أنواع خطابات الضمان وأثارها
تمهيد وتقسيم:
إن خطاب الضمان كآلية انتمائية ابتدعها العرف والعمل المصرفي نشأت من ثبات البنوك في العمل بقاعدة معينة وذلك تلبية لضرورات إستلزمتها التجارة الدولية، وهي تحقق مصلحة لفائدة مختلف الأطراف إذ يستفيد منها العميل لأنها تجنبه تقديم ضمان نقدي، ويستفيد منها البنك الذي أصدرها باعتبارها عملية مصرفية يأخذ عمولة مقابل إصدارها. ويستفيد منها المستفيد ذاته لأن خطاب الضمان يعتبر بمثابة تأمين نقدي يضمن له حماية مصالحه.
وتبدو الأهمية الجوهرية لهذه الضمانات خصوصا في اتساع مجالات استخدامها، إذ أصبحت تشمل عقود البيع والتشييد، وكذلك عقود التوريد والعقود الالكترونية وغيرها من العقود، وذلك بسبب المرونة التلقائية التي تطبع كيفية وضعها موضع التنفيذ، وهو ما جعلها تتلاءم والتحولات التي عرفها المحيط الاقتصادي.
وقد نتج عن هذه المرونة التي تتمتع بها الضمانات البنكية المستقلة ظهور أنواع وصور ليست محددة على سبيل الحصر وإنما تتنوع بحسب المعاملات التي تستلزمها سواء كانت هذه المعاملات محلية أو عابرة للحدود.
ونظرا لكون خطاب الضمان من العقود التي تنظم علاقة ثلاثية الأطراف فقد أفرزت سلسلة من الروابط التعاقدية المعقدة والمستقلة عن بعضها البعض.
لهذا وبناء على ما تقدم نرى ضرورة تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين منفصلين نتناول في (الأول) أنواع خطاب الضمان، على أن نتناول في (المبحث الثاني) العلاقات القانونية التي أفرزتها خطابات الضمان البنكية.
المبحث الأول: أنواع خطابات الضمان
تتعدد وتتنوع خطابات الضمان وذلك تبعا للزاوية التي ننظر إليها من خلالها، مما لا يسمح في الواقع بحصرها ودراستها تحت قاعدة عامة، وأمام هذه الاختلافات التي طبعت أنواع خطابات الضمان فإن الضرورة المنهجية تتطلب معالجة أهم التقسيمات الواردة في هذا الإطار.
هكذا ارتأينا أن نعالج خطابات الضمان من حيث الصيغة (المطلب الأول)، وخطابات الضمان من حيث الغرض (المطلب الثاني)، ثم خطابات الضمان من حيث الغطاء (المطلب الثالث)، وأخيرا خطابات الضمان من حيث البنك المصدر (المطلب الرابع).
المطلب الأول: خطابات الضمان من حيث الصيغة
تنقسم خطابات الضمان من حيث الصيغة (من حيث طرق التنفيذ) إلى ثلاث أنواع رئيسية، فبجانب الضمانات التي يكون تنفيذها لدى أول طلب والتي بموجبها لا يلتزم المستفيد سوى بمجرد تقديم إشعار خطي (الفقرة الأولى)، يوجد مستوى آخر هذه الضمانات يستدعي وضعها موضع التنفيذ ضرورة إرفاق المطالبة بالوفاء بمستندات محددة ومتفق عليها وهذا هو حال الضمانات المستندية (الفقرة الثانية)، وبين هذين النوعين من الضمانات يوجد مستوى أخر تكون فيه المطالبة لدى أول طلب لكن مع ضرورة تبرير هذا الطلب (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: الضمان لدى أول طلب
يعتبر الضمان لدى أول طلب أحد أهم أنواع خطابات الضمان وأكثرها انتشارا واستقلالا والأكبر خطورة، وتعرف بأنها ضمانات يلتزم فيها الضامن بتنفيذ إلتزامه بالوفاء بصورة فورية ولدى أول طلب بسيط يصله من المستفيد، ويكون في الغالب في شكل إشعار خطي، وخلال وقت محدد ودون إمكانية التمسك بدفوع مستمدة من علاقة أخرى.
ويشكل التعهد بهذه الصورة أحد أهم مميزات هذا النوع من الضمان، وبمقتضاه يتعهد البنك الضامن ودون النظر إلى عقد الأساس أو عقد فتح الاعتماد ودون التمسك بدفوع مستمدة من هذه العقود بالدفع لدى أول طلب. فأمام الوضعية والمركز الإقتصادي الذي اصبح يحتله الطرف المستفيد والمنافسة الحادة التي أصبحت تسود بين المقاولات (الطرف الآمر)، استطاعت الضمانة لدى اول طلب أن تفرض نفسها كأهم صور الضمانات المستقلة في مجال إبرام الضمانات التجارية الدولية ( ).
والحقيقة أن هذا النوع من الضمانات وإن كان يحقق مصلحة كل من البنك الذي يقوم بالدفع لدى أول طلب ولا يدخل في المنازعات بين أطراف عقد الأساس، والمستفيد الذي يمكنه الحصوص على قيمة ومبلغ الضمان لدى طلبه ودون الاحتجاج عليه بأية دفوع كانت، إلا أنه لا يتلاءم مع مصلحة العميل بالقدر الكافي لقصور هذا النوع من الضمان عن محاربة الغش وتعسف المستفيد الذي كثيرا ما يتوافر في مطالبته بالضمان( ).
وقد حاولت غرفة التجارة الدولية بمساهمة من لجنة الامم المتحدة حول قانون التجارة الدولية (C.N.U.D.I) وضع تقنين لهذا النوع من الضمان، إلا أنها ستقتصر في البداية على إصدار قواعد تهم بالخصوص الضمانات المستندية (منشور رقم 325)، وبعد سنوات طويلة من الإختلافات التي أبدتها العديد من الهيئات بصدد الضمانات لدى أول طلب، أصدرت الغرفة السابقة الذكر منشور رقم 458 سنة 1992، ليسري بصدد هذا النوع من الضمانات.
وقد سلم القضاء المقارن وكذا قضاء التحكيم الدولي بهذا النوع من الضمان، ففي حكم التحكيم الصادر عن غرفة التجارة الدولية رقم 3316 لسنة 1979 بينت أن “الممارسة البنكية كشفت عن نوعين من الضمان، وهما الضمان المستندي والضمان لدى أول طلب، ويتميز هذا الأخير بتعهد والتزام الضامن بتنفيذ تعهده تجاه المستفيد لدى اول طلب للجانب الأخير” ( )، كما أخذت بذات المبدأ محكمة فرساي بتاريــخ 11 فبراير 1992 حيث قضت ” … يتمثل في كونه ضمانا لدى أول طلب يتميز عن الكفالة، فهو تعهد مستقل بالدفع ليس تابع للعملية التجارية وبدون إمكانية التمسك بدفوع مستمدة من العلاقة الأصلية” ( ).
وبناء على ما سبق فالضمانات لدى أول طلب وإن كانت تتميز بالصرامة في التنفيذ فإنها مع ذلك تشكل –على خلاف ما توقعته غرفة التجارة الدولية عند وضعها للقواعد والأصول الموحدة المتعلقة بالضمانات التعاقدية- أكثر صور الضمانات المستقلة تداولا على مستوى إبرام الصفقات التجارية، وذلك مقارنة بالضمان المستندي والضمان لدى أول طلب مبرر.
الفقرة الثانية: الضمان المستندي
إذا كان الأصل يتمثل في لجوء الأطراف الى خطاب الضمان لدى أول طلب، فإنه لا شيء يمنع الأطراف من الاتفاق على إدخال بعض التعديلات على صرامة وكيفية تنفيذ الضمان، وذلك من خلال تقيد المستفيد عند تقدمه بالمطالبة بالوفاء بضرورة إرفاق هذه المطالبة بمستندات معينة ومحددة سلفا في خطاب الضمان ( )، وهو ما يعرف بالضمان المستندي، الذي بمقتضاه يلتزم البنك الضامن بالوفاء للمستفيد بناء على تقديم بعض المستندات من جانب هذا الأخير تبين أو يستدل منها تقصير من جانب العميل في أداء التزامه، مما يعني أن الطلب لابد أن يكون مشفوعا بمستندات معينة تثبت سوء أو عدم تنفيذ أو تأخر العميل في أداء التزاماته.
وقد أثار الضمان المستندي مشكلة فيما يخص تكيفه، فهل فكرة تقديم المستندات من شأنها أن تؤثر على الطبيعة الاستقلالية للضمان أم لا؟
فمن جهة يرى كل من Poullet و Pubisson أن الضمان المستندي ما هو إلا كفالة، بينما يرى Tandeau من جهة أخرى انه ضمان مستقل لإختلاف التزامات الضامن، وهذا ما ذهب إليه الأستاذ خليل فكتور تادس الذي يرى بأن “صفة الاستقلالية للضمان لا تتأثر بكون هذا الأخير مرتبط بتقديم بعض المستندات، مادامت هي المعنية بالأمر والمنصوص عليها في نص الضمان، ومن جهة أخرى لا يمكن القول بأن طلب تقديم المستندات من جانب المستفيد يؤثر على صفة الاستقلال بالنسبة للضمان، وإلا أصبح عندئد الاعتماد المستندي أداة تابعة لعقد الأساس، وأخيرا فإن تقديم المستفيد لبعض المستندات المنصوص علهيا في طلب الضمان لا يتأثر بعقد الأساس ولا يتطلب الرجوع إليه مما لا يخل بصفة الضمان الاستقلالية” ( ).
أما فيما يخص المستندات المطلوبة لتنفيذ التزام البنك “الضامن” فتختلف وتتنوع حسب كل حالة على حدة مما قد يستعصي معه وضعها تحت الحصر، غير أن المادة الثانية من قواعد غرفة التجارة الدولية لسنة 1992 تضمنت بعض المستندات الواجبة التقديم كحكم التحكيم أو حكم محكمة. ويمكننا أن نضيف إلى هذه المستندات بعض الوثائق الأخرى التي ربما يلتزم المستفيد بتقديمها كشهادة خبرة تبين أو يستدل منها عدم التنفيذ أو سوء التنفيذ أو التأخير، شهادة إثبات من مكتب دراسة فواتير … الخ.
ويرى البعض أن الطلب قد يكون مصحوبا باتفاق مشترك مكتوب بين العميل والمستفيد يثبت صحة الطلب، ويقدم هذا الاتفاق لإمكانية الاسترداد عند رجوعه على العميل، او رجوع هذا الأخير على المستفيد ( ).
وقد سلم القضاء المقارن بخطاب الضمان البنكي المصحوب تقديم مستندات تبين أن المدين خالف التزاماته أو تؤيد طلبه ( ).
نستخلص مما تقدم أن هذا الشكل من أشكال الضمان أصبح من الأنواع المعروفة في الدول المختلفة، وأنه متى تضمن خطاب الضمان وصيغته تقديم المستند اللازم كشرط الوفاء بالقيمة، -كحكم تحكيم- فيجب على المستفيد تقديم هذا المستند ويجب على البنك التثبت من صدور الحكم لصالحه ومن اللجنة المحددة لذلك حتى يعتبر الوفاء صحيحا.
الفقرة الثالثة: الضمان لدى أول طلب مبرر.
نشأ هذا النوع من خطاب الضمان في النظام الانجلوساكسوني، والمقصود به أن المستفيد عند طلبه الوفاء يعلن للبنك الضامن بواسطة طلب مكتوب عن الأسباب التي تبرر هذا الطلب، والتي غالبا ما تكون مرتبطة بتنفيذ العملية المتعلقة بخطاب الضمان كالتأخير في التنفيذ أو التنفيذ المعيب أو عدم التنفيذ، دون أن تكون للبنك سلطة تقييم هذه الأسباب ( ).
والحقيقة أن كلمة “مبرر Justifié” تفيد أن المستفيد ذكر سبب طلب تسييل الضمان وما ينسبه للعميل من أوجه تقصير في أداء التزام ما أو وقوع حدث ما يترتب عليه استحقاق الدفع ووفاء قيمة الضمان، ففي هذه الحالات يذكر المستفيد رب العمل بأوجه القصور والعيوب التي ترجع للعميل المتعاقد معه، والتي كانت مبررا لطلب قيمة الضمان، وبالتالي يكون لديه الحق في طلب مبلغ الخطاب مما يسمح للبنك بالتنفيذ بناء على التبريرات المقدمة.
وما تجب الإشارة إليه أن هذا التبرير لا يفقد الضمان استقلاله وبالتالي لا يؤثر علىصفة الاستقلالية لصفة الضمان فهو مجرد تبرير شكلي لبيان سبب المطالبة وليس بيان مدى صحة الأساس القانوني للطلب.
وقد سلم القضاء الفرنسي في العديد من أحكامه بالضمان المبرر حيث قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 19-02-1992 “حيث أن المشار إليه بموجب الضمان المقابل سيكون قابلا للتنفيذ في حالة ما إذا كانت الشروط المنصوص عليها بواسطة الخطاب لم تكن مقبولة، وأن التعهد البنكي مرتبط بتأكيد وإثبات من جانب المستفيذ بأن طلب الضمان مبرر لعدم التنفيذ من جانب العميل المتعاقد” ( ).
ويحبذ البعض هذا النوع من أنواع الضمان نظرا لأنه يلزم المستفيد ببيان سبب طلبه مما يؤدي إلى تقليل فرص التعسف وسوء الاستعمال للحق، وكذلك يحسن موقفه عند رجوعه على العميل.
كخلاصة لما سبق فإن الأنواع الثلاث التي سبق ذكرها تعبر عن صراع على مراكز القوة بين طرفي العقد الأصلي (العميل والمستفيذ) فكلما كان المستفيد في وضع أقوى إلا وفرض خطاب الضمان لدى أول طلب الذي يفرض على البنك الوفاء بغض النظر عن العقد الأصلي، وبمقابل ذلك كلما كان العميل في وضعية اقتصادية أفضل إلا وفرض خطاب الضمان المستندي أو المبرر الذي يحد من تعسف المستفيد في مطالبته بالوفاء ويلزمه بضرورة تقديم مستندات معينة أو تبرير طلبه بالوفاء.
المطلب الثاني: خطابات الضمان من حيث الغرض
تنقسم خطابات الضمان من حيث الغرض الى عدة أقسام حسب اختلاف الأغراض التي يمكن أن تصادف الحياة العملية، وذلك تبعا للمجال الذي أصدرت من أجله هذه الخطابات وأهم التقسيمات الواردة في هذا الصدد نذكر خطابات ضمان المناقصات والمزايدات (الفقرة الاولى). وخطابات الضمان الملاحية (الفقرة الثانية). وخطابات الضمان الجمركية (الفقرة الثالثة) ( ).
الفقرة الأولى: خطابات ضمان المزايدات والمناقصات
تعد خطابات الضمان المزايدات والمناقصات الأكثر انتشارا في الحياة العملية، فقلما تجري ممارسة عطاء عن طريق المناقصة أو المزايدة دون أن يطلب من المتعهد تقديم خطاب ضمان مصرفي، وتنقسم خطابات ضمان المزايات والمناقصات إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وذلك تبعا للمراحل التي تمر منها عملية إبرام الصفقات.
أولا: خطابات الضمان الابتدائية أو المؤقتة
خطابات الضمان الابتدائية أو المؤقتة هي الخطابات الخاصة بالعطاءات التي تقدم للجهات الحكومية وما في حكمها، حيث عادة ما تتضمن العطاءات المطروحة شروط تقضي بضرورة التزام المتقدم للعطاء (المتعهد) بتقديم ضمانة مؤقتة، يلتزم بمقتضاها البنك تجاه المستفيد بدفع مبلغ نقدي معين إما لدى أول طلب أو لدى تقديم المستفيد لمستندات معينة وهي ما يطلق عليها في الغالب بضمانات الدخول في عطاء.
والهدف من هذه الضمانة هو ضمان عدم تراجع مقدم العطاء إذا تغيرت الأسعار أو تبين خطأ في تقديره، فتشترط تقديم تأمين نقدي أو أوراق مالية أو خطاب ضمان بنسبة معينة من قيمة العطاء.
والجدير بالذكر أن خطاب الضمان الابتدائي ينتهي الغرض منه بعدم رسو العملية على العميل. أو برسوها عليه وتقديمه خطاب ضمان نهائي ( ).
ثانيا: خطاب الضمان النهائي أو ضمانة حسن التنفيد
ينص غالبا في عقود التوريد أو عقود الأعمال على تقديم خطاب ضمان نهائي من جانب المورد أو المقاول، والمفروض أن يقدم الضمان بعد توقيع العقد وخلال مدة محددة في العقد، والغرض من هذا الضمان هو حسن تنفيد العقود المبرمة مع الجهات المتعاقد معها سواء كانت مصلحة حكومية أو غيرها. وهي عبارة عن تعهد يدفع مبلغ من المال بنسبة معينة من قيمة المشروع أو المناقصة مقابل حسن التنفيد وسلامة الآداء من الشركة المقاولة.
وتجدر الإشارة إلى أن صمانة حسن التنفيد كغيرها من الضمانات الأخرى، قد تكون قابلة للتنفيد لدى أول طلب صادر من المستفيد ودون أن تتطلب شروطا أو إجراءات أخرى لصحة هذا الطلب الأمر الذي يشكل خطرا يحدق بالمتعهد، إذ بإمكان المستفيد استعماله لأي سبب قد يشكل في نظره مبررا يستدعي المطالبة بتنفيد الضمانة.
وإذا كانت هذه الصورة من الضمانات النهائية هي الغالبة في التعامل في مثل هذه العقود فإنه لا شيء يمنع الأطراف من الاتفاق على إخضاع الطلب لشروط معينة، كضرورة تقديم المستفيد لمستندات معينة تتبث فشل المتعهد في تنفيد التزاماته التعاقدية تبعا لما تم الاتفاق عليه وهذه هي حالة الضمانات المستندية ( ).
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مفعول خطاب الضمان النهائي يسري لحين إتمام تنفيد العقد، ويستحق المبلغ المتعهد بدفعه في حالة تخلف الشركة المقاولة عن الوفاء بالتزاماتها.
ثالثا: خطابات ضمان الدفعة المقدمة
من المعلوم أن القاعدة المتعارف عليها في المعاملات التجارية هي الصرف بعد أداء الأعمال ولكن قد تكون العملية المسندة للعميل كبيرة وأمر تنفيدها يحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة غير متاحة للعميل، وفي هذه الحالة يمكن له أن يطلب من الجهة المسندة للعملية جزء من قيمة العملية يساعده في تنفيدها مقابل خطاب ضمان بنكي بنفس القيمة والعملة ( ).
ذلك أنه في أغلب الحالات يشترط هولاء العملاء والذين رست عليهم العطاءات، بأن تدفع لهم الجهة صاحبة العطاء دفعات مقدمة، قبل بداية العمل لتيسر لهم تمويل العمليات الكبيرة المسندة إليهم، وتستهدف هذه الضمانة بالدرجة الأولى توفير جزء من السيولة النقدية اللازمة لتمويل المعدات ونقلها إلى مواقع العمل والبدء في تنفيد المشروع.
ويتم تخفيض خطاب الضمان بنسبة من قيمة المستخلصات المدفوعة مقابل القدر المنفد من الأعمال تحدد بنسبة من قيمة خطاب الضمان إلى الأعمال، لذلك يشترط البنك في الغالب تنازل العميل عن الأعمال لصالح البنك لمتابعة المستخلصات المنصرفة ويتم على أساسها تخفيض خطاب الضمان ( ).
وانطلاقا مما سبق يبدو أن كل نوع من أنواع خطاب ضمان المزايدات والمناقصات يشكل مرحلة من مراحل إبرام الصفقات، ففي البداية يتم اللجوء إلى خطاب الضمان الإبتدائي، وبعد رسو العطاء يقدم المقاول خطاب ضمان نهائي أو لحسن تنفيد، وحتى يتمكن العميل من إتمام الصفقة فإنه يتم اللجوء إلى خطاب ضمان الدفعة المقدمة.
الفقرة الثانية: خطابات الضمان الملاحية
تعد خطابات الضمان الملاحية أو ما يطلق عليها في الممارسة والعمل المغربي “خطابات الضمان المقدمة لغياب سند الشحن” من أهم التطبيقات الخاصة بالضمانات المستقلة في مجال النقل البحري.
ففي العديد من الحالات قد تصل السفن حاملة البضائع إلى البلاد قبل أن تصل سندات الشحن الخاصة بهذه البضائع والسلع من الجهات المصدرة لها في الخارج لسبب أو لآخر. وإذا كان المستورد يرغب في استلام البضاعة قبل أن تصل سندات الشحن فإنه يقوم بإصدار خطاب ضمان مصرفي بقيمة البضاعة ليقدمه إلى وكيل السفينة البحري، فإذا لم تصل سندات الشحن خلال المدة المحددة تكون قيمة خطاب الضمان ملكا للناقل. وأيضا خطاب الضمان الذي يصدر عن الشاحن لصالح الناقل يضمن بمقتضاه تعويضه عن الأضرار التي تنتج عن إصدار سند شحن خال من أي تحفظات لا يحتج به على الغير ( ).
الفقرة الثالثة: خطابات الضمان الجمركية
هذه الضمانات يجمعها غرض واحد هو ضمان حقوق الخزانة العامة، فالرسوم الجمركية على السلع المستوردة لا تستحق بمجرد وصولها إلى أرصفة المنطقة الجمركية وإنما استحقاقها مرهون بخروجها من الدائرة الجمركية إلى الأسواق المحلية… وقد ترد سلع ليعاد تصديرها. وقد تستوجب الضرورة الإسراع في إخراج البضائع المستوردة مراعاة لطبيعتها التي لا تتحمل طول التخزين، أو تفاديا لتكدسها على الأرصفة، فيكتفي بمراجعتها وحصرها دون انتظار تقدير الرسوم الجمركية التي تطول إجراءات تحديدها وحسابها.
ومن أهم الأنظمة الجمركية التي تصدر في شأنها هذه الضمانات نذكر نظام الإيداع، نظام السماح المؤقت ونظام تيسير التخليص على البضائع.
المطلب الثالث: خطابات الضمان من حيث الغطاء
تنقسم خطابات الضمان من حيث الغطاء إلى نوعين: خطابات ضمان غير مغطاة، وخطابات ضمان مغطاة كليا أو جزئيا.
ذلك أنه بمقتضى خطاب الضمان، يتحمل البنك مخاطر الوفاء بمبلغ الضمان للمستفيد في حالة عدم تنفيد العميل للإلتزاماته، لذلك يطلب المصرف من العميل تقديم ضمانات لتغطية خطاب الضمان، وتتفاوت قيمة الغطاء تبعا للدراسة الائتمانية لأوضاع العميل وما يتولد لدى المصرف من ثقة في مركزه المالي وفي جديته في تنفيد ما يسند إليه من أعمال.
فخطابات الضمان المغطاة هي الخطابات التي يطلب فيها البنك المصدر من عميله دفع قيمة خطاب الضمان أي المبلغ المضمون بالكامل أو جزء منه، ويتوقف ذلك على مدى ثقة البنك بالعميل، ويودع مبلغ الغطاء الكلي أو الجزئي في حساب خاص يسمى “احتياطي خطاب الضمان” ولا يحق للعميل أن يتصرف فيه حتى ينتهي التزام البنك الناشئ عن خطاب الضمان.
كما أن الغطاء قد يكون نقديا وهو أبسط صور الغطاء سواء كان ذلك بدفع المبلغ اللازم لخزينة المصرف أو بخصمه من حسابه أو تجميده، او يكون عينيا مثل رهن عقاري مسجل في محضر العقار أو رهن أسهم في شركات أو غيرها من الأوراق المالية أو التجارية أو التنازل عن بعض الحقوق.
أما خطابات ضمان غير المغطاة فهي الخطابات التي لا يطلب فيها البنك المصدر من العميل تقديم أي غطاء لها. وتطبق البنوك هذا النوع إذا كان العميل شركة كبيرة تتمتع بسمعة طيبة ولديها حسابات هامة لدى البنك.
المطلب الرابع: خطابات الضمان من حيث البنك المصدر
تنقسم خطابات الضمان من حيث موطن البنك المصدر إلى خطابات ضمان محلية وأخرى أجنبية فخطابات الضمان المحلية: هي التي تصدرها البنوك المحلية العاملة داخل البلد الواحد، فإذا كان العميل الآمر والمستفيد يقيمان في المغرب مثلا فإن خطاب الضمان المصرفي يسمى خطاب ضمان محلي يصدر من بنك محلي لصالح المستفيد بناء على طلب الآمر.
أما خطاب الضمان الخارجي فهو الخطاب الذي يدخل فيه عنصر غير مقيم وهو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يقيم خارج المغرب.
ذلك أن حالات كثيرة لا تقتصر الرابطة العقدية على عناصرها الداخلية بل يدخلها عنصر أجنبي، كأن ترغب جهة أو فرد غير مقيم في المغرب تقديم عطاء لمناقصة تتطلب شروطها تقديم خطاب ضمان مصرفي بمبلغ معين. وهنا يلجأ إلى مصرف في الخارج يطلب منه إصدار الضمان المصرفي، ولأن ملائمة هذا المصرف غير معروفة للجهة التي طلبت الضمان فإن مصرف العميل الخارجي يطلب من أحد البنوك المحلية في دولة المغرب مشاركته، بحيث يصدر خطاب الضمان باسم العميل من البنك الأجنبي لصالح مصرف في دولة المغرب والذي يتولى بدوره إصدار الضمان باسم الشركة لصالح الجهة التي تتقدم إليها الشركة بالعطاء وذلك بضمان خطاب الضمان الصادر لصالح المصرف المحلي من المصرف الأجنبي ( ).
نخلص مما تقدم إلى أن هناك أنواع كثيرة ومتعددة من خطاب الضمان مع العلم أن هذه الأخيرة من خلق وابتكار العرف والعمل المصرفي مما يعني أن البنوك قد تضيف نوعا جديدا من خطابات الضمان كلما كانت هناك حاجة وضرورة لذلك.
غير أن ما تجدر الإشارة إليه في ختام هذه النقطة أن خطابات الضمان مهما تنوعت فإنها تنظم علاقة ثلاثية بين العميل والمستفيد والبنك، الشيء الذي يرتب آثار مختلفة في مواجهة كل ضلع من أضلاع هذه العملية المعقدة.
تمهيد وتقسيم:
إن خطاب الضمان كآلية انتمائية ابتدعها العرف والعمل المصرفي نشأت من ثبات البنوك في العمل بقاعدة معينة وذلك تلبية لضرورات إستلزمتها التجارة الدولية، وهي تحقق مصلحة لفائدة مختلف الأطراف إذ يستفيد منها العميل لأنها تجنبه تقديم ضمان نقدي، ويستفيد منها البنك الذي أصدرها باعتبارها عملية مصرفية يأخذ عمولة مقابل إصدارها. ويستفيد منها المستفيد ذاته لأن خطاب الضمان يعتبر بمثابة تأمين نقدي يضمن له حماية مصالحه.
وتبدو الأهمية الجوهرية لهذه الضمانات خصوصا في اتساع مجالات استخدامها، إذ أصبحت تشمل عقود البيع والتشييد، وكذلك عقود التوريد والعقود الالكترونية وغيرها من العقود، وذلك بسبب المرونة التلقائية التي تطبع كيفية وضعها موضع التنفيذ، وهو ما جعلها تتلاءم والتحولات التي عرفها المحيط الاقتصادي.
وقد نتج عن هذه المرونة التي تتمتع بها الضمانات البنكية المستقلة ظهور أنواع وصور ليست محددة على سبيل الحصر وإنما تتنوع بحسب المعاملات التي تستلزمها سواء كانت هذه المعاملات محلية أو عابرة للحدود.
ونظرا لكون خطاب الضمان من العقود التي تنظم علاقة ثلاثية الأطراف فقد أفرزت سلسلة من الروابط التعاقدية المعقدة والمستقلة عن بعضها البعض.
لهذا وبناء على ما تقدم نرى ضرورة تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين منفصلين نتناول في (الأول) أنواع خطاب الضمان، على أن نتناول في (المبحث الثاني) العلاقات القانونية التي أفرزتها خطابات الضمان البنكية.
المبحث الأول: أنواع خطابات الضمان
تتعدد وتتنوع خطابات الضمان وذلك تبعا للزاوية التي ننظر إليها من خلالها، مما لا يسمح في الواقع بحصرها ودراستها تحت قاعدة عامة، وأمام هذه الاختلافات التي طبعت أنواع خطابات الضمان فإن الضرورة المنهجية تتطلب معالجة أهم التقسيمات الواردة في هذا الإطار.
هكذا ارتأينا أن نعالج خطابات الضمان من حيث الصيغة (المطلب الأول)، وخطابات الضمان من حيث الغرض (المطلب الثاني)، ثم خطابات الضمان من حيث الغطاء (المطلب الثالث)، وأخيرا خطابات الضمان من حيث البنك المصدر (المطلب الرابع).
المطلب الأول: خطابات الضمان من حيث الصيغة
تنقسم خطابات الضمان من حيث الصيغة (من حيث طرق التنفيذ) إلى ثلاث أنواع رئيسية، فبجانب الضمانات التي يكون تنفيذها لدى أول طلب والتي بموجبها لا يلتزم المستفيد سوى بمجرد تقديم إشعار خطي (الفقرة الأولى)، يوجد مستوى آخر هذه الضمانات يستدعي وضعها موضع التنفيذ ضرورة إرفاق المطالبة بالوفاء بمستندات محددة ومتفق عليها وهذا هو حال الضمانات المستندية (الفقرة الثانية)، وبين هذين النوعين من الضمانات يوجد مستوى أخر تكون فيه المطالبة لدى أول طلب لكن مع ضرورة تبرير هذا الطلب (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: الضمان لدى أول طلب
يعتبر الضمان لدى أول طلب أحد أهم أنواع خطابات الضمان وأكثرها انتشارا واستقلالا والأكبر خطورة، وتعرف بأنها ضمانات يلتزم فيها الضامن بتنفيذ إلتزامه بالوفاء بصورة فورية ولدى أول طلب بسيط يصله من المستفيد، ويكون في الغالب في شكل إشعار خطي، وخلال وقت محدد ودون إمكانية التمسك بدفوع مستمدة من علاقة أخرى.
ويشكل التعهد بهذه الصورة أحد أهم مميزات هذا النوع من الضمان، وبمقتضاه يتعهد البنك الضامن ودون النظر إلى عقد الأساس أو عقد فتح الاعتماد ودون التمسك بدفوع مستمدة من هذه العقود بالدفع لدى أول طلب. فأمام الوضعية والمركز الإقتصادي الذي اصبح يحتله الطرف المستفيد والمنافسة الحادة التي أصبحت تسود بين المقاولات (الطرف الآمر)، استطاعت الضمانة لدى اول طلب أن تفرض نفسها كأهم صور الضمانات المستقلة في مجال إبرام الضمانات التجارية الدولية ( ).
والحقيقة أن هذا النوع من الضمانات وإن كان يحقق مصلحة كل من البنك الذي يقوم بالدفع لدى أول طلب ولا يدخل في المنازعات بين أطراف عقد الأساس، والمستفيد الذي يمكنه الحصوص على قيمة ومبلغ الضمان لدى طلبه ودون الاحتجاج عليه بأية دفوع كانت، إلا أنه لا يتلاءم مع مصلحة العميل بالقدر الكافي لقصور هذا النوع من الضمان عن محاربة الغش وتعسف المستفيد الذي كثيرا ما يتوافر في مطالبته بالضمان( ).
وقد حاولت غرفة التجارة الدولية بمساهمة من لجنة الامم المتحدة حول قانون التجارة الدولية (C.N.U.D.I) وضع تقنين لهذا النوع من الضمان، إلا أنها ستقتصر في البداية على إصدار قواعد تهم بالخصوص الضمانات المستندية (منشور رقم 325)، وبعد سنوات طويلة من الإختلافات التي أبدتها العديد من الهيئات بصدد الضمانات لدى أول طلب، أصدرت الغرفة السابقة الذكر منشور رقم 458 سنة 1992، ليسري بصدد هذا النوع من الضمانات.
وقد سلم القضاء المقارن وكذا قضاء التحكيم الدولي بهذا النوع من الضمان، ففي حكم التحكيم الصادر عن غرفة التجارة الدولية رقم 3316 لسنة 1979 بينت أن “الممارسة البنكية كشفت عن نوعين من الضمان، وهما الضمان المستندي والضمان لدى أول طلب، ويتميز هذا الأخير بتعهد والتزام الضامن بتنفيذ تعهده تجاه المستفيد لدى اول طلب للجانب الأخير” ( )، كما أخذت بذات المبدأ محكمة فرساي بتاريــخ 11 فبراير 1992 حيث قضت ” … يتمثل في كونه ضمانا لدى أول طلب يتميز عن الكفالة، فهو تعهد مستقل بالدفع ليس تابع للعملية التجارية وبدون إمكانية التمسك بدفوع مستمدة من العلاقة الأصلية” ( ).
وبناء على ما سبق فالضمانات لدى أول طلب وإن كانت تتميز بالصرامة في التنفيذ فإنها مع ذلك تشكل –على خلاف ما توقعته غرفة التجارة الدولية عند وضعها للقواعد والأصول الموحدة المتعلقة بالضمانات التعاقدية- أكثر صور الضمانات المستقلة تداولا على مستوى إبرام الصفقات التجارية، وذلك مقارنة بالضمان المستندي والضمان لدى أول طلب مبرر.
الفقرة الثانية: الضمان المستندي
إذا كان الأصل يتمثل في لجوء الأطراف الى خطاب الضمان لدى أول طلب، فإنه لا شيء يمنع الأطراف من الاتفاق على إدخال بعض التعديلات على صرامة وكيفية تنفيذ الضمان، وذلك من خلال تقيد المستفيد عند تقدمه بالمطالبة بالوفاء بضرورة إرفاق هذه المطالبة بمستندات معينة ومحددة سلفا في خطاب الضمان ( )، وهو ما يعرف بالضمان المستندي، الذي بمقتضاه يلتزم البنك الضامن بالوفاء للمستفيد بناء على تقديم بعض المستندات من جانب هذا الأخير تبين أو يستدل منها تقصير من جانب العميل في أداء التزامه، مما يعني أن الطلب لابد أن يكون مشفوعا بمستندات معينة تثبت سوء أو عدم تنفيذ أو تأخر العميل في أداء التزاماته.
وقد أثار الضمان المستندي مشكلة فيما يخص تكيفه، فهل فكرة تقديم المستندات من شأنها أن تؤثر على الطبيعة الاستقلالية للضمان أم لا؟
فمن جهة يرى كل من Poullet و Pubisson أن الضمان المستندي ما هو إلا كفالة، بينما يرى Tandeau من جهة أخرى انه ضمان مستقل لإختلاف التزامات الضامن، وهذا ما ذهب إليه الأستاذ خليل فكتور تادس الذي يرى بأن “صفة الاستقلالية للضمان لا تتأثر بكون هذا الأخير مرتبط بتقديم بعض المستندات، مادامت هي المعنية بالأمر والمنصوص عليها في نص الضمان، ومن جهة أخرى لا يمكن القول بأن طلب تقديم المستندات من جانب المستفيد يؤثر على صفة الاستقلال بالنسبة للضمان، وإلا أصبح عندئد الاعتماد المستندي أداة تابعة لعقد الأساس، وأخيرا فإن تقديم المستفيد لبعض المستندات المنصوص علهيا في طلب الضمان لا يتأثر بعقد الأساس ولا يتطلب الرجوع إليه مما لا يخل بصفة الضمان الاستقلالية” ( ).
أما فيما يخص المستندات المطلوبة لتنفيذ التزام البنك “الضامن” فتختلف وتتنوع حسب كل حالة على حدة مما قد يستعصي معه وضعها تحت الحصر، غير أن المادة الثانية من قواعد غرفة التجارة الدولية لسنة 1992 تضمنت بعض المستندات الواجبة التقديم كحكم التحكيم أو حكم محكمة. ويمكننا أن نضيف إلى هذه المستندات بعض الوثائق الأخرى التي ربما يلتزم المستفيد بتقديمها كشهادة خبرة تبين أو يستدل منها عدم التنفيذ أو سوء التنفيذ أو التأخير، شهادة إثبات من مكتب دراسة فواتير … الخ.
ويرى البعض أن الطلب قد يكون مصحوبا باتفاق مشترك مكتوب بين العميل والمستفيد يثبت صحة الطلب، ويقدم هذا الاتفاق لإمكانية الاسترداد عند رجوعه على العميل، او رجوع هذا الأخير على المستفيد ( ).
وقد سلم القضاء المقارن بخطاب الضمان البنكي المصحوب تقديم مستندات تبين أن المدين خالف التزاماته أو تؤيد طلبه ( ).
نستخلص مما تقدم أن هذا الشكل من أشكال الضمان أصبح من الأنواع المعروفة في الدول المختلفة، وأنه متى تضمن خطاب الضمان وصيغته تقديم المستند اللازم كشرط الوفاء بالقيمة، -كحكم تحكيم- فيجب على المستفيد تقديم هذا المستند ويجب على البنك التثبت من صدور الحكم لصالحه ومن اللجنة المحددة لذلك حتى يعتبر الوفاء صحيحا.
الفقرة الثالثة: الضمان لدى أول طلب مبرر.
نشأ هذا النوع من خطاب الضمان في النظام الانجلوساكسوني، والمقصود به أن المستفيد عند طلبه الوفاء يعلن للبنك الضامن بواسطة طلب مكتوب عن الأسباب التي تبرر هذا الطلب، والتي غالبا ما تكون مرتبطة بتنفيذ العملية المتعلقة بخطاب الضمان كالتأخير في التنفيذ أو التنفيذ المعيب أو عدم التنفيذ، دون أن تكون للبنك سلطة تقييم هذه الأسباب ( ).
والحقيقة أن كلمة “مبرر Justifié” تفيد أن المستفيد ذكر سبب طلب تسييل الضمان وما ينسبه للعميل من أوجه تقصير في أداء التزام ما أو وقوع حدث ما يترتب عليه استحقاق الدفع ووفاء قيمة الضمان، ففي هذه الحالات يذكر المستفيد رب العمل بأوجه القصور والعيوب التي ترجع للعميل المتعاقد معه، والتي كانت مبررا لطلب قيمة الضمان، وبالتالي يكون لديه الحق في طلب مبلغ الخطاب مما يسمح للبنك بالتنفيذ بناء على التبريرات المقدمة.
وما تجب الإشارة إليه أن هذا التبرير لا يفقد الضمان استقلاله وبالتالي لا يؤثر علىصفة الاستقلالية لصفة الضمان فهو مجرد تبرير شكلي لبيان سبب المطالبة وليس بيان مدى صحة الأساس القانوني للطلب.
وقد سلم القضاء الفرنسي في العديد من أحكامه بالضمان المبرر حيث قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 19-02-1992 “حيث أن المشار إليه بموجب الضمان المقابل سيكون قابلا للتنفيذ في حالة ما إذا كانت الشروط المنصوص عليها بواسطة الخطاب لم تكن مقبولة، وأن التعهد البنكي مرتبط بتأكيد وإثبات من جانب المستفيذ بأن طلب الضمان مبرر لعدم التنفيذ من جانب العميل المتعاقد” ( ).
ويحبذ البعض هذا النوع من أنواع الضمان نظرا لأنه يلزم المستفيد ببيان سبب طلبه مما يؤدي إلى تقليل فرص التعسف وسوء الاستعمال للحق، وكذلك يحسن موقفه عند رجوعه على العميل.
كخلاصة لما سبق فإن الأنواع الثلاث التي سبق ذكرها تعبر عن صراع على مراكز القوة بين طرفي العقد الأصلي (العميل والمستفيذ) فكلما كان المستفيد في وضع أقوى إلا وفرض خطاب الضمان لدى أول طلب الذي يفرض على البنك الوفاء بغض النظر عن العقد الأصلي، وبمقابل ذلك كلما كان العميل في وضعية اقتصادية أفضل إلا وفرض خطاب الضمان المستندي أو المبرر الذي يحد من تعسف المستفيد في مطالبته بالوفاء ويلزمه بضرورة تقديم مستندات معينة أو تبرير طلبه بالوفاء.
المطلب الثاني: خطابات الضمان من حيث الغرض
تنقسم خطابات الضمان من حيث الغرض الى عدة أقسام حسب اختلاف الأغراض التي يمكن أن تصادف الحياة العملية، وذلك تبعا للمجال الذي أصدرت من أجله هذه الخطابات وأهم التقسيمات الواردة في هذا الصدد نذكر خطابات ضمان المناقصات والمزايدات (الفقرة الاولى). وخطابات الضمان الملاحية (الفقرة الثانية). وخطابات الضمان الجمركية (الفقرة الثالثة) ( ).
الفقرة الأولى: خطابات ضمان المزايدات والمناقصات
تعد خطابات الضمان المزايدات والمناقصات الأكثر انتشارا في الحياة العملية، فقلما تجري ممارسة عطاء عن طريق المناقصة أو المزايدة دون أن يطلب من المتعهد تقديم خطاب ضمان مصرفي، وتنقسم خطابات ضمان المزايات والمناقصات إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وذلك تبعا للمراحل التي تمر منها عملية إبرام الصفقات.
أولا: خطابات الضمان الابتدائية أو المؤقتة
خطابات الضمان الابتدائية أو المؤقتة هي الخطابات الخاصة بالعطاءات التي تقدم للجهات الحكومية وما في حكمها، حيث عادة ما تتضمن العطاءات المطروحة شروط تقضي بضرورة التزام المتقدم للعطاء (المتعهد) بتقديم ضمانة مؤقتة، يلتزم بمقتضاها البنك تجاه المستفيد بدفع مبلغ نقدي معين إما لدى أول طلب أو لدى تقديم المستفيد لمستندات معينة وهي ما يطلق عليها في الغالب بضمانات الدخول في عطاء.
والهدف من هذه الضمانة هو ضمان عدم تراجع مقدم العطاء إذا تغيرت الأسعار أو تبين خطأ في تقديره، فتشترط تقديم تأمين نقدي أو أوراق مالية أو خطاب ضمان بنسبة معينة من قيمة العطاء.
والجدير بالذكر أن خطاب الضمان الابتدائي ينتهي الغرض منه بعدم رسو العملية على العميل. أو برسوها عليه وتقديمه خطاب ضمان نهائي ( ).
ثانيا: خطاب الضمان النهائي أو ضمانة حسن التنفيد
ينص غالبا في عقود التوريد أو عقود الأعمال على تقديم خطاب ضمان نهائي من جانب المورد أو المقاول، والمفروض أن يقدم الضمان بعد توقيع العقد وخلال مدة محددة في العقد، والغرض من هذا الضمان هو حسن تنفيد العقود المبرمة مع الجهات المتعاقد معها سواء كانت مصلحة حكومية أو غيرها. وهي عبارة عن تعهد يدفع مبلغ من المال بنسبة معينة من قيمة المشروع أو المناقصة مقابل حسن التنفيد وسلامة الآداء من الشركة المقاولة.
وتجدر الإشارة إلى أن صمانة حسن التنفيد كغيرها من الضمانات الأخرى، قد تكون قابلة للتنفيد لدى أول طلب صادر من المستفيد ودون أن تتطلب شروطا أو إجراءات أخرى لصحة هذا الطلب الأمر الذي يشكل خطرا يحدق بالمتعهد، إذ بإمكان المستفيد استعماله لأي سبب قد يشكل في نظره مبررا يستدعي المطالبة بتنفيد الضمانة.
وإذا كانت هذه الصورة من الضمانات النهائية هي الغالبة في التعامل في مثل هذه العقود فإنه لا شيء يمنع الأطراف من الاتفاق على إخضاع الطلب لشروط معينة، كضرورة تقديم المستفيد لمستندات معينة تتبث فشل المتعهد في تنفيد التزاماته التعاقدية تبعا لما تم الاتفاق عليه وهذه هي حالة الضمانات المستندية ( ).
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مفعول خطاب الضمان النهائي يسري لحين إتمام تنفيد العقد، ويستحق المبلغ المتعهد بدفعه في حالة تخلف الشركة المقاولة عن الوفاء بالتزاماتها.
ثالثا: خطابات ضمان الدفعة المقدمة
من المعلوم أن القاعدة المتعارف عليها في المعاملات التجارية هي الصرف بعد أداء الأعمال ولكن قد تكون العملية المسندة للعميل كبيرة وأمر تنفيدها يحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة غير متاحة للعميل، وفي هذه الحالة يمكن له أن يطلب من الجهة المسندة للعملية جزء من قيمة العملية يساعده في تنفيدها مقابل خطاب ضمان بنكي بنفس القيمة والعملة ( ).
ذلك أنه في أغلب الحالات يشترط هولاء العملاء والذين رست عليهم العطاءات، بأن تدفع لهم الجهة صاحبة العطاء دفعات مقدمة، قبل بداية العمل لتيسر لهم تمويل العمليات الكبيرة المسندة إليهم، وتستهدف هذه الضمانة بالدرجة الأولى توفير جزء من السيولة النقدية اللازمة لتمويل المعدات ونقلها إلى مواقع العمل والبدء في تنفيد المشروع.
ويتم تخفيض خطاب الضمان بنسبة من قيمة المستخلصات المدفوعة مقابل القدر المنفد من الأعمال تحدد بنسبة من قيمة خطاب الضمان إلى الأعمال، لذلك يشترط البنك في الغالب تنازل العميل عن الأعمال لصالح البنك لمتابعة المستخلصات المنصرفة ويتم على أساسها تخفيض خطاب الضمان ( ).
وانطلاقا مما سبق يبدو أن كل نوع من أنواع خطاب ضمان المزايدات والمناقصات يشكل مرحلة من مراحل إبرام الصفقات، ففي البداية يتم اللجوء إلى خطاب الضمان الإبتدائي، وبعد رسو العطاء يقدم المقاول خطاب ضمان نهائي أو لحسن تنفيد، وحتى يتمكن العميل من إتمام الصفقة فإنه يتم اللجوء إلى خطاب ضمان الدفعة المقدمة.
الفقرة الثانية: خطابات الضمان الملاحية
تعد خطابات الضمان الملاحية أو ما يطلق عليها في الممارسة والعمل المغربي “خطابات الضمان المقدمة لغياب سند الشحن” من أهم التطبيقات الخاصة بالضمانات المستقلة في مجال النقل البحري.
ففي العديد من الحالات قد تصل السفن حاملة البضائع إلى البلاد قبل أن تصل سندات الشحن الخاصة بهذه البضائع والسلع من الجهات المصدرة لها في الخارج لسبب أو لآخر. وإذا كان المستورد يرغب في استلام البضاعة قبل أن تصل سندات الشحن فإنه يقوم بإصدار خطاب ضمان مصرفي بقيمة البضاعة ليقدمه إلى وكيل السفينة البحري، فإذا لم تصل سندات الشحن خلال المدة المحددة تكون قيمة خطاب الضمان ملكا للناقل. وأيضا خطاب الضمان الذي يصدر عن الشاحن لصالح الناقل يضمن بمقتضاه تعويضه عن الأضرار التي تنتج عن إصدار سند شحن خال من أي تحفظات لا يحتج به على الغير ( ).
الفقرة الثالثة: خطابات الضمان الجمركية
هذه الضمانات يجمعها غرض واحد هو ضمان حقوق الخزانة العامة، فالرسوم الجمركية على السلع المستوردة لا تستحق بمجرد وصولها إلى أرصفة المنطقة الجمركية وإنما استحقاقها مرهون بخروجها من الدائرة الجمركية إلى الأسواق المحلية… وقد ترد سلع ليعاد تصديرها. وقد تستوجب الضرورة الإسراع في إخراج البضائع المستوردة مراعاة لطبيعتها التي لا تتحمل طول التخزين، أو تفاديا لتكدسها على الأرصفة، فيكتفي بمراجعتها وحصرها دون انتظار تقدير الرسوم الجمركية التي تطول إجراءات تحديدها وحسابها.
ومن أهم الأنظمة الجمركية التي تصدر في شأنها هذه الضمانات نذكر نظام الإيداع، نظام السماح المؤقت ونظام تيسير التخليص على البضائع.
المطلب الثالث: خطابات الضمان من حيث الغطاء
تنقسم خطابات الضمان من حيث الغطاء إلى نوعين: خطابات ضمان غير مغطاة، وخطابات ضمان مغطاة كليا أو جزئيا.
ذلك أنه بمقتضى خطاب الضمان، يتحمل البنك مخاطر الوفاء بمبلغ الضمان للمستفيد في حالة عدم تنفيد العميل للإلتزاماته، لذلك يطلب المصرف من العميل تقديم ضمانات لتغطية خطاب الضمان، وتتفاوت قيمة الغطاء تبعا للدراسة الائتمانية لأوضاع العميل وما يتولد لدى المصرف من ثقة في مركزه المالي وفي جديته في تنفيد ما يسند إليه من أعمال.
فخطابات الضمان المغطاة هي الخطابات التي يطلب فيها البنك المصدر من عميله دفع قيمة خطاب الضمان أي المبلغ المضمون بالكامل أو جزء منه، ويتوقف ذلك على مدى ثقة البنك بالعميل، ويودع مبلغ الغطاء الكلي أو الجزئي في حساب خاص يسمى “احتياطي خطاب الضمان” ولا يحق للعميل أن يتصرف فيه حتى ينتهي التزام البنك الناشئ عن خطاب الضمان.
كما أن الغطاء قد يكون نقديا وهو أبسط صور الغطاء سواء كان ذلك بدفع المبلغ اللازم لخزينة المصرف أو بخصمه من حسابه أو تجميده، او يكون عينيا مثل رهن عقاري مسجل في محضر العقار أو رهن أسهم في شركات أو غيرها من الأوراق المالية أو التجارية أو التنازل عن بعض الحقوق.
أما خطابات ضمان غير المغطاة فهي الخطابات التي لا يطلب فيها البنك المصدر من العميل تقديم أي غطاء لها. وتطبق البنوك هذا النوع إذا كان العميل شركة كبيرة تتمتع بسمعة طيبة ولديها حسابات هامة لدى البنك.
المطلب الرابع: خطابات الضمان من حيث البنك المصدر
تنقسم خطابات الضمان من حيث موطن البنك المصدر إلى خطابات ضمان محلية وأخرى أجنبية فخطابات الضمان المحلية: هي التي تصدرها البنوك المحلية العاملة داخل البلد الواحد، فإذا كان العميل الآمر والمستفيد يقيمان في المغرب مثلا فإن خطاب الضمان المصرفي يسمى خطاب ضمان محلي يصدر من بنك محلي لصالح المستفيد بناء على طلب الآمر.
أما خطاب الضمان الخارجي فهو الخطاب الذي يدخل فيه عنصر غير مقيم وهو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يقيم خارج المغرب.
ذلك أن حالات كثيرة لا تقتصر الرابطة العقدية على عناصرها الداخلية بل يدخلها عنصر أجنبي، كأن ترغب جهة أو فرد غير مقيم في المغرب تقديم عطاء لمناقصة تتطلب شروطها تقديم خطاب ضمان مصرفي بمبلغ معين. وهنا يلجأ إلى مصرف في الخارج يطلب منه إصدار الضمان المصرفي، ولأن ملائمة هذا المصرف غير معروفة للجهة التي طلبت الضمان فإن مصرف العميل الخارجي يطلب من أحد البنوك المحلية في دولة المغرب مشاركته، بحيث يصدر خطاب الضمان باسم العميل من البنك الأجنبي لصالح مصرف في دولة المغرب والذي يتولى بدوره إصدار الضمان باسم الشركة لصالح الجهة التي تتقدم إليها الشركة بالعطاء وذلك بضمان خطاب الضمان الصادر لصالح المصرف المحلي من المصرف الأجنبي ( ).
نخلص مما تقدم إلى أن هناك أنواع كثيرة ومتعددة من خطاب الضمان مع العلم أن هذه الأخيرة من خلق وابتكار العرف والعمل المصرفي مما يعني أن البنوك قد تضيف نوعا جديدا من خطابات الضمان كلما كانت هناك حاجة وضرورة لذلك.
غير أن ما تجدر الإشارة إليه في ختام هذه النقطة أن خطابات الضمان مهما تنوعت فإنها تنظم علاقة ثلاثية بين العميل والمستفيد والبنك، الشيء الذي يرتب آثار مختلفة في مواجهة كل ضلع من أضلاع هذه العملية المعقدة.