بسط دي توليو نظريته في تفسير الظاهرة الإجرامية في احد مؤلفاته صدرت في العام 1945 بعنوان "الاستعداد السابق للإجرام " أو ما اصطلح في الفقة العربي على تسميته "بالتكوين الإجرامي" وتتلخص النظرية في أن الجريمة بصفة عامة ثمرة تفاعل بين عوامل بيولوجية كعوامل داخلية وبين عوامل اجتماعية كعوامل خارجية . وبالنظر الى أن العوامل الاجتماعية الخارجية أو متطلبات الحياة الاجتماعية يتعرض لها العامة من البشر ولا تثير مع ذلك النزعة الإجرامية والاندفاع نحو الجريمة إلا بالنسبة للبعض دون الآخر .
فان التساؤل الذي نستطيع بالإجابة عليه تفسير الظاهرة الإجرامية يكون .. "لماذا لا يستجيب لنداء الجريمة بعض الناس دون بعضهم الآخر على الرغم من وحدة وتماثل العوامل الاجتماعية الخارجية ؟؟"
وقد أجاب دي توليو على هذا التساؤل بنظريته الاستعداد السابق للإجرام , ولديه أن من يرتكب الجريمة إنما يرتكبها بسبب التكوين الخاص لشخصيته الفردية هذه الشخصية التي تتسم بصفات عضوية ونفسية خاصة قد تكون وراثية أو مكتسبة تميز صاحبها وتفرقه عن أي شخص آخر عادي وتدفع به الى تغلب "الانا " على "اللاانا " فتتيح سيطرة للذات الغريزية الطبيعية على موانع التحكم الإرادي في متطلبات الذات فيصبح الشخص على استعداد أكثر لارتكاب الجرائم اذا توافرت له مؤثرات خارجية بسيطة .
وهذا معناه أن العوامل أو المؤثرات الخارجية ليست سوى مثيرات كاشفة عن النزعة الإجرامية أو التكوين الإجرامي , بدليل أن هذه المؤثرات نفسها لا تحدث نفس الأثر لدى الأشخاص العاديين .
لا يقدم المجرم إذن على ارتكاب الجريمة لدى دي توليو إلا اذا كان لديه الاستعداد السابق للإجرام هذا الاستعداد كما قد يكون دائما متمثلا في استعداد فطري ودائم يتيح لقوة الدافع الى الجريمة السيطرة الدائمة على قوة منعها وهو الاستعداد المتوفر عند طائفة المجرمين الخطرين و معتادي الإجرام ومحترفيه , وقد يكون هذا الاستعداد عرضيا يتمثل في استعداد مكتسب مؤقت أو دوري يتيح لقوة الدافع للجريمة سيطرة عرضية مؤقتة على قوة منعها على نحو يطيح بالتوازن الذي كان قائما لدى حاملة بين قوة منع الجريمة وقوة الدفع إليها , وهو الاستعداد المتوافر لدى طائفة المجرمين بالصدفة أو بالعاطفة و والاستعداد الإجرامي بنوعيه يدفع بالشخص الى ارتكاب الجريمة لمجرد تعرضة لمؤثرات خارجية بسيطة لا تكفي لدفع شخص عادي الى الإجرام .
وتفريعا لتلك الفكرة قسم دي توليو الاستعداد السابق للإجرام الى نوعين :
- استعداد أصيل أو تكويني يرجع الى عوامل سببية سابقة تنبثق عن التكوين النفسي والعضوي والعصبي يجعل لدى صاحبه ميلا فطريا الى الإجرام .
- استعداد عرضي يرجع الى عوامل مهيأة بيولوجية أو داخلية وأخرى بيئية أو خارجية تهيئ لقوى الدفع "الانا " سيطرة عرضية مؤقتة على قوة المنع " اللاانا " على نحو يجعل لدى صاحبها ميلا أو استعدادا عرضيا للإجرام .
ولان الاستعداد السابق للإجرام يعد مرادفا للشخصية الإجرامية فان الوقوف عليه يتطلب دراسة هذه الشخصية من حيث أعضاء الجسم الخارجية ووظائف الأعضاء الداخلية ومن الناحية النفسية , وقد لاحظ دي توليو في هذا الصدد أن المجرم بالتكوين مصاب بعيوب لا يخلو منها الشخص العادي إلا أنها توجد لدى المجرم بحدة أكثر كما أن نسبة انتشارها بين المجرمين اكبر من نسبة انتشارها بين غير المجرمين , على نحو لا يجعل منها سببا مباشرا لهذا التكوين أو الاستعداد للإجرام وان كان لها بعض الأثر تسوئ هذا التكوين أو الاستعداد .
اما من الناحية النفسية فقد لوحظ على المجرمين ذوي الاستعداد السابق للإجرام إصابتهم بخلل في الجانب العاطفي راجع الى خلل كمي أو شذوذ كيفي في غريزة أو أكثر من الغرائز الأساسية والى ضعف في التعلق بالمثل الخلقية العليا و قلة المقاومة النفسية للمؤثرات الخارجية التي يسيطر عليها عادة الشخص العادي .
هذا وقد قسم دي توليو المجرمين ذوو الاستعداد الأصيل الى أربع فئات على أساس وجه الشذوذ في التكوين الإجرامي , وهي :
- فئة المجرم الناقص في النمو العقلي .
- فئة المجرم ذو الاتجاه العصبي السيكوباتي .
- فئة المجرم ذو الاتجاه السيكوباتي .
- فئة المجرم ذو الاتجاه المختلط .
اما المجرمين ذوو الاستعداد العرضي للإجرام فقد قسمهم الى ثلاث فئات وهي :
- فئة المجرم العرضي المحض .
- فئة المجرم العرضي العاطفي .
- فئة المجرم العرضي الشائع .
وقد نعى نظرية دي توليو جنوحها الى التعميم بإرجاعها تفسير الظاهرة الإجرامية الى إصابة المجرم بخلل في الجانب العاطفي و ويستمد هذا النقد سلامته من أن الحالات التي أخضعها دي توليو للفحص الإكلينيكي كانت قليلة على نحو لا يجوز معها استخلاص قانون عام بالإضافة الى انه لم يعتمد في استخلاصه لهذا القانون على إجراء المقارنة الضرورية بين المجرمين وغير المجرمين . ومع ذلك فان نظرية دي توليو تبقى أكثر النظريات قبولا من فبل علماء الإجرام .