بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم ان الالتزام يقبل الانتقال والذي يعني تحويل الحق من دائن لاخر او تحويل الدين من مدين لاخر , و انتقال الالتزام يشمل الحلول والانابة والحوالة والتي تنقسم الى حوالة الحق وحوالة الدين :فحوالة الحق تعرف بانها اتفاق بين الدائن وشخص اخر ويقصد به نقل حق الدائن الى هذا الشخص ويسمى الدائن المحيل ويسمى الشخص الاخر المحال له .اما حوالة الدين فيقصد بها تحويل دين المدين الى مدين اخر حيث يتغير المدين دون الدائن .
وللموضوع اهمية كبرى في الحياة العملية تكمن في كون تغيير الدائن يهم المدين فقد يتحول الحق من دائن متفهم الى اخر لحوح ,كما ان تغيير المدين يهم الدائن فقد يتحول الدين من مدين موسر الى اخر معسر .
هذا وقد نص الفصل 189من قانون الالتزامات والعقود على انه "يجوز انتقال الحقوق والديون من دائن الدائن الاصلي الى شخص اخر ,اما بمقتضى القانون واما بمقتضى اتفاق المتعاقدين "ويعد انتقال الالتزام حديث النشاة نسبيا ذلك ان التشريعات القديمة والقانون الروماني وان كانا استساغا انتقال الالتزام الى الوارث بسبب الموت فهما لم يعرفا انتقال الالتزامات فيما بين الاحياء .
والملاحظ ان نص الفصل 189من قانون الالتزامات والعقود لم يذكر حوالة الدين ,فالمشرع المغربي على غرار المشرع الفرنسي لم يتناول بالبحث حوالة الدين لذلك ساتجاوزها وستفرد حوالة الحق بالدراسة .
اذن فما مصادر الحوالة وما شروط انعقادها و شروط نفاذها وما هي الاثار المترتبة عنها .
ذلك ما ساحاول الاجابة عنه من خلال الحديث عن مصادر الحوالة في "مبحث اول " ثم عن شروط انعقادها في "مبحث ثان" وذلك قبل الحديث عن نفاذها في "مبحث ثالث" و الاثار المترتبة عنها في "مبحث رابع"
المبحث الاول :مصادر الحوالة
يجوز انتقال الحقوق والديون من الدائن الاصلي الى شخص اخر ,اما بمقتضى القانون واما بمقتضى اتفاق المتعاقدين وعليه يتضح ان للحوالة مصدرين اثنين هما القانون والاتفاق
المطلب الاول :القانون
تطرق القانون لمجموعة من الحالات التي تنتقل بموجبها الالتزامات نذكر منها :
انتقال الحقوق من الشخص المتوفى الى ورثته
انتقال الحقوق والالتزامات المتعلقة بالتركة من الوارث الى المحال له
انتقال حق المستاجر المتنازل عن ايجاره للغير ما لم يكن العقد يمنع ذلك
انتقال الحقوق الناتجة عن الكراء القائم الى المالك الجديد للشئ الماجور
انتقال حقوق المضرور للدولة في حالة ما اذا حكم عليها بالتعويض بوصفها مسؤولة عن الموظفين العموميين
وهذا هي الحالات التي نص القانون عليها كمصدر للحوالة فماذا عن الاتفاق
المطلب الثاني الاتفاق
ان الحوالة قد تنتقل ايضا بموجب الاتفاق وقد نظمها المشرع في الفصول من 189 الى 208 من قانون الالتزامات والعقود ومثالها ان يتفق الدائن مع الغير على ان يحول له حقا في ذمة المدين فيحل الغير محل الدائن في هذا الحق ويسمى الدائن في هذه الحالة محيلا ويسمى الغير وهو الدائن الجديد محالا له ,اما المدين فيسمى محالا عليه
و بعد توضيح مصادر الحوالة انتقل للحديث عن شروط انعقادها
المبحث الثاني :شروط الحوالة
الاصل ان الحوالة تخضع للمبادئ العامة للتعاقد "المطلب الاول" اضافة الى وجود شروط خاصة يجب توفرها في محل الحوالة وسببها "المطلب الثاني "
المطلب الاول :الشروط العامة لانعقاد الحوالة بين اطراف الالتزام
القاعدة الاصلية ان الحوالة تخضع للمبادئ العامة للتعاقد سواء من حيث الاركان "الفقرة الاولى" او من حيث الاثبات "الفقرة الثانية"
الفقرة الاولى :من حيث الاركان
الاصل في حوالة الحق انه يكفي لانعقادها توافر اركان العقد بوجه عام بمعنى ان يحصل تراضي المحيل والمحال له ,و ان يكون محل الحوالة مشروعا ,و ان يكون السبب الذي تحمل عليه الحوالة غير مخالف للقانون و للنظام العام و الاداب ,وهذا ما اشارت اليه المادة 194 من قانون الاتزامات والعقود بقولها ان "الحوالة التعاقدية لدين او لحق او لدعوى تصير تامة برضى الطرفين ,ويحل المحال له محل المحيل في حقوقه ابتداء من وقت هذا التراضي"
الفقرة الثانية :من حيث الاثبات
بالرجوع الى المادة 443 من قانون الالتزامات والعقود نجد ان الدائن اذا حول حقه الذي تزيد قيمته عن عشرة الاف درهم فان المحيل لا يستطيع اثبات التزام المحال له ولا المحال له يستطيع اثبات التزام المحيل بنقل هذا الحق الا بالكتابة و لا يجوز اثباته بشهادة الشهود.
وكما اسلفنا الذكر انه كما هناك شروط عامة للحوالة هناك ايضا شروط خاصة .
المطلب الثاني :الشروط الخاصة للحوالة بين اطراف الالتزام
نميز في الشروط الخاصة للحوالة بين شروط من حيث المحل "الفقرة الاولى" واخرى من حيث السبب"الفقرة الثانية"
الفقرة الاولى :من حيث المحل
بداية نشير الى ان كل حق شخصي يصلح ان يكون محلا للحوالة به من دائنه الاصلي الى دائن جديد ,للاشارة فان الحق العيني يتبع في نقله من صاحبه الى الغير احكام تختلف عن الاحكام التي تطبق عن الاحكام التي تطبق في حوالة الحقوق الشخصية :فالعقارات المحفظة تنتقل بتسجيلها في السجل العقاري والمنقول ينتقل بالحيازة ,وقد يكون محل الحوالة مبلغا من النقود او شيئا معينا او قياما بعمل او امتناعا عن عمل ,ويستوي فيه ان يكون حقا منجزا او مربوطا باجل او معلقا على شرط .الا انه هناك مجموعة من الحقوق لا تصلح ان تكون محلا للحوالة وهي كالتالي :
الحقوق المحتملة او الحقوق المستقبلة ,فقد نصت المادة 190 من قانون الالتزامات والعقود على انه لا يجوز ان يرد الانتقال على الحقوق المتحملة ,ويقصد بها الحقوق التي لا وجود قانوني لها في الحال.
الحقوق التي تمنع حوالتها بمقتضى سند انشائها او بمقتضى القانون :لقد نصت المادة 191 على ان الحوالة تبطل "اذا كان الدين او الحق غير ممكن تحويله بمقتضى سند انشائه او بمقتضى القانون".الحقوق التي تتسم بطابع شخصي محض وهي التي ترتبط بشخض الدائن حيث يتمتع بهذا الحق على وجه التخصيص مثل حق الانتفاع في وقف من الاوقاف الخاصة .
الحقوق التي لا تقبل الحجز او التعرض :فالحوالة تبطل اذا كان محلها لا يقبل الحجز او التعرض مثل النفقة والحد الادنى من الاجور لحاجة اصحابها اليها .
الفقرة الثانية :من حيث السبب
تبطل الحوالة اذا كان الهدف منها ابعاد المدين عن المحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها موطنه الاصلي بحيث يقدم الدائن على حوالة حقه الى شخص يقطن في غير دائرة المدين ,فالسبب في هذه الحالة غير مشروع.
بعد ان تناولت بالدراسة الشروط العامة والخاصة لانعقاد الحوالة بين اطراف الالتزام انتقل للحديث عن نفاذها .
المبحث الثالث :نفاذ الحوالة
مر معنا ان الحوالة تنعقد بالتراضي بين المتعاقدين (المحيل والمحال له) ولكن لكي تتعدى اثارها حلقة المتعاقدين لا بد من شهر الحوالة واحاطة المدين علما بوقوعها وهذا هو الاصل على ان له بعض الاستثناءات بحيث تصبح الحوالة نافذة بمجرد انعقادها وساتحدث تباعا الاصل "المطلب الاول" ثم الاستثناء "المطلب الثاني"
المطلب الاول :القاعدة العامة وجوب اعلان المدين بالحوالة او قبوله بها
نصت المادة 195 من قانون الالتزامات والعقود على انه "لا ينتقل الحق للمحال له به تجاه المدين والغير الا بتبليغ الحوالة للمدين تبليغا رسميا او بقبوله اياها في محرر ثابت التاريخ ...."وعليه ما دامت الحوالة لم تبلغ الى المدين بصورة رسمية او لم يقبل بها في محرر ثابت التاريخ فانها تبقى مجردة عن اي اثر في حق المدين وفي مواجهة الغير وتكون حقوق المحال له مهددة بالضياع .
المطلب الثاني :الحالات الاستثنائية الواردة على القاعدة الاصلية
خلافا للاصل الذي سلف ذكره توجد حالات تكون الحوالة فيها نافذة اتجاه الغير بمجرد انعقادها وهي كالتالي :
حالة حوالة حقوق في تركة الى الغير فبمجرد انتقال هذه الحوالة تنتقل الحقوق والالتزامات المتعلقة بالتركة بقوة القانون الى المحال له .
حالة حوالة عقود كراء العقارات او اكريتها او الايرادات الدورية المترتبة عليها فهذه الحوالة لا تكون سارية اتجاه الغير الا اذا وردت في محرر ثابت التاريخ واذا كان العقار محفظا لا بد من قيده في السجل العقاري .
ويترتب عن نفاذ الحوالة جملة من الاثار وهي كالتالي :
المبحث الرابع :اثار الحوالة
الحوالة تنقل مبدئيا الى المحال له نفس الحق الذي كان يتمتع به المحيل ثم انها اذا كانت بعوض ترتب الضمان على المحيل ازاء المحال له وقد ترد الحوالة على جزء من الدين .
المطلب الاول :انتقال الحق من المحيل الى المحال له
تنقل الحوالة من المحيل الى المحال له نفس الحق الذي كان يتمتع به المحيل فالحق ينتقل الى المحال له بقيمته حتى لو كان المحال له دفع فيه للمحيل ثمنا اقل كما في في الغالب وينتقل باوصافه سواء اكان مدنيا او تجاريا او موقوفا على شرط او مقرونا باجل ...
كما ينتقل مع توابعه وتكاليفه والتزاماته كان يكون للدين المحال به امتيازا ما يجعله متقدما على سائر الديون المترتبة في ذمة المحال عليه ,وفي حال كان الحق المحال به باطلا او قابلا للابطال فان الحوالة تشمل دعاوى البطلان و الابطال ,واذا كان الدين ينتج فوائد ينتقل اصلا وفائدة .
المطلب الثاني :ضمان الدائن المحيل
ضمان المحيل افعاله الشخصية : فالمحيل يضمن للمحال له جميع ما يصدر عنه بعد الحوالة من افعال قد تنقص من ذمة المدين كان يقدم المحيل الى استيفاء كل او بعض الحق من هذا المدين ,وبالتالي تترتب عليه المسؤولية ويكون للمحال له الرجوع عليه بالضمان .
ضمان المحيل كونه دائنا :فالمحيل يضمن كونه دائنا كما يضمن وجود الدين وحقه في التصرف فيه .
ضمان المحيل يسار المدين :لا يكون مبدئيا الا باتفاق خاص غير ان المشرع المغربي اعتبر المحيل ضامنا يسار المدين .
المطلب الثالث :الاثر الواقعة على جزء من الدين
المبدا اشتراك المحيل والمحال له في الحق المحال به :فاذا حول الدائن او صاحب الحق جزءا من دينه ورجع كل من المحال له والمحيل على المدين ولم تكن ذمة المدين مليئة فلا يكون لاحدهما افضلية على الاخر. ولكن هناك حالات استثنائية يتقدم فيها المحال له على المحيل وهي :
اذا اشترط المحال له صراحة حق الافضلية في عقد الحوالة .
اذا ضمن المحيل يسار المدين وتبين عكس ذلك .
وفي ختام الموضوع اخلص الى ان المشرع المغربي قد نظم الحوالة بحيث ضمن مصلحة اطرافها فشرع بطلان الحوالة حال عدم موافقة المدين في بعض الحالات حفظا لحقه وكذلك الحال بالنسبة للمحال له .
كما انه حدد الحقوق التي لا تقبل ان تكون محلا للحوالة في هدف منه لابعاد الحقوق التي لا يمكن تحصيلها ويضيع بذلك حق المحال له ,والملاحظ كذلك ان في الحوالة تيسير المعاملات وتسريع في الاجراءات اذ بدل استيفاء الدين ثم تسديدة يدخل المحال له في علاقة مباشرة مع المحال عليه .
عدل سابقا من قبل ليلى الاعرج في الثلاثاء 15 مارس - 2:10 عدل 1 مرات