المعاينة
هي الانتقال إلى عين المكان الذي وقعت فيه الجريمة لمشاهدة مسرحها وجمع الأدلة قبل اندثارها والتأكد من أركانها وعناصرها، ولم يتعرض المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية للمعاينة في مرحلة التحقيق النهائي أي في مرحلة الحكم شانه في ذلك شان قوانين الإجراءات الجنائية العربية كالمصري والسوري والعراقي والليبي التي اقتصرت على تنظيم المعاينة في مرحلة التحقيق الإعدادي –الشرطة والنيابة العامة والتحقيق
- تاركا للمحكمة الحق في الانتقال إلى مكان الجريمة، إذا لم تتمكن من تكوين قناعتها إيجابا أو سلبا من المعاينة التي قامت الشرطة القضائية بها أو النيابة العامة أو قاضي التحقيق وهذا الحق لم ينص عليه المشرع بكيفية صريحة وإنما يؤخذ من المبدأ العام الذي يفرض أن كل إجراء يعتبر جائزا إلى أن يمنعه القانون. واعتمادا على الفصل288 من قانون المسطرة الجنائية الذي ينص انه (يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك) والفصل 464 من نفس القانون الذي يتحدث عن سلطة رئيس محكمة الجنايات إذ نص على انه " يخول الرئيس سلطة تقديرية يمكنه بمقتضاها وتحت تأثير شرفه وضميره من اتخاذ جميع المقررات والأمر بجميع التدابير التي يراها مفيدة للكشف عن الحقيقة ما لم يكن قد منعها القانون". من هذين النصين يتبين أن للمحكمة أن تتخذ من الإجراءات ما تراه كفيلا بإيصالها إلى الحقيقة ولكن على المحكمة سواء كانت متركبة من قاض منفرد أو من قضاة متعددين. إذا ما قررت الانتقال إلى عين المكان إن تتقيد بالنصوص الواردة في المسطرة المدنية (11) المتعلقة بتنظيم المعاينة باعتبار المسطرة المدنية مرجعا لما لم ينص عليه قانون المسطرة الجنائية وبالرجوع إلى أحكام المعاينة في المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 28 شتنبر1974 تجد الفصل 67 منه ينص على انه " إذا أمر القاضي تلقائيا أو بناء على طلب الإفراغ بالوقوف على عين المكان فانه يحدد في حكمه اليوم والساعة التي يتم فيها حضور الأطراف الذين يقع استدعاؤهم بصفة قانونية، فإذا كان الاطراف حاضرين وقت النطق بالحكم أمكن للقاضي أن يقرر حالا الانتقال إلى عين المكان".
" يمكن أن يؤخر أو يستأنف الوقوف على عين المكان إذا لم يستطع أن يحضر احد الأطراف في اليوم المحدد بسبب اعتبر وجيها".
وينص الفصل 68 من نفس القانون على انه " إذا كان موضوع الانتقال يتطلب معلومات لا يتوفر عليها القاضي أمر في نفس الحكم بتعيين خبير لمصاحبته أثناء المعاينة أو إبداء رأيه".
وينص الفصل 69 من نفس القانون على انه ( يجوز للقاضي علاوة على ذلك ان يستمع اثناء الانتقال الى الأشخاص الذين يعينهم وان يقوم بمحضرهم بالعمليات التي يراها مفيدة) كما ينص الفصل 70 من نفس القانون على انه " يتعين على القاضي أن يحرر محضر الانتقال ويوقع من طرف القاضي وكاتب الضبط ويودع رهن إشارة الأطراف بكتابة الضبط " ويطبق الفصل 336 من نفس القانون وهو المنظم للمعاينة أمام محكمة الاستئناف والذي ينص على انه ( يمكن للمستشار المقرر ان يقرر الانتقال الى عين المكان كما يمكن للمحكمة مجتمعة ان تقوم بجميع الاجراءات المذكورة في الفصل 67 الى 70 اعلاه).
من هذه النصوص تتبين المسطرة التي يجب على القاضي الجنائي إتباعها عند انتقاله لمعاينة ما، فله ان ينتقل من تلقاء نفسه متى راى ذلك ضروريا ومفيدا في الوصول الى الحقيقة، وله ان ينتقل بناء على طلب احد الأطراف، النيابة العامة والمتهم او المطالب بالحق المدني، وفي كلتا الحالتين يتعين عليه ان يخبر الاطراف اذا ما قرر الانتقال بتاريخه وساعته وان يصحب معه كاتب الضبط، وله ان يستعين بخبير اذا كانت المعاينة تحتاج الى خبرة فنية كتحليل الدم الموجود في مكان الجريمة او معرفة الطلقة النارية ونوع الاسلحة المستعملة او مهندسا مساحا لمعرفة هل نصب الحدود أزيلت من مكانها ام لا، وله ان يستمع آلي الشهود الذين يجدهم في مكان الحادثة وان ياخذ صورا فوتوغرافية فيه او يهيئ تصميما للمكان ويقوم بجميع الاعمال التي تكشف الحقيقة، هذا اذا كان القضاء فرديا، اما اذا كان جماعيا فللهيئة ان تقرر الانتقال بجميع اعضائها بعد اخبارها جميع الاطراف بتاريخ ومكان وساعة المعاينة، ولها ان تقرر ايفاد مستشار مقرر للقيام بنفس المهم بعد اشعاره جميع الاطراف وبعض القيام بالمعاينة يتعين تحرير محضر بالوقوف على عين المكان يكون موقعا عليه من طرف الهيئة التي حضرت وكاتب الضبط او من طرف المستشار المقرر المنتدب وكاتب الضبط مع الاشارة الى حضور ممثل النيابة العامة والاشارة الى الملاحظات والاستنتاجات التي قدمها الأطراف ووضع هذا المحضر في كتابة الضبط لمناقشته في الجلسة العمومية، وهنا يجب التمييز بين المعلومات التي يتوصل اليها القاضي عن طريق المعانية ومعلوماته الشخصية، وذلك ان القاضي ممنوع من الحكم بمعلوماته الشخصية وهي المعلومات التي استقاها بوسائله الخاصة خارج ساحة القضاء لان هذه المعلومات لا يمكن ان تناقش في الجلسة من طرف الخصوم، بينما المعلومات التي استقاها القاضي من المعاينة تؤخذ أولا بمحضر الاطراف وبابداء ملاحظاتهم ومستنتجاتهم، وثانيا تسجل في محضر وتعرض على المناقشة في الجلسة العلنية.

الخبرة
تعريف الخبرة : الخبرة هي الإجراء الذي يرمي إلى استخدام أحد ذوي الاختصاص في مسالة فنية لا يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لتكوين قناعته في النزاع المعروض أمامه، وهكذا يلجا القاضي إلى الاستعانة بخبير أو أكثر في كل مسالة فنية أو علمية، لا يساعده تكوينه على التثبت منها ولا يتسع وقته لدراستها، فالقاضي مثلا لا يستطيع معرفة نسبة العاهة المستديمة التي حصلت للضحية بسبب الضرب الذي تعرض له، كما لا يمكنه ان يتعرف على السلع المغشوشة ولا نسبة الغش فيها وهكذا.
وتشعب الحياة وتطورها المستمر أديا إلى تكوين اختصاصات متعددة ومتنوعة، الشيء الذي يصعب معه على القاضي مهما أوتي من ثقافة واسعة ان يستغني عن الخبرة، لذلك فهو يلجا اليها في كل حالة مستعصية يتطلب حلها خبرة فنية، وذلك إما من تلقاء نفسه او بطلب من الخصوم، ومن المسائل التي تحتاج الى خبرة، تحليل الدم، تحقيق الخطوط، اجراء محاسبات، بيان البصمات، نوع الاسلحة المستعملة قي القتل او محاولته، بيان سبب الوفاة، مدى اهلية المتهم العقلية، وتاريخ اصابته بما ينقص من قواه العقلية، تقدير الخسارات التي تحدث بسبب الحريق او الاصطدام الخ .
وقد نظم المشرع المغربي الخبرة في قانون المسطرة المدنية في الفصول 171 الى 189 فقد نص الفصل 171 المذكور على انه " يجوز لكل هياة من هيئات التحقيق او الحكم، كلما عرضت مسالة فنية ان تامر بندب خبراء تلقائيا واما بطلب النيابة العامة او المترافعين" فالقاضي اذن سواء كان قاضي التحقيق او قاضي الحكم له ان يلجا الى الخبر في كل مسالة فنية او علمية وان يستعين فيها بخبير او خبراء مختصين، لكن ما الحكم اذا طلب احد الاطراف اجراء خبرة ورفض القاضي اجراءها ؟ من المسلم به ان القاضي هو كبير الخبراء في القضية المعروضة عليه، وانما يستعين بالخبير فقط، واذا راى ان اللجوء آلي الخبرة لا فائدة منه، كأن يكون الشي الذي طلب منه عرضه على خبير قد تلف آو تعفن آو تحلل آو راى ان طلب الخبرة لا يراد منه آلا التاخير والتماطل، فله رفض الطلب. لكن اذا كانت الخبرة تتعلق بمسالة فنية تشكل عنصرا مهما في القضية ويتعين عليه الاستجابة لطلب الخبرة وله رفضه، آلا ان قرار الرفض هذا يجب ان يكون معللا تعليلا كافيا والا كان معرضا للإلغاء.
كيفية اختيار الخبير
يختار الخبير من رئيس الخبراء المسجلين في اللائحة الخاصة او المقبول من طرف وزير العدل في نطاق كل محكمة للاستئناف، وتنشر هذه اللائحة في الجريدة الرسمية كل سنة مع الاشارة الى اختصاص كل خبير وعنوانه، وهؤلاء الخبراء يؤدون اليمين مرة واحدة عند قبولهم خبراء امام محكمة استئناف المحل الذي يباشرون فيه عملهم ولا يطالب الخبير المحلف بتجديد هذه اليمين الا في حالة التشطيب عليه من اللائحة وتسجيله من جديد. الا ان قانون المسطرة المدنية اجاز في الفقر ة الاخيرة من الفصل 172 لهيئات التحقيق وهيئات الحكم ان تختار بموجب قرار معلل باسباب خبراء ليسوا مقيدين في اللائحة المذكورة ويتعين على الخبير الذي لا يوجد اسمه في اللائحة ان يؤدي اليمين المنصوص عليها في الفصل 173 من قانون المسطرة الجنائية في كل مرة اراد ان يقوم فيها بخبرة ويحرر محضر بهذه اليمين يمضي عليه كل من القاضي وكاتب الضبط والخبير المعين، وينص في القرار القاضي بتعيين الخبير على بيان المهمة التي يقوم بها الخبير بدقة وتحديد الاجل الذي يتعين عليه فيه ان ينجز هذه الخبرة ويحدد مبلغ الاتعاب التي تدفع مسبقا والظرف الذي يدفعها ما لم تكن الخبرة مطلوبة من طرف النيابة العامة، او يامر به القاضي تلقائيا فتدفع من الخزينة العامة حسب التعريفة الرسمية، واذا كانت الخبرة تقع على اشياء قابلة للتغير او الاندثار فيمكن للمتهم او محاميه ان يختار خلال ثلاثة ايام التي تلي تبليغ هذا القرار اليه ان يطلب تعيين خبير مساعد لمؤازرة الخبير المعين، ولا يحق لقاضي التحقيق في هذه الحالة ان يرفض هذا الطلب، واذا تعدد المتهمون فيتفقون على خبير واحد، واذا تعارضت مصالحهم فلا يصح لهم اختيار اكثر من خبيرين اثنين، الفصل177 من قانون المسطرة الجنائية.
ويجب ان يختار الخبير المساعد من بين الخبراء المحلفين المسجلين في اللائحة ما عدا في حالة الضرورة، فيعين القاضي الخبير المختار على ان يؤدي اليمين امام القاضي الذي عينه.
ويجوز للخبير المعين ان يستعين بخبير اخر او بتقني أو أكثر على ان يؤدي هذا التقني اليمين المشار اليها اعلاه ويضع تقريره الى جانب تقرير الخبير المنتدب ولما ينتهي الخبير من المهمة المنوطة به يحرر بذلك تقريرا في عدة نسخ ويضعه في كتابة الضبط ثم يعرض على الاطراف لمناقشته.
قيمة الخبرة من حيث الإثبات
الخبرة كأية وسيلة من وسائل الاثبات تخضع لسلطة القاضي التقديرية فله ان ياخذ بها أولا. غير ان في حالة عدم الاخذ بها يجب ان يعلل حكمه تعليلا حكمه تعليلا كافيا مبينا فيه الاسباب التي جعلته لا يطمئن الى هذه الخبرة، ذلك ان رفض الخبرة يجب ان يستند على معلومات فنية دقيقة وصحيحة عملا بالقاعدة القائلة "الشيء الفني لا ينقض الا بشيء فني".
الا ان القاضي وان كان غير ملزم براي الخبير فانه ملزم في الحالات التي تحتاج الى خبرة فنية بالاخذ براي الخبير ولا يلغي الخبرة الاولى الا بالاعتماد على خبرة اخرى، وفي هذه الحالة يكون قد رجح خبرة على اخرى، ففي حالات تحديد العاهة المستديمة ومعرفة العضو الذي بتر او كسر هل لا زال يقوم بعمله او لا (الفصل 402 من القانون الجنائي) او تحديد نوع السلاح المستعمل في القتل او محاولته او فصيلة ونوع الدم الموجود على سكين وجد في حوزة المتهم، يكون ملزما بالاعتماد على الخبرة، واذا ما استند الى معلوماته الشخصية او رفض الخبرة لانها لا تتفق مع معلوماته الشخصية يكون حكمه معرضا للإلغاء.
وأعرض في ختام الخبرة بعض التطبيقات في القضاء المصري منقولة عن كتاب المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية جزء 2 ص 485 وما بعدها للدكتور رؤوف عبيد " حكم بان قيام طبيب اخر من قسم الطب الشرعي بتشريح الجثة غير رئيسه الذي ندبته المحكمة لا يؤثر في سلامة الحكم ما دام ان المحكمة قد اطمأنت الى عمله. وما دام الدليل موكولا اليها، لكن لا يصح تنفيذ راي الخبير الفني في مسالة فنية –مثل راي مدير مستشفى الامراض العقلية عن حالة احد شهود الاثبات او المتهم - شهادة الشهود والا تكون المحكمة قد اخلت بحق الدفاع واسست حكمها على اسباب لا تحمله" (12).
" وعلى العموم ان محكمة الموضوع هي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع ان تفصل فيه بنفسها او بالاستعانة بخبير يخضع رايه لتقديرها ما دامت المسالة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة بنفسها ان تشق طريقها لإبداء راي فيها" (13).
" وكذلك على المحكمة متى واجهت مسالة فنية ان تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغا الى غاية الامر فيها، وانه وان كان لها ان تستند في حكمها الى الحقائق العملية الثابتة، الا انه يحق لها ان تقتصر في تفنيد تلك المسالة الفنية على الاستناد الى ما استخلصه احد علماء الطب الشرعي في مؤلف له من مجرد راى عبر عنه بلفظ ( ربما) الذي يفيد الاحتمال، والا كان حكمها مما يتعين معه نقضه" (14).
" ندب خبير في الدعوى لا يسلب المحكمة حقها الطبيعي في تقدير وقائعها وما قام بينهما من ادلة الثبوت، سيما انها ترجح بين اقوال الخبراء المتعارضة.
وكذلك اذا قرر الخبير في دعوى تزوير انه لا يتيسر له لاسباب فنية معرفة محدث الكشط والتغيير، فان المحكمة ان تطمئن الى ان المتهم هو محدثهما ولا يعد ذلك قصور من الحكم ولا تناقض فيه" (15).

الشهـــادة
1- تعريف الشهادة : الشهادة تقرير حقيقة امر توصل الشاهد آلي معرفته بعينه (16) آو بإذنه، وهي من اهم وسال الاثبات في الميدان الجنائي واكثرها شيوعا وتؤدى امام قاضي التحقيق آو امام هيئة الحكم سواء في المرحلة الابتدائية والاستئنافية الا ان هناك فرق بين ادائها امام هيأة التحقيق او ادائها أمام هياة الحكم فهي امام هياة التحقيق تكون كجميع الاجراءات التي يقوم بها سرية، وتؤدى في غيبة المتهم، الا انه لقاضي التحقيق ان يقابل المتهم مع الشهود وبعد ادائهم شهاداتهم او يقابل شهودا مع بعضهم ( الفصل 118 من قانون المسطرة الجنائية) بينما تؤدى الشهادة امام المحكمة علنيا وبحضور المتهم الذي له مناقشة الشاهد بعد ادائه الشهادة وله التجريح فيه قبل ادائها.
2- يقوم قاضي التحقيق باستدعاء الشهود للاستماع اليهم تلقائيا متى راى في ذلك فائدة ( الفصل 109 من قانون المسطرة الجنائية ) بينما امام المحكمة يستدعون بطلب من النيابة العامة او المتهم او الطرف المدني ( الفصل 119 من نفس القانون ) الا انه ليس هناك ما يمنع المحكمة من استدعاء أي شخص تبين من اوراق الملف ان الاستماع اليه يؤدي الى الحقيقة ما عدا في الحالة المنصوص عليها في الفصل 320 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك عندما يكون الشاهد رئيس الوزارة او احد اعضاء الحكومة، ففي هذه الحالة اوجب الفصل المذكور ان يقدم تقرير من طرف وزير العدل الى المجلس الوزاري الذي يرخص للوزير في اداء شهادته، وفي هذه الحالة تؤدى الشهادة حسب الكيفيات العادية، واذا لم يرخص المجلس الوزاري او لم يطلب منه الحضور او لم ياذن به، فان الشهادة يتلقاها كتابة بمنزل الشاهد، الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف او قاض يعينه لهذه الغاية اذا كان الشاهد خارج مقر المحكمة.
واجبات الشهود :
1- الحضور
: يجب على كل شاهد توصل بالاستدعاء سواء امام قاضي التحقيق او المحكمة ان يحضر لاداء شهادته والا وقع تحت طائلة العقوبة المقررة في الفصلين 108 و319 من قانون المسطرة الجنائية، واذا رفض الشاهد الحضور فلقاضي التحقيق إرغامه عليه ولو بالقوة العمومية بناء على طلب وكيل الملك واذا امتنع من اداء الشهادة، بعد حضوره او لم يتمكن من استقدامه فله ان يحكم عليه بغرامة تتراوح ما بين 10 - 200 دهـ. غير ان الشاهد إذا اتى واعتذر وأدى شهادته فللقاضي ان يعفيه من اداء الغرامة ويطبق نفس الحكم امام المحكمة، غير ان هذا الحكم آو هذا الالتزام لا يطبق على اصحاب السر، أي الملزمين بالسر المهني وهم المذكورون في الفصل 446 من القانون الجنائي والذي ينص على ان "الاطباء والجراحين وملاحظي الصحة وكذلك الصيادلة والمولدات، وكل شخص يعتبر من الامناء على الاسرار بحكم مهنته آو وظيفته الدائمة والمؤقتة، اذا أفشى سرا أودع لديه وذلك في غير الاحوال التي يجيز له فيها القانون آو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر آلي ستة اشهر وغرامة من مائة وعشرين درهما آلي الف درهم"
" غير ان هؤلاء الاشخاص لا يعاقبون بالعقوبات المقررة في الفقرة السابقة اذا بلغوا عن إجهاض علموا به بسبب مهنتهم او وظيفتهم وان كانوا غير ملزمين بهذا التبليغ، واذا استدعوا للشهادة امام القضاء في قضية إجهاض فانهم احرار في الادلاء بها دون ان يتعرضوا لاية عقوبة".
من النص السابق يتبين ان اصحاب السر لا يلزمون باداء الشهادة عما توصلوا اليه بسبب أعمالهم او مهنتهم كالطبيب، اما المحامي الذي يعترف له المتهم بانه ارتكب جريمة من الجرائم طلب منه الدفاع عنه او رجل الدين الذي يلتجئ اليه المجرم معترفا له بما ارتكب طالبا منه كيفية التكفير عن ذنبه والرجوع الى الله، فهؤلاء الاشخاص معفون من اداء الشهادة ( فصل 325 من قانون المسطرة الجنائية) اما غير هاذين النوعين من اصحاب السر المهني فيمكن الاستماع اليهم في دائرة الشروط والحدود المرسومة لهم في القانون.
2- أداء اليمين وقول الحق :
كل شاهد استدعى للادلاء بشهادته امام قاضي التحقيق او امام المحكمة عليه ان يؤدي اليمين القانونية وهي المنصوص عليها في الفصل 116 من قانون المسطرة الجنائية وصيغتها هي " اقسم بالله العظيم على ان اشهد بدون حقد و لا خوف وعلى ان اقول الحق ولا اشهد الا بالحق" ويتبين من هذه الصيغة انها ذات طابع ديني يؤديها جميع الشهود، حتى ولو كانوا ملحدين ورفض أداء اليمين معناه رفض الشهادة، يطبق على من رفض اداء اليمين بعد حضوره الى المحكمة او لدى مكتب التحقيق الحكم المطلق على الممتنع من أداء الشهادة لان اليمين شرط في اداء الشهادة واعفاء الشاهد من اداء اليمين واخذ المحكمة بشهادته في تكوين قناعتها بدون اعتماد على قرائن اخرى او شهادة اخرى سلبا او ايجابا يكون موجبا لنقض الحكم المبني عليه ( الفصل 323 من قانون المسطرة الجنائية)، الا ان هناك بعض الاشخاص اعفاهم المشرع من اداء الشهادة وجعل الاستماع اليهم على سبيل الاستئناس فقط، وهم زوج المتهم وأصوله وفروعه والقاصرون الذين لم يبلغوا 16 سنة او المحكوم عليهم بعقوبة جنائية واداء اليمين من شاهد غير ملزم بها لا يبطل الحكم المبنى عليها "الفصل 324 من قانون المسطرة الجنائية" لان زيادة اليمين زيادة في الضمان.
ولكن هل يجوز للمحكمة التي اغفلت تكليف الشاهد باداء اليمين ثم تذكرتها بعد الأداء هل تكلفه باداء اليمين على ان ما قاله هو الصدق تلافيا للبطلان او تعيد الشهادة بعد اداء اليمين؟ على ان ما قاله هو الحق والصدق تلافيا للبطلان، آو تعيد الشهادة بعد اداء اليمين ؟ جرى القضاء المصري على ان اليمين يمكن ان يؤدى بعد اداء الشهادة تلافيا للبطلان، لكن قبل مغادرة الشاهد القاعة. اما في التشريع المغربي فاعتقد ان اليمين يجب ان يؤدى قبل الشهادة، والا كانت باطلة، كما تبين من الفصل 323 من قانون المسطرة الجنائية.
حقوق الشاهد
من حق كل شاهد حضر وأدى الشهادة المطلوبة منه ان يطالب باداء مصاريف التنقل الى المحكمة، وكذلك التعويض عن الحضور والمقام ان اقتضى الحال، وتؤدى هذه التعويضات حالا بعد ان تحدد من طرف قاضي التحقيق حسب التعريفة القانونية ( 120 من قانون المسطرة الجنائية)، وليس هناك ما يمنع من تطبيق احكام هذا الفصل امام قضاة الحكم ما دامت الغاية واحدة، لذلك يمكن ان نقول بان للشاهد او الشهود الذين حضروا الى المحكمة وأدوا الشهادة المطلوبة منهم ان يطالبوا باداء نفقة السفر والتنقل من القاضي الذي يحددها حسب التعريفة القانونية وتدفع من خزينة الدولة على ان تحسب من جملة مصاريف الدعوى التي يتحملها الطرف الخاسر للدعوى ما عدا ادارة المياه والغابات او النيابة العامة فتتحمل الخزينة العامة مصاريف الدعوى عنهما.
كيفية أداء الشهادة
تؤدى الشهادة امام قاضي التحقيق بصفة فردية وبدون حضور المتهم ولا المطالب بالحق المدني، غير انه –كما مر –لقاضي التحقيق ان يجري مقابلة بين المتهم والشاهد، وتسجل اقوال الشاهد في محضر، وفي نهاية الشهادة تتلى من طرف الكاتب على الشاهد الذي يوقع عليها بعد تلاوتها كما يوقع على كل ورقة من طرف قاضي التحقيق وكاتب الضبط، ويضع الشاهد بصمته اذا كان لا يحسن التوقيع مع الاشارة الى ذلك، واذا امتنع الشاهد من التوقيع يشار اليه ذلك في المحضر. ( الفصل 117 من قانون المسطرة الجنائية).
اما امام المحكمة فتؤدى كذلك بصفة فردية وبعدما يؤمر الشهود بالخروج من قاعة المحاكمة والابتعاد عن سماع استنطاق المتهم، وتؤدى الشهادة شفوية ولا يسمح للشاهد بتلاوة شهادته مكتوبة الا اذا أذن له الرئيس في ذلك، وكان الامر يتعلق ببعض الارقام او المعلومات (17) والتواريخ التي يتعذر عادة على الشخص استذكارها بسرعة ( الفصل 330 من قانون المسطرة الجنائية)، واذا كان الشاهد يتكلم لغة أجنبية او لهجة غير عربية يستعان بترجمان الذي عليه ان يؤدي اليمين المنصوص عليها في الفصل 114 من قانون المسطرة الجنائية وصيغتها " اقسم بالله العظيم وأعاهد على ان أترجم بوفاء ما سيقوله الاشخاص المتكلمون بلغات او السن متباينة وما سيتبادلونه من كلام".
لكن، هل يجوز الاستماع الى المطالب بالحق المدني او الضحية كشاهدين (19) : وهل يؤديان اليمين القانونية؟ الواقع ان المطالب بالحق المدني يستمع أتليه كطرف في الدعوى وبالتالي لا يؤدي اليمين كما لا يؤديها المتهم، لكن اذا اداها فان الحكم لا يكون معرضا للبطلان بسببها. آما الضحية والذي لم ينتصب مطالبا بالحق المدني، فيكمن الاستماع أتليه كشاهد بعد ادائه اليمين القانونية آلا ان شهادة الضحية تؤخذ بحذر وتعتبر قرينة فقط آلا ألانه عند عدم وجود أي مرجع لشهادة الضحية يؤخذ بانكار المتهم باعتباره هو الاصل.
الشهادة عند الضابطة القضائية
هل يعتبر تصريح الشهود لدى الضابطة القضائية شرطة اما دركا شهادة ؟
وهل ترقى آلي قيمة الشهادة ؟ الواقع ان لا.
لان الشهادة تؤدى امام القاضي وتسبق باليمين اما عند الضابطة القضائية فان اليمين لا تؤدى.
ولا تسأل الشاهد عن علاقته بالطرفين، لذلك فان تصريح المصرحين يعتبر تصريحا فقط وبالتالي فان الحكم الذي يعتمد على شهادة الشهود امام الضابطة القضائية بدون أية قرينة اخرى ومع تمسك المتهم بالانكار في جميع الاطوار حتى امام الضابطة القضائية يكون حكما باطلا لمخالفته للفصل 323 اعلاه.
من المبادئ العامة ان هناك صفات تتعارض مع صفة (20) شاهد وهكذا فان كلا من الخصم ووكيله والقاضي لا يمكن ان يكون شاهدا، وكذلك كاتب الضبط الذي يحضر الجلسة، كل هؤلاء تتعارض صفاتهم مع صفة شاهد، ولذلك لا يمكن ان يستمع الى المطالب بالحق المدني ومحاميه كشاهدين او لا الى ممثل النيابة العامة الذي يمثل الحق العام في جلسة ادرجت فيها قضية متهم كشاهد عليه، فانه يتخلى عن عمله كممثل للحق العام وكذلك محامي المتهم وهو محامي الطرف المدني الذي يجب عليه في هذه الحالة ان يتخلى عن مؤازرة موكله ليؤدي الشهادة ولا يستثنى من هذا الالتزام الا محامي المتهم والذي طلب منه ان يشهد ضد موكله فيما علمه منه بصفته هذه عملا بالفصل 325 من قانون المسطرة الجنائية، وكذلك القاضي المعروض عليه النزاع فانه يتخلى عن هذه القضية التي استدعي فيها كشاهد، وما ذلك الا ضمانا لحق الدفاع وحرصا على مصلحة المتهم لان الشخص كيفما كان يتأثر بمعلوماته الخاصة، والقاضي ممنوع من الحكم بمعلوماته الخاصة، ويستثنى من هذا المنع الاستماع الى ضباط الشرطة القضائية او اعضاء النيابة العامة بشرط الا يمثلوا الاتهام في نفس القضية او قضاة التحقيق شهودا في القضايا التي باشروا فيها أعمالا، وكذلك المجني عليه، لان هذا الاخير لا يعتبر خصما في الدعوى العمومية. ولان الاولين لا يصدرون الاحكام في القضية التي شهدوا فيها.
قيمة الشهادة الإثباتية:
كانت الشهادة وما زالت في الميدان الجنائي من اهم وسائل الاثبات وذلك لان المجرم غالبا وما ينكر ارتكابه للجريمة عملا بالقول المشهور " انكر ولو على حبل المشنقة" ويسعى بكل الوسائل لتبقى جريمته في طي الكتمان، لذلك فان جميع المشرعين بدون استثناء جعلوا الشهادة من اهم وسائل الاثبات في الحق الجنائي الا ان لها عيوبا منها امكان كذب الشهود سواء لصالح المتهم او ضده وتعرضهم للنسيان لطول المدة بين ارتكاب الجريمة واداء الشهادة، وقد تصل هذه المدة الى سنوات وخاصة ما بين ارتكاب الجريمة واداء الشهادة امام المحكمة، وقد حاول المشرع ان يخفف من احتمال كذب الشهود وذلك بالزامهم باداء اليمين قبل أداء الشهادة وبتصريحهم بنفي علاقة القرابة والعداوة مع المتهم والمطالب بالحق المدني وأعطى لكل طرف في الدعوى التجريح في الشهود، ولكن قبل اداء الشهادة لا بعدها، كما اوجب ان ينص في استدعاء الشهود على ان القانون يقضي بالمعاقبة على التخلف عن الحضور او الادلاء بشهادة الزور. ( الفصل 319 ق م ج) واعطى للقاضي الحق في ان يتلو على الشاهد قبل ادائه الشهادة المقتضيات القانونية القاضية بمعاقبة شاهد الزور (الفصل 323 ق م ج) وما ذلك منه الا لحمل الشاهد على اداء شهادته بصدق.
فاذا كانت هذه هي اهمية الشهادة فما قيمتها في الاثبات ؟
ان الشهادة باعتبارها وسيلة من وسائل الاثبات، تخضع لرقابة القاضي الذي له ان يفحصها وان يوازن بينها وبين بقية الادلة الاخرى وان يعرضها على المتهم الذي له كامل الحق في نقدها والادلاء بما يقلل من قيمتها الاثباتية آو يفقدها هذه القيمة ويمكنه أي القاضي ان يرجح شهادة واحد على شهادة شاهدين آو اكثر اذا تبين له ان شهادة الواحد اقرب آلي الواقع والمنطق وان هناك قرائن تؤيدها، وله ان ياخذ بشهادة الشاهد امام قاضي التحقيق ويطرح شهادة نفس الشخص امام المحكمة والعكس متى تبين له ان هذه اقرب آلي الواقع واصدق، وله ان يكون معفى من اداء اليمين - متى تبين له صدق شهادته ويطرح شهادة اشخاص في نفس الواقعة أدوا اليمين.
الا انه على القاضي ان يدخل في حسابه وقت تقدير قيمة الشهادة مدة الزمن الفاصل بين وقوع الجريمة وأداء شهادة وعمر الشاهد وأخلاقه ومدى ثقافته، ولا ياخذ بعين الاعتبار بعض الاختلافات البسيطة التي تحدث عادة بين الشهود او بين شهادة الشاهد الواحد امام قاضي التحقيق وامام المحكمة كلون لباس المتهم ولون حذائه او ماذا يجعل على راسه هذه الاشياء لا يمكن للانسان في الغالب ان يستوعبها اثر حادث خطير كالقتل مثلا، فان هذه الجريمة تجعل الشاهد يركز انتباهه في الغالب على الضحية بالدرجة الأولى، وتكوين قناعة قاضي الموضوع من الشهادة من وسائل الموضوع التي لا سلطة للمجلس الاعلى على مراقبتها، الا انه عندما يحدد القانون كيفية الشهادة فانه يتعين على القاضي اتباع الطريقة التي حددها القانون والا كان حكمه معرضا للنقض كإعفاء شخص غير معفى من اداء اليمين بصفة قانونية او طرح شهادة والاعتماد على شهادة أخرى في نفس القضية دون بيان الاسباب التي دعت القاضي للاعتماد على الاولى وترك الثانية.
الشهادة المكتوبة :
قلنا فيما سبق ان الشهادة تؤدى شفويا ولا يسمح الا بتلاوة بعض الارقام او التواريخ، وقلنا كذلك ان الشهادة التي تؤدى امام الضابطة القضائية لا ترقى الى قيمة الشهادة لانعدام اداء اليمين من طرف الشاهد.
اما الشهادة التي تؤدى امام قاضي التحقيق فانها تعد شهادة تامة اذا وقعت امام جهة قضائية، لان قاضي التحقيق يتحقق من عداوة او قرابة الشاهد مع الطرفين ويلزمه باداء اليمين، ولذلك فان المحكمة كثيرا ما تكتفي بتلاوة شهادة الشاهد او الشهود امام قاضي التحقيق وتناقش من طرف الاطراف اذا لم تتمكن المحكمة من الاستماع الى الشاهد اما لعدم حضوره او عدم العثور عليه في عنوانه.
كما تتلى شهادة رئيس الحكومة او احد اعضائها في حالة ما اذا لم ياذن المجلس الوزاري له في الحضور الى المحكمة او لم يطلب هذا الاذن، والتي يتلقاها منه كتابة الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف او قاضي معين من قبله لهذه الغاية " الفصل 320 من قانون المسطرة الجنائية"، وكذلك شهادة ممثل دولة اجنبية والتي تطلب منه بواسطة وزير الشؤون الخارجية، وتتلقى هذه الشهادة من طرف الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف او قاضي منتدب لهذه الغاية من طرفه ( الفصل 321 من قانون المسطرة الجنائية) وتناقش الشهادة المكتوبة بعد تلاوتها من طرف كاتب الضبط في الجلسة من طرف الخصوم، اما غير هذه الشهادات فانها يجب ان تؤدى شفويا في الجلسة.
للبحث بقية

الأستاذ توفيق عبد العزيز