يطرح استقلال النيابة العامة عن باقي أجهزة الدولة عدة تساؤلات لا يهمنا في الوقت الحاضر إلا التساؤل عن استقلالها عن السلطة التنفيذية، والمتمثلة في وزارة العدل «وزير العدل بشكل شخصي» لما لذلك من تأثير على مواقف النيابة العامة في القضايا التي تمارسها وبالتالي على رأيها بل ومطالبها إن ما هو متعارف عليه في الأنظمة القانونية المقارنة هو استقلال النيابة العامة كجهاز عن أي سلطة لوزير العدل إلا من حيث الرقابة على الأعمال دون سلطة التوجيه التي تعني التدخل في خصوصيات هذا الجهاز والتأثير على مطالبه، وإن أهم ما يميز الوضع القانوني للنيابة العامة هي هشاشة وضعف وتبعية وضع النيابة العامة في علاقتها بالسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل( ). ومن خلال تصفح المواد التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع قد أعطى لقضاة النيابة العامة وضعية مزدوجة أدت إلى وجود تضارب فقهي حول طبيعة جهاز النيابة العامة هل هو إداري أم قضائي؟

لقد انقسم الفقه في الإجابة على هذا التساؤل إلى قسمين:
الاتجاه الأول: وهو اتجاه يدافع عن الطبيعة القضائية للنيابة العامة وذلك بناءا على أن قضاة النيابة العامة هم قضاة يتم تكوينهم وتعيينهم بنفس طريقة قضاة الأحكام ويخضعون للقانون الأساسي لهذه الفئة وهذا ما يعاكس الاتجاه الآخر.
الاتجاه الثاني: وهذا الاتجاه يتمسك بكون النيابة العامة ذات طبيعة إدارية إلى حد إنكار أي صفة قضائية لهذا الجهاز وذلك بناءا على الأسباب التالية:
1 +خضوع جهاز النيابة العامة للتسلسل الإداري والذي يأتي على رأسه وزير العدل.
2 +التفريق بين قاضي الحكم وقاضي النيابة العامة من حيث الحصانة اتجاه العزل والنقل بالإضافة إلى خضوعهم لأوامر وزير العدل.
إن ما هو متفق عليه من طرف أغلبية الفقهاء هو الطبيعة المزدوجة والمختلطة لقضاة النيابة العامة، ولكن ما تأثير هذه الطبيعة المزدوجة على قرينة البراءة كمبدأ حساس يتأثر بموجب الوضعيات المختلفة التي يتخذها جهاز النيابة العامة؟
لقد نصت المادة 38 من قانون المسطرة الجنائية على أنه «يجب على النيابة العامة أن تقدم ملتمسات كتابية، طبقا للتعليمات التي تتلقاها… وهي حرة في تقديم الملاحظات الشفهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العدالة» إن مضمون هذا النص يذهب إلى الإقرار بضرورة تبني النيابة العامة لوجهة نظر وزير العدل على الأقل في ملتمساتها الكتابية حيث لا يمكن لقضاة النيابة العامة أن تقوم بتقديم ملتمسات تخالف رأي وتوجه وزير العدل الذي يأتي رأيه أساسا متأثرا بتوجه سياسي معين لا يكترث لبراءة المتهم. وهذا ما يؤدي عمليا إلى شل حركة قضاة النيابة العامة وإن كان المشرع قد حاول تخفيف وطء هذه المادة من خلال ما أقره للنيابة العامة من الحق في تقديم الملاحظات الشفهية التي لا نرى أهميتها لتحقيق العدالة ويلاحظ مع هذا التناقض أن القضاء يعتمد بالأولوية إلى اعتبار الجزء الأخير من النص القانوني غير ذي فائدة عمليا أي أنه من قبيل المساحيق التجميلية التي يستخدمها المشرع للتأكيد على حرية النيابة العامة في تقديم ملتمساتها.