسم العقاري لصحة دعوى الشفعة بل ان الفصل 32 من الظهير صريح في الاخذ بالشفعة بالنسبة للشريك الحاضر في العقد، خلال شهرين من تاريخ العقد، ولم يقل من تاريخ تسجيل العقد .
د) ان الشفيع لا يتلقى حق الملكية من المشتري حتى ينتظر تسجليه، بل يكتسب حقه من المقتضيات القانونية للشفعة فيحل محله استنادا على ذلك وكان البيع صادر له من طرف البائع دون المشتري (26) .
هـ) ان انتظار الشفيع حتى يتم تسجيل عقد الشراء قد يجعل حالة العقار غير مستقرة مدة قد تطول كثيرا، وهذا يتنافى مع مقتضيات الشفعة التي تتسم بكثير من السرعة والعجلة في حسم النزاع (27) .
اما الراي المناوئ فهو القائل بعدم جواز الاخذ بالشفعة في البيع غير المسجل وقد استند على الحجج الاتية :
أ) ان الملكية حسب ظهير التحفيظ العقاري لا تنتقل الى المشتري الا بتسجيل عقد البيع في الرسم العقاري فحيث لا تنتقل الملكية فلا شفعة لان العقد غير المسجل لا ينتج اثارا ومنها ممارسة حق الشفعة .
ب) ان القائلين بجواز الاخذ بالشفعة في العقد غير المسجل، لقطع دابر الحيل، يصطدم مع مبادئ قانون التحفيظ العقاري واهمها انه لم يبق هناك فرق من حيث الحجية بين العقد وتسجيل العقد في السجل العقاري (28) ثم ان القانون لا يحمي الشفيع الا بعد ان يتولد له الحق في الشفعة، ولا يتاتى ذلك الا بنقل الملكية عن طريق التسجيل، فنقل الملكية هو جوهر عقد البيع فان كان العقد غير ناقل للملكية فهو ليس بعقد بيع (29) .
ج) ان طلب الاخذ بالشفعة في بيع لم يسجل بعد هو طلب سابق لاوانه، اذ لا داعي لتقديم طلب الشفعة قبل تسجيل التصرف المطلوب فيه الشفعة بالرسم العقاري، لان تقديم الدعوى يعتبر مخالفا لنصوص ظهير 12 غشت 1913 الذي يجعل المدعى عليه في الشفعة بدون صفة في الدعوى ما دام لم يسجل عقده في الرسم العقاري (30) .
د) ان الدفع بان المشرع ضده سيعرقل حق الشفعة بعدم تسجيله لعقد الشراء مسالة احتمالية، وليس من مهمة القضاء البحث عن مصالح الافراد وتفضيل بعضهم على بعض، بل مهمته الاساسية هي تطبيق القانون وليس له ان يتجاوز ذلك لمنح الصفة لمن ليست له، ثم انه من جهة اخرى، فان تقاعس المشتري عن تسجيل شرائه لا يكون عمليا ناتجا عن محض ارادته لانه بدوره مهدد بسقوط حقوقه فقد يقوم البائع بتفويت العقار لمشتر ثان (31) .
موقف القضاء المغربي من المسالة :
لقد كان القضاء المغربي يسير مع الاتجاه الثاني، فكان لا يجيز ممارسة حق الشفعة في العقار المحفظ قبل تقييد الشراء في الرسم العقاري، فهكذا صدر قرار من محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 22/10/1955 يقول القرار : ( لا يجوز على الاطلاق ممارسة حق الشفعة في بيع عقار مسجل، قبل تقييد البيع في السجلات العقارية (32)، ثم ان المجلس الاعلى قد اصدر بتاريخ 10/12/1975 (33) قرارا يقضي فيه بان امد الشفعة يبتدئ من تاريخ تسجيل البيع بالمحافظة لا من تاريخ وقوعه .
الا ان المجلس الاعلى سرعان ما بلور موقفه، بصورة اكثر وضوحا، في قرار 588 بتاريخ 20/9/1976، اذ تراجع عن اتجاهه السابق وقال " يجوز للشفيع ان يمارس حق الشفعة ولو قبل تسجيل عقد الشراء على الرسم العقاري" (34) .
ونرى ان موقف المجلس الاعلى هذا ينسجم مع المنطق القانوني ومع مقتضيات فصول الشفعة التي لا تمنع ممارسة حق الشفعة قبل التسجيل، رغم ما يكتنف ذلك من بعض الصعوبات العملية، فنقل الملكية وتسجيل العقد ليس ركنا في عقد البيع. فقد وضع نظام التسجيل في الرسم العقاري اساسا في صالح المشتري وقد وضع شرط التسجيل في الرسم العقاري في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915 في صالح المشتري حتى يعجل بحسم مسالة الشفعة وفي الفصل 32 وضع شرط التسجيل لبداية اجل السقوط وليس لجواز او عدم جواز ممارسة الشفعة، ثم ان التقيد بالتسجيل يناهض طبيعة اجراءات الشفعة التي تقتضي العجلة والسرعة، هذه السرعة التي تعيد للعقار استقراره، ويمكن القول كذلك بانه لما كان العقد الابتدائي يجيز الاخذ بالشفعة، فمن باب اولى ان يكون الامر كذلك في العقد النهائي غير المسجل .
16) ان حق الشفعة غير قابل للتجزئة indivisible بمعنى انه يجب ان يشمل حق الشفعة بمجموع الحصة دون تبعيضها، وهذا ما اكده الفصل 34 من ظهير 2/6/1915 بقوله " يجب الاخذ بالشفعة في مجموع الحصص المبيعة على الشياع لا في جزء منها" (35) .
فيستنتج من الفصل المذكور انه لا يسوغ طلب جزء من المبيع بالشفعة وترك جزء منه حتى لا تتفرق الصفقة، لان تجزئ الصفقة يضر بمصلحة المشتري، فاذا بيعت عدة حصص بعقد واحد وجب الاخذ بالشفعة في جميع الحصص سواء كان البائع واحدا او متعددا، فالشرط الوحيد هو ان يكون شراء الحصة الواحدة او الحصص المتعددة واقعا بعقد واحد، فيجب على الشفيع اذن ان يستشفع الحصة المبيعة برمتها لا جزءا منها، وذلك حتى ولو تعدد من لهم حق الشفعة .
الملاحظ من هذه القاعدة ان العبرة بوحدة الصفقة، فاذا كانت الصفقة واحدة فلا يجوز تجزئتها على المشتري ويرجع لقاضي الموضوع تقدير ما اذا كانت الصفقة واحدة او متعددة مستهديا في ذلك بالظروف الخاصة بكل صفقة وما يحيط بها من ملابسات (36) .
وقد اكد المجلس الاعلى هذه القاعدة حيث قال " ان محكمة الاستئناف لا تخرق القانون، اذا حكمت بتصحيح العرض المقدم للمشفوع عليهم، وكان الاجل المنصوص عليه في الفصل 32 من ظهير 2/6/1915 قد روعي وعرض الثمن كله واودع داخل اجل سنة ابتداء من تاريخ تسجيل رسم البيع في السجل العقاري، مما يدل على الرغبة في الاخذ بالشفعة تجاه جميع الورثة، طبق مقتضيات الفصل 34 من الظهير المذكور الذي يوجب الاخذ بالشفعة في مجموع الحصص المبيعة على الشياع لا في جزء منها (37) .
الشرط الثاني :
- شخص الشفيع -
17) ان الفصل 25 من ظهير 2/6/1915 في صدد تعريفه للشفعة جعلها حقا ثابتا لكل من يملك مع اخرين على الشياع عقارات او حقوقا عينية عقارية قابلة للتداول بحد ذاتها، بمعنى ان الشفيع هو الشريك على الشياع مع البائع في رقبة واصل الحصة المبيعة لا شريكا في منفعتها فقط، فلا شفعة اذن لمن ليس بشريك في المبيع كما هو الشان في الجار ( بخلاف بعض التشريعات كالمصري مثلا) .
فكل مالك على الشياع مع البائع محق في ممارسة الشفعة سواء كان فردا او اكثر، ومهما كانت الحصة المملوكة له صغيرة ام كبيرة ومهما كان مصدر الشيوع اختياريا كالعقد، ام اضطراريا، كالارث، وبغض النظر عن جنسية الشفيع، فالشفيع الاجنبي من حقه ممارسة الشفعة دون التقيد ببعض القيود التي تفرض على العمليات العقارية الاختيارية، التي يقوم بها غير المغربي الجنسية، لان الشفعة ليست اختيارية بالنسبة للطرفين، فان كانت اختيارية بالنسبة للشفيع، يجوز له التنازل عنها بمحض ارادته فهي اجبارية بالنسبة للمشفوع منه الذي لا يستطيع ان يتملص منها، لكونها حق خوله المشرع للشفيع، وهذا ما اكده المجلس الاعلى حيث نعى على محكمة الموضوع اساءة تطبيق ظهير 7 جمادى الاولى 1383 الموافق ل 26/9/1963 المتعلق بمراقبة العمليات العقارية، عندما رفضت طلب الشفعة الذي تقدم به شخص غير مغربي الجنسية بدعوى انه لم يحصل على الرخصة الادارية بذلك، فقال المجلس الاعلى : " ان ظهير 7 جمادى المذكور يكون واجب التطبيق عندما تكون العملية العقارية اختيارية بالنسبة للطرفين معا، اما اذا كانت اجبارية بالنسبة لاحدهما فلا مجال لتطبيقه الا في حالة وجود نص خاص يوجب ذلك كما هو الحال بالنسبة للبيع عن طريق المزاد العلني اذ نص على ذلك صراحة، ونظم كيفية تقديم طلب الرخصة الادارية والاجل الذي يجب ان يقدم فيه وعين الموظف الذي ينبغي ان يؤشر عليه، اما فيما يتعلق بطلب الشفعة فان المشرع لم يشر الى شيء من ذلك (38) .
18) فالشفيع حسب مفهوم الفصل 25، هو كل مالك على الشياع بصرف النظر عن اي اعتبار، الا انه تشذ عن هذه القاعدة الدولة التي لها دائما حق ممارسة الشفعة باصدار مقرر اداري، طبقا للفصل 32 من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون المالية لسنة 1973 المؤرخ في 8 يناير 1973، مع امكانية الطعن في المقرر الاداري امام الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى، طبقا للفصل 360 من ق م م من طرف المشفوع منه سبب الشطط في استعمال السلطة .
19) ويشترط في الشفيع ان تكون ملكيته سابقة على البيع الذي تمارس فيه الشفعة، ومادمنا في صدد العقار المحفظ، فان ملكية الشفيع غير كافية بل لابد من تسجيلها سابقا على البيع الذي تمارس فيه الشفعة، وهذا ما اكده المجلس الاعلى حيث قال : " لاتثبت لطالب الشفعة صفة الشريك الا اذا كان عقد تملكه مقيدا بالسجل العقاري، قبل تقييد عقد تملك المطلوب منه الشفعة، واذا كان تقييد شراء الطالب قد تم في تاريخ لاحق لتقييد شراء المطلوب منه الشفعة، فلا حق للاول في المطالبة بالشفعة ولو كان تاريخ عقد شرائه سابقا على تاريخ عقد شراء المطلوب منه (39) .
اما اذا تملكا معا حقوقا مشاعة في عقار محفظ دفعة واحدة اي بتاريخ واحد فلا شفعة لاحدهما على الاخر، حيث لم يتجدد ملك اي منهما على الاخر، ويجب ان ياخذ شراؤهما رتبة واحدة بالرسم العقاري اذا تقدما اليه بتاريخ واحد لتقييد شرائـهما (40) .
20) ويجب ان يبقى الشفيع مالكا لحصته الى تاريخ الاخذ بالشفعة، فلو انقسم العقار المشفوع به واصبح عقارا منفصلا عن الحصة المبيعة، فان ملكية الشفيع التي تسمح له بالشفعة قد انفصمت قبل ثبوت حقه في الشفعة فلا يمكن له ان يمضي في اجراءات الاخذ بالشفعة .
21) هذا وان المالك على الشياع الذي يبيع جزءا من حصته، بحدود معينة، يكون بذلك قد خالف قواعد الشيوع التي تقتضي ملكية الشركاء في كل ذرة من ذرات العقار المشترك، ومثل هذا البيع يعتبر بيعا غير جائز لانه بيع ملك الغير بدون اذن وبدون اجازة، وبذلك فان القضاء المغربي لم يجز الشفعة في مثل هذا البيع اذا كان الامر يتعلق بالعقار المحفظ (41) .
ويستخلص اذن ان للشفيع حق مباشرة الشفعة كلما كان سندا ملكيته سندا مثبتا للملكية، ولو كان المثبت بهذا السند معلقا على شرط فاسخ او كان هذا السند قابلا للابطال، اما السند الصوري فلا يمنح للشفيع حق الشفعة لانه ليس سندا حقيقيا .
تعدد الشفعاء :
22) ينص الفصل 26 من ظهير 2/6/1915 " يمارس هذا الحق على نفس العقار من طرف جميع الشركاء كل بقدر نصيبه، فان تنازل البعض منهم فان هذا الحق يمارسه الباقون بقدر حصصهم" يستخلص من هذا النص ان هناك اكثر من شفيع، ووقع تزاحم فيما بينهم على الاخذ بالشفعة، فلمن تكون الاسبقية في ممارسة الشفعة؟.
أ) اذا كانت حقوق الشفعاء ترجع الى مصدر واحد، فلا افضلية لبعضهم على بعض بل يتساوون في هذا الحق فياخذون الحصة المبيعة وتوزع بينهم، بحسب الانصبة والنسب التي يملكون بها في الرسم العقاري لا بحسب عددهم، اما اذا لم يتقدم بطلب الشفعة الا شفيع واحد فيكون الاخرون قد تنازلوا ضمنيا عن حقوقهم، ووجب على الشفيع اخذ مجموع الحصة بناء على مبدا عدم تبعيض الحصة المشفوعة (42) .
ب) اما اذا تعدد الشركاء وكان المشتري للحصة المراد استشفاعها من بينهم، فان الفصل 29 من ظهير 2/6/1915 يجعله مشاركا في ممارسة الاخذ بالشفعة كغيره من باقي الشركاء بقدر الحصة التي كان يملكها قبل الشراء، بمعنى انه اذا بادر شركاؤه بممارسة حق الشفعة ضده، شاركهم هو الاخر في هذا الحق دون ان يقوم باي اجراء بل يترك له نصيبه من الحصة المبيعة بقدر ما يملكه في العقار قبل البيع، ووقع استشفاع الباقي من بينهم بدقة (43) .
وقد وقع تساؤل حول امكانية الاخذ بالشفعة من يد الشريك الذي يشتري من شركائه الحصة المطلوب استحقاقها بالشفعة، وذلك امام العبارتين اللتين استعملهما المشرع في الفصل 974 من قانون العقود والالتزامات حيث استعمل عبارة " اجنبي" وفي الفصل25 من ظهير2/6/1915 " بدلا من مشتريها اي الغير" .
لقد اجاب الاجتهاد القضائي على هذا التساؤل، حيث قال المجلس الاعلى " ليس المراد بعبارة "الغير" في الفصل 25 من ظهير 2/6/1915 و" الاجنبي" الواردة في الفصل 974 من ق ل ع الاجنبي عن العقار، وانما الاجنبي عن عقد البيع، فالشفيع والمشفوع منه يعتبر كل منهما غيرا بالنسبة للاخر فيما يخص عقد البيع (44) فقواعد الشفعة الواردة في فقه الشريعة الاسلامية هي نفسها التي دونها الفصل 25 من ظهير 2/6/1915، وبذلك لا يمنع الاخذ بالشفعة من يد الشريك حيث لا تفرق الشريعة الاسلامية بين الشفعة من الشريك والشفعة من الاجنبي الا من حيث مدى اثرها، اي انه بالنسبة للاجنبي تؤخذ منه الحصة المبيعة برمتها، بينما بالنسبة للشريك، يترك له جزء من المبيع الى حدود نسبة ملكيته في العقار .
ج) اما اذا انحدرت حقوق الشركاء من مصادر مختلفة واختلفت مراتبهم تبعا لاختلاف اسباب شركتهم مع البائع، وحدث ان وقع تزاحم فيما بينهم في الاخذ بالشفعة وكان البعض اولى من البعض الاخر في الاخذ بالشفعة، فان الفصل 30 من ظهير 2/6/1915 يحيل على احكام الشريعة الاسلامية حيث تكون الافضلية بين الشفعاء للشفيع الذي يلتقي مع المتصرف من حيث مصدر حقه، اما اذا كان الشفعاء من اصناف ترتيبية مختلفة كورثة : بعضهم من اصحاب الفرض واخرون من اصحاب التعصيب او موصي لهم، فالورثة بالفرض يفضلون على الورثة بالتعصيب وهؤلاء يفضلون على الموصى لهم (45) .
الفصل الثاني
الاجراءات المسطرية في كيفية ممارسة الشفعة
في العقار المحفظ
بعد تحديد بعض قواعد الشفعة وبيان شروطها بكثير من الايجاز، محاولين تعزيز بعض النظريات واراء الفقه بالاجتهاد والعمل القضائيين، نتناول في الفصل الثاني من هذا البحث الجانب العملي والتطبيقي الذي نراه اكثر اهمية من الجانب النظري، ونرى ان نقسم المراحل التي تمر بها اجراءات ممارسة الشفعة الى ثلاث مراحل .
المرحلة الاولى : اعلان الرغبة في الاخذ بالشفعة .
المرحلة الثانية : اجراءات قضائية لممارسة حق الشفعة .
المرحلة الثالثة : الاثار المترتبة عن الاخذ بالشفعة .
المرحلة الاولى :
اعلان الرغبة في الاخذ بالشفعة
23) ان مسطرة ممارسة الشفعة في العقار المحفظ تكتسي صبغة، خاصة وتخضع لاجراءات دقيقة تختلف عن اجراءات ممارسة الشفعة في العقار غير المحفظ، فاول اجراء يجب القيام به هو الاعلان الصريح من طرف الشفيع عن رغبته في ان ياخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها، وهناك بعض الاجراءات الالزامية التي يجب على الشفيع سلوكها والتقيد بها والا اعتبر غير ممارس لهذا الحق، ولكن قبل هذه الاجراءات، قد تكون هناك خطوات اولية تسبق هذه الاجراءات ومنها على الخصوص ما نص عليه الفصل 31 من الظهير، اذ يمكن للمشتري بعد تقييد شرائه بالرسم العقاري ان يبلغه لكل من له حق الشفعة، ويتم هذا التبليغ باية وسيلة من وسائل التبليغ لان المشرع لم يشترط اية طريقة لهذا التبليغ فقد يكون بواسطة رسالة مضمونة مع الاعلام بالتوصل واما عن طريق كتابة الضبط .
ويلاحظ ان هذا التبليغ ليس الزاميا الا انه في حالة وقوعه يترتب عنه بدء سريان اجل ممارسة الشفعة ولما كان هذا الانذار يرتب اثارا قانونية لابد وان تتوفر فيه بعض الشكليات وقد اوضح المجلس الاعلى تلك الشكليات في القرار الصادر بتاريخ 16/10/83 والذي قال فيه :
" يجب ان تتضمن رسالة الانذار بوقوع البيع جميع البيانات اللازمة كثمن البيع والمصروفات حتى يلزم الشريك العازم على الاخذ بالشفعة بعرض الثمن في ظرف ثلاثة ايام" .
حقا ان الفصل 31 ساكت عن مضمون الانذار وعن محتوياته ولكن المنطق القانوني يفرض ان يتضمن ذلك الانذار بيان الحصة المبيعة بيانا كافيا، وبيان الثمن المؤدى ومبلغ التحسينات والمصاريف اللازمة للعقد من واجب تحرير وواجبات التسجيل وغيرها، وشروط البيع والاسماء العائلية والشخصية وصنعته ومهنته وموطنه او محل اقامة البائع والمشتري، ولهذا الانذار اهمية كبرى لان به تفتتح اجراءات الشفعة ويساعد الشفيع على اتخاذ الاحتياطات اللازمة للاستعداد لممارسة الشفعة، والانذار يوجه من طرف المشتري بخلاف بعض التشريعات (كالمصري) التي تجيز توجيه الانذار من البائع او المشتري، ويلاحظ كذلك ان الانذار يجب ان يوجه الى جميع من لهم حق الشفعة مهما كانت مراتبهم وحصصهم .
وحتى يسرى اجل بدء الشفعة يجب ان يوجه الانذار الى المعنيين بالامر شخصيا ولا ياتى بمفعوله الا بالتوصل الشخصي اذ ان التبليغ بواسطة الغير يجعل الاجل غير ساري المفعول فالركن الاساسي في مسالة بداية انطلاق الاجل انما هو تاريخ الاعلام القانوني لا تاريخ العلم (46) .
وتوجيه الانذار من طرف المشتري ليس معناه ان الشفيع لا يستطيع الاعلان عن رغبته في ممارسة حق الشفعة، اذ بامكانه الاعلان عن رغبته حتى قبل توصله بهذا الانذار لان هذا الاجراء ليس الزاميا كما سبق القول .
24) ان اعلان رغبة الشفيع في ممارسة الشفعة يجب ان يوجه الى المشتري وليس من الضروري توجيه نفس الاعلان الى البائع حسب التشريع المغربي لان الشفيع حسب الفصل 25 ياخذ الحصة من مشتريها، وبذلك فان الرغبة في الشفعة توجه الى المشتري ان كان واحدا او الى كل المشترين ان كانوا متعددين، داخل الاجل القانوني بالنسبة للجميع، لان الخصم الحقيقي في دعوى الشفعة - كما سوف ياتي - هو المشتري وليس البائع، هذا وانه من صيغة الفصل 25 فان الاعلان عن الرغبة يجب ان يكون مقرونا باداء الثمن المؤدى، ولا يكفي اظهار الرغبة الاكيدة المجردة من اداء الثمن الحقيقي، بخلاف لو كان الامر يتعلق بالعقار غير المحفظ .
ويلاحظ ان الاعلان عن الرغبة لممارسة حق الشفعة لا يمكن تصوره الا اذا عبر الشفيع عن ذلك امام القضاء بواسطة انذار رسمي مقرون بالعروض العينية .
25) هذا وان التعبير عن الرغبة في ممارسة الشفعة يرتب اثارا قانونية كاحلال الشفيع محل المشتري تجاه البائع بقوة القانون، وبمجرد تبليغ هذه الرغبة الى المشتري فان الشفيع يصبح اسيرا لرغبته، ولا يجوز له التراجع عن تلك الرغبة بارادته المنفردة اذ لا بد من رضى المشتري، والاعلان عن الرغبة قد يقع الاستغناء عنه اذا تم العرض العيني في الاجل القانوني .
اجال ممارسة حق الشفعة :
26) ان اعلان الرغبة في ممارسة حق الشفعة المقرون بالعروض العينية لابد وان يتم داخل الاجال المنصوص عليها في الفصلين 31 و32 من ظهير 2/6/1915 فالمبدا اذن انه يجوز للشفيع الاخذ بالشفعة ولو قبل تبليغه الشراء من طرف المشتري، فله في اي وقت ممارسة هذا الحق قبل تبليغه الشراء وحتى قبل تقييد الشراء بالرسم العقاري (47) الا ان المبدا قد وقع التضييق منه من طرف المشرع فاورد عليه قيودا في الفصلين 31 و32 من ظهير 2/6/1915 وهي :
أ- اجل ثلاثة ايام :
27) ان الشفيع الذي يبلغه المشتري بالشراء المقيد على الرسم العقاري بمقتضى انذار (48) ويرغب في اخذ الحصة المبيعة فانه يجب عليه ممارسة هذا الحق، داخل اجل ثلاثة ايام من تاريخ توصله بالانذار، وذلك تحت طائلة سقوط حقه، ومن هذا النص يتضح ان الشفيع لا يقيد بعلمه الشخصي بالبيع لان بداية اجل ثلاثة ايام مسالة قننها المشرع وقيدها باجراء شكلي هو التبليغ القانوني وليس العلم .
ويلاحظ على هذا الاجل انه اجل كامل، وان كانت مقتضيات ظهير 2/6/1915 لا تشير الى ذلك، فانه تمشيا مع مقتضيات العدالة فان الاجل يحسب طبقا لمقتضيات قواعد المسطرة المدنية الواردة في الفصول من 511، الى 513، (49)، فلا يحسب اليوم الاول الذي وقع فيه التبليغ ولا اليوم الاخير الذي ينتهي فيه الاجل واذا كان اليوم الاخير يوم عطلة او عيد امتد الاجل الى اول يوم عمل بعده، ذلك ان اليوم الذي يقع فيه التبليغ هو يوم ناقص .
كما يضاف الى هذه الايام مهلة المسافة اذا اقتضى الامر ذلك كما جاء صريحا في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915، ومهلة المسافة حسب الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية القديمة هي يوم واحد لكل 20 كلم، الا انه بالرجوع الى المسطرة المدنية الحالية فاننا لا نجد مثيلا لهذا النص، وبذلك نكون امام فراغ تشريعي بالنسبة لمهلة المسافة، والمسافة المقصودة هنا هي بين الموطن الحقيقي للشفيع وبين المكان الذي يرجع اليه الاختصاص لممارسة حق الشفعة .
واشير ان غرفة النقض المغربية قد اعتبرت عن خطا اجل ثلاثة ايام اجلا ليس كاملا (50) الا ان المجلس الاعلى قد استقر الان على اعتبار اجل الاخذ بالشفعة اجلا كاملا مطبقا في ذلك نص الفصل 511 من قانون المسطرة المدنية، كما انه يضيف الى ذلك اجل المسافة، ولكن دون ان يحدد كيفية حساب تلك المدة (51) .
الاجل هنا سواء اضيفت اليه مهلة المسافة ام لا، اجل سقوط وليس اجل تقادم بصريح النص، فلا ينقطع ولا يوقف، ويسري على الكافة حتى على الغائب وعلى الصغير وعلى من لا اهلية له للتصرف في حقوقه، ويثار هذا الاجل من طرف المحكمة حتى لاول مرة امام المجلس الاعلى لان اجل السقوط من النظام العام من جهة، ومن جهة ثانية فان مقتضيات الشفعة من النظام العام، وقد اكد المجلس الاعلى هذه المقتضيات بقوله : " اجل المطالبة بالشفعة اجل سقوط لا امد تقادم فيسري في حق القاصرين اذا كان لهم نائب قانوني وتراخى في المطالبة بالشفعة الى ان انقضى اجل ممارستها" (52) .
واخيرا فانه كثيرا ما يقع الخلط بين ثلاثة ايام المنصوص عليها في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915 وبين الاجل المنصوص عليه في الفصل 974 من قانون العقود والالتزامات، في حين انه لا علاقة بين الاجلين اطلاقا، اذ ان الاجل الوارد في الفصل974 يطبق على العقارات غير المحفظة دون العقارات المحفظة على عكس ما ذهب اليه المجلس الاعلى في احدى قراراته حيث قال : " حيث انه بالرجوع الى وثائق الملف والحكم المطعون فيه يتبين ان طالب الشفعة كان حصل على قرار استعجالي بتاريخ 13/6/1971 للاذن له بان يتقدم بالعروض الحقيقية لاستشفاع ما اشترته السيدة فلانة، وكان عليه في هذه الحالة ان يتقدم بثمن العقد ولوازمه خلال ثلاثة ايام من تاريخ 13/6/1971 لانه وان كان يتمتع في المطالبة بالشفعة لمدة سنة من يوم تسجيل البيع على الرسم العقاري الا انه بعد حصوله على القرار المشار اليه فقد اصبح في حقه اجل وضع الثمن وتوابعه داخل ثلاثة ايام من تاريخ القرار 13/6/1971 تمشيا مع مقتضيات الفصل 974 الذي يجب تطبيقه هنا حيث لا يتعارض مع مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري " (53) .
يلاحظ على هذا القرار انه لم يميز بين الاجلين لان اجل 974 هو المهلة التي يجب على الشفيع ان يؤدي الثمن بصفة مستعجلة وعلى ابعد تقدير خلال ثلاثة ايام، ويمكن تصور ذلك في الحالة التي يتقدم فيها الشخص بدعوى الشفعة مجردة من العروض العينية، فعليه بعد تقديم هذه الدعوى ان يؤدى الثمن خلال ثلاثة ايام والا كانت دعواه بدون اي اثر، ومثل هذه الصورة لا يمكن تصورها في العقار المحفظ الذي لا تقبل فيه الشفعة الا بعد سلوك مسطرة العرض الحقيقي لان الاعلان عن الرغبة في ممارسة الشفعة في العقار المحفظ لا تكون الا بالعرض العيني، اما الاذن الذي يحصل عليه الشفيع لوضع العروض العينية فلا اثر له وليس هو الذي يبتدئ منه الاجل حتى يمكن القول بان على الشفيع اداء الثمن خلال ثلاثة ايام من تاريخ حصوله على الاذن للقيام بالعرض العيني، فاجل ثلاثة ايام الواردة في الفصل 31 يبتدئ من تاريخ تبليغ الشراء من المشتري للشفيع وليس من تاريخ صدور الاذن بالعروض العينية وقد نص المجلس الاعلى في احدى قراراته : " بان اجل ثلاثة ايام المنصوص عليها في الفصل 974 لا تختلط بالاجال المنصوص عليها في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915 " (54) .
ويلاحظ كثير من رجال الفقه والقضاء ان اجل ثلاثة ايام المنصوص عليه في الفصل 31 اجل غير معقول لان المشتري كثيرا ما يتصيد الشفيع ويستغل ظروفه المادية ويقوم بتبليغه لحرمانه من حق الشفعة، ونناشد المشرع ان يتدخل للزيادة في هذا الاجل، ونعتقد ان المشرع قد عكس الامر في حالة تبليغ ا