التـنشئة السياسية هي تلك العملية التي يكتسب الفرد من خلالها معلوماته وحقائقه وقيمه ومثله السياسية ، ويكوّن بواسطتها مواقفه واتجاهاته الفكرية أو الايدولوجية التي تؤثر في سلوكه وممارسته اليومية ، وتحدد درجة تضحيته وفاعليته السياسية في المجتمع ، وتساعد على بقاء وديمومة واستقرار النظام السياسي ، طالما تستهدف تمرير الأفكار والخبرات والأساليب السياسية التي يعتمدها المجتمع بين أبناء الشعب ، ويحاول زرعها في نفوس الأفراد والجماعات على اختلاف خلفياتهم الاجتماعية والطبقية ، وعرفها " فاجن " Fagen بأنها: عملية غرس المعلومات والقيم والممارسات الثورية سواء كانت رسمية أم غير رسمية ، وبأسلوب مخطط له أو غير مـخطط له ، لخـلق أنواع من المـواطنيـن ضرورية لبقاء ونمو المجتمع ، وعرّفها "لانجتون" Langton على أنها: الطريقة التي ينقل بها المجتمع ثقافته السياسية من جيل إلى جيل ، وهذه العملية تخدم المجتمع ، حيث أنها تساعد على حفظ التقاليد والتعاليم والمؤسسات السياسية لذلك المجتمع.
وأشار إليها "هايمن" Hyman في كتابه (التـنشئة السياسية) بأنها: عملية تعلم الفرد المعايير الاجتماعية عن طريق مؤسسات المجتمع المختلفة ، والتي تساعد على أن يتعايش سلوكياً معها ، ويعرّف "ريتشارد داوسن" التـنشئة السياسية على المستوى الفردي بأنها: تعني ببساطة العمليات التي يكتسب الفرد من خلالها توجهاته السياسية الخاصة ، ومعارفه ، ومشاعره ، وتقييماته البيئية ، ومحيطه السياسي ، كما إن التـنشئة السياسية تعتبر عملية تطورية يتمكن المواطن (أو مواطن المستقبل) ، من خلالها من النضوج سياسياً ، وخلال هذه العملية يكتسب الفرد معلومات ومشاعر ومعتقدات متنوعة تساعده على فهم وتقييم والارتباط بالبيئة السياسية المحيطة به ، وتعتبر توجهات الفرد السياسية جزءاً من توجهاته الاجتماعية العامة ، فالمشاعر تجاه الحياة السياسية ترتبط في الغالب بوجهات النظر الاقتصادية والثقافية والدينية .
ومن الباحثين من يرى أن التـنشئة السياسية هي إحدى العمليات الاجتماعية التي عن طريقها يتحصل الأفراد على المعلومات والقيم والاتجاهات التي تتعلق أو ترتبط بالنسق السياسي لمجتمعهم ، والتـنشئة السياسية هي العملية التي يكتسب الأفراد من خلالها المعارف والمهارات التي تمكنهم من المشاركة كأعضاء فعالين في مجتمعاتهم ، ويتم من خلالها تحويل الدوافع الخاصة والشخصية إلى اهتمامات عامة تساعدهم على التكيف مع البناء المعياري للمجتمع ، أي أنها عملية تدريب على المشاركة الاجتماعية من خلال جعل الأفراد يشغلون دوراً نظامياً من الأدوار التي تكوّن النظام الاجتماعي ، وهي العملية التي يكتسب الفرد من خلالها اتجاهاته نحو السياسة ويطورها ويصبح من خلالها واعياً بالنسق السياسي والثقافة السياسية ومدركاً لها ، وقد عرّف البعض التـنشئة السياسية بأنها: ذلك المجال من مجالات التـنشئة الذي يتم عن طريقه تأهيل الفرد ليصبح مواطناً – كائناً سياسياً – يمتلك المقدرة على التفاعل الإيجابي ضمن نسق سياسي معين ، ومن خلال الدور الذي يتقلده في إطار ذلك النسق ، ويتم ذلك في إطار نظام التدرج الاجتماعي السائد وطبيعته ومعاييره ودرجة المرونة والانفتاح فيه.
كما ذهب البعض ، إلى أن التـنشئة السياسية تعني التمييز بين اتجاهين رئيسيين ، الاتجاه الأول: أنها عملية يتم بمقتضاها تلقين المرء مجموعة من القيم والمعايير السلوكية المستقرة في ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها عبر الزمن ، أما الاتجاه الثاني : فيشير إلى أنها عملية يكتسب المرء من خلالها هويته الشخصية التي تسمح له بالتعبير عن ذاته ، ويرتبط بهذا الاتجاه النظر إلى التـنشئة السياسية كوسيلة لتعديل الثقافة السياسية السائدة في المجتمع ، أو وسيلة لخلق ثقافة جديدة تراها النخبة الحاكمة ضرورية للعبور بالمجتمع من حالة التخلف إلى التقدم.
إذن فإن التـنشئة السياسية ، تعد عملية من عمليات التـنشئة الاجتماعية ، التي تقوم فيها قنوات ومصادر التـنشئة السياسية بزرع القيم والمبادئ السياسية السائدة في المجتمع ، لدى الفرد ، لكي يصبح مواطناً صالحاً ، مترجماً لتلك القيم والمبادئ إلى سلوك يومي يساعد من خلاله على تنمية المجتمع الذي يعيش فيه ، محافظاً على إطاره السياسي ، ولذلك فإن التـنشئة السياسية تختلف من مجتمع لآخر ، تبعاً للبيئة السياسية لتلك المجتمعات ، وتبعاً للأيديولوجية السائدة التي يعتمدها النظام السياسي لتنظيم الحياة السياسية لأفراد المجتمع ، وبذلك تقوم التنشئة السياسية بالعمل على استمرارية النظام السياسي .