لقد بذل علماء الإجرام الذين عنوا بدراسة الجريمة والمجرم، وتدابير الوقاية من الجريمة والعقاب عليها، جهودا مضنية فى معرفة أسباب الجريمة ودوافع المجرمين لارتكاب الجرائم..

واستعانوا بكل ما استطاعوا من العلوم الإنسانية والعلوم التجريبية، للوصول إلى معرفة تلك الأسباب والدوافع.

وقد أنكروا الوسائل التى اتخذت فى القديم لمعرفة أسباب الجريمة والتي كان يغلب عليها الطابع التجريدى..

فقالوا:
"كان الطابع التجريدى هو الغالب على جهود الإنسان، خلال قرون طويلة من بحثه عن تفسير السلوك الإجرامي، وفى مراحل متعددة من هذه الجهود ظل النظر إلى الجريمة غيبا أو خرافيا.. فالجريمة عندهم رجس من عمل الشيطان، ومن الأرواح الشريرة يدخل جسد المجرم فيفسد نفسه وروحه..." [علم الإجرام وعلم العقاب للدكتور عبود السراج ص:157 ـ ط1].

وتطورت النظرة إلى أسباب الجريمة مما سموه بالخرافة كما مضى، إلى أن الإنسان يملك عقلا واعيا وإرادة حرة يملك بهما اختيار سلوكه، ويختار ما نفْعُه عنده أكبر من ضرره، وذلك هو سبب إقدامه على الجريمة. [المراجع السابق].

أي إذا رأى أن منفعته من الإقدام على الجريمة، أعظم من الضرر الذى يتوقعه من إقدامه، أقدم عليها.

وذهب آخرون إلى أن أسباب الجريمة، هي عوامل جغرافية، فترتفع نسبة الجريمة وتنخفض حسب تغير المناخ، كالحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة والأمطار، والطقس، والضغط الجوى والعواصف والرياح..... الخ..

وقالوا:
إن جرائم العنف - وبخاصة الاعتداء على الإنسان - تزداد فى المناطق والفصول الحارة وتنخفض فى المناطق والفصول الباردة..

وجرائم الأموال تزداد فى المناطق الباردة وتنخفض فى المناطق الحارة، وبنوا اتجاههم هذا على إحصائيات فى بعض الدول كفرنسا.

وقال بعضهم:
إن نسبة الجريمة تختلف باختلاف الموقع الجغرافي، فالمناطق التى تكون أقرب إلى خط الاستواء تكثر فيها جرائم العنف، والمناطق القريبة من القطبين تكثر فيها جرائم المسكرات والمخدرات.

وقال بعضهم:
إنها تتفاوت باختلاف التضاريس، فتقل الجرائم فى المناطق السهلة والأرض المنبسطة، وتزيد فى المناطق الجبلية، وتصل ذروتها فى قمم الجبال.. [المرجع السابق.. ص173ـ176 وص: 233ـ242].

وذهب آخرون إلى:
أن السبب وراثي – أي إن المجرم يعود بسبب الوراثة إلى الانسان البدائي الأول – هكذا – الذى كان يحمل صفات دونية شبيهة بصفات القردة والحيوانات الدنيا، ويعيش حياة بدائية خالية من القواعد والنظم.. [المرجع السابق ـ ص: 184].

ومعلوم أن هذا افتراض معارض للأديان السماوية، التى تدل كتبها كلها، وآخرها القرآن الكريم، على أن الإنسان خلق مصحوباً بهدى الله تعالى، منذ آدم عليه السلام إلى أن جاء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذهب آخرون إلى:
إرجاع سبب الجريمة إلى الصفات العضوية..وأنه يمكن معرفة المجرم عن طريق بعض صفاته العضوية.

فجمجمة المجرم تكون أصغر أو أكبر من الحجم الطبيعي لغيره، وأن جبهته تكون ضيقة ومنحدرة، وحواجبه تكون كثيفة، وعيناه غائرتان، وأنفه أفطس وشفاهه دقيقة، وفكه عريض وأذناه عريضتان مائلتان إلى الأمام، ووجهه طويل وعريض، وشعر رأسه كثيف، وشعر ذقنه قليل وذراعاه طويلتان، يوجد فى إحدى قدميه أو يديه أصبع زائدة.. [المرجع السابق ـ ص: 185، وكتاب أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي للدكتور عدنان الدوري ص: 117].

وهذه إحدى طرق اكتشاف المجرم بالفراسة..

وذهب آخرون إلى أن أسباب الجريمة تعود إلى وظائف الأعضاء.

ومن أمثلة ذلك الغدد الصماء..قالوا:
إن اختلال إفرازاتها يؤدى إلى خلل فى التركيب الكيماوي للدم وللسوائل الأخرى التى تدخل فى تكوين أعضاء الجسم، وهذا الخلل يحدث اضطرابات فى أجهزة الفرد، وخاصة فى الجهاز العصبي ويؤثر فى سلوكه وانفعالاته، ويؤدى إلى أنواع من الإجرام.. [علم الإجرام وعلم العقاب ص:220].

ورأى بعضهم أن أسباب الجريمة تعود إلى العاهات والأمراض، وبخاصة العمى والصمم والبكم، وتشوه الوجه، والقبح وقصر القامة والعرج، والشلل..

وأن تلك الحالات تؤدي إلى التألم والشذوذ، ويشعرون معها بنقص أنفسهم فى المجتمع، وضياع مراكزهم الاجتماعية، فيهيئهم هذا الوضع لارتكاب الجرائم.. [المرجع السابق ص:222].

ورد بعضهم أسباب الجريمة إلى العمر، ورأوا أن صغار السن أكثر إقداماً إلى الجرائم من كبار السن، واختلفوا فى السن التى تقع فيه أعلى نسبة من الجرائم..

فقال بعضهم: إنها تقع مابين سن الثامنة عشرة والخامسة والعشرين..

وقال آخرون: إنها فى مرحلة المراهقة وهى – غالباً - ما بين سن أربع عشرة وسبع عشرة سنة وتقل فى مرحلة النضج.

ويرى آخرون أن أسباب الجريمة راجعة للجنس، أي للذكورة والأنوثة، فإجرام النساء أقل من إجرام الرجال بسبب اختلاف البيئة الداخلية للمرأة عن الرجل، واختلاف القدرات البدنية، ولأن الرجل أكثر احتكاكاً بالمحيط الخارجي من المرأة..[المرجع السابق ص 222]

وذهب آخرون إلى رد أسباب الجريمة إلى العرق، أي إلى الأجناس البشرية المختلفة، فالزنوج أعلى نسبة في جرائم العنف، وكذلك الشعوب التي تسكن في حوض البحر الأبيض المتوسط، وجرائم الأموال عند سكان المناطق الشمالية أكثر من غيرهم... [نفس المرجع ص 229-231]

وذهب آخرون إلى أن أسباب الجرائم تعود إلى أسباب نفسية، كالضعف العقلي، والأمراض العقلية والنفسية والعصبية وعدم استطاعة الإنسان التوفيق بين شهواته التى تكره القيود، والواقع الخارجي الذى فرض المجتمع فيه قيودا، وهكذا.. فيدفع بسبب ذلك إلى إشباع غرائزه ولو بارتكاب الجريمة . [نفس المرجع ص 229—231]

وذهب آخرون إلى أن أسباب الجريمة عوامل اجتماعية منها الاقتصادية، كالفقر الذى يعد عاملاً أساسياً فى تكوين السلوك الإجرامي.. والبيئة التى تهيأ فيها الفرص لارتكاب الجريمة. [نفس المرجع ص 262-276]

ومنها انعدام الاستقرار الاقتصادى الذي يكون بين رخاء تقل فيه جرائم الأموال، وهبوط تكثر فيه تلك الجرائم وغيرها، ومنها تطور البناء الاجتماعي وازدياد نموه الذى يزداد بسببه نظامه تعقيداً، ينتج عنه عدم التجانس والتوافق، بسبب زيادة القيود والأنظمة، فتنطلق شهوات الأفراد ضد تلك القيود والأنظمة، ومن هنا تكون الجريمة ناشئة من عوامل اجتماعية.

ومنها أن الفرد فى المجتمع يقلد غيره، بحيث يقلد الصغير من هو أكبر منه، نتيجة اختلاط أفراد المجتمع الواحد فى العائلة والحي والرفقة والوظيفة والزمالة وغيرها.. [نفس المرجع ص 308-317]

ومنها الاختلاط التفاضلي، وهو أنه يوجد فى المجتمع ثلاثة أصناف:

الصنف الإجرامي المعادى للقوانين والأنظمة..

والصنف المؤيد للقوانين والمطيع لها..

والصنف المحايد..

والفرد يختلط بهولاء وأولئك، فإذا رجحت عنده كفة معاداة القوانين تتوثق علاقته بصنف المجرمين، وتزداد عزلته عن الأصناف المعادية للإجرام، فيصبح مجرماً. [نفس المرجع ص 318-329]

وذهب آخرون إلى أن أسباب الجريمة ترجع إلى عوامل سياسية، فيرى التفسير الماركسي أن التناقضات التى تحدث داخل المجتمع الرأسمالي، تخلف أشكالاً من الصراعات التى تكون الجريمة فيها تعبيراً عن الصراع بين الفرد والظروف المحيطة به. [نفس المرجع ص 336]

هذه بعض الأسباب التى ذكرت فى كتب علماء الإجرام، حاولت تلخيصها من صفحات طويلة ولم ألتزم بكثير من مصطلحاتهم، ولا ذكر أصحاب النظريات، خشية الإطالة من جهة، وتيسير الفهم للقارئ من جهة أخرى.