هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionانعكاس استقلال القضاء على دور المحامي و على مهنة المحاماة Emptyانعكاس استقلال القضاء على دور المحامي و على مهنة المحاماة

more_horiz
بقلم الأستاذ خالد خالص
المحامي بهيئة الرباط
عضو مجلس الهيئة
حينما يتمعن المرء في نفسه و في البشر عامة، فإنه يلاحظ لا محالة بأن الإنسان كائن اجتماعي لا يطيق العزلة و الإنطوائية، بل خلق للتعارف و التآلف و التعايش و التعاون ويستحيل عليه البقاء خارج المجتمع الذي ينتمي إليه إما بالولادة أو بالاختيار أو على الأقل داخل الجماعة، بحيث من الصعب عليه أن يعتمد على إمكاناته الذاتية فقط بل هو مرغم على مظافرة إمكاناته وجهوده وإضافتها إلى إمكانات و جهود غيره لتلبية أقصى حاجاته و حاجات غيره.
قال الله سبحانه و تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " . و باعتبار أن الفرد يعيش في المجتمع، و يسعى إلى التعارف و التعاون، فإنه يربط علاقات اجتماعية متعددة و يهدف إلى تحقيق مصالح مختلفة من شأن تعارضها مع مصالح الآخرين خلق حالة توثر وصراع دائمين يهددان الأفراد وربما الجماعة ككل.
وإذا كانت الغريزة أو ما كان يعرف بقانون الغاب في العهود الغابرة – أي قبل نحو مليوني سنة – هي التي كانت في كثير من الأحيان تحكم الفرد في تصرفاته و تجعله يقضي لنفسه، فإن التطور الحضاري للبشرية – بعد بروز الأسرة الأولى و نشأة الجماعة - جعل العقل يتغلب على الغريزة بحيث أصبح الفرد يحتكم للجماعة بعدما أدرك أن دوام القوة من المحال ويمكن للقوي أن يقع بدوره في يد من هو أقوى منه وهكذا دواليك.
و لم يصل الإنسان إلى هذا المستوى من الوعي إلا مع ظهور فكرة الحق حينما بدأ أصحاب الخيام يعزفون عن خيامهم و يستقرون في البيوت المعمورة حيث برزت بعض الحقوق المتعلقة بالأموال و الدماء كما برزت بعض الحقوق المعنوية كذلك.
وأدرك الإنسان بأن مصالح الأفراد داخل المجتمع متضاربة أو متنافسة و أن المصلحة الفردية للشخص مرتبطة بالمصلحة العامة للجماعة التي يعيش ضمنها إذ تكمن قوته في قوتها. كما أدرك بأن الحياة داخل الجماعة - و التي هي عبارة عن أخد و عطاء - تخلق اختلالات وفوارق وصراعات من شأنها أن تهدد حقوق البعض، وتلحق بهم أضرارا مختلفة حيث أدركت الجماعة أنه لابد لها من نظام يوجه نشاط الأفراد فيها، لتفادي الفوضى والإضطراب ولصون حريات الأشخاص ومصالحهم والحفاظ على التوازن وتكريس الأمن والطمأنينة داخلها.
ومن هذا المنطلق أصبحت لمن يعيش داخل الجماعة مفاهيم تعرف بالأخلاق و الأدب واللباقة و الشرف و المروؤة و غيرها، كما عرف نظام الزواج و الإرث و الدية و اصبحت للأسرة ثم للجماعة تقاليد و أعراف كانت ربما هي النواة الأولى للقوانين. ثم جاءت بعد ذلك المعتقدات والقوانين الدينية وبعدها القوانين الوضعية التي أضحى على الأفراد احترامها للعيش والتعايش فيما بينهم.
و القانون هو مجموعة القواعد التي تشكل النظام الذي يبين للفرد ما له من حقوق و ما عليه من واجبات أو بعبارة أوضح هو النظام الذي يضبط سلوك الأفراد و يحدد حقوقهم و واجباتهم انطلاقا من مهدهم إلى لحدهم، بل و حتى إلى ما بعد وفاتهم ويجب أن يتمتع هذا النظام أو هذه القواعد بقوة الإلزام أي أنه على الجميع الإمتثال له إما عن طيب خاطر و إما بالقوة. و القانون بالتالي أضحى ظاهرة اجتماعية و ضرورة اجتماعية إذ "لا قانون بغير مجتمع و لا مجتمع بغير قانون" و هي ترجمة للمقولة المعروفة :"حيث يكون المجتمع يكون القانون – Ubisocietas Ubi jus " و حيث يكون القانون يكون المجتمع. فالمجتمع ليس مجرد مجموعة من الأفراد بل هو مجموعة يحكمها النظام الإجتماعي.
فالإنسان ليس اجتماعيا بطبعه فحسب، بل هو كذلك نظامي بطبعه، إذ إن الجماعات البشرية الأولى و حتى الهمجية أو البدائية منها عرفت أنماطا من التنسيق و التعاون فيما بينها، إذ كانت لها عادات و تقاليد و أعراف ملزمة للجميع.
و نظرا لأهمية القانون في المجتمع فإن الدستور المغربي ينص في الفصل الرابع على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة و يجب على الجميع الإمتثال له، و ليس للقانون أثر رجعي"، كما ينص الفصل الخامس منه على "أن المغاربة سواء أمام القانون" و "لا يلقى القبض على أحد و لا يعتقل و لا يعاقب إلا في الأحوال و حسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون" ( الفصل 11 ).
و الملاحظ أنه كلما تقدم الفرد في النضج كلما زاد حرصه على احترام القانون و احترام النظام الاجتماعي بوحي من ضميره و دونما حاجة للشعور بالخوف من العقاب سواء كان هذا القانون عرفيا أو وضعيا.
إلا أن الملاحظ كذلك هو أن أغلبية الناس تجري وراء السلطة و المال و الشهوة و الشهرة وغيرها مما يجعل مصالح و مواقف البعض تصطدم مع مصالح و مواقف البعض الآخر الشيء الذي يؤدي إلى نشوء نزاعات تهدد النظام الإجتماعي.
و النظام الإجتماعي هذا يمنع على الفرد الحصول لنفسه و من ذاته على الحق الذي يدعيه، و مقابل خضوع هذا الفرد لقوة الجماعة و أوامرها فإنه ينتظر من هذه الجماعة أن تعمل على حمايته و إنصافه من كل اعتداء على شخصه و على ماله.
و لهذه الغاية ارتأت الجماعة بأن الضرورة لا تستدعي وجود تقاليد و أعراف و قوانين فحسب، بل تستدعي وجود قضاء للبت فيما تعارفوا عليه بأنه "الحق" لأن القضاء هو الروح التي تضمن للقانون الحياة.
و القضاء هو وليد المجتمعات المنظمة أو شبه المنظمة و هو ملجأ المجتمع لحمايته من الفوضى و من انعدام الأمن و هو الساهر على إقرار السلام بين أفراده و لا يمكن بناء دولة مستقرة بدون قضاء و لا يمكن لأي مجتمع أن ينمو و أن يزدهر بدون قضاء، و بهذه الصفة يعتبر القضاء أحد أعمدة الديمقراطية لأن الأحكام تصدر باسم الجماعة أو باسم الشعب أو باسم الملك .
كما يعتبر القضاء من أخطر السلط و أوسعها لأن المجتمع ككل يسلم لمجرد شخص فان سلطة التحكم في أموال و حرية وشرف و حياة أمثاله .
و القضاء إما أن يكون كفؤا نزيها و مستقلا، و إما أن لا يكون لأنه يصبح لعبة خادعة في أيادي قذرة يكون ظاهرها الحق و العدل و باطنها الباطل و الظلم. و إذا كان"العدل أساس الملك" فإنه لا يمكن بالتالى بناء دولة مستقرة بدون عدل ولا يمكن إقامة العدل دون تبني فلسفة العدل. وفلسفة العدل هذه لا تعرف تقديس الأشخاص و لا تقديس المال. و من تم تعتبر المهمة الموكولة للقضاء من أصعب المهام لأن من شأنها أن تكون منبعا للإستقرار أو للفوضى داخل المجتمع.
كما يعتبر القضاء أداة للنهوض بالاستثمار و النماء الاقتصادي، إذا ما عزز مناخ الثقة التي تعد حجر الزاوية للإقتصاد الليبرالي. فالتوجه الذي يسير عليه العالم نحو العولمة و الإنفتاح على الآخر و القدرة على المنافسة الشرسة التي تقوم عليها اليوم النظم الاقتصادية العصرية في الاسواق الداخلية و الخارجية يجعل من القضاء أداة لضمان الإستقرار الضروري للرقي الاقتصادي و أداة لتوفير مناخ تسوده الثقة لجلب الإستثمار الأجنبي و حافزا حقيقيا للمبادرة و الإستثمار الوطني.
و بناء عليه يشترط في القاضي صفات متعددة تؤهله للمهام التي ينيطه بها المجتمع. فبالإضافة إلى التفوق الأكاديمي والتداريب الضرورية، فإنه يشترط في القاضي ملكة البديهة والذكاء و قوة الشخصية و قوة الاحتمال و التجرد والحياد إلى جانب الصفات الأخلاقية المعروفة كالشرف والنزاهة والشجاعة واحترام كرامة الآخر... الخ.
لذا فإن ضرورة انتقاء المرشح للقضاء وفق هذه المعايير الدقيقة، إلى جانب دراسة البيئة التي نشأ بها بجوانبها المختلفة و سلوكياته بكافة أبعادها ستجعل من القاضي المغربي غدا قاضيا يمكن الإطمئنان إليه: لأن الصفات التي يتحلى بها تجعله ملتزما بالخطوط الحمراء التي لا يسمح له بتجاوزها.
إلا أن القاضي رغم كفاءته و تحليه بالصفات المذكورة و عدم اكتراثه بأي تهديد من قبل شخص أو من قبل جماعة، يكون في كثير من الأحيان محل ضغط من قبل سلطة من السلط الأخرى القائمة في البلاد كالسلطة التشريعية و السلطة التنفيذية إلى جانب سلط أخرى سيتم التطرق إليها فيما بعد.
و نظرا لخطورة مهام القاضي و الدور الفعال الذي يلعبه في المجتمع سواء في تنظيمه للحياة الاجتماعية بفصله في النزاعات فيما بين الأفراد من جهة و فيما بين هؤلاء و بين أجهزة السلطة العامة من جهة ثانية فإنه تقرر اعتبار القضاء مستقلا عن السلطة التشريعية و التنفيذية لأن طغيان سلطة على سلطة أخرى يؤدي إلى قتل الديمقراطية و من تم إلى التخلف و الانحطاط... .
فما هو التطور التاريخي لاستقلال القضاء؟ و ما هي النصوص القانونية التي تنظم هذا الإستقلال من جهة؟ وما هو مفهوم استقلال القضاء من جهة ثانية؟ و ما هو انعكاس هذا الإستقلال على دور الدفاع ومهنة المحاماة من جهة ثالثة ورابعة؟.

محطات تاريخية لاستقلال القضاء

بما أن الخصومة من لوازم الطبيعة البشرية فإن الشريعة الإسلامية اهتمت بالقضاء و أمرت بالعدل نظرا لما للقضاء من خطورة على الحياة الإجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و قد ورد ذكر القسطاس - و الذي يعتبر مرادفا للعدل ومناقضا للظلم - في القرآن الكريم في خمسة وعشرين آية وورد ذكر العدل في العديد من الآيات لا مجال لذكرها جميعها في هذه الدراسة ، كما أن السيرة النبوية اهتمت بالعدل دون الكلام عن سيرة الخلفاء الراشدين ومن جاء من بعدهم.
فالحكم كان يتم من خلال القرآن الكريم و من خلال سنن نبيه. قال عز من قائل " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك و لا تكن للخائنين خصيما" فالحكم لله عز جلاله وهو خير الحاكمين. قال تعالى "إن الحكم إلا لله يقص الحق و هو خير الفاصلين" . كما قال "والله يحكم و لا معقب لحكمه و هو سريع الحساب" . و "يا داوود إن جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق" .
و ملخص القول أنه كان ينظر للقضاء نظرة دينية صرفة: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " "و إذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل" و "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" . و"يا أيها الذين آمنوا كونوا قواميك لله شهداء بالقسط و لا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى إن الله خبير بما تعلمون" .
والسلطات الثلاث كانت في بداية عهد الإسلام شبه مجتمعة في يد الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبار أن الله سبحانه كان يوحى إليه بالآيات القرآنية، وأن الولاية الكبرى كانت له من البار عز و جل الذي قال :" فلا و ربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا فيما قضيت و يسلموا تسليما" .
و كان صلى الله عليه و سلم يحرص كل الحرص على إقامة العدل بين الناس وهي وظيفة تقلدها حتى قبل ظهور الإسلام حيث كان أهل قريش يحكمونه فيما ينشأ بينهم من خلافات حتى سمي بالأمين.
قال الرسول صلى الله عليه و سلم عن الله عز جلاله أنه قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا" .
حقيقة إن القضاء ولو كان على أحسن وجه لا يمكنه أن يقضي على الشعور بالظلم لأن العدل إذا كان مجرد تصور فإن الظلم يبقى شعورا و من من البشر لم يشعر في يوم من الأيام بالظلم؟. وعلى القضاء أن يكون عادلا حتى لا يكون الشعور بالظلم مرتين و تنعدم المصداقية في القضاء ومن تم في المجتمع.
و كان صلى الله عليه و سلم أحرص على العدل من أي شيء آخر. "فكان يتعود من درك الشقاء و شماتة الأعداء و سوء القضاء" . فعن الإمام مالك أبي أنس عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إنما أنا بشر، و إنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه. فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار" .
و مع توسع رقعة الإسلام كان لا بد من تعيين قضاة للفصل بين الناس. و قد تم تعيين هؤلاء حتى بالمدينة المنورة حيث كان يقيم الرسول .
كما تم تعيين قضاة خارج المدينة المنورة، فعن عمر بن عوف عن شريك عن سماك عن حنش عن علي قال : "بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن قاضيا فقلت : يا رسول الله ترسلني و أنا حديث السن و لا علم لي بالقضاء، فقال : إن الله سيهدي قلبك و يثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء" .
كما كان صلى الله عليه و سلم يوجه القضاة كقوله: "لا يحكم أحد بين اثنين و هو غضبان" ، و "إن خيركم أحسنكم قضاء" ، و أن "من ولي القضاء فقد دبح بغير سكين" ، وأن "قاضيان في النار و قاض في الجنة" ، و أن "عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة".
و كان نظام الحكم يقوم عند العرب على حصر سلطات الحكم بالإمامة الكبرى أو بالخليفة، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في أول خطبة له: "الضعيف عندكم قوي عندي حتى آخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله".
و كان سيدنا عمربن الخطاب رضي الله عنه - المشهور برسالته لأبي موسى الأشعري والي البصرة - هو أول من فصل القضاء عن الولاية العامة و جعله مستقلا بنفسه ووضع أول دستور لسلوك القاضي .
وعرف استقلال القضاء أجل تجلياته في عهد عمر ابن عبد العزيز الذي يروى عنه انه عندما ولي الخلافة جاءه وفد من أهالي سمرقند و شكا له قائده قتيبة بن مسلم الباهلي بأنه دخل بلدهم سمرقند مع جيشه قبل أن يوجه لهم الانذار حسب قواعد الإسلام فكتب عمر إلى عامله في العراق أن ينصب لهم قاضيا فنصب لهم جميع بن حاضر الباجي الذي سمع شكواهم فسمع و حاكمهم مع القائد قتيبة و حكم بخروج المسلمين من سمرقند و أن يعود أهلها إلى حصورهم. و خضع القائد العظيم و جيشه الذي فتح القارة الأسيوية و أخضع ملوك الصين، خضع لحكم جميع و هم المسلمين بالانسحاب. إلا أن أهل سمرقند و لما رأوا بأن الأمر جد و أنهم لم يشهدوا عدلا مثل هذا العدل قالوا مرحبا بكم سمعنا و أطعنا .
و يروى كذلك بأن أحد ولاة الخليفة عمر بن عبد العزيز كتب إليه يطلب مالا لتحصين المدينة فكتب إليه عمر قائلا " حصنها بالعدل و نق طريقها من الظلم" .
و يجب التذكير بأنه لا مجال لمقارنة القضاء و استقلال القضاء في عهد الرسول و عهد الخلفاء الراشدين و ما أتى من بعدهم مع الفكر الليبرالي الغربي الذي برز في القرن الثامن عشر مع مونتيسكيو صاحب نظرية تقسيم السلطلت إلى سلطة تشريعية تضع القوانين و سلطة تنفيذية تنفذ القوانين و سلطة قضائية تفصل في النزاعات على ضوء القوانين . و قد أوضح مونتيسكيو بأنه لا ديموقراطية إلا بتقسيم السلطات الثلاث و أن أي تسلط من سلطة على أخرى لا يؤدي إلا إلى الديكتاتورية.
و قد كانت نظرية مونتيسكيو هي الحافز على اندلاع الثورة الفرنسية لسنة 1789 رغم ان صاحب النظرية توفي سنة 1755.
و بعد ذلك جاءت المواثيق الدولية التي التزم المغرب باحترامها: فديباجة الدستور المغربي الصادر في 7 أكتوبر 1996 تنص على ان المملكة المغربية و إدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيق هذه المنظمات من مبادىء و حقوق وواجبات و تؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
و تنص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الانسان المؤرخ في 10 دجنبر 1948على أن تجاهل حقوق الإنسان و ازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الميز الإنساني، وأن من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر أن لا يضطروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان و الإضطهاد". كما تنص المادة العاشرة على أن "لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة و نزيهة نظرا منصفا و علنيا للفصل في حقوقه و التزاماته و في أية تهمة توجه إليه". كما أن الفصلين 14 و 15 من المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية و السياسية المؤرخة في 16 فبراير 1966 أولت نفس الاهتمام لموضوع استقلال القضاء و المحاكمة العادلة .
كما أن المؤتمر السابع للأمم المتحدة لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد بميلانو من 26 غشت إلى 6 شتنبر 1985 أقر مبادئ أساسية بشأن استقلال السلطة القضائية من بينها أن الدولة تكفل استقلال السلطة القضائية و ينص على ذلك دستور البلد و قوانينه و أنه من واجب جميع المؤسسات الحكومية و غيرها من المؤسسات احترام و مراعاة استقلال السلطة القضائية. و تفصل هذه الأخيرة في المسائل المعروضة عليها دون تحيز على أساس الوقائع ووفقا للقانون، و دون أي تقييدات أو تأثيرات غير سليمة، أو أي إغراءات أو تهديدا ت أو تدخلات مباشرة كانت أو غير مباشرة من أي كان أو لأي سبب.
واعتمد المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة قواعد التطبيق الفعلي للمبادىء الأساسية المتعلقة باستقلال القضاء التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1989 .
كما اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد في هافانا من 27 غشت الى 7 شتمبر 1990 المبادىء التوجيهية بشأن أعضاء النيابة العامة و المتمثلة في ضمان و تعزيز فعالية أعضاء النيابة العامة، و حيادهم و عدالتهم في الإجراءات الجنائية.
أما اتحاد المحامين العرب فقد أولى مسألة استقلال القضاء واستقلال المحاماة اهتماماً خاصاً، إذ انطلق مما قرره قانونه الأساسي من العمل على تأمين استقلال القضاء والمحاماة فاختار لمؤتمره الرابع عشر المنعقد عام 1980 في الرباط عنوان "استقلال المحاماة ضمانة أساسية لحق الدفاع"، وأسس الاتحاد من بين لجانه لجنة لاستقلال المحاماة والقضاء جرى إعادة تنظيمها كلجنة دائمة بناءً على توصية المكتب الدائم للإتحاد المنعقد بالدار البيضاء عام 1990، وأجرت اللجنة دراسة لواقع المحاماة والقضاء في البلدان العربية من خلال الإستبيان الذي وجهه الاتحاد في شهر فبراير1991 إلى جميع نقابات المحامين في الوطن العربي تضمن الإستيضاح عن مظاهر وواقع استقلال المحاماة والقضاء في الأقطار العربية، ويكرس الاتحاد من بين أعماله بنداً خاصاً لمتابعة هذا الموضوع كما يوليه الإهتمام في صحافته حيث ينشر بشكل متواصل الأبحاث والدراسات المتعلقة بهذا الموضوع.
وعقد المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة مؤتمره الثاني بالقاهرة، في الفترة ما بين 21 و 24 فبراير 2003 تحث شعار " دعم وتعزيز استقلال القضاء"، ولاحظ المشاركون أن القضاء المستقل هو الركيزة الأساسية لضمان الحريات العامة وحقوق الإنسان، ولمسيرة التنمية الشاملة وإصلاح نظم التجارة والإستثمار والتعاون التجاري بين البلدان العربية والدول الأخرى، وبناء صرح المؤسسات الديمقراطية. كما لاحظ المشاركون بأن السبب الرئيسي لعدم استقلال القضاء في غالبية البلدان العربية هو غياب فكرة المؤسسة ولا سيما المؤسسة القضائية وغياب الديمقراطية وسيادة القانون وتدخل السلطات التنفيذية في أعمال وشؤون السلطة القضائية، وتراجع مستوى التعليم الحقوقي الذي أدى إلى إضعاف الثقافة المتعلقة باستقلال القضاء. وأنهى المؤتمرون أشغالهم ببيان يتضمن توصيات تلح على الالتزام بمبادىء الأمم المتحدة الأساسية المتعلقة باستقلال القضاء مع توصيات أخرى سيطول الأمر بذكرها.
و في المغرب اهتمت الدساتير الثلاثة "بدسترة" استقلال القضاء. وينص الفصل 82 من دستور 7 اكتوبر 1996 على أن "القضاء مستقل عن السلطة التشريعية و عن السلطة التنفيذية".
و ينص الفصل 84 على ما يلي:" لا يعزل قضاة الاحكام و لا ينقلون إلا بمقتضى القانون".
وبالرغم من هذه النصوص، و نصوص أخرى سيتم التطرق إليها في هذه الدراسة، فإن استقلال القضاء يثير في المغرب عدة إشكالات سواء تعلق الأمر بالتنظير أو بالممارسة. كما أن لاستقلال القضاء ونزاهته انعكاسات على دور الدفاع و المحاكمة العادلة وعلى مهنة المحاماة بصفة عامة.




استقلال القضاء و نزاهته و انعكاسه على دور الدفاع
والمحاكمة العادلة

لا يجادل أحد في كون القضاء هو ركن من أركان الدولة إذا انهار انهارت معه هذه الأخيرة بالتبعية.
فالقضاء هو الساهر على فرض احترام القانون من طرف الجميع و دون تمييز بين الأشخاص سواء من حيث العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو المنشأ الوطني والاجتماعي أو الأصل العرقي أو الملكية أو المولد أو الحالة الإقتصادية أو أي وضع آخر. والقضاء هو حامي الأفراد و الجماعات من التعسف و الشطط والظلم و هو الذي يحد من التجاوزات و يوفر ما استقر عليه الجميع أنه عدل و هو الذي يوفر المناخ السليم للنمو الإقتصادي والحافز على تشجيع الإستثمار.
وأن المساواة أمام القانون و افتراض البراءة و الحق في محاكمة عادلة و علنية أمام محكمة مستقلة و نزيهة، هي من بين المبادىء التي لا مناص منها لتعزيز و احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
و يتبوأ القضاء منزلة كبيرة في الدولة نظرا لما يقوم به من وظيفة من شأنها بت الأمن ومحاربة الفوضى في المجتمع. إلا أن القضاء لا يمكنه أن يحقق المكانة الجديرة به إن هو لم يحض بثقة المواطنين عامة و بثقة المتقاضين خاصة. و أن ثقة هؤلاء و أولائك لن تتحقق إلا من خلال برهنة القضاة أنفسهم على تجردهم و نزاهتهم و استقامتهم و استقلالهم عن أي تدخل أو تأثير. قال رئيس فرنسا السابق فانسان اورويل عند نهاية رئاسته سنة 1955 :" يوم يفقد المواطنون ثقتهم في العدالة تتعرض الدولة كما يتعرض نظام الحكم لأشد الأخطار" . ولا خوف على أمة بها قضاء كفؤ ونزيه و مستقل. قيل لتشيرشيل رئيس برطانيا العظمى السابق بأن الفساد ظهر في أجهزة الحكومة والإدارة. فسأل : و كيف القضاء؟، فقالوا : "القضاء البريطاني ممتاز جدا"، فقال : "لا خوف على بريطانيا".
و لكي يكون للقاضي دور فعال فإنه على المجتمع أن يوفر له هذه الإستقلالية و الإستقلالية التامة لأداء مهمته على أحسن وجه و في أحسن الظروف. و الاستقلال يعني حرية القاضي في إصدار الأحكام دون تدخل أو تأثير، و هذا الاستقلال لا يجب أن يقتصر على السلطتين التشريعية والتنفيذية و لكن عليه أن يمتد لسلطة الرأي العام و سلطة الإعلام و سلطة المال و سلطة النفس الأمارة بالسوء التي تحاول دائما استتباعه وتدجينه.
و من تم وجبت دراسة استقلال سلطة القضاء عن باقي السلط و استقلال القضاة كأفراد يمثلون السلطة القضائية عند قيامهم بمهام وظائفهم ومدى تأثير هذا الإستقلال أو انعدامه على دور الدفاع والمحاكمة العادلة.
وسأقتصر في هذه الدراسة على قضاء الحكم نظرا لأن الكل يعرف انعدام استقلال القضاء الواقف وقضاء التحقيق الذي سأكتفي بخصوصهما ببعض الاشارات لاغير.

أولا - استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية

بالرجوع مرة ثانية إلى الفصل 82 من الدستور نجده ينص على أن "القضاء مستقل عن السلطة التشريعية و عن السلطة التنفيذية". و من هذا المنطلق و من منطلق دراسات فقهية متعددة يمكن القول بأن المغرب لا يعتبر القضاء سلطة بل وظيفة. إلا أن ديباجة الدستور تنص على أن المملكة المغربية تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية من مبادىء و حقوق وواجبات. والمغرب عضو في منظمة الأمم المتحدة الذي اعتمد مؤتمره السابع لمنع الجريمة والمجرمين على توصية تنص على أن "الدولة تكفل استقلال السلطة القضائية و ينص عليه دستورالبلد و قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية و غيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية" . ولا مجال للحديث الآن عن سمو هذه الاتفاقيات عن التشريع الوطني أو عدمه، لأن المطلب الذي يفرض نفسه الآن بإلحاح هو التنصيص على كون القضاء سلطة وليس مجرد وظيفة لذلك نتمنى أن يتم رفع اللبس و التنصيص على القضاء كسلطة قائمة الذات بمناسبة أقرب تعديل للدستور المغربي ليتبوأ القضاء في المغرب المكانة التى يجب أن يحظى بها.
و باعتبار أن الدستور المغربي لا يتكلم سوى عن السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية فسنتناول بالدرس هذه السلط قبل التطرق للسلط الأخرى التي لا تقل خطورة على القضاء.

أ - استقلال القضاء عن السلطة التشريعية

تسهر السلطة التشريعية على وضع القوانين العامة المجردة دون نظر إلى حالة معينة و لا إلى شخص بذاته، و النظام الديموقراطي يقتضي فصل هذه السلطة التي تسن القوانين عن السلطة القضائية التي تطبق القوانين.
و استقلال القضاء، كسلطة أو كوظيفة، عن السلطة التشريعية تبرره حماية المتقاضين أنفسهم إذ لا يتصور في العصر الحديث أن يقوم القاضي الذي يفصل في المنازعات على سن قوانين تساير ميوله و نزواته حسب نوع القضايا أو حسب نوع المتقاضين.
كما أن استقلال القضاء يقتضي أن يمنع على السلطة التشريعية أن تفصل في منازعة تدخل في اختصاص القضاء أو أن تنزع عن الجهات القضائية جزء من اختصاصاتها لتمنحها لجهات غير قضائية لتنظر فيها بصورة مستقلة.
كما يتعين على السلطة التشريعية تفادي خلق ما يعرف بالقضاء الإستثنائي لتتحرر السلطة التنفيذية من سلطة القضاء و استقلاله. فالقضاء الإستثنائي يرتبط ويتأثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالسلطة التنفيذية التي تجد فيه مجالا خصبا لتنفيذ سياستها. وهذا الإرتباط يبدد استقلال القضاء الذي يشكل الدعامة الأساسية لإقرار العدل. ويشكل القضاء الاستثنائي خطرا على مهنة المحاماة، إذ يقتصر دور المحامي على أداء شكلي أو إلى مساجلات في غير صالح الموكلين الشىء الذي يحول المحاماة من رسالة للدفاع عن المتهم الى الدفاع عن ذات المحامي أمام هدر كرامته وتهميش دوره، إذ تأتي الأحكام جاهزة من السلطة التنفيذية، ويقتصر دور القضاة على النطق بها. ويمكن القول بأن الجميع يشارك في مسرحية سخيفة لا تمت للعدالة و لاستقلال القضاء بصلة وخير دليل على هذا القول ما كان يجري أمام محكمة العدل الخاصة التي تم إلغائها مؤخرا.
و من جهة أخرى فإنه لا يجوز للسلطة التشريعية عند استعمالها حق ترتيب الجهات القضائية وتحديد اختصاصاتها أن تسلب حق التقاضي على شخص أو أشخاص معينين. كما لا يجوز لها إلغاء الأحكام القضائية أو تعطيل أو وقف تتفيذها.
و إذا كان لا يحق للقضاة التدخل في العمل التشريعي بصفة عامة فإنه بإمكانهم تفسير القوانين بخصوص الحالات المعروضة عليهم إلا فيما يتعلق بدستورية القوانين التي يمنع النظر فيها لمحاكم الموضوع وتبقى من اختصاصات الغرفة الدستورية.
وإذا كان استقلال القضاء عن السلطة التشريعية يدخل ضمن الرهان الديموقراطي فإن الرهان الحقيقي و الصعب المنال هو استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.

ب - استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية

لا يجادل أحد في أن السلطة التشريعية لا تشكل خطرا حقيقيا على القضاء، إلا إذا وجهت من قبل السلطة التنفيذية على شكل مشاريع قوانين تهدف نسف استقلال القضاء. ولكن الخطر الحقيقي والمباشر هو الذي يأتي من السلطة التنفيذية التي تمارس الحكم الفعلي في الدولة، و تجمع بين أيديها كل القوى المادية. فبعض رجالات هذه السلطة و ما لهم من إمكانات و من قوة النفوذ يميلون إلى الاستئثار و التسلط حتى في المنازعات التي تكون السلطة التنفيذية طرفا فيها. بل هناك امثلة كثيرة تذهب أبعد من ذلك، و تفيد تعنث السلطة التنفيذية في تنفيذ احكام السلطة القضائية مما يفقد المصداقية في الأحكام، و من تم في القضاء. و أحسن مثال على ذلك هو قرار المحكمة الاتحادية في الولايات المتحدة الامريكية القاضي بقبول طالب زنجي سنة 1962، و تعصب حاكم ولاية تكساس و منع تنفيذ الحكم حيث تدخل الرئيس ريشار كنيدي و أرسل جيشا يتكون من 3000 جندي، و تم إدخال الطالب الزنجي للجامعة تحث أسنة الحرب، و يدل هذا على أن الرئيس الأمريكي فطن إلى "وجوب المحافظة على سيادة القانون و استقلال القضاء و احترام الحكم القضائي" .
فاستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية لا يقتضي من هذه الاخيرة عدم التدخل في أعمال القضاء فحسب و لكن يقتضي منها السهر على توفير جميع الموارد والوسائل المادية الضرورية للجهاز القضائي للقيام بمهامه. وهنا لابد من الوقوف قليلا للتساؤل حول ما يمكن للقاضي أن يفعله أمام جهاز تنفيذي - الذي هو وزارة العدل – لا يوفر له الموارد المادية الضرورية ليكون فعالا و يقوم بمهامه على أحسن وجه؟. ولن أدخل في تفاصيل يعرف الكل جزئياتها إذ يمكن التساؤل كيف استمر القضاء المغربي من الاستقلال إلى الآن رغم بؤس امكاناته و محاكمه المتساقطة وأدوات عمله المتجاوزة. ويمكن الجزم على أن الأمة نسيت قضائها، وكانت و منذ فجر الاستقلال لا توفر له حتى الحد الأدنى الذي يضمن له الكرامة وبقيت السلطة التشريعية وكذا السلطة التنفيذية تستهين بعمل القضاة و لا تعيره الأهمية التي من الواجب أن يحظى بها. وكان الجميع تقريبا ينظر إلى أن بناء الطرق و المدارس والمستشفيات أهم بكثير من تطوير القضاء و تحصينه وتحديثه، متناسين بأنه لا مكانة لمجتمع بدون قضاء ولا مكانة لاستقرار بدون قضاء ولا مكانة لاقتصاد بدون قضاء. ويمكن قول نفس الشىء عن رجال السياسة. وقد سبق للأستاذ محمد السماحي أن كتب ما يلي "أما رجال السياسة فيكفي أن أسجل أن أية هيأة سياسية لم تجعل القضاء ضمن أولويتها ولا هو يتبوأ صدر برامجها" . ولم يستوعب المشرع المغربي وكذا الجهاز التنفيذي ( وكذا رجال السياسة عامة ) هذا المعطى إلا مؤخرا - وبايعاز من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاروبي - باعتبار أن القانون والقضاء يكونان جزء لا يستهان به من البنية التحتية الضرورية لكل مجتمع. ورغم هذا الفهم فإن تحديث القضاء في المغرب مع كل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ورغم المساعدات الدولية الضخمة ، يبقى خجولا محتشما نظرا لبعض العقليات الصلبة المتحجرة من جهة و نظرا لقلة الكفاءات في هذا الميدان من جهة أخرى و نظرا لتداخل السلطات بعضها البعض من جهة ثالثة. وإذا كان الجميع يعرف بأن السياسة هي عدو القضاء وأن القضاء لا يجب أن يخضع للضغوط السياسية فإنه يمكن التساؤل عن إمكانية تقليد مهام وزير العدل الذي يشغل في نفس الوقت منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء لرجل منتمي سياسيا ؟.

إن قلة الإمكانات التي يعاني منها القضاة تحد من استقلالهم بصفة مرهبة، وعلى القضاة أنفسهم أن يلحوا و يقنعوا باقي السلط لتمكينهم من الموارد والوسائل الضرورية للقيام بمهامهم. وفي جميع الأحوال فإن بقاء الوضعية المادية للقضاء بصفة عامة وللقضاة بصفة خاصة بين يدي السلطة التنفيذية يفقد القضاء ككل جانبا مهما من استقلاله.
والملاحظ كذلك هو ما يواجه القاضي يوميا من تراكم الملفات التي يتعين عليه دراستها والبت فيها وتحرير الأحكام بشأنها. فبغض النظر عن قلة الوسائل التي يتوفر عليها القاضي المغربي للبحث والدراسة فإن العدد الهائل من النوازل التي تطرح عليه لا تسمح له بإصدار أحكام في المستوى المطلوب منه. ثم إن العدد المهول من الملفات المعروضة في الجلسات الجنحية أو الجنائية لا تبيح للمحكمة ولا للمحامين القيام بدورهم في ظروف مريحة تسمح للقضاة باستقصاء الحقيقة. ويمكن القول هنا أن العدد الهزيل من القضاة المغاربة الذي لا يتعدى الثلاثة آلاف فرد ما بين قضاء جالس و قضاء واقف وقضاة ملحقين بالوزارة أو بالمعهد العالي للقضاء أو بدول صديقة لا يكفي لثلاثين مليون نسمة ولثلاثة ملايين قضية معروضة على المحاكم الآن .
ان القضاء رهين بالتريث وعدم التسرع في تجهيز الملفات وإصدار أحكام بشأنها خصوصا تلك التي تتعلق بحرية الأشخاص. ويمكن للمهتم أن يلاحظ عن قرب المهازل التي تقع سواء على مستوى التحقيق أو على مستوى محاكم الجنايات نظرا للضغط الذي تمر فيه المحاكمات وعدم إعطاء الوقت الكافي للمحامين للقيام بمهامهم في ظروف تسودها روح المسؤولية.
و من جهة أخرى، ودائما في إطار استقلال القضاء، على السلطة التنفيذية عدم التدخل في الشؤون القضائية بفصلها في مسائل من اختصاص المحاكم، وفي هذا الإطار فقد نص المشرع المغربي في الفصل 239 من القانون الجنائي على معاقبة "كل عامل أو باشا أو قائد أو أي حاكم إداري آخر فصل في مسألة من اختصاص المحاكم وذلك في غير الحالات التي ينص عليها القانون".
و يجب الإلحاح على ضرورة أن تعمل السلطة التنفيذية على احترام أحكام و قرارات المحاكم و الحرص على تنفيذها و لو بالقوة إن اقتضى الأمر ذلك، إذ لا معنى لبناء المحاكم و تجهيزها و تكوين القضاة وتجنيد عدد هائل من الفاعلين في المحيط القضائي إذا كانت الأحكام ستبقى حبرا على ورق بدون تنفيذ. وعلى الإدارة نفسها أن تعطي المثال على تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة ضدها من قبل المحاكم الإدارية أو غيرها إذ لا يعقل أن تبقى الأحكام بدون تنفيذ و " لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له " .
وكما يمنع على السلطة التنفيذية التدخل في القضاء، فإنه يمنع على هذا الأخير التدخل في شؤون السلطة التنفيذية أو عرقلة أعمالها أو إلغاء قراراتها. إلا أنه يبقى دائما أن القضاء الإداري يتمتع بحق مراقبة شرعية الأعمال الإدارية و بحق إلغاء القرارات المتسمة بتجاوز السلطة أو بالشطط في استعمال السلطة، و للقضاء الإداري سلطة الحكم على الإدارة بتعويض المصابين بالأضرار التي تسببت لهم فيها حسب القواعد المعمول بها في المجال. .

ثانيا – استقلال القضاء عن الرأي العام وعن سلطة الاعلام

تعتبر وسائل الإعلام المرآة الحقيقية التي تعكس وضعية المجتمع من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الثقافية. ولا أحد ينكر الدور الهام الذي يلعبه الإعلام : المرئي أو المسموع أو المكتوب (...)، في تنوير الرأي العام و بث الوعي وتدعيم الثقافة وتكريس الحياة الديمقراطية و فضح التجاوزات وغرس المواطنة و نقل الرأي و الرأي الآخر.
وحيث إنه أمام جسامة مسؤولية الصحفيين في التصدي لخرق الحقوق فقد أدى منهم الكثير الثمن غاليا نظرا لما تعرضوا له من مضايقات و عمليات اختطاف واغتيالات واعتقالات ومحاكمات إذ أصبح الإعلام يعتبر سلطة رابعة إلى جانب السلط الثلاثة المتحدث عنها سابقا لما له من تأثير مباشر على الجماهير.
وللإعلام دور خطير كذلك في تشكيل وجدان المواطنين و في إعطاء الأخبار أهميتها أو تهميشها أو تمييع أهدافها، وإذا كان الكل قد نادى و منذ فجر الاستقلال بحذف الرقابة الرسمية على وسائل الإعلام فإن على رجل الإعلام أن يوظف الرقابة الذاتية لكي لا يزرع البلبلة داخل المجتمع أو يؤثر سلبا على القضاء: فالإعلام بإمكانه أن يكون حاجزا ضد إقبار بعض الملفات وهنا يلعب الإعلام دورا إيجابيا في تعزيز المساءلة والمحاسبة إلا أن الإعلام بإمكانه أن يؤثر و يوجه القضاء بعناوين ومضامين مقالات أو تصريحات أو صور تعبر عن انفعال أو هوى أو شهوة الرأي العام، كما أن وسائل الإعلام تكون أحيانا وسيلة في يد السلطة السياسية أو الاقتصادية تستعملها للتأثيرعلى القضاء لمعاقبة اعدائها و التستر على أصدقائها، ولا يقتصر الأمر هنا على ما يعرف بالإعلام الحر أو الحزبي أو الاقتصادي بل يشمل كذلك وسائل الإعلام الرسمية.
فالإعلام على عكس ما كان عليه بالأمس أصبح اليوم كالغذاء فيه الملوث الذي يسمم الأفكار ويلوث الدماغ ويتلاعب بنا ويفسدنا ويحاول أن يزرع في "لا وعينا" أفكارا ليست بأفكارنا. ولن أدخل في جزئيات ضرورة تنقية البيئة الإعلامية من أجل تنظيفها و إزالة الأوساخ العالقة بها ولكنني أقتصر على مطالبة القاضي أن يكون شديد الحذر حتى لا يصبح لعبة في يد الرأي العام و في يد بعض وسائل الإعلام أو في يد السلطة السياسية أو في يد سلطة المال "يرقصونه" متى شاءوا و يملون عليه الأحكام بطريقة غير مباشرة، لأنهم متسرعين عادة في تعيين "أعداء الأمة" وفي إدانتهم حيث لا يبقى للقاضي إلا تضمين الرأي العام في الأحكام، فبإمكان وسائل الإعلام أن تجعل من القاضي بطلا لبضعة أسابيع أو لبضعة شهور وتدفعه إلى ارتكاب الخطأ القضائي. والمعروف أن هم بعض الصحفيين وبغض النظر عن الخلفيات السيئة للغاية إذ يقتصر دائما على السبق في نشر الخبر، ومرارا تنشر أخبار لم يتم تعميق البحث بشأنها و يبقى المواطن فريسة للمولوعين بالفضائح وينسى الجميع بأن البراءة هي الأصل وتستمر الضغوطات من قبل الجميع إلى أن يتم الاعتقال ثم ربما الإدانة؟، والأمثلة كثيرة و متنوعة لأشخاص عانوا من القضاء المغربي سواء على مستوى الضابطة القضائية أو على مستوى النيابة العامة أو على مستوى التحقيق أو على مستوى الحكم. و قد اعتقل الكثير منهم بإيعاز من الرأي العام أو بإيعاز من السلطة السياسية عبر وسائل الإعلام و قضوا شهورا بالسجون على ذمة التحقيق ليتم فيما بعد الإعلان عن عدم متابعتهم و إطلاق سراحهم. كما قضى الكثير منهم شهورا و أعوام بالسجون لتتم إدانتهم في الدرجة الأولى نظرا لضغط وسائل الإعلام، و كان ولابد من انتظار درجة ثانية من التقاضي حيث لم يعد الرأي العام ووسائل الإعلام تهتم بالقضية لأنهما منهمكين في "فضائح" أخرى ليتم التقصي من جديد، و بنوع من الهدوء، ويتم ربما إنصاف من رمي ظلما في السجون و شوهت سمعته و سمعة أسرته وعائلته، و ما ينتج عن هذا التشويه من عواقب على نفسيته و على سمعته وسمعة أسرته وعلى عمله.
و الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام التي أدانته مسبقا لا تبقى مواكبة لملف "الفضيحة" والضجة التى أثارتها حين عدم المتابعة و إطلاق سراح المعني بالأمر أو حين الحكم ببرائته أو إلغاء الحكم بإدانته و حينما تهتم فإنها تقتصر على مجرد خبر ينشر في أسفل صفحة لا تقرأ وبحروف صغيرة لا تثير الانتباه.
فعلى القاضي إذن أن يكون حذرا من بعض وسائل الإعلام التي تتخصص في إطلاق النار على كل من يتحرك امامها وان يقتصر حين يخلو للمداولة على عناصر الملف و على ما راج امامه في الجلسة و ألا يكترث برأي الجمهور وبانتقادات الآخرين ليعبر من تم على أنه فعلا قاض مستقل عن ضغوطات الرأي العام ووسائل الاعلام.
و يمكن القول بأن المشرع واع بخطورة التأثير على القضاة، بحيث أنه نص في الفصل 266 من مجموعة القانون الجنائي على معاقبة الأقوال والأفعال أو الكتابات العلنية التي يقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاء قبل صدور الحكم غير القابل للطعن في قضية ما. إلا أن الأبحاث التي أجريناها لم تسمح لنا بالحصول على اجتهادات في هذا المضمار.
ويمكن القول بأن تأثير الرأي العام ووسائل الإعلام يكون له وقع سلبي كذلك على مهنة الدفاع، ودور الدفاع إذ تتم المحاكمة في جو من الضغوط النفسية إذا كان القاضي منحازا إلى ما تورده وسائل الإعلام، ويمكن القول بأن المحامي يفطن منذ أول جلسة لتأثير أو عدم تأثير الرأي العام ووسائل الإعلام على القاضي مما يجعل المحاكمة تمر في جو هادئ، أو في جو من التوثر، الشيء الذي لا يسمح للدفاع بالقيام بمهامه بحرية واستقلال.
واستقلال القاضي عن الرأي العام ووسائل الإعلام واقتصاره على الأدلة و المناقشة التي تمت أمامه من الشروط الضرورية للمحاكمة العادلة، ومن الشروط الضرورية كذلك للدفاع للقيام بمهامه دون ضغط الشارع لأن المحامي المدافع عن الشخص الذي أشارت إليه الأصابع عادة ما ينظر إليه كالشريك، ومن تم تكون مهمته صعبة للغاية، إلا إذا وجد نفسه أمام قضاء مستقل يكفل لموكله جميع حقوق الدفاع.

ثالثا - استقلال القضاء عن سلطة المال و عن سلطة النفس الأمارة بالسوء

قال صلى الله عليه و سلم "كاد الفقر أن يكون كفرا". و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لو كان الفقر رجلا لقتلته "، ومن تم وجبت محاربة العوز المادي داخل الجهاز القضائي برمته و تمكينه من جميع الإمكانات التي تصون كرامة أفراده و كرامة ذويهم، و قد عمل المغرب في هذا الاتجاة منذ سنوات خلت حيث أصبحت وضعية القضاة وضعية مريحة بالمقارنة مع رجالات من نفس المستوى الجامعي يعملون في قطاعات أخرى إلا أن الملاحظ هو الخطر الذي يهدد هذه المؤسسة برمتها من خلال داء الرشوة الذي تفشى و بشكل مهول داخل جهاز العدل. و قد جاء في تقرير ترانسبارانسي المغرب ليوم 6 يناير 2004 أن البحوث الميدانية حول النزاهة تؤكد "المستوي المرتفع الذي بلغته الرشوة في بلادنا و مدى الابتذال الذي وصلت إليه هذه الظاهرة، إذ لم يعد بإمكان أحد أن يدعي أن هذه الظاهرة غير معروفة في بلادنا أو أنها بمثابة انحراف يمكن تقويمه بإجراءات ظرفية".
و الرشوة في القضاء هي ما يعطى لمن لا يستحق على حساب من يستحق وذلك بغية كسب قضايا ما كان لها ان تكسب دون مقابل والراشي لا يدفع رشوته إلا لأنه يعلم أن هناك حق لغيره يرغب هو في هدره.
والرشوة آفة اجتماعية تنخر الجسد الاجتماعي لأنها إعانة على الظلم و العدوان و هدر لكرامة الإنسان لما يترتب عنها من ضياع للحقوق و فساد للمجتمع. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لعن الله الراشي و المرتشي و الرائش" أي الوسيط بينهما .
والرشوة داخل الجهاز القضائي دلالة على فساد القضاء و موت الضمير و ترك الأخلاق والتنافس على تقديم الرشوة بدل التنافس على تقديم البينة، و الرشوة تربك القانون و تضعف المدافعين عنه بل هي تقتل القانون المتعارف عليه و تبرز قانون المال وتزيل كل وقار على القضاء.
وإذا كانت الرشوة في المجتمع تعبر عن فساد دوائر الدولة وغياب الرقابة و موت الضمير وترك الأخلاق واعتبار المادة دون غيرها فإن تفشيها في الجهاز القضائي هو مؤشر على هلاك الدولة برمتها باعتبار ان السلطة القضائية التي من المفروض أن تحارب الرشوة هي نفسها مرتشية.
حقيقة أن المشرع واع بمرض المجتمع هذا وقننه بالنسبة للقضاة حيث يمنع على هؤلاء أن يباشروا إلى جانب مهامهم أي نشاط بأجر أو بدونه باستثناء التعليم إذا رخص لهم بذلك وزير العدل، وإذا كان زوج القاضي يمارس نشاطا خاصا يدر عليه نفعا صرح القاضي بذلك لوزير العدل ليتخذ أو يأمر باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على استقلال القضاء و كرامته ( الفصل 15 من النظام الاساسي لرجال القضاء )، كما يلزم المشرع القاضي بالتصريح كتابة بما يملكه من عقار و قيم منقولة وكذا ما يملكه منها زوجه وأبناؤه القاصرون ويقدم تصريحا إضافيا فورا كلما حدث تغيير في وضعيته المالية (الفصل 16)، و يتتبع وزير العدل ثروة القضاة وأعضاء عائلتهم ويمكنه بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء أن يقدر ثروة القضاة بواسطة التفتيش (الفصل 17). إلا أن الملاحظ هو أن هذه النصوص بقيت منذ أزيد من ثلاثة عقود حبرا على ورق، إذ الكل يعرف الثروات الهائلة لكثير من القضاة لم يكونوا يملكون شيئا عند التحاقهم بمهامهم، وأصبحوا بين عشية وضحاها من أصحاب الفيلات والضيعات والعمارات والسيارات الفخمة، ناهيك عن مستواهم المعيشي اليومي المرتفع جدا، ودون أن تقوم الوزارة المكلفة بالتدقيق في مصدر هذه الثروات.
ولا يمكن لأحد أن يجادل في تفشي آفة الرشوة لدى الكثير من القضاة ومن يدور في فلكهم، فتقارير ترانسبارانسي المغرب في متناول الجميع للاطلاع على هذا الورم الخبيث الموجود في جسم القضاء. وأمام السيل الذي بلغ الزبى في جميع أنحاء المغرب فإن صحافيا كتب "إن النار قريبة من الحطب بأكثر ما تتحمله سلامة البلاد " . ولا يمكن القضاء على هذه الآفة إلا بالإرادة السياسية المنعدمة في بلادنا، والتي إن هي تحركت أعيدت الثقة للمواطن في إدارته و في قضائه ومن تم في وطنه. حقا إن المشرع أدخل تعديلا جوهريا على القانون الجنائي عن طريق تشديد العقوبات الخاصة بجرائم الاختلاس والغدر واستغلال النفوذ والارتشاء، وذلك بالتشديد في العقوبات السالبة للحرية والرفع من العقوبات المالية كما تمت إضافة عقوبة المصادرة لفائدة الدولة كعقوبة إضافية، وتمديدها لتشمل الأموال والقيم المنقولة والممتلكات والعائدات المتحصلة من ارتكاب الجريمة أيا كانت هذه الأموال، وأيا كان المستفيد منها. كما أضيف لمجموعة القانون الجنائي فصل جديد يتمتع بموجبه الراشي المبلغ عن الجريمة للسلطات القضائية بعذر معف من العقاب، وذلك لتشجيع التبليغ عن جريمة الرشوة. إلا أن الإرادة السياسية لا زالت تتردد في هذا المجال وربما أنها تنتظر الضوء الأخضر من جهة معينة لتنطلق في دق الطبول كعادتها.
و ملخص القول أن القاضي إذا لم يستطع التحرر من جذب المال الحرام فإنه يقضي على الثقة في القضاء وعن وقار القضاء ومن تم يقضي على مصداقية الدولة.
ولا يمكن للمحامي مهما بلغت درجة كفاءته وحنكته أن يقوم بمهامه وهو غير مطمئن لقاض مرتش إذ بدل التنافس على الأدلة والأدلة المضادة فإن المنافسة تنتقل إلى من سيعطي الأكثر من المال.
ولا بد من الوقوف هنا على الدور الذي تلعبه بعض العناصر الفاسدة من المحامين كذلك في نشر الرشوة في عالم القضاء، إذ أصبح البعض منا "سماسرة" لبعض القضاة يشاركونهم و يقتسمون معهم المال الحرام، فانعدام الشعور بالمسؤولية أدى إلى سريان حالة من الاستهتار لدى البعض منا، استهتار بالقوانين واست

descriptionانعكاس استقلال القضاء على دور المحامي و على مهنة المحاماة Emptyرد: انعكاس استقلال القضاء على دور المحامي و على مهنة المحاماة

more_horiz
شكرا لك اخي الكريم واصل تميزك
موضوع شيق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد