هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مراسلة الادارة
من هنا

اذهب الى الأسفل
Boukhniaf
Boukhniaf

ذكر الجدي الماعز
مشآرڪآتي : 159
عُمرِـ?• : 56
نِقاط?• : 5969
تاريخ التسجيل : 24/08/2008
https://ffesj.yoo7.com

الأشغال التوجيهية:ضوابط الترجيح بين البينات Empty الأشغال التوجيهية:ضوابط الترجيح بين البينات

الإثنين 12 ديسمبر - 21:45
ضوابط الترجيح بين البينات في الفقه المالكي على ضوء المادة 3 من مدونة الحقوق العينية المغربية
-------------





قد يستشكل في كثير من الأحيان على القاضي العقاري الفصل في النزاع المعروض عليه نتيجة وجود تعارض بين حجج المتنازعين،مما يقتضي معه بالنسبة للقضائي ضرورة ترجيح إحدى تلك الحجج على غيرها والحكم بموجبها لصالح أحد طرفي النزاع.
والترجيح بين الحجج لا يكون إلا إذا تعذر الجمع بينها،لقول خليل:"وإن أمكن جمع بين البينتين جمع،وإلا رجح" إحداها على الأخرى في حالة تعذر الجمع بينها عن طريق المقارنة والمقابلة بين البينات المكتوبة،أو عن طريق الاستماع إلى شهود البينة .
ومن أجل مساعدة القاضي على القدرة على الترجيح بين البينات فقد استنبط فقهاء المذهب المالكي جملة من الضوابط حصرها أبو الشتاء الصنهاجي في "عشر مرجحات" .
هذه المرجحات هي التي نص عليها المشرع المغربي في المادة 3 من مدونة الحقوق العينية ،والتي سنعمل على بسط شرحها هنا في ضوء ما جرى به العمل من فقه الإمام مالك مع ملاءمتها مع التشريع المطبق أمام المحاكم المغربية في الوقت الراهن.
هذا،ولا يخفى على أحد ما لضوابط الترجيح بين البينات أو الحجج من أهمية قصوى تكمن بالأساس في قلب مراكز المتنازعين عندما يعجز أحدهما عن الإدلاء ببينة تثبت حق في المدعى فيه حتى ولو كان صاحب حق فعلا.
كما أن هذه الضوابط تساعد القاضي على تحقيق نوع من العدالة النسبية والفصل في النزاع بكل سهولة ـ إذا كان متقنا للصنعة ـ .وهذا ما قد يترتب عنه نوع من الإحساس لدى المواطنين بالأمن القانوني والقضائي.
وعليه فإن الإشكالية المتعلقة بهذا الموضوع تكمن في معرفة هذه المرجحات؟ وما مركزها في القانون المغربي؟ وكيف تعامل معها القضاء في بلادنا؟
من أجل الإجابة عن ذلك فقد حاولت جاهدا تأصيل الموضوع في ضوء أمهات كتب الفقه المالكي المتقدمة منها والمتأخرة،وخاصة تلك المتعلقة بالنوازل وشروح المنظومات الفقهية،دون إغفال القرارات الأحكام القضائية معتمدا في ذلك على كل من المنهج الإستقرائي والإستنباطي وكذا المنهج الوصفي.
وحيث إن ضوابط الترجيح بين البينات ـ وفق ما أسلفت ذكره ـ عشرة،مما يفرض البحث عن روابط بينها من أجل تصنيفها،وهو الشيء نفسه الذي قمت به هنا حيث جمعت تلك المتعلقة بموضوع البينة الشاهدة على الملك في (محور أول) وتلك المتعلقة بشكليات الوثيقة في (محور ثاني)في حين خصصت (المحور الثالث) لشرح الضوابط المتعلق بصفات الشاهد أو المشهود له.
المحور الأول:الضابط المتعلق بموضوع البينة الشاهدة على الملك.
في حالة تعارض البينات فإن الذي جرى به العمل في المغرب من مذهب الإمام مالك هو أن سبب الملك مقدم على عدم بيانه(أولا) وتقديم بينة الملك على بينة الحوز(ثانيا) وفي بعض الأحيان تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب (ثالثا).
أولا:ـ ذكر سبب الملك مقدم على عدم بيانه.
وتسمى في فقه الوثائق بالبينة الشاهدة على الملك المبينة لسبب التملك ،أو البينة التي شهدت ببيان وجه المدخل،كما لو وقع نزاع بين شخصين حول ملكية أرض فعرض هذا النزاع على المحكمة وأدلى كل واحد من المتنازعين بوثيقة تفيد أنه هو صاحب الأرض،إلا أن الوثيقة التي أدلى بها المدعي تضمنت سبب تملكه للأرض كما لو انتقلت إليه عن طريق الإرث أو اشتراها بموجب عقد بيع أو وُهِبت له من طرف شخص ،في حين خلت الوثيقة التي أدلى بها المدعى عليه من ذكر أي سبب للتملك فجاءت مطلقة عن ذلك.
فالقاضي ومن خلال تفحصه للوثيقتين والمقارنة بينهما سيرجح البينة التي شهدت بسبب التملك على التي شهدت بالملك المطلق،"لأن كل واحدة منهما قد شهدت بالملك لكن إحداهما قد زادت مبينة سببه؛فالتي ذكرت سبب الملك أرجح من التي لم تذكره" .
قال الشيخ خليل في مختصره:"وإن أمكن الجمع بين البينتين جمع،وإلا رجحن بسبب ملك " .
وجاء في المنظومة الزقاقية:
وبِأسبابِ ملكٍ رجَّحَنْ إن تعارُضُ && بدَا من شُهُودٍ وانتفى الجَمْعُ أوَّلا
وفي المعيار الجديد ذكر للمهدي الوزاني جواب عن نازلة ونصها أن "الحائز لبلاد مثلا يكفيه في جواب القائم(المدعي) عليه قوله:ملكي وحوزي،ولا يكلف ببيان سبب الملك ولا من أين صار له حتى يثبت القائم الاستحقاق كما يجب،فحينئذ يُكلف الحائز بالموجبات" .
كما أورد ابن سلمون أن :"من ادعى في شيء بيد غيره أنه ملكه فأنكر ذلك الذي بيده،فلا يكلف من أين صار له ذلك ولا بأي وجه تملكه،وعلى المدعي إثبات تملكه" .
هذه الأحكام الفقهية هي المكرسة في العمل القضائي المغربي من خلال حكم لمجلس الإستناف الشرعي حيث ورد فيه ما يلي:
"إن ما حكم به قاضي أحفير وسلمه قاضي وجدة من ترجيح بينة المدعي على بينة المدعى عليه لكونها بينت سبب الملك دون الأخرى اعتمادا على النصوص التي جلباها صواب يتعين تنفيذه" .
وجاء في قرار للمجلس الأعلى ـ سابقا ـ :"ترجح ملكية أحد أطراف دعوى الاستحقاق إذا تضمنت أصل المدخل وكانت ملكية خصمه خالية منه،لأن من المقرر في قواعد الفقه المالكي أنه إذا شهدت بينة بالملك مع بيان سبب التملك،وشهدت بينة الخصم بالملك دون بيان سبب التملك ترجح الأولى على الثانية" .
ثانيا:ـ تقديم بينة الملك على بينة الحوز.
نقدر هنا ثلاث حالات،تقديم بينة الملك على بينة الحوز من حيث الاصل(1)ثم الحالة التي تتساوى فيها البينتان(2)وكذا الحالة التي تكون فيها دعوى أحد المتنازعين مجردة عن بينة الملك(3).
1:ـ تقديم بينة الملك على بينية الحوز.
إذا تعارضت بينة الحوز مع البينة الشاهدة على الملك ،فإن هذه الأخيرة ترجح على البينة الأولى ،لأن الملك أخص من الحوز وأقوى منه،ولو كان تاريخ بينة الحوز متقدما ولعدم معارضة بينة الحوز بينة الملك،إذ لا يلزم من الحوز الملك ، ،ولأن الأعم لا يقدم على الأخص،وبينة الملك تشمل الحوز أيضا باعتباره شرطا من شروطها ،لقول خليل :"وصحة الملك بالتصرف ..."،ولقول صاحب الزقاقية:"وملك على حوز".وعن ابن فرحون قال:"إذا عرف أصل دخول الحائز في الملك مثل أن يكون دخوله بكراء أو عارية أو إعمار فهو محمول على ذلك ولا ينتفع بحيازته حتى يأتي بأمر محقق من شراء أو صدقة أو هبة أو نحو ذلك إلا أن يطول زمان ذلك جدا كخمسين سنة ويكون المقضي عليه قد أحدث بناء أو أغراسا بحضرة الطالب وهو ساكت من غير عذر فذلك قطع لحجته" .
فمن"المعلوم فقها أنه إذا ثبت الملك للمدعي فلا يصدق المدعى عليه في دعواه الملك والحوز والتصرف من غير حجة تعضد دعواه" .
ففي الحطاب نقلا عن ابن رشد ما نصه:
"إذا ثبت أصل الملك لغيره فلا بد من بيان سبب ملكه بأن يقول اشتريته منه أو وهبه لي أو تصدق به علي،أو يقول ورثته عن أبي أو عن فلان،ولا أدري بأي وجه تصير إلى الذي ورثته منه" .
"وتبعا لذلك،لو أرفق المدعي مقاله بما يفيد تملكه للعقار،وأدلى المدعى عليه برسم يثبت أنه يحوز العقار،فإن رسم الملكية يرجح على رسم الحيازة،إلا أذا أثبت الحائز أن حيازته دامت المدة المطلوبة،والقائم حاضر ساكت لا ينازع الحائز في الملك بلا مانع.فالحيازة في هذه الحالة تكون عاملة ولا يقوى أمامها رسم الملكية" .
جاء في أحد قرارات مجلس الإستئناف الشرعي الأعلى أن:"الحيازة المزعومة من المدعى عليه التي لم يبين الوجه المستند إليه فيها ولم يثبتها بموجب شرعي تام لا تفيد،ولا يبلغ المدعى عليه بدعواه حيث ثبتت الأصول المذكورة للمدعي بالحجج المتقدمة" .
ومن القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى في نفس الموضوع ما نصه:
"إن المدعي إذا أثبت ادعاءه بوثيقة الملك المستوفية الشروط المقررة فيها فقها،فإن المدعى عليه يلزم بيان وجه مدخله،فإذا ادعى الحيازة كان عليه إثباتها،فيثبت سائر شروط الملك من حوز،وطول مدة ونسبة وتصرف وعدم منازع حتى تقطع حيازته حجة القائمين عليه بدعوى الملك،في حين أن الطالب وإن تمسك بالحيازة،فإنه لم يُقِمْ بينة على هذه الحيازة التي يستحق بها الملك والتي من شأنها قطع حجة المطلوبين" .
وفي قرار مماثل صادر عن المجلس الأعلى أن:"حيازة الطاعنين غير عاملة،ففي اختصار اختصار الرهوني كلما علم الأصل لأحد لا تنفع الحائز فيه طول المدة.وقال في الارتفاق عن القاضي عبد الوهاب أن المدعي إذا أقام بينة كان أولى من اليد لرجحانها،لأن البينة تشهد بما تشهد به اليد،حيث أن اليد مبهمة والبينة مفسرة،وإنما يحكم لقوله صلى الله عليه وسلم :"البينة على المدعي"؛وفائدة ذلك أنه إذا أقامها حكم له بها،وقال ابن رشد مجرد الحيازة لا ينقل الملك عن المحوز اتفاقا..." .
وما تجب الإشارة إليه أنه لو "كان رسم الحيازة مجملا،أي يشهد شهوده بأن أمد الحيازة يزيد عن المدة المعتبرة شرعا،فهذا عيب في الرسم يجعل من المحكمة ترجح بينة الملك على بينة الحوز" .
2:ـ تساوي البينتين.
تساوي بينات الخصوم إما أن يمكن الجمع بينهما(أ) أو لا يمكن(ب).
أ:ـ إمكانية الجمع بين بينات الخصوم المتساوية.
نتصور هذه الحالة بالنسبة للمدعين الذين يدعون ملكا مطلقا أو بسبب واحد في يد شخص ثالث لا يدعيه لنفسه ولم يثبت له ملك من،وأقام كل منهما بينة له تعضد طلبه،وتعارضت البينتان وتعذر على القاضي ترجيح إحداهما على الأخرى،ففي هذه الحالة يعتبر العقار مشاعا بين المتنازعين طبقا لما نص عليه الفصل 961 من ق.ل.ع .وهو المقتضى الوارد في فقه مذهب الإمام مالك .
وحيث إن العقار محل نزاع قضائي بين الأطراف فإن القاضي سيلجأ تلقائيا إلى قسمته بينهم سواء كانت قسمة بتية أو كانت قسمة تصفية حتى ولو لم يطلبها أطراف التنزاع.وبهذا قضى المجلس الأعلى في أحد قرارته ،وهو المعبر عنه في قول الناظم ابن عاصم:
والشيء يدعيه شخصان معا &&& ولا يد ولا شهيد يدعي
يقسم ما بينهما بعد القسم &&& وذاك حكم في التساوي ملتزم
في بينات أو نكول أو يد &&& والقول قول ذي يد منفرد
وهو لمن أقام فيه البينة &&& وحالة الأعدل منهما بينة
فالعنى المستفاد من هذه الأبيات أن العقار "إذا ادعاه شخصان مثلا كل واحد منهما يدعي جميعه لنفسه وليس لكل واحد منهما يد عليه ولا شهادة تصدق دعواه،فإنه يقسم بينهما نصفين بعد اليمين" .

ب:ـ تساوي البينات وعدم إمكانية الجمع بينهما.
في حال تساوي البينتين بالملك وعدم إمكان الجمع بينهما،فالقاعدة أن الترجيح يقع باليد عند التعارض،مع توجيه اليمين على من تحت يده الملك،لقول خليل:"بيد إن لم ترجح بينة مقابلة" .
وفي المعيار الجديد للمهدي الوزاني أن:"العبرة باليد عند تكافؤ البينتين وتساقطهما" .وبه قضى المجلس الأعلى في قرار له ونصه:
"إن تعارض الحجتين موجب لسقوطهما معا،لا يقضى بسقوط البينتين إلا إذا تعادلتا وتعذر ترجيح إحداهما على الأخرى بوجه من وجوه الترجيح الشرعية" .
"قال ابن الحاجب:واليد مرجحة عند التساوي مع اليمين على المشهور .وإليه ذهب ابن عرفة بقوله:وإن تكافأت البينتان سقطتا وبقي الشيء بيد حائزه ويحلف" .
قال ابن شاس:يعني،إذا تعارضت البينتان،وتساويتا،فإنهما يسقطان ويبقى الشيء بيد حائزه،ترجيحا لليد على المشهور من مذهب مالك .
جاء في قرار للمجلس الأعلى:
"حيث يتجلى من تصفح الحكم المطعون فيه أن المحكمة اعتبرت حجة كل من المدعى والمدعى عليه متساويتان في الصحة وهذا الأمر يقتضي سقوطهما معا وعدم العمل بأي واحدة منهما لكن صنيع المحكمة وقد قضت للمدعي طبق دعواه يقتضي أخذ ما بحجته فكان عليها أن تعلل ذلك وتوضحه بما فيه الكفاية" .
وإذا كان المجلس الأعلى قد اعتبر أن كلتا الحجتين متساويتين وبالتالي وجب استبعادهما فإنه ضمنيا أقر بالحيازة للمدعى عليه الذي تحت يده الأشجار المتنازع في شأن ملكيتها.وهذا ما قضى به المجلس الأعلى في أحد قراراته مما جاء في منطوقه:
"لكن حيث إن القرار يجد أساسه في قاعدة : تعارض الحجتين موجب لسقوطهما وبقاء الشيء بيد حائزه.
وأن حيازة المدعى عليهم للمدعى فيه معترف بها من طرف المدعي ضمنيا بإقامته الدعوى عليهم بالتخلي عنه وأن غير الحائز للشيء لا يطالب بالتخلي عنه.
وأن القرار لم يقض باستحقاق المدعى فيه لطرف دون الآخر من المتنازعين وإنما طبقا للقاعدة القانونية المشار لها صدره. وهي تساقط الحجتين و بقاء المدعى فيه بيد حائزه لا على وجه الملك. مما كان معه ما بالسبب المستدل به غير جدير بالاعتبار" .
3:ـ تقديم بينة الحوز على الدعوى المجردة.
إذا وقع نزاع بين شخصين حول ملكية عقار وأدلى كل أحدهما ببينة مستوفية لشروط الحيازة المنصوص عليها في الفقه المالكي،في حين اكتفى الطرف الثاني بادعاء الملك دون أن يستند في ذلك على حجة تقوي طلبه.فالقاضي في هذه الحالة يقدم بينة الحوز على الدعوى المجردة عن بينة الملك أو مثلها.
قال الحطاب :"وأما مجرد دعوى الملك دون أن يدعي شيئا من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره" .
وجاء في حكم آخر ما يلي:
"وبعد تكليف المدعي بإثبات مدعاه وتأجيله شهرا،أحضره القاضي وأعذر له بأبقية لك حجة،فاعترف بألا حجة له وطلب اليمين بالله من المدعى عليهما بأن لا حق لمنوبيه فيهما فطلب المدعي عليهما من القاضي الإعذار لهما في اليمين فساعدهما وأجلهما لذلك ثلاثة أيام فأدليا بلفيف مستفسر تضمن الإشهاد بمعرفة شهوده لمحمد وعلال المذكورين معرفة العين والإسم والنسب وأنهما يملكان الفدانين المذكورين بشروط الملك الخمسة :اليد –التصرف-النسبة-عدم علم المنازع مدة تزيد عن 15 سنة من غير علم خروجهما عن ملكهما إلى أن ادعى عليهما المدعي.سندهم في ذلك المخالطة والمجاورة والإطلاع،وأعذر فيه المدعي...وبعد ذلك حكم القاضي بأن لا حق للمدعي فيما ادعاه لعدم إدلائه بما يثبت إدعاءه بعد الإعذار له بأبقيت لك حجة واعترافه بأن لا حجة له" .
كما صدر عن المجلس الأعلى قرار ورد في منطوقه ما يلي:
"لكن حيث إن الحيازة نفسها التي ارتكزت عليها المحكمة لم تكن ضرورية لقيام الحجة لأنه مادام لم يثبت أي حق لطالبي التحفيظ و لم يدلوا بأي سند صحيح فإن مجرد اليد كاف فأحرى إذا تعلق الأمر كما هو الحال في النازلة بتصرف طويل معترف بـه من لدن طالبي التحفيظ كما ورد في الحكم فتكون هذه الوسيلة كذلك غير مبنية على أساس" .
وعن ابن رشد قال:"قيل تتوجه اليمين على المدعى عليه،فإن نكل حلف المدعي ووجب الحق ،لأن يد المدعى عليه شاهدة له" .أي أن اليد بمثابة شاهد عرفي،وفي هذا المعنى صدر قرار للمجلس الأعلى ورد فيه ما يلي:
" و لما كان موضوع الدعوى ماليا فإنها تثبت بالشاهد واليمين مع الحيازة " .
ونص في قرار آخر جاء فيه:
"إن على من يدع استحقاق شيء أن يثبته ببينة تامة الشروط ولا يكلف الحائز بشيء بل يكفيه قوله حوزي وملكي إلى أن يثبت المدعى تملكه وحينئذ يطلب منه بيان وجه مدخله كما هو منصوص في التحفة وغيرها من دواوين الفقه فإن عجز المدعى عن الإثبات فليس له على المدعى عليه إلا اليمين على خلاف ما جاء في الوسيلة لأن الحيازة شاهد عرفي يحلف معه الحائز ويبقى الشيء بيده و هو ما سلكه الحكم المطعون فيه فيكون معللا تعليلا صحيحا على خلاف ما جاء في الوسيلة" .
ثالثا:ـ تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب.
"فمن له دار وتوفي عنها،فادعى ولده أنها لم تزل على ملك أبيه إلى الموت،وأقام على ذلك بينة.فادعت زوجته أنه أنها اشترتها منه،وأقامت على ذلك بينة،فتقدم بينتها،لأنها ناقلة وبينة الإبن مستصحبة" .أي تقدم البينة التي تثبت انتقال الملك عن أصله وترجح على التي تثبت بقاءه عليه."إذ لا تعارض فيهما لأن المستصحبة شهدت بنفي العلم بالخروج وذلك لا يقتضي عدم الخروج" .
قال خليل:"وبنقل على مستصحبة" .
وفي الزقاقية:"وبالنقل" .
وفي هذا الصدد قضى المجلس الأعلى في قرار ورد فيه ما يلي:
"إن الحجة الكتابية التي يعتمدها الخصم هي حجة مستصحبة ولفيف الشراء ناقلة ومن المقرر فقها عند تعارض الحجتين المذكورتين يتم تقديم الناقلة على المستصحبة،الأمر الذي كان معه الحكم المطعون فيه مرتكز على أساس ومعللا تعليلا وافيا،وبالتالي كان ما بهذا السبب لا يرتكز على أساس" .
وجاء في قرار آخر ما نصه:
"لكن حيث إن المدعى عليه أثبت حيازته لعقار النزاع وشراءه له من المدعي منذ عشرين سنة سلفت عن تاريخ لفيفي التصرف والشراء المشار لهم والذي يبين شهود الأخير مستندهم الخاص في الشراء المشهود به وهو الحضور والمعاينة ولم يطعن المدعى في اللفيفين بشيء كما لم يدل بأية حجة تثبت عارية المدعى ففيه للمدعى عليه.
وحيث إن شهادة اللفيف جرى العمل بقبولها في مثل هذا الموضوع لقول الزقاق في لاميته وكثرن بغير عدول وقول صاحب العمل الفاسي وقدره في الغالب اثنا عشر،والطعون الموجه للفيف الشراء زيادة على كونها مبهمة وغامضة لم تثر أمام محكمة الموضوع وأثيرت لأول مرة أمام المجس الأعلى فهي غير مقبولة يضاف إلى ذلك أن استفسار اللفيف هو من حق الخصم ولم يسبق للطالبين أن طلبوا باستفسار اللفيف المذكور.
وحيث إن الحجة الكتابية التي يعتمدها الخصم هي حجة مستصحبة ولفيف الشراء حجة ناقل، ومن المقرر فقها عند تعارض الحجتين المذكورتين تقديم الناقلة على المستصحبة الأمر الذي كان معه الحكم المطعون فيه مرتكز على أساس ومعللا تعليلا وافيا وبالتالي كان ما بهذا السبب لا يرتكز على أساس" .
وجاء في قرار آخر ما نصه:
"لكن حيث إن المدعى عليه أثبت حيازته لعقار النزاع وشراءه له من المدعي منذ عشرين سنة سلفت عن تاريخ لفيفي التصرف والشراء المشار لهم والذي يُبين شهود الأخير مستندهم الخاص في الشراء المشهود به وهو الحضور والمعاينة ولم يطعن المدعي في اللفيفين بشيء كما لم يدل بأية حجة تثبت عارية المدعى فيه للمدعى عليه.
وحيث إن شهادة اللفيف جرى العمل بقبولها في مثل هذا الموضوع لقول الزقاق في لاميته وكثرن بغير عدول وقول صاحب العمل الفاسي وقدره في الغالب اثنا عشر.
وحيث إن الحجة الكتابية التي يعتمدها الخصم هي حجة مستصحبة ولفيف الشراء حجة ناقلة ومن المقرر فقها عند تعارض الحجتين المذكورتين تقديم الناقلة على المستصحبة الأمر الذي كان معه الحكم المطعون فيه مرتكزا على أساس ومعللا تعليلا وافيا وبالتالي كان ما بهذا السبب لا يرتكز على أساس" .
المحور الثاني:الضابط المتعلق بشكليات الوثيقة.
إذا لم يتم الترجيح بين البينات بالنظر إلى موضوعها،فقد يتم الترجيح بينها من خلال تغليب إحداها على ألأخرى نظرا لاشتمالها على شروط شكلية لعبت دورا كبيرا في تقويتها قانونا.
وهكذا،قال الفقهاء بتقديم بينة الإثبات على بينة النفي(أولا)وتقديم البينة المؤرخة على البينة غير المؤرخة(ثانيا)وكذا البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا(ثالثا)ثم تقديم البينة المفصلة على البينة المجملة(رابعا).
أولا:ـ تقديم بينة الإثبات على بينة النفي.
كما لو اتفقت بينتان على وقوع الرهن على عقار غير محفظ لفائدة طرف أجنبي،فأثبتت إحدى البينتين أن العقار وقع تحـويـزه في حين عارضتها البينة الأخرى بعدم تحويـز العقـار،وحيث إنهما اتفقتا على واقعة الرهن لكنهما اختلفتا في وقع الحوز؛وفي هذه الحالة فإن البينة المثبتة للملك(الناقص) مقدمة على النافية له.
"ففي نوازل ابن سهل:أفتى أبو مروان بن مالك في هبة اختلف الشهود فيها فبعضهم شهد بحوزها وبعضهم شهد بأنها لم تحز بأن الشهادة بصحة الحوز أعمل لأن الشهادة بالحوز أثبتت الهبة بصحتها فكانت أولى من التي شهدت ببطلانها" .
كما أورد صاحب المعيار فتوى مؤداها أن "من أثبت شيئا أولى ممن نفاه،هذا الذي تقرر في مذهب مالك واصحابه وبه قال حذاقهم"،وعليه درج ناظم الزقاقية حيث قال:"و...الإثبات" .أي "فتقدم ـ البينة ـ المثبتة على النافية .
وفي هذا السياق قضت محكمة الاستئناف الشرعي الأعلى بأن:"شهادة اللفيف الشاهد بالغيبة غير عاملة لكونها نافية،ولأن شهادة حضوره بيد المدعى عليه مثبتة والمثبت مقدم على النافي" .
كما صدر عن المجلس الأعلى قرار جاء فيه:
"لكن حيث إن محكمة الموضوع أجابت عما أدلى به الطاعنون جوابا سليما حيث قالتت:إن إدلاء المستأنفين باللفيفية عدد 61 على عدم حيازة المستأنف عليها للأرض المذكورة لا يمكن أن يناقض حجة الصدقة خصوصا و أن محرريها شهدا بحيازتها لها كما بالرسم المذكور أي رسم الصدقة،الشيء الذي يجعله جاء وفقا لما في ابن عاصم:"وللمعنيين بالحوز تصح" لان الحوز في التبرعات يعتبر شرطا أساسيا لصحتها وأنه بالإضافة إلى ما ذكر فإن من الثابت فقها أن المثبت مقدم على النافي لأنه علم ما لم يعلمه الآخر الشيء الذي ينبغي معه استبعاد الرسم المذكور لما ذكر، فاتضح من ذلك أنه لا تعارض بين العدلية الشاهدة بالحوز معاينة وتطوفا وبين اللفيفية الشاهدة بنفيه لعدم تكافئها وبذلك يتعين الأخذ بالشهادة المثبتة للحوز لأن الأصل فيها الاستصحاب الذي هو في الشرع أصل من الأصول المتبعة و إنما يبطله ما يطرأ عليه من إحداث ناقلة عنه ثابت الحدوث مستحق الوقوع كما قال الشيخ خليل:"وبنقل على مستصحبة" ولا ناقل هنا أصلا" .
كما قضى المجلس الأعلى في قرار آخر استخلصت منه القاعدة التالية:
"حقا لقد صح ما عابه الطاعن أن المعتبر عند ترجيح حجة الإثبات على حجة النفي – هو إثبات الواقعة المتنازع فيها أو نفيها، وعليه فيما أن الواقعة المتنازع في شأنها بين طرفي النزاع هي وقوع القسمة التي يدفع بها الطاعن أو عدم وقوعها وهو ما يقول به المطعون ضده وبما أن كل واحد منهما قد أدلى بحجة لمحاولة تأييد إدعائه من إثبات الواقعة أو نفيها تكون حجة الطاعن التي تشهد بوقوع القسمة هي المثبتة" .
ثانيا:ـ تقديم البينة المؤرخة على البينة غير المؤرخة.
واضح أنه عند تعارض بينتان إحداهما ذكر فيها التاريخ في حين خلت الثانية من أي تاريخ يشهد بالملك لأحد المتنازعين أو يعارض ملكيته للشيء المتنازع فيه؛هنا تقدم البينة المؤرخة على غير المؤرخة أو المطلقة.
ففي مواهب الخلاف شرح لامية الزقاق إذا ذكر التاريخ في "إحدى البينتين فتقدم على التي لم تذكره.وقال ابن شاس:إن كانت إحدى البينتين مؤرخة قدمت المؤرخة على المطلقة.قال:وهو المعتمد" في المذهب.
ثالثا:ـ تقديم البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا.
تقديم البينة السابقة عن البينة اللآحقة ينصرف إثبات أن يد أحد المتنازعين أسبق من يد الآخر في التصرف في العقار (1)أو أن يكون تاريخ تحرير إحدى الوثيقتين أسبق من تاريخ تحرير الوثيقة الأخرى(2).
1:ـ إثبات إحدى الشهادتين أن وضع يد أحد المتنازعين على الملك سابق في التاريخ عن خصمه.
اتفقت فقهاء المذهب المالكي على أن إعمال هذا المرجح لا يكون إلا إذا ثبت "استمرار الملك لصاحبه لا فيما لا استمرار فيه،كما لو شهدت إحدى البينتان لزيد بأن الملك الفلاني لم يخرج عن ملكه من سنة خمسين إلى الآن،وشهدت بينة أخرى لعمرو باستمرار يده على الملك من سنة ستين وأنهم لا يعلمون خروجه عن ملكه إلى الآن،فإن القاضي يأخذ بالشهادة الأولى ويحكم بها لزيد،وتلغى الشهادة الثانية لأن الأولى أبعد تاريخا" ،"ولأن كلتا الوثيقتين تساقطتا فيما تعارضتا فيه من مدة ويبقى استصحاب الحال لذات التاريخ الأقدم فيما تبقى من المدة الزائدة خاليا من المعارض" .
وأورد المهدي الوزاني في نوازله جواب عن نازلة،ونصها:"إن أرخت البينتان،قضي بالأقدم" .
قال صاحب الزقاقية:
"والتاريخ أو سبقه".
وقال الناظم ابن عاصم:
وقدم التاريخ ترجيح قبل &&& ولو مع يد والعكس عن بعض نقل
وهذا الحكم هو المكرس في القضاء المغربي حيث ورد في حكم لمجلس الإستئناف الشرعي الأعلى ما نصه:"...تحقق بذلك المعارضة بين بينة بني الحسن وتعين المصير للترجيح حيث لا يمكن الجمع بينهما،وأن من المرجحات بين البينات قدم التاريخ إذ بينة بني الحسن شهدت بملكه للقطعة المذكورة منذ خمس وعشرين سنة وبينة المهدي شهدت بملكه لها مدة عشرة أعوام وستة أشهر.وبذلك كانت بينة بني الحسن أقدم تاريخا فتقدم على بينة بني المهدي وترجح عليها وتلغى بينته لقول الشيخ خليل عاطفا على ما به الترجيح:"أو تاريخ أو تقدم"قال الزرقاني:"فتقدم الشهادة السابقة على المتأخرة تاريخا وبذلك صح حكم القاضي بتقديم بينة المدعي الحسن على بينة المهدي وبتخليه عنها عن الأرض المتنازع فيها لابن الحسن مع يمينه،لما تقرر من أن من رجحت بينته على بينة خصمه لا بد من يمينه .
قال خليل:"وبيد إن لم ترجح بينة فيحلف"....وبذلك حكم القاضي حكما تاما" .
وفي قرار آخر صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه ما يلي:
"إن المحكمة من جهة أخرى قبلت تعرض السيد ناظر أحباس وزان اعتمادا على حجة عدد 1232 بدعوى أن شهودها يشهدون بأن أحباس وزان كانت تتصرف في البقعة محل النزاع منذ أربعين سنة سلفت مع العلم أنه بالرجوع إلى هذه الحجة نجد أنها حررت بتاريخ 24 دجنبر 1970 بينما الحجة عدد 228 التي استند عليها طالبوا التحفيظ حررت بتاريخ ماي 1956 وأن شهودها يشهدون لموروثهم بالتصرف في حياته مدة عشرين سنة ثم تركها لورثته طالبي التحفيظ الذين استمروا في التصرف فيها مدة عشر سنوات ولا يزالون يتصرفون فيها لحد الآن.وبمقارنة تاريخ الحجتين بعضهما ومدة التصرف فيهما نجد أن حجة طالبي التحفيظ أقدم من حجة أحباس وزان،كما أن مدة تصرف الأولين استمرت أربعة وأربعين سنة إلى تاريخ تحرير الحجة الأولى وهو أطول من تصرف أحباس وزان،الأمر الذي يجعل حجة طالبي التحفيظ طبقا للقواعد الفقهية أقدم من حجة المتعرض مما يجعل قرار المحكمة الذي عكس ذلك غير مرتكز على أساس ويتعين نقضه" .
ومعلوم أن العبرة هنا ليست بتاريخ تحرير الوثيقة أو الخطاب عليها من طرف القاضي أو تلقي الشهادة بل العبرة بتاريخ وضع اليد والسيطرة الفعلية على العقار محل النزاع.
كما أن "الترجيح بقدم التاريخ محله فيمن أثبت التملك لا مجرد الشراء فقط.أما إذا كان صاحب التاريخ القديم مجرد شراء فقط فحوز صاحب اليد المدعي للملك مقدم عليه لاسيما مع رسم الشراء والتملك،لأن رسوم الأشرية الخالية من الحوز لا تفيد الملك" .
2:ـ إثبات أن تاريخ تحرير إحدى الوثيقتين أقدم من الأخرى.
قد يقع النزاع بين شخصين حول ملكية عقار ولا مرجح باليد لأحدهما عن الآخر،غير أن كل واحد من المتنازعين يتوفر على وثيقة تثبت حقه على الملك محل النزاع.
ومن أجل الترجيح بين البينتين ـ لتعذر الجمع بينهما ـ نقدم البينة الأسبق تاريخا عن المتأخرة منهما.
قال الناظم ابن عاصم:
وقدم التاريخ ترجيح قبل &&& ..................
""أي إذا ذكرت إحدى البينتين التاريخ والأخرى لم تذكره أو ذكرته وكان متأخرا فإن الحجة الأقدم تاريخا تقدم على الحجة الأخرى.جاء في حاشية العلامة عبد القادر العراقي شارح التحفة لدى قول هذا الأخير:وقدم تاريخ ترجيح .... إلخ قال ابن عبد السلام:يعني أن البينتين إذا أُرِّخَتَا وكان تاريخ إحداهما أقدم رجحت بذلك القدم" .
وظاهر تقديمها ولو كان الشيء بيد الآخر وصرح به اللخمي ونصه:"وإن ورختا قضى بالأقدم وإن كانت الأخرى أعدل،وسواء كانت تحت يد أحدهما أو أيديهما أو يد ثالث أو لا يد عليها" ونحوه لابن يونس حيث ذهب إلى تقديم البينة ذات التاريخ الأقدم،ولا يكون ذلك إلا عندما لا يمكن الجمع بين البينتين.
وفي هذا الصدد قضى مجلس الإستئناف الشرعي الأعلى في حكم له جاء فيه:
"أنه بعد القيام بمقابلة بين عقود الأشرية من طرف القاضي:"تبين له أن البلدة المدعى عليها حمرية هي لدافيد خالصة بناء على مقتضى أشريته وأن لا حق فيها لجماعة الكريميطات،لأن شراءهم متأخر وأنه بعدما علم أن الشراء متقدم لم يبق محل البحث والتنظير،وبه حكم حكما تاما أثبته وأمضاه وأوجب العمل بمقتضاه" .
كما قضى المجلس الأعلى في قرار مماثل بأن:" الطاعن الذي أسس دعواه على شرائه المؤرخ سنة 1963 ، والمستأنف أسس استئنافه على شرائه المؤرخ سنة 1965 ، وكلا الطرفين اشتريا من
بائع واحد ، فإن المشتري الأول إذا كان شراؤه ينطبق على المدعى فيه يجعل شراء الثاني لا محل له لكونه اشترى ما لا يملكه البائع والحيازة لا تفيده " .
رابعا:ـ تقديم بينة التفصيل على بينة الإجمال.
إذا كانت الغاية من لجوء المتنازعين إلى القضاء هو حصول كل واحد من أطراف النزاع على حقه،فإن العدالة تقتضي أن يدلي كل طرف بحجة تثبت هذا الحق.
والحجة المعتبرة قانونا هي الحجة الواضحة وليس التي فيها لبس أو إبهام أو غموض،والتي يعبر عنها في فقه الوثائق بالبينة "المجملة".
فإذا تعارضت البينة المجملة مع المفصلة،قدمت هذه الأخيرة على الأولى .
ومن صور الإجمال الذي يعتري حجة أحد المتقاضين،الإجمال في عدم تحديد المشهود لهم في الوثيق(1)أو عدم بيان بيانا كافيا للشيء محل الشهادة(2) أو عدم تحديد مدة الحيازة(3).
1:ـ عدم تحديد المشهود لهم.
كثيرا ما يكتفي شهود اللفيف أمام العدلين بالتصريح بأنهم يعرفون أن الأرض الفلانية ذات الحدود كذا والتي مساحتها كذا،هي لمستغليها أولاد فلان دون أن يحددوا عددهم أو أسماءهم ربما لجهلهم بهم .
وفي هذه الحالة إذا نازع الغير المشهود لهم في ملكية الارض وأدلوا ببينة مفصلة تثبت حقهم في الملك،فإن البينة المفصلة تقدم على المجملة.وفي هذا الصدد قضت محكمة الإستئناف في حكم صادر عنها ونصه:
"فاختلاف الرسوم المذكورة،واضطرابها،إذ التلقية المؤرخة في 23 صفر عام 1326هـ لم تحصر العصبة ولم تبين والد "المولات" .
وفي حكم آخر جاء فيه:
"إن حكم القاضي الإستئنافي باطل وحظه من الصواب غير قائم عاطل،لأن الدعوى ساقطة من أصلها لكونها لعدد كثير من قبائل شتى تستحيل معرفتهم عينا واسما ونسبا،فهي في غاية الإجمال وهو مضر في الشهادة قطعا،والدعوى مثل الشهادة،ولكونها بأرض جازف شهودها في تحديدها بجهات مجهولة،زيادة على مخالفة حدودها لحدود المقال.
لذلك حكم بإلغاء الحكم المذكور لكونه في غير محله،وإبقاء البلد في يد حائزها" .
2:ـ الإجمال في الشيء موضوع الدعوى.
من العيوب التي قد يتضمنها مقال الدعوى أن يكتفي المدعي بالمطالبة باستحقاق الأرض دون أن يحدد مثلا حدودها ومساحتها،وفي هذه الحالة إذا تعارض مع بينة أخرى في نفس الموضوع لكنها شاملة لجميع شروط الدعوى من حيث الموضوع،فإن هذه الأخيرة ترجح على التي اكتفى فيها صاحبها بالقول إن الأرض كذا ملكي دون تحديد.
وكمثال على ما يعضد كلامنا نسوق حكم لمجلس الإستئناف الشرعي الأعلى الذي ورد فيه أنه:"وبعد أن اطلع المجلس على ذلك كله وعلى الحكم الصادر في شأنها،وأمعن النظر فيه:تبين لسيادة وزير العدل،وقطب الدائرة العلمية بالأيالة الشريفة للشيخ شعيب الدكالي:أن الدعوى المذكورة لا تستحق جوابا لما فيها من الإجمال وعدم بيان الحدود في العقار وتسميته،إذ لا يلزم الجواب عن الدعوى في العقار إلا بعد بيانه وبيان حدده.
كما أن الجواب في غاية الإجمال،وتقييده مختل،ولم يبين ما حازه بوشعيب هل من قبيل الشركة،أو من قبيل ميراث والدهما؟وما هو هذا الحوز؟ولم يطابق جوابه الدعوى،هل كان بينهما شركة أم لا؟وقد أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز القضاء بما فيه إشكال وإبهام لما في الزقاقية من قولها:"وإن كان مجملا" .
كما قضى المجلس الأعلى في قرار له ورد فيه:".. و ذلك موجب لسقوط دعواه و من كونه ذكر أنه يطلب واجبه دون بيان لقدره والحكم صدر له بالتخلي له عن واجبه قبل أن يعرف قدره ومن كون الحكم صدر بإلغاء الحكم الابتدائي بالنسبة لواجب سعيد وعمر دون بيان قدر واجبهما الخ" .
فإذا وقع إجمال في بينة أحد المتنازعين استفسر القاضي شهودها رفعا للإبهام والغموض،لقول صاحب الزقاقية:
"كلام يبين كالتمام لناقص &&& وتفسير إبهام أو لفظ أشكلا
فيوضح واتأمر بتقييد غامض&&& لتسال عنه أو لأن تتأملا
ومن هذين البيتين إذا كان في كلام المدعي أو المدعى عليه إجمال،فلا بد من إيضاحه،أو نقض فلا بد من إتمامه.
ونقل عن ابن سهل ما نصه:فإذا صحت الدعوى سأل المطلوب عنها،فإن أقر أو أنكر نظر في ذلك لما يجب،وإن أبهم جوابه أمر بتفسيره حتى يرتفع الإشكال،وقيد ذلك كله عنها في كتابه"
وقال في البهجة:وتعيين الأرض ونحوها بذكر حدودها،ولو سقط ذلك من لفظه ولم يجبر المطلوب على جوابه ولو سقط ذلك من الشهادة لم يقبض بها إلا إن شهد بالحدود غيرهم...إلخ .
3:ـ عدم تحديد مدة الحيازة.
"إذا تنازع شخصان حول ملكية عقار،وأدلى المدعي ببينة تشهد بأن المدعى فيه ملك له منذ أكثر من عشر سنين،وشهدت بينة المدعى عليه بحوزه مدة عشرين سنة،فالأولى تعتبر مجملة،والثانية المفصلة،فترجح الثانية على الأولى" .
وفي هذا الصدد قضى المجلس الأعلى في قرار له جاء فيه:
"لكن حيث إن قواعد فقه الوثيقة تقتضي أن لا تقبل الشهادة إذا كانت مجملة في بيان مدة الحيازة المشهود بها في رسم استمرار الملك،إذ أن أمد الحيازة الشرعية تارة يكون عشرة أشهر وتارة عشرة أعوام وقد تزيد المدة باعتبار كون الحائز شريكا أو قريبا على تفصيلات واردة في كتب الفقه" .
المحور الثالث:الضابط المتعلق بصفات الشاهد أو المشهود له.
من المرجحات كذلك في فقه الوثائق أن العبرة بزيادة عدالة الشهود لا بعددهم(أولا) وبعدد الشهود على شهادة الواحد عند التساوي في العدالة (ثانيا) بالإضافة إلى تقديم بينة الأصالة على خلافها أو ضدها (ثالثا).
أولا:ـ زيادة العدالة والعبرة ليست بالعدد.
إذا تعارضت بينتان لشهود مختلفون،وكان شهود إحدى البينتين عدولا معروفين بالورع والصلاح والتقوى وكان شهود البينة الثانية مستوري الحال لكن عددهم أكثر من شهود البينة الأولى،فإن المشهور من مذهب الإمام مالك أن يتم الترجيح بزيادة العدالة دون الكثرة ،حتى ولو كان الشاهد واحدا لكن يلزمه "اليمين في المال وما يؤول إليه" .
إن الغاية من تبني مرجح زيادة العدالة لما فيه من ضمانة أكثر "لقطع النزاع،ولأن كلا الخصمين يمكنه من زيادة العدد في الشهود،ولا يمكنه مزيد العدالة" "فقد يتعذر على أحد الخصمين إشهاد من هو أكثر عدالة من غيره،ووجود من هو أكثر عدالة في إحدى البينتين يبعث في النفس طمأنينة شهادتهما أكثر مما تبعثه شهادة البينة الأخرى ،ولكن هذا مقيد بما إذا لم تبلغ الكثرة حد التواتر،وأما إذا بلغت هذا الحد،فإنها تقدم حينئذ على الشاهدين ولو كانا أكثر عدالة،لأن التواتر يفيد العلم،وشهادة العدلين تفيد الظن فقط" .
قال خليل:"وبمزيد عدالة لا عدد" .
وقال ناظم الزقاقية:"وزيد عدالة" .
وجاء في حكم صادر عن مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى ما يلي:
"ترجيح بينة الشراء المتضمنة لحضور البائع لكونها بعدلين على بينة الغيبة باللفيف" .
ثانيا:ـ تقديم بينة الأصالة على خلافها أو ضدها.
من البينات التي تتعارض مع أضدادها أو قد تقع بخلاف أصلها،البينة التي شهدت بأن فلان أوصى وهو صحيح في قواه العقلية وأخرى شهدت بأن الواقعة القانونية وقعت وهو في حالة مرض،فتقدم بينة الصحة لأنها هي الأصل في الإنسان؛فكل واحد يولد صحيحا إلى أن يثبت العكس.
فعن ابن عرفة قال:"إذا شهدت بينة بأنه تبرع في حالة الصحة والأخرى في مرضه المخوف،قدمت بينة الصحة،ويكون التبرع نافذا إن حيز" .
ففي مواهب الخلاف شرح لامية الزقاق عند قولها:"أو ما قد أصلا" ،أن "قوما شهدوا على امرأة أنها أوصت بكذا وكذا في مرضها وهي صحيحة العقل،وشهد آخرون أنها كانت موسوسة ، "فإن العبرة هنا بشهادة"الذين شهدوا في الوصية وهي صحيحة العقل وتطرح شهادة الذين شهدوا أنها موسوسة" .
فمن كان بينه وبين غيره نزاع معروض على المحكمة وادعى أن خصمه مريض،أو هو نفسه كان أو لا يزال مريضا بغية إبطال حق الطرف الآخر،فعليه أن يطلب من المحكمة أن تصدر في هذا الشأن حكما تمهيديا بإجراء خبرة طبية سواء كان مدعيا أو مدعى عليه.وهذا الحكم هو المكرس في القضاء المغربي حيث جاء أحد قرارات المجلس الأعلى أن:"مجرد إقامة لفيف لإثبات أن البائع مريض لا تأثير له مادام البائع قد صادق على توقيعه بالعقد، ولم يثبت أنه كان مريضا مرضا يفقده الإدراك أثناء البيع".
"كما تقدم بينة السفه على الرشد ،وبينة الإكراه على الطوع،وبينة اليسر على خلافها لأنه ما يغلب على الناس الكسب وإن كان الأصل هو الفقر،لأن بينة العسر تشهد بنفي العلم وتعتمد على قرائن ضعيفة" .وبهذا الحكم أخذ المجلس الأعلى حيث نص في قرار له جاء فيه:
" بالنسبة للدفع المتعلق بعدم توفر البنت المشترية على مال يسمح لها بالشراء فتجدر الإشارة إلى أن الأصل في الإنسان الملاء وهذا المبدأ لا سبيل لتهديمه بمجرد إثارة هذا الدفع بل لابد لمن يهمه ذلك أن يثبت العكس وإلا بقي الدفع عاريا عن ما يؤيده" .
ثالثا:ـ تقديم تعدد الشهادة على شهادة الواحد.
الأمر هنا يقتضي التمييز بين شهادة شاهدين في مقابل شهادة رجل واحد(1)وبين الحالة التي توجد فيها امرأتان إلى جانب الشاهد الذكر(2).
1:ـ "تقدم شهادة الشاهدين فأكثر على شهادة الواحد مع يمينه حتى ولو كان أعدل زمانه" .
أقول إن ما ذهب إليه المالكية هنا يتعارض مع المرجح الثالث الذي يعتبر أن العبرة بزيادة العدالة وليس بكثرة عدد الشهود؛وفي تقديري فإن التقديم هنا يكون على أصله عند تساوي الشهود في العدالة،أما إذا زيدت عدالة أحد الطرفين فإننا نركن إلى المرجح الثالث السالف ذكره.
2:ـ "تقديم شهادة الرجل وامرأتان على شهادة رجل واحد ،لقوله تعالى:"فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان" .
يذهب الكثير من الفقهاء المتقدمين والباحثين المحدثين إلى إيراد استثناء على هذه المسألة بحيث يرون أنه إذا كان الشاهد الذي مع المرأتبن أعدل فإنه يقدم على الشاهدين الذكرين؛والحال أن ما ذهبوا إليه ليس فيه أي استثناء،لأن الشاهد هنا موسوم بزيادة العدالة لذلك يطبق الضابط الثالث الذي يقضي بأن العبرة بزيادة العدالة وليس بالعدد.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى