إذا كان الرضا في ميدان التعاقد ركنا أساسيا ليكون العقد صحيحا منتجا لآثاره القانونية فلابد من أن يكون هذا الرضا خاليا من أي عيب قد يشوبه وأن يصدر من شخص كامل الأهلية.
ومن هنا فإن دراسة موضوع الأهلية ـبإيجازـ يقتضي تعريفها وبيان أنواعها (المحور الأول) وكذا التعرض لها من حيث الكمال (المحور الثاني) والنقصان (المحور الثالث) ثم الانعدام (المحور الرابع).
وسنفرد بالتحليل كل محور على حدة:
المحور الأول:ـ تعريف الأهلية وبيان أنواعها.
سنبحث في هذا المحور بإيجاز تعريف الأهلية(أولا) ثم بيان أنواعها(ثانيا).
أولا: تعريف الأهلية capacite La.
الأهلية في اللغة : الجدارة والكفاءة، يقال فلان أهل لتحمل مهمة كذا،فهو إذن جدير بتحملها.
وفي الاصطلاح القانوني : هي : قابلية الشخص لأن يكتسب الحقوق ويتحمل الالتزامات، ولأن يمارس بنفسه التصرفات التي تمكنه من كسب الحقوق، وتحمل الالتزامات.
ومن هذا التعريف يتضح أن الأهلية نوعان:
ثانيا:ـ أنواع الأهلية.
جاء في المادة 206 من مدونة الأسرة أن:"الأهلية نوعان : أهلية وجوب وأهلية أداء".
وبناء على هذه المادة فإن الأهلية نوعان:أهلية وجوب وأهلية أداء:
ـ فأهلية الوجوب: capacite de jouissance حسب المادة 207 من مدونة الأسرة هي "صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون.."،وهي تثبت له منذ أن يكون جنينا في بطن أمه وإلى حين وفاته.
ـ أما أهلية الأداء capacite d exercice فهي وفق المادة 208 من مدونة الأسرة "صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته".وأضافت هذه المالية أن القانون هو الذي يحدد شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها.
فأهلية الأداء إذن هي صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرف الذي من شأنه أن يرتب له الحق أو يحمله بالالتزام.
والأهلية بنوعيها نظمها المشرع المغربي في الكتاب الرابع من مدونة الأسرة؛لكننا سنقتصر على ما يتعلق بأهلية الأداء التي يفترض من حيث الظاهر كمالها في الشخص.
المحور الثاني: كمال الأهلية.
جاء في الفقرة 2 من الفصل 3 ق ل ع أن : كل شخص أهل للالتزام،ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك.
من هنا فالأصل إذن كمال الأهلية في الإنسان بحيث لا يعتبر أحد فاقد للأهلية أو ناقصها إلا بنص قانوني،وعلى من يريد الطعن في أهلية شخص أن يثبت ذلك .
فإذا قامت البينة على انعدام الأهلية أو نقصها فإن العقد يكون في هذه الحالة باطل أو قابلا للإبطال،وبالتالي فإن أحكام الأهلية تعتبر من النظام العام فلا يجوز مخالفتها، أو الاتفاق على مخالفتها.
فلا يجوز للشخص أن يتنازل عن أهليته،كما لو باع قاصر عقاره من راشد واتفق معه على أن يتنازل له عن التصرف فيه بعد بلوغه سن الرشد وأن لا يطلب إبطال العقد، فإن هذا التنازل يقع باطلا.
وهذا ما نص عليه كل من القانون المدني المصري والقانون المدني السوري حيث ورد في هذا الشأن نص يقضي بأنه : "ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا التعديل في أحكامها".
وإذا كان الأصل في الشخص كمال الأهلية،فإن هذا الأصل ترد عليه استثناءات من جملتها أن الشخص يصير محجورا عليه لنقصان أهليته.
المحور الثالث:ـ نقصان الأهلية
سنبحث في هذا المحور حالات الشخص التي يكون فيها ناقصا الأهلية(أولا) ثم حكم تصرفاته(ثانيا) التي تعتبر مثلها مثل تصرفات الراشد إذا صدرت من مميز مأذونا له في إجرائها(ثالثا)..
أولا:ـ حالات نقصان الأهلية.
نصت المادة 213 من مدونة الأسرة أن ناقص أهلية الأداء هو الصغير الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد(أ) والسفيه(ب) ثم المعتوه(ج).
أ:ـ الصغير المميز.
بالرجوع إلى المادة 214 م. أس نجد أن الصغير المميز هو الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة لكن لم يبلغ سن الرشد.
والصغير المميز كالصغير غير المميز يعتبر محجورا عليه للصغر، ويخضع بحسب الأحوال لأحكام الولاية والوصاية أو التقديم بالشروط، ووفقا للقواعد العامة في مدونة الأسرة، (م 211).
ب:ـ حالة السفيه .
عرفت المادة 215 م. أس السفيه بما يلي:
"السفيه هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه، وفيما يعده العقلاء عبثا بشكل يضر به أو بأسرته".
والسفيه يختلف عن الصغير المميز من حيث أن هذا الأخير يكون محجورا عليه بطبيعته، أما بالنسبة للسفيه، فلا يحكم عليه بالحجر إلا بحكم صادر عن المحكمة من وقت ثبوت حالة السفه، ويرفع عنه الحجر من تاريخ زوال هذه الأسباب حسب القواعد الواردة في هذه المدونة.
ج:ـ المعتوه .
المعتوه حسب منطوق المادة 216 من م أس "هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته".
والمعتوه مثله مثل فاقد العقل لجنون، أو السفيه، فإنه لا يعتبر محجورا عليه إلا بحكم صادر عن المحكمة (220 م أس) وذلك من وقت ثبوت العته، ويرفع عنه ابتداء من تاريخ زواله.
ولا يحكم بالتحجير على جميع هؤلاء إلا بناء على طلب من المعني بالأمر أو من النيابة العامة أو ممن له مصلحة في ذلك(221 م أس).
هذا،وإذا ثبت أن الشخص كان ناقص الأهلية فإن أي تصرف يقدم عليه سيكون محل الطعن فيه ممن له المصلحة في ذلك،بل حتى من ناقص الأهلية نفسه.
ثانيا:ـ أثر نقصان الأهلية على تصرفات المحجور عليه.
يختلف أثر نقصان الأهلية على تصرفات المحجور باختلاف نوع التصرف،أي ما إن كانت هذه التصرفات نافعة(أ) أو ضارة(ب) أو تدور بين النفع والضرر(ج).
أ:ـ التصرفات النافعة نفعا محضا(أهلية الاغتناء).
هي التصرفات التي تثري المتصرف أو تيرئ ذمته من التزام دون تحمله مقابل ذلك بأي تكليف، قبول هبة بلا عوض أو إبرائه من دين عالق بذمته. تمثل هذه التصرفات تقع صحيحة ولو وقعت بمعزل عن الوصي أو الولي أو المقدم حسب ما نصت عليه المادة 12 من ق ل ع التي جاء فيها :
"يجوز للقاصر وناقص الأهلية أن يجلبا لنفسهما نفعا ولو بغير مساعدة الأب أو الوصي أو المقدم، بمعنى أنه يجوز لهما أن يقبلا الهبة أو أي تبرع آخر من شأنه أن يثريهما أو يبرئهما من التزام دون أن يحملهما أي تكليف".
ونصت الفقرة 1 من المادة 225 م أس على أنه :
"تخضع تصرفات الصغير المميز للأحكام التالية :
1) تكون نافدة إذا كانت نافعة له نفعا محضا".
ب:ـ التصرفات الضارة ضررا محضا(أهلية الافتقار).
هي التصرفات التي تجلب ضررا محضا للمتصرف، وتحمله تكاليف دون أي كسب أو نفع يجنيه بالمقابل وذلك كالهبة بلا عوض بالنسبة للواهب أو كالإبراء من الدين بالنسبة للدائن. فمثل هذه التصرفات تقع باطلة من القاصر وناقص الأهلية ولو صدرت منه بمحضر نائبه الشرعي، بل ولو صدرت من هذا الأخير. حسب ما نصت عليه المادة 12 من ق ل ع.
"ولا تسري هذه القاعدة على التبرعات المحضة حيث لا يكون لها أدنى أثر ولو أجريت مع الإذن الذي يتطلبه القانون".
ونصت الفقرة 2 من المادة 225 م أس على أن تصرفات الصغير المميز : "تكون باطلة إذا كانت مضرة به".
ج:ـ التصرفات الدائرة بين النفع والضرر(أهلية الادارة).
وهي التصرفات التي إذا أجراها القاصر فيمكن أن تجلب له النفع أو المضرة، كالبيع والشركة وهنا يجب التمييز بين ما إذا أجريت بإذن من النائب الشرعي أو بإذن من القاضي أو حصلت بدون إذن :
1 ـ إذا أجرى ناقص الأهلية تصرفا بإذن من النائب الشرعي أو قام النائب الشرعي بتصرف ما باسم من ينوب عنه مباشرة أو بعد حصوله على إذن من القاضي في الحالات التي يشترط فيها إذن من القاضي، فإن مثل هذا التصرف يعتبر صحيحا منتجا لآثاره القانونية كما لو قام به شخص كامل الأهلية،وهذا ما يستفاد بمفهوم المخالفة من المادة 4 من ق ل ع التي نصت على أنه : "إذا تعاقد بغير إذن القاضي أو الوصي أو المقدم فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها، ولهما أن يطلبا إبطالها" وكذلك المادة 12 من ق ل ع وفي الفقرة 3 من المادة 225 من مدونة الأسرة.
"يتوقف نفاذها إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على إجازة نائبه الشرعي حسب المصلحة الراجحة للمحجور، وفي الحدود المخولة لاختصاص كل نائب شرعي".
2 ـ إذا أجرى القاصر التصرف من غير الحصول على إذن من نائبه الشرعي، فإن هذا التصرف لا يكون ملزما له، ويقع قابلا للإبطال. وهذا ما نصت عليه المادة 4 من ق ل ع "إذا تعاقد القاصر وناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم، فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها ولهما أن يطلبا إبطالها...".
ثالثا:ـ حكم تصرفات المميز المأذون له.
يثار هنا الحديث عمن هو الصغير المميز؟وما الهدف من إقرار المشرع المغربي إمكانية منح الإذن له في إجراء بعض التصرفات؟(أ) وهل يجوز إلغاء هذا الإذن أم لا ؟(ب).
أ:ـ أهلية الصبي المميز.
تنص المادة 214 م أس على أن "الصغير المميز هو ا لذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة، ولم يبلغ سن الرشد".
إذن فالصغير المميز حسب هذه المادة هو الصبي الذي أتم سن الثانية عشرة من عمره، ولم يبلغ سن 18 سنة.
فالصغير الذي لم يبلغ سن 18 سنة ليس له الحق في أن يتسلم أمواله، إلا إذا بلغها أو تم ترشيده من قبل القاضي ووفق الإجراءات القانونية بعد أن يؤنس منه مخايل الرشد.
غير أن رغبة المشرع المغربي في فسح المجال لتمرين القاصر والتعود على التصرفات المالية فقد سوغ للولي تلقائيا كما سوغ لمن يقوم مقام الولي بعد إذن القاضي، أن يأذن للصغير المميز الذي أتم السادسة عشر من عمره، إذا أنس الولي منه الرشد. (ف 3 و4 المادة 218م أس) وذلك من أجل تعاطي التجارة وإدارة جزء من أمواله بقصد التجربة (المادة 226م أس).
ولا يمكن منح قرار الترشيد إلا إذا تبين للمحكمة ووفق وسائل الإثبات الشرعية أنه يسوغ منح قرار الترشيد لمن أتم 16 سنة بناء على طلب الولي (الفقرة 6 من المادة 218 م أس).
ويترتب على الترشيد تسلم المرشد لأمواله واكتساب الأهلية الكاملة في إدارتها والتصرف فيها (ف 5 م 218م أس).فإذا كان قد أذن للقاصر بأعمال الإدارة كإيجار الدار لأقل من ثلاث سنوات أو القيام بإصلاحها وترميمها، فإن التصرفات التي يجريها في هذه الحالات تعتبر صحيحة ولا يجوز إبطالها.
وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 226 م أس التي جاء فيها : "يعتبر المحجور كامل الأهلية فيما أذن له وفي التقاضي فيه".
وهذا الحكم نفسه ينطبق على الحالة التي يكون فيها الصغير المميز مأذونا له في تعاطي التجارة أو الصناعة، فلا يسوغ له أن يطلب إبطال التعهدات التي تحمل بها بسبب تجارته في حدود الإذن الممنوح له ولاسيما الأعمال الضرورية لمباشرة التجارة المأذون فيها (ف : 7 ق ل ع).
ب:ـ جواز إلغاء الإذن الممنوح للقاصر.
تنص الفقرة 3 من المادة 226 على أنه : "يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بالتسليم بطلب من الوصي أو المقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها".
فبناء على هذه المادة يسوغ للمحكمة إلغاء الإذن بالترشيد بناء على طلب من حاجر المميز بعد سماع أقوال هذا الأخير، وبعد أن تتوفر شروط وأسباب هذا الإلغاء الموضوعية، كأن يثبت سوء إدارته لأمواله، أو للأموال المأذون له التصرف فيها، ولا يكون لهذا الإلغاء أثر رجعي على التصرفات التي يبرمها قبل صدور قرار الإلغاء الفصل من 8 ق ل ع.
هذا بإيجاز ما يتعلق بحالة نقصان الأهلية،وننتقل إلى الحالة التي تنعدم فيها .
المحور الرابع :ـ انعدام الأهلية أو فقدانها.
سنتناول في هذا المحور الحالات التي يكون فيها الشخص فاقدا للأهلية(أولا) ثم مدى تأثير هذا الفقد على تصرفاته(ثانيا) .
أولا:ـ حالات انعدام الأهلية أو فقدانها.
تنص المادة 217 من م. أس. على أنه يعتبر عديم أهلية الأداء : الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز(أ) والمجنون فاقد العقل(ب)".
أ:ـ الصغير غير المميز.
وهو الصغير الذي لم يتم سن 12 سنة من عمره حسب ما يستفاد بمفهوم المخالفة من المادة 214 من مدونة الأسرة التي نص فيها على أن:"الصغير المميز هو الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة" .
من هنا كان الصغير غير المميز ممنوع عليه التصرف في أمواله ولا أن يمارس حقوقه المدنية سواء كان هذا التصرف نافعا أو ضارا، أو تصرفا يدور بين النفع والضرر.
ب:ـ حالة الجنون .
المجنون حسب الفقرة 3 من المادة 217 من م أ س هو الشخص الفاقد للعقل ولو كان بكيفية متقطعة، فيكون كامل الأهلية خلال الفترات التي يعود إليه عقله فيها.
هذا،وقد سوى المشرع في الحكم بين الصغير غير المميز والمجنون، فاعتبرهما فاقدي الأهلية.
والمجنون لا يكون محجورا عليه بطبيعته كالصغير غير المميز، وإنما لابد من حجره قضائيا بعد أن يثبت جنونه بالطرق الشرعية.
وهذا ما نصت عليه المادة 220 من م. أس حيث ورد فيها : "فاقد العقل والسفيه والمعتوه تحجر عليهم المحكمة بحكم من وقت ثبوت حالتهم بذلك، ويرفع عنهم الحجر من تاريخ زوال هذه الأسباب حسب القواعد الواردة في هذه المدونة".
ويتم الحكم بالحجر على المجنون حسب المادة 221 بناء على طلب المعني بالأمر، أو من النيابة العامة أو ممن له مصلحة في ذلك.
وتعتمد المحكمة في إقرار الحجر ورفعه بناء على الخبرة الطبية وكذلك سائر وسائل الإثبات الشرعية (المادة 222 م أس).
وسواء كان فاقد الأهلية صبيا غير مميز أو كان فاقد العقد لجنون وغيره فإن تصرفاته تقع باطلة بطلانا مطلقا كما سيتضح ذلك فيما يأتي.
ثانيا:ـ حكم تصرفات منعدم الأهلية أو فاقدها.
تنص المادة 224 على أن "تصرفات عديم الأهلية باطلة ولا تنتج أي أثر".
ومن هذه المادة نستنتج أن تصرفات عديم الأهلية تقع باطلة بطلانا مطلقا، لتخلف أحد شروط العقد المتمثلة في عيب شاب إرادة أحد المتعاقدين وهو هنا الصغير غير المميز أو المجنون.
والملاحظ أن هذه المادة تستمد روح أحكامها من فقه الإمام مالك، الذي سوى في المعاملة بين المجنون والصغير غير المميز فجعل تصرفاتهما باطلة بطلانا مطلقا. بينما يجعل تصرفات السفيه مثل تصرفات الصغير المميز قابلة للإبطال.
والملاحظ أن الصغير غير المميز والمجنون يعتبران فاقا أهلية الأداء لا أهلية الوجوب التي لا تتأثر بفقد التمييز ونقصه،فهي تلازمهما كما تلازم الشخص الراشد أو ناقص الأهلية.
ومن هنا فإن دراسة موضوع الأهلية ـبإيجازـ يقتضي تعريفها وبيان أنواعها (المحور الأول) وكذا التعرض لها من حيث الكمال (المحور الثاني) والنقصان (المحور الثالث) ثم الانعدام (المحور الرابع).
وسنفرد بالتحليل كل محور على حدة:
المحور الأول:ـ تعريف الأهلية وبيان أنواعها.
سنبحث في هذا المحور بإيجاز تعريف الأهلية(أولا) ثم بيان أنواعها(ثانيا).
أولا: تعريف الأهلية capacite La.
الأهلية في اللغة : الجدارة والكفاءة، يقال فلان أهل لتحمل مهمة كذا،فهو إذن جدير بتحملها.
وفي الاصطلاح القانوني : هي : قابلية الشخص لأن يكتسب الحقوق ويتحمل الالتزامات، ولأن يمارس بنفسه التصرفات التي تمكنه من كسب الحقوق، وتحمل الالتزامات.
ومن هذا التعريف يتضح أن الأهلية نوعان:
ثانيا:ـ أنواع الأهلية.
جاء في المادة 206 من مدونة الأسرة أن:"الأهلية نوعان : أهلية وجوب وأهلية أداء".
وبناء على هذه المادة فإن الأهلية نوعان:أهلية وجوب وأهلية أداء:
ـ فأهلية الوجوب: capacite de jouissance حسب المادة 207 من مدونة الأسرة هي "صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون.."،وهي تثبت له منذ أن يكون جنينا في بطن أمه وإلى حين وفاته.
ـ أما أهلية الأداء capacite d exercice فهي وفق المادة 208 من مدونة الأسرة "صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته".وأضافت هذه المالية أن القانون هو الذي يحدد شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها.
فأهلية الأداء إذن هي صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرف الذي من شأنه أن يرتب له الحق أو يحمله بالالتزام.
والأهلية بنوعيها نظمها المشرع المغربي في الكتاب الرابع من مدونة الأسرة؛لكننا سنقتصر على ما يتعلق بأهلية الأداء التي يفترض من حيث الظاهر كمالها في الشخص.
المحور الثاني: كمال الأهلية.
جاء في الفقرة 2 من الفصل 3 ق ل ع أن : كل شخص أهل للالتزام،ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك.
من هنا فالأصل إذن كمال الأهلية في الإنسان بحيث لا يعتبر أحد فاقد للأهلية أو ناقصها إلا بنص قانوني،وعلى من يريد الطعن في أهلية شخص أن يثبت ذلك .
فإذا قامت البينة على انعدام الأهلية أو نقصها فإن العقد يكون في هذه الحالة باطل أو قابلا للإبطال،وبالتالي فإن أحكام الأهلية تعتبر من النظام العام فلا يجوز مخالفتها، أو الاتفاق على مخالفتها.
فلا يجوز للشخص أن يتنازل عن أهليته،كما لو باع قاصر عقاره من راشد واتفق معه على أن يتنازل له عن التصرف فيه بعد بلوغه سن الرشد وأن لا يطلب إبطال العقد، فإن هذا التنازل يقع باطلا.
وهذا ما نص عليه كل من القانون المدني المصري والقانون المدني السوري حيث ورد في هذا الشأن نص يقضي بأنه : "ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا التعديل في أحكامها".
وإذا كان الأصل في الشخص كمال الأهلية،فإن هذا الأصل ترد عليه استثناءات من جملتها أن الشخص يصير محجورا عليه لنقصان أهليته.
المحور الثالث:ـ نقصان الأهلية
سنبحث في هذا المحور حالات الشخص التي يكون فيها ناقصا الأهلية(أولا) ثم حكم تصرفاته(ثانيا) التي تعتبر مثلها مثل تصرفات الراشد إذا صدرت من مميز مأذونا له في إجرائها(ثالثا)..
أولا:ـ حالات نقصان الأهلية.
نصت المادة 213 من مدونة الأسرة أن ناقص أهلية الأداء هو الصغير الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد(أ) والسفيه(ب) ثم المعتوه(ج).
أ:ـ الصغير المميز.
بالرجوع إلى المادة 214 م. أس نجد أن الصغير المميز هو الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة لكن لم يبلغ سن الرشد.
والصغير المميز كالصغير غير المميز يعتبر محجورا عليه للصغر، ويخضع بحسب الأحوال لأحكام الولاية والوصاية أو التقديم بالشروط، ووفقا للقواعد العامة في مدونة الأسرة، (م 211).
ب:ـ حالة السفيه .
عرفت المادة 215 م. أس السفيه بما يلي:
"السفيه هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه، وفيما يعده العقلاء عبثا بشكل يضر به أو بأسرته".
والسفيه يختلف عن الصغير المميز من حيث أن هذا الأخير يكون محجورا عليه بطبيعته، أما بالنسبة للسفيه، فلا يحكم عليه بالحجر إلا بحكم صادر عن المحكمة من وقت ثبوت حالة السفه، ويرفع عنه الحجر من تاريخ زوال هذه الأسباب حسب القواعد الواردة في هذه المدونة.
ج:ـ المعتوه .
المعتوه حسب منطوق المادة 216 من م أس "هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته".
والمعتوه مثله مثل فاقد العقل لجنون، أو السفيه، فإنه لا يعتبر محجورا عليه إلا بحكم صادر عن المحكمة (220 م أس) وذلك من وقت ثبوت العته، ويرفع عنه ابتداء من تاريخ زواله.
ولا يحكم بالتحجير على جميع هؤلاء إلا بناء على طلب من المعني بالأمر أو من النيابة العامة أو ممن له مصلحة في ذلك(221 م أس).
هذا،وإذا ثبت أن الشخص كان ناقص الأهلية فإن أي تصرف يقدم عليه سيكون محل الطعن فيه ممن له المصلحة في ذلك،بل حتى من ناقص الأهلية نفسه.
ثانيا:ـ أثر نقصان الأهلية على تصرفات المحجور عليه.
يختلف أثر نقصان الأهلية على تصرفات المحجور باختلاف نوع التصرف،أي ما إن كانت هذه التصرفات نافعة(أ) أو ضارة(ب) أو تدور بين النفع والضرر(ج).
أ:ـ التصرفات النافعة نفعا محضا(أهلية الاغتناء).
هي التصرفات التي تثري المتصرف أو تيرئ ذمته من التزام دون تحمله مقابل ذلك بأي تكليف، قبول هبة بلا عوض أو إبرائه من دين عالق بذمته. تمثل هذه التصرفات تقع صحيحة ولو وقعت بمعزل عن الوصي أو الولي أو المقدم حسب ما نصت عليه المادة 12 من ق ل ع التي جاء فيها :
"يجوز للقاصر وناقص الأهلية أن يجلبا لنفسهما نفعا ولو بغير مساعدة الأب أو الوصي أو المقدم، بمعنى أنه يجوز لهما أن يقبلا الهبة أو أي تبرع آخر من شأنه أن يثريهما أو يبرئهما من التزام دون أن يحملهما أي تكليف".
ونصت الفقرة 1 من المادة 225 م أس على أنه :
"تخضع تصرفات الصغير المميز للأحكام التالية :
1) تكون نافدة إذا كانت نافعة له نفعا محضا".
ب:ـ التصرفات الضارة ضررا محضا(أهلية الافتقار).
هي التصرفات التي تجلب ضررا محضا للمتصرف، وتحمله تكاليف دون أي كسب أو نفع يجنيه بالمقابل وذلك كالهبة بلا عوض بالنسبة للواهب أو كالإبراء من الدين بالنسبة للدائن. فمثل هذه التصرفات تقع باطلة من القاصر وناقص الأهلية ولو صدرت منه بمحضر نائبه الشرعي، بل ولو صدرت من هذا الأخير. حسب ما نصت عليه المادة 12 من ق ل ع.
"ولا تسري هذه القاعدة على التبرعات المحضة حيث لا يكون لها أدنى أثر ولو أجريت مع الإذن الذي يتطلبه القانون".
ونصت الفقرة 2 من المادة 225 م أس على أن تصرفات الصغير المميز : "تكون باطلة إذا كانت مضرة به".
ج:ـ التصرفات الدائرة بين النفع والضرر(أهلية الادارة).
وهي التصرفات التي إذا أجراها القاصر فيمكن أن تجلب له النفع أو المضرة، كالبيع والشركة وهنا يجب التمييز بين ما إذا أجريت بإذن من النائب الشرعي أو بإذن من القاضي أو حصلت بدون إذن :
1 ـ إذا أجرى ناقص الأهلية تصرفا بإذن من النائب الشرعي أو قام النائب الشرعي بتصرف ما باسم من ينوب عنه مباشرة أو بعد حصوله على إذن من القاضي في الحالات التي يشترط فيها إذن من القاضي، فإن مثل هذا التصرف يعتبر صحيحا منتجا لآثاره القانونية كما لو قام به شخص كامل الأهلية،وهذا ما يستفاد بمفهوم المخالفة من المادة 4 من ق ل ع التي نصت على أنه : "إذا تعاقد بغير إذن القاضي أو الوصي أو المقدم فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها، ولهما أن يطلبا إبطالها" وكذلك المادة 12 من ق ل ع وفي الفقرة 3 من المادة 225 من مدونة الأسرة.
"يتوقف نفاذها إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على إجازة نائبه الشرعي حسب المصلحة الراجحة للمحجور، وفي الحدود المخولة لاختصاص كل نائب شرعي".
2 ـ إذا أجرى القاصر التصرف من غير الحصول على إذن من نائبه الشرعي، فإن هذا التصرف لا يكون ملزما له، ويقع قابلا للإبطال. وهذا ما نصت عليه المادة 4 من ق ل ع "إذا تعاقد القاصر وناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم، فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها ولهما أن يطلبا إبطالها...".
ثالثا:ـ حكم تصرفات المميز المأذون له.
يثار هنا الحديث عمن هو الصغير المميز؟وما الهدف من إقرار المشرع المغربي إمكانية منح الإذن له في إجراء بعض التصرفات؟(أ) وهل يجوز إلغاء هذا الإذن أم لا ؟(ب).
أ:ـ أهلية الصبي المميز.
تنص المادة 214 م أس على أن "الصغير المميز هو ا لذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة، ولم يبلغ سن الرشد".
إذن فالصغير المميز حسب هذه المادة هو الصبي الذي أتم سن الثانية عشرة من عمره، ولم يبلغ سن 18 سنة.
فالصغير الذي لم يبلغ سن 18 سنة ليس له الحق في أن يتسلم أمواله، إلا إذا بلغها أو تم ترشيده من قبل القاضي ووفق الإجراءات القانونية بعد أن يؤنس منه مخايل الرشد.
غير أن رغبة المشرع المغربي في فسح المجال لتمرين القاصر والتعود على التصرفات المالية فقد سوغ للولي تلقائيا كما سوغ لمن يقوم مقام الولي بعد إذن القاضي، أن يأذن للصغير المميز الذي أتم السادسة عشر من عمره، إذا أنس الولي منه الرشد. (ف 3 و4 المادة 218م أس) وذلك من أجل تعاطي التجارة وإدارة جزء من أمواله بقصد التجربة (المادة 226م أس).
ولا يمكن منح قرار الترشيد إلا إذا تبين للمحكمة ووفق وسائل الإثبات الشرعية أنه يسوغ منح قرار الترشيد لمن أتم 16 سنة بناء على طلب الولي (الفقرة 6 من المادة 218 م أس).
ويترتب على الترشيد تسلم المرشد لأمواله واكتساب الأهلية الكاملة في إدارتها والتصرف فيها (ف 5 م 218م أس).فإذا كان قد أذن للقاصر بأعمال الإدارة كإيجار الدار لأقل من ثلاث سنوات أو القيام بإصلاحها وترميمها، فإن التصرفات التي يجريها في هذه الحالات تعتبر صحيحة ولا يجوز إبطالها.
وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 226 م أس التي جاء فيها : "يعتبر المحجور كامل الأهلية فيما أذن له وفي التقاضي فيه".
وهذا الحكم نفسه ينطبق على الحالة التي يكون فيها الصغير المميز مأذونا له في تعاطي التجارة أو الصناعة، فلا يسوغ له أن يطلب إبطال التعهدات التي تحمل بها بسبب تجارته في حدود الإذن الممنوح له ولاسيما الأعمال الضرورية لمباشرة التجارة المأذون فيها (ف : 7 ق ل ع).
ب:ـ جواز إلغاء الإذن الممنوح للقاصر.
تنص الفقرة 3 من المادة 226 على أنه : "يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بالتسليم بطلب من الوصي أو المقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها".
فبناء على هذه المادة يسوغ للمحكمة إلغاء الإذن بالترشيد بناء على طلب من حاجر المميز بعد سماع أقوال هذا الأخير، وبعد أن تتوفر شروط وأسباب هذا الإلغاء الموضوعية، كأن يثبت سوء إدارته لأمواله، أو للأموال المأذون له التصرف فيها، ولا يكون لهذا الإلغاء أثر رجعي على التصرفات التي يبرمها قبل صدور قرار الإلغاء الفصل من 8 ق ل ع.
هذا بإيجاز ما يتعلق بحالة نقصان الأهلية،وننتقل إلى الحالة التي تنعدم فيها .
المحور الرابع :ـ انعدام الأهلية أو فقدانها.
سنتناول في هذا المحور الحالات التي يكون فيها الشخص فاقدا للأهلية(أولا) ثم مدى تأثير هذا الفقد على تصرفاته(ثانيا) .
أولا:ـ حالات انعدام الأهلية أو فقدانها.
تنص المادة 217 من م. أس. على أنه يعتبر عديم أهلية الأداء : الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز(أ) والمجنون فاقد العقل(ب)".
أ:ـ الصغير غير المميز.
وهو الصغير الذي لم يتم سن 12 سنة من عمره حسب ما يستفاد بمفهوم المخالفة من المادة 214 من مدونة الأسرة التي نص فيها على أن:"الصغير المميز هو الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة" .
من هنا كان الصغير غير المميز ممنوع عليه التصرف في أمواله ولا أن يمارس حقوقه المدنية سواء كان هذا التصرف نافعا أو ضارا، أو تصرفا يدور بين النفع والضرر.
ب:ـ حالة الجنون .
المجنون حسب الفقرة 3 من المادة 217 من م أ س هو الشخص الفاقد للعقل ولو كان بكيفية متقطعة، فيكون كامل الأهلية خلال الفترات التي يعود إليه عقله فيها.
هذا،وقد سوى المشرع في الحكم بين الصغير غير المميز والمجنون، فاعتبرهما فاقدي الأهلية.
والمجنون لا يكون محجورا عليه بطبيعته كالصغير غير المميز، وإنما لابد من حجره قضائيا بعد أن يثبت جنونه بالطرق الشرعية.
وهذا ما نصت عليه المادة 220 من م. أس حيث ورد فيها : "فاقد العقل والسفيه والمعتوه تحجر عليهم المحكمة بحكم من وقت ثبوت حالتهم بذلك، ويرفع عنهم الحجر من تاريخ زوال هذه الأسباب حسب القواعد الواردة في هذه المدونة".
ويتم الحكم بالحجر على المجنون حسب المادة 221 بناء على طلب المعني بالأمر، أو من النيابة العامة أو ممن له مصلحة في ذلك.
وتعتمد المحكمة في إقرار الحجر ورفعه بناء على الخبرة الطبية وكذلك سائر وسائل الإثبات الشرعية (المادة 222 م أس).
وسواء كان فاقد الأهلية صبيا غير مميز أو كان فاقد العقد لجنون وغيره فإن تصرفاته تقع باطلة بطلانا مطلقا كما سيتضح ذلك فيما يأتي.
ثانيا:ـ حكم تصرفات منعدم الأهلية أو فاقدها.
تنص المادة 224 على أن "تصرفات عديم الأهلية باطلة ولا تنتج أي أثر".
ومن هذه المادة نستنتج أن تصرفات عديم الأهلية تقع باطلة بطلانا مطلقا، لتخلف أحد شروط العقد المتمثلة في عيب شاب إرادة أحد المتعاقدين وهو هنا الصغير غير المميز أو المجنون.
والملاحظ أن هذه المادة تستمد روح أحكامها من فقه الإمام مالك، الذي سوى في المعاملة بين المجنون والصغير غير المميز فجعل تصرفاتهما باطلة بطلانا مطلقا. بينما يجعل تصرفات السفيه مثل تصرفات الصغير المميز قابلة للإبطال.
والملاحظ أن الصغير غير المميز والمجنون يعتبران فاقا أهلية الأداء لا أهلية الوجوب التي لا تتأثر بفقد التمييز ونقصه،فهي تلازمهما كما تلازم الشخص الراشد أو ناقص الأهلية.