حددت المادة 384 طرق رفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية ومن بينها طريقة الاستدعاء المباشر الذي يسلمه وكيل الملك أو الطرف المدني للمتهم أو عند الاقتضاء للمسؤولين عن الحقوق المدنية كما نصت المادة 307 من نفس القانون على أنه في حالة "إذا تعذر إنهاء بحث القضية أو المناقشات أثناء جلسة واحدة، قررت المحكمة مواصلتها في تاريخ معين تحدده فورا .
وإذا دعت الضرورة إلى تأجيل القضية لتاريخ غير محدد، وجب استدعاء الأطراف للحضور من جديد".
ولقد أتت المادة 308 لتبين من يجب أن يبلغ إليه الاستدعاء، سواء تعلق الأمر بالاستدعاء الأول الذي تسلمه النيابة العامة للمتهم المتابع في حالة سراح، أو بالاستدعاء الذي توجهه المحكمة للأطراف إذا لم يمكن بحث القضية ومناقشتها في الجلسة الأولى والأهم من ذلك فقد أوضحت تلك المادة طرق تبليغ الاستدعاء بأن أحالت على الفصول 38,37 و 39 من ق.م.م ؛ كما حددت البيانات الجوهرية التي يجب توفرها في وثيقة الاستدعاء، وهي "اليوم والساعة ومحل انعقاد الجلسة ونوع الجريمة وتاريخ ومحل ارتكابها والمواد القانونية المطبقة بشأنها" وأضافت أيضا الجزاء المترتب عن تخلف أحد تلك البيانات وهو "بطلان الاستدعاء".
ولقد ثار النقاش في القضاء والفقه، حول ما إذا كانت البيانات الواجب تضمينها بالاستدعاء يجب أن تتوفر في كل استدعاء وجهته المحكمة إلى الأطراف، أو أنه يعني فقط الاستدعاء الموجه لأول مرة للمثول أمام المحكمة إذ جاء في قرار للمجلس الأعلى عدد 503 بتاريخ 31-3-1965 ما يلي :[5]
"إن المقصود من الاستدعاء قانونا هو الإنذار للحضور أمام محكمة الدرجة الأولى للجواب لأول مرة على التهمة المتابع عنها سواء كان الأمر يتعلق بمخالفة أو بجنحة ضبطية أو بجنحة تأديبية ".
وقد ذهب بعض الفقه المغربي إلى وجوب تضمين البيانات الواجب توفرها في الاستدعاء في كل استدعاء بالحضور توجهه المحكمة للمتهم أو المطالب بالحق المدني أو المسؤول مدنيا، لا فرق في ذلك بين الجلسة الأولى والجلسات التالية.[6] وهو ما يستشف من صيغة المادة 308.
ثم إن نفس المادة في فقرتها التالية رتبت جزاء البطلان بخصوص كل استدعاء لا يتضمن البيانات الجوهرية المنصوص عليها فيها.
أما المادة 309 الموالية فقد قررت جزاء الإبطال بخصوص عدم احترام الآجال التي يجب أن تفصل بين تاريخ تبليغ الاستدعاء واليوم المحدد للحضور.
وجدير بالإشارة إلى أن المادة 310 ربطت الدفع ببطلان الاستدعاء بوجوب تقديمه قبل أي دفع أو دفاع تحت طائلة سقوط الحق, كما أنها خولت للمتهم إمكانية طلب إصلاح ما يكون قد شاب الاستدعاء من أخطاء أو استيفاء أي نقص فيه. وفي هذه الحالة، تمنح له المحكمة أجلا لتهيئ دفاعه قبل البدء في مناقشة القضية.
كما نصت على هذا المقتضى أيضا المادة 323 والتي جاء في فقرتها الأولى : "يجب تحت طائلة السقوط, أن تقدم قبل كل دفاع في جوهر الدعوى, ودفعة واحدة طلبات الإحالة بسبب عدم الاختـصاص -ما لم تكن بسبب نوع الجريمة- وأنواع الدفع المترتبة إما عن بطلان الاستدعاء أو بطلان المسطرة المجراة سابقا، وكذا المسائل المتعين فصلها أوليا."
وتماشيا مع هذا الاتجاه، فقد قضى المجلس الأعلى في قراره عدد 60 (س 12) المؤرخ في 31-10-1968 على أنه : "لا ينتج لا من تنصيصات الحكم المطعون فيه ولا من أوراق الملف أن العارض أثار مسألة بطلان الاستدعاء، ولذا فإن الاستدلال به لأول مرة أمام المجلس الأعلى يجعله غير مقبول عملا بمقتضيات الفصل المشار إليه ( وهو الفصل 318 من ق م ج لسنة 1959 ) مما تكون معه الوسيلة غير مقبولة".[7]
والملاحظ أن المشرع أتى ببعض الجديد فيما يتعلق بنظريتي البطلان والإبطال، سواء من حيث الصياغة التي وظفها في النصوص الجديدة أو من حيث وقت البت في طلبات البطلان أو الإبطال، أو من حيث جواز التنازل عنهما أو أثرهما.
ونجمل هذه المقتضيات الجديدة فيما يلي :
أولا : لقد استبدل المشرع عبارة" عدم القبول بالنسبة للدفوع الأولية المنصوص عليها في الفصل 318 من ق.م.ج القديم بكلمة" السقوط" في المواد 310 – 323 – و 324 من هذا القانون.
ثانيا : لقد اشترط إثارة الدفوع الأولية أو الشكلية أو المعترضة التي يترتب عنها البطلان أو الإبطال – دفعة واحدة الفقرة الأولى من المادة 23، والفقرة الثانية من المادة 324.
ثالثا : أجاز للمحكمة، بصفة استثنائية تأجيل النظر في هذه الدفوع بقرار معلل إلى حين البت في الجوهر وهو ما كان يجري به العمل قضائيا في ظل النص القديم ولو لم يكن يجز ذلك صراحة.
رابعا : تبنى المشرع نظرية البطلان المرتبط بالمصلحة والضرر حسب ما استقر عليه قضاء المجلس الأعلى، فأجاز للأطراف التنازل عن التمسك بالدفع بالبطلان إذا لم يكن مقررا إلا لمصلحتهم فقط, ولكنه أحاط هذا التنازل بضمانتين أساسيتين:
1- أن يكون صريحا.
2- أن يتم التنازل الصادر عن المتهم بحضور محاميه أو بعد استدعائه بصفة قانونية.
خامسا : أضاف المشرع مقتضيات تتعلق بنتائج حكم المحكمة بإبطال الوثائق التي اعتبرتها مشوبة بالبطلان