الفحص الظاهرييعتبر الطب الشرعي من العلوم التي يعتمد عليها العلم الجنائي للتوصل إلى حقائق و نتائج بخصوص البحث في القضايا الجنائية المعروضة على العدالة فهو المعتمد من طرف رجال القضاء و رجال الضابطة القضائية، المكلفين بالبحث في الجنايات و الجنح، و هي الحقائق الطبية المطبقة على مقتضيات القانون. و بالرجوع إلى القانون المغربي يتبين بوضوح من خلال مراجعة فصول المسطرة الجنائية أن المشرع الغربي لم يخصص مواد معينة لهذا العلم المرتبط بالعدالة الجنائية و لم يشر إلى الفحوصات الظاهرية و لا إلى تشريح الجثث عقب الوفاة، كل ما تناولته فصول المسطرة الجنائية الجديدة هو ما تعرضت له في الفصول 74 ق م ج الفقرة 9، 8، 7: " يتعين على وكيل الملك إذا طلب منه إجراء فحص طبي أو عاين بنفسه آثارا تبرر ذلك، أن يخضع الشخص المستوجب لذلك الفحص. إذا تعلق الأمر بحدث يحمل آثارا ظاهرة للعنف أو إذا اشتكى من وقوع عنف عليه، وجب على ممثل النيابة العامة و قبل الشروع في الاستنطاق إحالته على فحص يجريه طبيب. و يمكن أيضا لمحامي الحدث أن يطلب إجراء الفحص المشار إليه في الفقرة السابقة." (يتعين على وكيل الملك...الفحص) و الفصل 77 من ق.م.ج: "يتعين على ضابط الشرطة القضائية الذي أشعر بالعثور على جثة شخص مات بسبب عنف أو غيره، و ضل سبب موته غير معروف أو يحيط به شك، أن يخبر بذلك فورا النيابة العامة، أو ينتقل في الحال إلى مكان العثور على الجثة و يجري المعاينات الأولى. يمكن لممثل النيابة العامة أن ينتقل إلى مكان العثور على الجثة، إذا رأى ضرورة لذلك، و أن يستعين بأشخاص لهم كفاءة لتحديد ظروف الوفاة، أو أن يختار من بين ضباط الشرطة القضائية من ينوب عنه للقيام بنفس المهمة. يؤدي الأشخاص الذين تستعين بهم النيابة العامة اليمين كتابة على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف و الضمير، ما لم يكونوا مسجلين في لائحة الخبراء المحلفين لدى المحاكم. يجوز لممثل النيابة العامة أيضا أن ينتدب أهل الخبرة للكشف عن أسباب الوفاة." وخلافا للقانون المغربي فقد أفرد قانون الإجراءات المصرية عددا من فصول لهذا العلم و أدرجه ضمن مواده (الفرع12 مواد 329 390) المعمول به في مصر و هكذا فقد نشأ أول مكتب للطب الشرعي الحق بالنيابة العامة في مصر سنة 1890 و تطور إلى مصلحة الطب الشرعي ثم أحدثت بعد ذلك أربعة أقسام للطب الشرعي تابعة لهذه المصلحة بكل من القاهرة سنة 01/01/1929 و بالإسكندرية سنة 20/03/1929 أسيوط 15/01/1930 و طنطا 01/06/1930. لم يتعرض القانون المغربي لا للفحص الطبي الظاهري و لا إلى التشريح الطبي و إنما اكتفى فيما سبقت الإشارة إليه الفصل 77 من ق.م.ج من فقرته الأخيرة بإمكانه انتداب أهل الخبرة للكشف عن أسباب الوفاة: و الفحص الظاهري يشمل الضحية و المتهم." و قد يكون الأمر سهلا و يسيرا إذا تعلق الأمر بالضحايا في جرائم الضرب و الجرح و الاغتصاب و هتك العرض. أما بالنسبة للمتهمين يتعقد الأمر و خصوصا أمام رفض المتهم إخضاعه للكشوفات الطبية الظاهرية لتحديد ما إذا كان مرتكبا للفعل الجنائي من عدمه و خصوصا إذا ظهرت عليه آثار لذلك، و بالرجوع إلى بعض القوانين المقارنة كالقانون السوداني الذي أشار صراحة إلى الفحص الظاهري و هكذا اشترط القانون السوداني إحالة المتهمين المرتكبين الجنايات على الفحص الطبي ذلك أن الغرض من إحالة المتهم على الفحص هو تحقيق العدالة، من حين اشترط القانوني الهندي رضا الشخص لعدم وجود نص. و أنا أرى أنه بالنسبة للقانون المغربي بالرغم من عدم وجود النص فعرض الشخص المتهم على الفحص الطبي يعتبر ضمانة له،و ضمانا لتحقيق العدالة و خصوصا عند عدم تواجد أدلة قاطعة و قوية. و تبقى مسؤولية الأطباء العاملين بالقطاع العام و الخاص، ذات أهمية بالغة إذ أنه في الحياة العملية عادة ما ترتكب أخطاء طبية قاتلة،و تصدر عنهم شواهد طبية متناقضة، و أحيانا شبه صورية، فقد عاينا حالات خصوصا فيما يتعلق بالاغتصاب و الافتضاض حيث يقرر الطبيب أن الفتاة التي أجري عليها الفحص مازالت بكر فيما يقرر الآخر سلبا هذه النتيجة الشيء الذي يترتب عليه آثار اجتماعية وخيمة بالنسبة للضحية و أهلها كما هو الشأن للشواهد الطبية الممنوحة في قضايا الضرب و الجرح و شهادة الخطوبة. التشريح الطبي ليواصل المحقق الجنائي مهامه، و بعد معاينته لمكان الحادث و جمع الأدلة المتواجدة، و تفتيشه لمنزل المتهم إن ضبط و للمكان الذي وقعت فيه الجناية و قد يكون منزلا أو فندقا أو ضيعات إلى غير ذلك، يحيل طلبا إلى السيد الوكيل العام للملك يطلب فيه إجراء تشريح على جثة الهالك لتحديد أسباب الوفاة. بعد ذلك يصدر أمر من النيابة العامة بتنفيذ هذا الأمر و في المجال العملي فإن المعمول به هو أن الضابطة القضائية كلما تعلق الأمر بوفاة إلا و راسلت النيابة العامة طلبا لتشريح الجثة، و ذلك تفاديا للشكوك، و الشكايات و الوشايات التي قد تصل بعد دفن الجثة، و تفاديا لاستخراج الجثة غالبا ما يلجأ بعض قضاة النيابة العامة إلى الأمر بالتشريح بالرغم من عدم توفر الأسباب الموجبة لذلك و في رفض تام لعائلة المتوفى. و عليه سنوضح الحالات التي يتم فيها وجوبا إجراء التشريح و الحالات الغير الملزمة و خصوصا و أن الفصل 77 استعمل كلمة (يجوز) لممثل النيابة العامة انتدب خبير للكشف عن أسباب الوفاة. الحالات الموجبة للتشريح: يعتبر تشريح الجثة شيئا أساسيا للإظهار أسباب الوفاة، و هذه المهمة توكل لطبيب شرعي مختص و مع الأسف بلادنا لا تتوفر على معهد خاص لتخريج الأطباء الشرعيين، فما تم القيام به كان سنة 2004 عندما تم تخريج فوج من 200 من الأطباء لممارسة هذا النوع من الطب المساعد للعدالة الجنائية فباستثناء البروفسور الواهلية سعيد و الدكتور المنصوري فغالبية أقاليم المملكة لا تتوفر على أخصائيين إذ أنه في حالات كثيرة أثرت فيها الشكوك عن أسباب الوفاة فيتم اللجوء دائما للدكتور سعيد الواهلية لوضع حد لكل غموض نظرا لكفاءته العالية و مصداقيته و حرصه على مساعدة العدالة بضمير حي و نقي بعيدا عن كل المؤثرات و هو كذلك أستاذ مكون للأطباء الشرعيين و يرأس مصلحة الطب الشرعي و أستاذ بالمعهد العالي للقضاء، و يستحق كل تقدير و احترام و نذكر الحالات كما يلي: 1. كل الوفيات الناتجة عن حادث جنائي و خصوصا القتل العمد و الضرب و الجرح المؤدي إلى الموت دون نية إحداثه أي كل جريمة عمدية مؤدية إلى الوفاة. 2. الجثث التي تظهر على مياه البحر و الأنهار سواء كانت مجهولة أو معلومة سواء كانت الجثة مكسوة بملابس أو عارية. الوفاة الناتجة عن الحرق، إلا إذا كان الحرق انتحاريا و أمام الملء، كمن صب بنزينا على نفسه على مرأى و مسمع من المواطنين. 3. جميع الحالات التي يتبين من خلال التحقيق و من خلال الفحص الظاهري للجثة أن هناك شبهة جنائية. 4. في جميع الحالات التي تطلب فيها عائلة المتوفى إجراء تشريح. 5. في الحالات التي يعتبر فيها تقرير التشريح ضروريا للإدلاء به من طرف الورثة لإحدى المؤسسات الإدارية و خصوصا خارج الوطن بالنسبة للمواطنين المهاجرين. الحالات الغير الموجبة للتشريح: 1. الأشخاص الذين يثبت مرضهم، لمرض مزمن و يتم نقلهم إلى المستشفى عمومي أو خصوصي لإسعافهم فيتوفون أو من يتعرضون لسكتة قلبية مفاجئة، ووفاة نتيجة عملية جراحية، ما لم تطعن عائلة المتوفى في سبب الوفاة كأن أرجعته لخطأ و إهمال طبي. 2. حالات السقوط من أعلى (سقوط عامل بناء) سقوط طفل من نافذة أو سطح منزل، ما لم يكن هناك نزاع بين الأبوين بخصوص الحضانة أو النفقة. 3. حالات سقوط منازل نتيجة انهيار نظرا لقدمها و ماتوا تحث الأنقاض. 4. حالات لسع العقارب و الأفاعي. 5. حالات سقوط طائرة بركابها. 6. حالة وفاة نتيجة غرق أمام العموم.