التمهيد : تعريف الولاية
أولاً : الولاية في اللغة :
الولاية – بكسر الواو – مصدر وَلِي ، ووَلَي( ) – والثانية قليلة الاستعمال( ) – يلي وهي تعني القيام على الغير وتدبيره( ) .
وتكون الولاية بمعنى القرابة والنّصرة ، والمحبة( ) . فتأتي الواو مفتوحة ومكسورة( ) .
وكلا المعنيين مراعى في الولاية : لأنّها تحتاج من الوليّ إلى التدبير والعمل .. كما تحتاج إلى نصرة المولى عليه ، والنّسب دَعَامَة قويّة من دعائم تحقيق هذه النصرة( ) .
وإن كان الأوّل هو المقصود بهذا البحث .
ثانيًا : الولاية في الاصطلاح :
هي حَقُّ تنفيذ القول على الغير ، شاء الغير أو أبى( ) . فيكون الوليّ من له حق القول على الغير .
وقد انتقد الشيخ مصطفى الزرقا هذا التعريف ، إذ قال : ( وهذا التعريف غير سديد ؛ لأنه يعرف الولاية ببيان حكمها . لا بشرح حقيقتها ) أ.هـ . ( )
واختار أن يكون التعريف هو : قيام شخص كبير راشد على شخص قاصر في تدبير شئونه الشخصية والمالية( ) .
والحقيقة أن التعريف ببيان الحكم أو اللوازم الخارجية - وهو الذي يسمّيه علماء المنطق بالحد الرسمي( ) - نوع معتبر من أنواع المعرفات ، فلا ضير في استعماله .
من تثبت عليه الولاية
تثبت الولاية الصغير ، والمجنون – ومن في حكمه – والمملوك ، والسفيه ، فهؤلاء تثبت عليهم الولاية . ونفاذ تصرّفاتهم خاضع لعدة اعتبارات . وهناك من لا يولي عليه لكنه يُمنع من التصرف بنوع ، أو أنواع من التصرفات كالمريض مرض الموت ، والمفلس ، وغيرهما ، وهذا القسم الأخير غير داخل في بحثنا إذ أنّه لا يولي عليهم .
وسنستعرض الآن هذه الأصناف الأربعة :
أولاً : الصغير ..
الصغير في اللغة : ضد الكبير( ) .
وهو في عرف الفقهاء : من لم يبلغ من ذكرٍ وأنثى( ) .
والصغير تثبت عليه الولاية باتفاق أهل العلم( ) ؛ لقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم } [ النساء : 6 ] .
فلمّا بين أنه لا يجوز دفع المال قبل بلوغ النكاح وإيناس الرشد دلّ ذلك على ثبوت الوليّ لغير البالغ( ) .
ثانيًا : المجنون ...
المجنون في اللغة من أصابه الجنون .
والجنون استتار العقل . واختلاطه ، وفساده( ) .
وهو في عرف الفقهاء : زوال العقل وفساده( ) .
وقد اتفق الفقهاء على إثبات الولاية على المجنون( ) .
وفي حكم المجنون المعتوه ، ومن أصابه الخرف لكبر سنه .
فإنّ العته نوع من الجنون ؛ إذ هو زوال العقل( ) .
إلاّ أنّ الحنفية فرّقوا بينهما فجعلوا العته نوعًا مختلفًا ؛ فهو عندهم من كان قليل الفهم ، مختلط الكلام ، فاسد التدبير ، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون( ) .
إلاّ أنه على هذا الاعتبار أيضًا فإنّ المعتوه تثبت عليه الولاية ؛ إذ أن الحنفية يلحقونه بالصبي المميّز( ) .
ثالثًا المملوك ...
المملوك تثبت عليه الولاية باتفاق( ) ؛ وذلك لعجزه ونقصان رتبته حكمًا ؛ قال تعالى : { ضرب الله مثلاً عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء } [ النحل : 75 ] .
رابعًا السَّفِيْه ...
يقال سَفِه فلان سَفَاهةً فهو سَفِيه( ) .
والسَّفَه نقص في العقل ، وهو ضد الحلم( ) .
وفي الاصطلاح : خفّةٌ تبعث على العمل في المال بخلاف مقتضى العقل والشرع( ) .
وقد اختلف الفقهاء في السَّفيه هل يحجر عليه - مما يترتب عليه إقامة ولي عليه - على قولين :
القول الأول : لا يحجر على الحر البالغ . وإن كان سفيهًا . وإنّما يوقف تسليم المال إليه حتى يبلغ خمسًا وعشرين سنة ، فإذا بلغها سلم إليه ماله . وإن كان مبذرًا .
وبه قال أبو حنيفة( ) .
القول الثاني : يحجر على السّفيه مطلقًا . وبه قاله أبو يوسف ومحمد بن الحسن( ) ، وهو مذهب المالكية( ) والشافعية( ) والحنابلة( ) .
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول بعدّة أدلة منها ما يلي :
1- عمومات الأدلة في البيع والهبة والإقرار من نحو قوله تعالى : { وأحل الله البيع } [ القرة : 282 ] . فقد شرع الله هذه التصرفات شرعًا عامًا والحجر على السفيه يناقض هذه الأدلة( ) .
يمكن أن يناقش : بأن عمومات النصوص خص منها المجنون والصغير بالاتفاق ، فليكن السفيه مخصوصًا كذلك بالأدلة الدالة على الحجر عليه .
2- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً ذكر للنبي أنه يخدع في البيع فقال إذا بايعت فقل : لا خلابة( ) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً كان يبايع وكان في عقدته( ) ضعف ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع ، فقال يا رسول الله إنّي لا أصبر عن البيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت غير تارك للبيع فقل هاء وهاء ولا خلابة( )( ) .
ففي الحديثين دليل على أنّه لا يحجر على الكبير ولو تبين سفهه( ) .
نوقش : بأن عدم الحجر عليه لا يدل على منع الحجر على السفيه ، لأنه لو كان الحجر عليه لا يصح لأنكر عليهم طلبهم الحجر عليه( ) .
3- أن في الحجر عليه سلبٌ لولايته ، وسلبها إهدار لآدميته وإلحاق بالبهائم وهو أشد ضررًا من التبذير فلا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى . فلا يحجر عليه ولو كان مبذرًا منعًا للضرر الأعلى( ) .
يمكن أن يناقش : بأن الحجر عليه لحظ نفسه حفظًا لأمواله ، وإلحاقه بالبهائم منتقضٌ بالعبد والصغير والمجنون فإنهم يحجر عليه مع آدميتهم .
4- أن منع المال منه يُرادُ منه التأديب ، ومنع المال منه بعد بلوغ خمسٍ وعشرين لا فائدة منه إذ لا يتأدب بعد هذا السن غالبًا ، إذ قد يصير جَدًّا في مثل هذا السن( ) .
نوقش : أنّ ما ذكر من كونه جدًّا مُتَصَوَّرٌ فيمن له دون هذا السن فإن المرأة تكون
جَدّةً لإحدى وعشرين سنَة( ) فظهر بهذا عدم صحة تعليق الحكم بهذا الوصف وهو بلوغ خمس وعشرين سنة .
5- أن السَّفيه حرٌ بالغ عاقل مُكَلَّف ، فلا يحجر عليه كالرشيد( ) .
نوقش : بأن القياس منتقض بمن له دون خمس وعشرين سنة فإنه بالغ حر عاقل مكلف ويمنع من ماله لسفهه اتفاقًا . وما أوجب الحجر قبل خمس وعشرين يوجبه بعدها ( ).
واستدل أصحاب القول الثاني بعدّة أدلة منها ما يلي :
1- قوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم } [ النساء : 60 ] .
فقد علّق الدفع على شرطين ، والحكم المعلّق على شرطين لا يثبت بدونهما فلا يدفع المال إلا للرشيد البالغ( ) .
2- قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا } [ النساء : 5 ] .
فقد بين أنّ السفيه لا يجوز دفع ماله إليه( ) ، فدلّ على أن سبب الحجر هو السَّفَه( ) .
نوقش :
1- بأن المراد بالسفهاء النساء والأولاد الصغار( ) .
2- كما نوقش بأن المراد لا تؤتوهم مال أنفسكم ؛ لأنّ الله سبحانه أضاف المال إلى المعطي( ) .
وأجيب : بأن القول بأنّ السفهاء النساء غير صحيح ؛ فإنما تقول العرب في النساء سفائه أو سفيهات( ) .
كما أجيب بأنّ إضافة المال للمخاطبين لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها فنسبت إليهم مع كونها للسفهاء( ) .
3- قوله تعالى : { فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع أن يُمِلَّ هو فليملل وليه بالعدل } [ البقرة : 282 ] .
فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف ، وكان معنى الضعيف راجعًا إلى الصغير ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ ؛ لأن السفه اسم ذمٍّ ولا يذم الإنسان على مالم يكتسبه( ) .
4- روى عروة بن الزبير أنّ عبد الله بن جعفر ابتاع بيعًا ، فقال علي رضي الله عنه لآتينَّ عثمان ليحجُر عليك . فأتى عبد الله بن جعفر الزُّبيرَ ، فقال قد ابتعت بيعًا ، وإنّ عليًا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان فيسأله الحجر عليَّ . فقال الزبير : أنا شريكك في البيع . فقال عثمان : كيف أحجُر على رجلٍ شريكه الزبير( ) .
وهذه قصة يشتهر مثلها ، ولم يخالفها أحدٌ في عصرهم ، فتكون إجماعًا( ) .
5- أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير وعدم الرشد الذي يوجد فيهم غالبًا فوجب أن يكون الحجر على من وجد فيه هذا المعنى وإن لم يكن صغيرًا
أولاً : الولاية في اللغة :
الولاية – بكسر الواو – مصدر وَلِي ، ووَلَي( ) – والثانية قليلة الاستعمال( ) – يلي وهي تعني القيام على الغير وتدبيره( ) .
وتكون الولاية بمعنى القرابة والنّصرة ، والمحبة( ) . فتأتي الواو مفتوحة ومكسورة( ) .
وكلا المعنيين مراعى في الولاية : لأنّها تحتاج من الوليّ إلى التدبير والعمل .. كما تحتاج إلى نصرة المولى عليه ، والنّسب دَعَامَة قويّة من دعائم تحقيق هذه النصرة( ) .
وإن كان الأوّل هو المقصود بهذا البحث .
ثانيًا : الولاية في الاصطلاح :
هي حَقُّ تنفيذ القول على الغير ، شاء الغير أو أبى( ) . فيكون الوليّ من له حق القول على الغير .
وقد انتقد الشيخ مصطفى الزرقا هذا التعريف ، إذ قال : ( وهذا التعريف غير سديد ؛ لأنه يعرف الولاية ببيان حكمها . لا بشرح حقيقتها ) أ.هـ . ( )
واختار أن يكون التعريف هو : قيام شخص كبير راشد على شخص قاصر في تدبير شئونه الشخصية والمالية( ) .
والحقيقة أن التعريف ببيان الحكم أو اللوازم الخارجية - وهو الذي يسمّيه علماء المنطق بالحد الرسمي( ) - نوع معتبر من أنواع المعرفات ، فلا ضير في استعماله .
من تثبت عليه الولاية
تثبت الولاية الصغير ، والمجنون – ومن في حكمه – والمملوك ، والسفيه ، فهؤلاء تثبت عليهم الولاية . ونفاذ تصرّفاتهم خاضع لعدة اعتبارات . وهناك من لا يولي عليه لكنه يُمنع من التصرف بنوع ، أو أنواع من التصرفات كالمريض مرض الموت ، والمفلس ، وغيرهما ، وهذا القسم الأخير غير داخل في بحثنا إذ أنّه لا يولي عليهم .
وسنستعرض الآن هذه الأصناف الأربعة :
أولاً : الصغير ..
الصغير في اللغة : ضد الكبير( ) .
وهو في عرف الفقهاء : من لم يبلغ من ذكرٍ وأنثى( ) .
والصغير تثبت عليه الولاية باتفاق أهل العلم( ) ؛ لقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم } [ النساء : 6 ] .
فلمّا بين أنه لا يجوز دفع المال قبل بلوغ النكاح وإيناس الرشد دلّ ذلك على ثبوت الوليّ لغير البالغ( ) .
ثانيًا : المجنون ...
المجنون في اللغة من أصابه الجنون .
والجنون استتار العقل . واختلاطه ، وفساده( ) .
وهو في عرف الفقهاء : زوال العقل وفساده( ) .
وقد اتفق الفقهاء على إثبات الولاية على المجنون( ) .
وفي حكم المجنون المعتوه ، ومن أصابه الخرف لكبر سنه .
فإنّ العته نوع من الجنون ؛ إذ هو زوال العقل( ) .
إلاّ أنّ الحنفية فرّقوا بينهما فجعلوا العته نوعًا مختلفًا ؛ فهو عندهم من كان قليل الفهم ، مختلط الكلام ، فاسد التدبير ، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون( ) .
إلاّ أنه على هذا الاعتبار أيضًا فإنّ المعتوه تثبت عليه الولاية ؛ إذ أن الحنفية يلحقونه بالصبي المميّز( ) .
ثالثًا المملوك ...
المملوك تثبت عليه الولاية باتفاق( ) ؛ وذلك لعجزه ونقصان رتبته حكمًا ؛ قال تعالى : { ضرب الله مثلاً عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء } [ النحل : 75 ] .
رابعًا السَّفِيْه ...
يقال سَفِه فلان سَفَاهةً فهو سَفِيه( ) .
والسَّفَه نقص في العقل ، وهو ضد الحلم( ) .
وفي الاصطلاح : خفّةٌ تبعث على العمل في المال بخلاف مقتضى العقل والشرع( ) .
وقد اختلف الفقهاء في السَّفيه هل يحجر عليه - مما يترتب عليه إقامة ولي عليه - على قولين :
القول الأول : لا يحجر على الحر البالغ . وإن كان سفيهًا . وإنّما يوقف تسليم المال إليه حتى يبلغ خمسًا وعشرين سنة ، فإذا بلغها سلم إليه ماله . وإن كان مبذرًا .
وبه قال أبو حنيفة( ) .
القول الثاني : يحجر على السّفيه مطلقًا . وبه قاله أبو يوسف ومحمد بن الحسن( ) ، وهو مذهب المالكية( ) والشافعية( ) والحنابلة( ) .
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول بعدّة أدلة منها ما يلي :
1- عمومات الأدلة في البيع والهبة والإقرار من نحو قوله تعالى : { وأحل الله البيع } [ القرة : 282 ] . فقد شرع الله هذه التصرفات شرعًا عامًا والحجر على السفيه يناقض هذه الأدلة( ) .
يمكن أن يناقش : بأن عمومات النصوص خص منها المجنون والصغير بالاتفاق ، فليكن السفيه مخصوصًا كذلك بالأدلة الدالة على الحجر عليه .
2- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً ذكر للنبي أنه يخدع في البيع فقال إذا بايعت فقل : لا خلابة( ) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً كان يبايع وكان في عقدته( ) ضعف ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع ، فقال يا رسول الله إنّي لا أصبر عن البيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت غير تارك للبيع فقل هاء وهاء ولا خلابة( )( ) .
ففي الحديثين دليل على أنّه لا يحجر على الكبير ولو تبين سفهه( ) .
نوقش : بأن عدم الحجر عليه لا يدل على منع الحجر على السفيه ، لأنه لو كان الحجر عليه لا يصح لأنكر عليهم طلبهم الحجر عليه( ) .
3- أن في الحجر عليه سلبٌ لولايته ، وسلبها إهدار لآدميته وإلحاق بالبهائم وهو أشد ضررًا من التبذير فلا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى . فلا يحجر عليه ولو كان مبذرًا منعًا للضرر الأعلى( ) .
يمكن أن يناقش : بأن الحجر عليه لحظ نفسه حفظًا لأمواله ، وإلحاقه بالبهائم منتقضٌ بالعبد والصغير والمجنون فإنهم يحجر عليه مع آدميتهم .
4- أن منع المال منه يُرادُ منه التأديب ، ومنع المال منه بعد بلوغ خمسٍ وعشرين لا فائدة منه إذ لا يتأدب بعد هذا السن غالبًا ، إذ قد يصير جَدًّا في مثل هذا السن( ) .
نوقش : أنّ ما ذكر من كونه جدًّا مُتَصَوَّرٌ فيمن له دون هذا السن فإن المرأة تكون
جَدّةً لإحدى وعشرين سنَة( ) فظهر بهذا عدم صحة تعليق الحكم بهذا الوصف وهو بلوغ خمس وعشرين سنة .
5- أن السَّفيه حرٌ بالغ عاقل مُكَلَّف ، فلا يحجر عليه كالرشيد( ) .
نوقش : بأن القياس منتقض بمن له دون خمس وعشرين سنة فإنه بالغ حر عاقل مكلف ويمنع من ماله لسفهه اتفاقًا . وما أوجب الحجر قبل خمس وعشرين يوجبه بعدها ( ).
واستدل أصحاب القول الثاني بعدّة أدلة منها ما يلي :
1- قوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم } [ النساء : 60 ] .
فقد علّق الدفع على شرطين ، والحكم المعلّق على شرطين لا يثبت بدونهما فلا يدفع المال إلا للرشيد البالغ( ) .
2- قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا } [ النساء : 5 ] .
فقد بين أنّ السفيه لا يجوز دفع ماله إليه( ) ، فدلّ على أن سبب الحجر هو السَّفَه( ) .
نوقش :
1- بأن المراد بالسفهاء النساء والأولاد الصغار( ) .
2- كما نوقش بأن المراد لا تؤتوهم مال أنفسكم ؛ لأنّ الله سبحانه أضاف المال إلى المعطي( ) .
وأجيب : بأن القول بأنّ السفهاء النساء غير صحيح ؛ فإنما تقول العرب في النساء سفائه أو سفيهات( ) .
كما أجيب بأنّ إضافة المال للمخاطبين لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها فنسبت إليهم مع كونها للسفهاء( ) .
3- قوله تعالى : { فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع أن يُمِلَّ هو فليملل وليه بالعدل } [ البقرة : 282 ] .
فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف ، وكان معنى الضعيف راجعًا إلى الصغير ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ ؛ لأن السفه اسم ذمٍّ ولا يذم الإنسان على مالم يكتسبه( ) .
4- روى عروة بن الزبير أنّ عبد الله بن جعفر ابتاع بيعًا ، فقال علي رضي الله عنه لآتينَّ عثمان ليحجُر عليك . فأتى عبد الله بن جعفر الزُّبيرَ ، فقال قد ابتعت بيعًا ، وإنّ عليًا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان فيسأله الحجر عليَّ . فقال الزبير : أنا شريكك في البيع . فقال عثمان : كيف أحجُر على رجلٍ شريكه الزبير( ) .
وهذه قصة يشتهر مثلها ، ولم يخالفها أحدٌ في عصرهم ، فتكون إجماعًا( ) .
5- أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير وعدم الرشد الذي يوجد فيهم غالبًا فوجب أن يكون الحجر على من وجد فيه هذا المعنى وإن لم يكن صغيرًا